مرّ اليوم الأول من التجربة الجديدة في إقفال البلد لمدة اسبوعين، لعلّ في هذه الفترة، يتحوّل مسار عدّادات إحصاء الإصابات بفيروس «كورونا» من الارتفاع المخيف، على ما حصل في الايام الأخيرة، الى الانخفاض من جديد، بما يُبعد البلد تدريجياً، عن السيناريوهات المرعبة التي تهدّده، اذا ما بقي البلد مبتلياً بجريمة الاستلشاء والتراخي التي ترتكبها فئة من الناس بحق انفسهم وكل اللبنانيين.
وفيما سُجّل التزام ملحوظ بقرار الاقفال، فإنّ التحذيرات التي تتوالى على كل المستويات الصحية والاستشفائية لم تنفع حتى الآن في الحدّ من الخروقات الفاقعة في بعض المناطق، ووقف الجريمة المتمادية التي ترتكبها تلك الفئة، التي ترفض حتى الالتزام ولو بالحدّ الادنى من الوقاية، وهذا بالتأكيد برسم المستويات الرسميّة والامنيّة، التي صار بلوغ لبنان حدود الخطر القاتل، ويوشك على ان يستنسخ الوباء القاتل فيه النموذج الايطالي او الاسباني، يوجب عليها اعتماد الحزم، بما يعنيه من شدّة، وإلزام هذه الفئة بالتزام الإجراءات الوقائية حتى ولو بالقوة الرادعة، والتعامل معها بتهمة الشروع بالقتل عن سابق تصوّر وتصميم.
وزير الصحة
الى ذلك، دعا وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن الى التكاتف «من أجل إنجاح هذه المرحلة من الإقفال».
واذ اشار الى انّه «سيكون لنا تقرير يومي حول مدى إلتزام المناطق بالإقفال»، شدّد على دور البلديات في متابعة التزام الوافدين بالحَجر، معلناً أننا «سنشهّر بإسم أي شخص لا يلتزم بالحَجر».
واوضح أنّ «المساعدات المقدّمة من الخارج متاحة لدى وزارة الصحة لمختلف المستشفيات الحكومية والخاصة، وهناك تفعيل للرعاية الصحية الأولية للتخفيف ما أمكن من استخدام الأسرّة»، وقال: «نعمل على توزيع الأدوية على كافة المناطق لتخفيف تحرك المواطنين ومحاربة الوباء، ونطلب من وسائل الإعلام أن تواكبنا في هذه المرحلة من أجل التذكير بالحملات التوعوية».
وعن اللقاح، قال: «في ما يخصّ هذا الامر، نعمل على تأمين الهبات، ونزيد عدد المختبرات التي تقوم بفحوصات الـPCR، ومن غير المسموح التشكيك بوجود «كورونا» أو بالأعداد».
ارتدادات الحكم
في السياسة، تبقى ارتدادات الحكم الصادر عن المحكمة الدولية بإدانة احد عناصر «حزب الله» بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والشهداء الذين سقطوا معه، هي الطاغية على المشهد الداخلي. فتقاطعت خلالها المطالبات من قِبل العائلة الحريرية وتيارها السياسي وحلفائها لـ»حزب الله» بتسليم المدان سليم عياش، بما يطوي هذا الملف، ويُطفئ هذا الفتيل بدل ان يظلّ مشتعلاً ويُبقي البلد مفتوحاً على توترات دائمة.
على انّ الواضح في هذا السياق، انّ التيار الحريري ، ومعه حلفاؤه في فريق «14 آذار»، وعلى الرغم من انّ المحكمة لم تجد دليلاً لتورّط «حزب الله» وقيادته في هذه الجريمة، فإنّهم يقاربون ادانة سليم عياش كإدانة صريحة للحزب كتنظيم ينتمي اليه عياش، ويغطيه في جريمته، ويمتنع عن تسليمه لينال العقاب على هذه الجريمة التي زلزلت لبنان منذ العام 2005 وحتى اليوم.
والواضح ايضاً، بحسب ما تؤكّد الأجواء الحريرية، انّ صدور الحكم، فتح تلقائياً «معركة تسليم عياش»، والتي ستُحشَد فيها كل الطاقات والقدرات والعلاقات الداخلية والخارجية، في سبيل حسمها بالشكل الذي ينصف الشهداء، ويمنع افلات المجرم من العقاب، وبالتالي تقديمه للعدالة.
لكن المريب في موازاة هذه المطالبات، هو التجاهل المتعمّد من قبل «حزب الله» لكل ما يتصل بالمحكمة والحكم، وهو امر يبدو جلياً، انّه، اي الحزب، يؤكّد من خلال تجاهله هذا، مقولته بأنّه ليس معنياً لا بالمحكمة الدولية ولا بالحكم الذي صدر عنها. وهذا معناه انّ «معركة التسليم» ستكون قاسية، مع ما يرافقها من احتقان وشحن وتوترات متبادلة سياسية ومذهبية، وهذا ما تعززه اصوات داخل «حزب الله»، تعتبر «انّ سحر المحكمة انقلب على ساحرها، وانّ الحزب لا يقيم وزناً لما صدر عنها، وعليهم ان يتمعّنوا ملياً في هذه المحكمة وحقيقتها. اما اذا ارادوا ان يلعبوا معنا لعبة تسليم سليم عياش، فهم بذلك يرتكبون خطأ أشنع من الخطأ الذي ارتكبوه بإصرارهم على هذه المحكمة، لأنّهم سيدخلون في معركة خاسرة سلفاً، ولن يحققوا منها شيئاً».
وقد حاولت «الجمهورية» الوقوف على موقف واضح من «حزب الله» من احد كبار المسؤولين فيه، فكان جوابه : «لا تعليق».
الروس على الخط
وفيما بدا واضحاً انكفاء الدول الداعمة للمحكمة الى خلف الصورة، في ما بدا انه اكتفاء ببيانات ترحيب بالحكم الذي وصلت اليه، برز في هذا السياق، دخول الروس على هذا الخط، عبر اتصالات اجراها نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف بكل من الرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وكذلك عبر ما اعلنته الناطقة بإسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، التي لفتت الى «انّ موسكو تأمل ان يلقى الحكم الصادر في 18 آب في لاهاي، فهماً صحيحاً لدى جميع اللبنانيين، وحثهم على تعزيز تضامنهم حول المصلحة الوطنية الجامعة».
واشارت زاخاروفا الى «انّ موسكو، تقدّم المساعدة اللازمة للشعب اللبناني الصديق، وتدعو الى حلّ القضايا الحادّة بأيدي اللبنانيين انفسهم، في اطار القانون والحوار البنّاء المفضي الى الوفاق الوطني الشامل، ومن دون التدخّلات الخارجية»، وقالت: «انّ موسكو تأمل ان تقوم الجهات الخارجية المعنية بسلوك ما يفضي الى المساعدة الحثيثة في عودة الاوضاع الاقتصادية والسياسية في لبنان الى طبيعتها».
الحكومة: لا حسم
حكومياً، لا حسم نهائياً حتى الآن، لإسم الشخصية التي ستشكّل الحكومة الجديدة، على انّ ما بات مؤكّداً في هذا السياق، بحسب معلومات موثوقة لـ»الجمهورية»، هو انّ مجال التوافق على رئيس الحكومة، ليس مفتوحاً الى وقت طويل، بل انّ الهامش الزمني الفاصل عن موعد الاستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، صار ضيقاً جداً، وسقفه ايام معدودة.
وبحسب المعلومات، فإنّ فكرة تمّ التداول بها على الخطوط الرئاسية والسياسية المعنية بالملف الحكومي، جوهرها انّ الاسبوع المقبل حاسم على هذا الصعيد، وبالتالي لا يجوز ان تتأخّر استشارات التكليف اكثر من الاسبوعين اللذين انقضيا، وعليه فإنّ ثمة احتمالاً كبيراً في ان يكون الاربعاء المقبل، هو يوم الاستشارات الملزمة، الّا اذا طرأت ايجابيات بين اليوم والغد، فإنهّا قد تقرّب موعد الاستشارات الى يوم الاثنين المقبل.
الحريري .. ولكن
وتؤكّد معلومات «الجمهورية» ان لا اسم متداولاً لرئاسة الحكومة حتى الآن، غير اسم الرئيس سعد الحريري، وعلى ما تقول مصادر موثوقة لـ»الجمهورية»، فإنّ المشاورات الجارية بوتيرة سريعة في هذه الفترة، لم تفضِ حتى الآن، الى ما يؤكّد انّ حظوظ الحريري قد ارتفعت الى حد افتراض انّ رئاسته للحكومة الجديدة باتت محسومة، بل انّ الامور ما زالت في حاجة الى مزيد من المشاورات التي لم تخرج عن طاولتها الذهاب الى مرشح بديل عن الحريري.
وبحسب مصادر سياسية عاملة على خط المشاورات، فإنّ هذه المشاورات تتجّه نحو حسم خيار من اثنين:
– الخيار الأول، حسم موافقة الرئيس سعد الحريري لعودته الى رئاسة الحكومة، والأجواء التي ترد منه، يغلب عليها القبول مع شيء من التردّد. ومردّ هذا التردّد انّه لم يتلق حتى الآن الضوء الاخضر والتغطية التي يريدها من المملكة العربية السعودية. مع انه تلقّى دعماً فرنسياً اكيداً لعودته الى رئاسة الحكومة، وكذلك اشارات اميركية مباشرة، اضافة الى موقف مصري داعم لعودته.
-الخيار الثاني، اذا ما تعذّرت عودة الحريري الى رئاسة الحكومة، فإنّ التوجّه هو لحسم الموافقة على شخصية يسمّيها الحريري، الّا انّ هذا يصطدم بما سبق واعلنه الحريري نفسه قبل ايام قليلة، من انّه لن يغطي احداً لرئاسة الحكومة.
واشنطن وباريس: استعجال
وربطاً بالخيار الاول المتعلق بحسم موافقة الحريري، تكشف المصادر الموثوقة لـ»الجمهورية»، انّ اشارات فرنسية وردت في الساعات الاخيرة، تحث على الإسراع في حسم الامور، ذلك انّ لبنان في هذه المرحلة ترى باريس وجوب ان تكون له حكومة، اذ انّه لا يستطيع ان يكمل هكذا من دون حكومة، في وقت تتعاظم فيه ازمته الداخلية، تُضاف اليها الأعباء الرهيبة التي نتجت من الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت.
وعلى الخط نفسه برزت ايضاً اشارات اميركية مماثلة تستعجل تشكيل حكومة تباشر بالإصلاحات الإنقاذية للبنان، وهو ما اكّد عليه اخيراً وكيل وزارة الخارجية الاميركية دايفيد هيل، الذي شدّد على حكومة اصلاحية، كما على مواصفات قرأها كثيرون على انّها تنطبق على الحريري. وبناء على هذه الاشارات، تتوقع المصادر حركة دولية، وتحديداً اميركية على الخط السعودي.
عقبة «التيار»
واذا كان الموقف السعودي يشكّل عقبة اولى امام الحريري، فإنّ المصادر الموثوقة تكشف لـ»الجمهورية» عن عقبة ثانية في وجهه، وتتمثّل في موقف «التيار الوطني الحر» من مسألة رئاسة الحريري للحكومة الجديدة.
وبحسب المصادر، فإنّ التيار لا يبدي حماسة لعودة الحريري، وقد جرى التعبير عن ذلك في المجالس الضيّقة، بما يفيد بأنّ عودة الحريري الى رئاسة الحكومة، معناها انّ «التيار» سيكون خارج هذه الحكومة، وهذا، والكلام للمصادر الموثوقة، قرار متّخذ في داخل «التيار»، ليس من خلفية العلاقة الشديدة التوتر بين الحريري ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، بل من خلفية انّ «التيار» يعتبر انّ التجربة مع الحريري في الحكم، لم تكن ناجحة، وانّه، اي الحريري، غير منتج، وبالتالي فإنّ عهد الرئيس ميشال عون اصبح في نهاياته، ولذلك فإنّ المطلوب هو حكومة منتجة برئيسها واعضائها. الّا انّ المصادر نفسها تؤكّد انّ هذا الامر قابل للمعالجة، ولن يكون مستعصياً على الحل.
ماذا عن عون؟
في الموازاة، تؤكد مصادر واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية» انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يرفض إبقاء الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة معلّقة بالشكل الذي هي عليه حالياً، ولن يقبل ببقائها مربوطة من تأخير الى تأخير، وهو ما أكد عليه في اللقاء الاخير بينه وبين رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
واذا كان الرئيس بري قد أكد صراحة موقفه لجهة تسمية الحريري لرئاسة الحكومة «لأنّ مصلحة البلد تتطلب ذلك، ومن لديه مرشّح بديل يؤمّن هذه المصلحة فليطرحه»، فإنّ المصادر الواسعة الاطلاع تلفت الى انّ رئيس الجمهورية الذي لم يكن يحبّذ فكرة عودة الحريري قبل استقالة حكومة حسان دياب، والانفجار الرهيب في مرفأ بيروت، لم يُبد موافقة حاسمة على هذه العودة كما لم يُبد ممانعة. وبالتالي، يمكن وصف موقفه حالياً بـ«لَعَم» للحريري، خصوصاً انّ حسم موافقته او رفضه مرتبط بـ»ملاحظات» لديه ينبغي حسمها وتوضيحها والتوافق عليها مسبقاً، وذلك حتى لا نفاجأ بالعودة الى النمط الذي كان متّبعاً في الحكومة السابقة للحريري، او بعرقلة بعض الخطوات العلاجية للأزمة، او تعطيل التدقيق المحاسبي في مصرف لبنان وغيرها من الامور.
وتلفت المصادر الى انه، وحتى لو اقتربَ اسم سعد الحريري من الحسم كرئيس للحكومة الجديدة، فإنّ هذه «الملاحظات الرئاسية» لا يتم حسمها بالمراسلة، بل بشكل مباشر، وهذا يفترض بالضرورة قيام الحريري بزيارة الى القصر الجمهوري ولقاء الرئيس عون، في موعد يسبق استشارات التكليف.
مشاورات
وعلى الخط نفسه، تفيد المعلومات بأنّ المشاورات الداخلية، التي اندرج في سياقها تواصل في الساعات الـ24 الماضية بين عين التينة وبيت الوسط، وكذلك تواصل بين «حزب الله» والتيار الوطني الحر، اضافة الى اللقاء المطوّل الذي عقد في عين التينة على مدى اكثر من 3 ساعات بين الرئيس بري وباسيل والمعاون السياسي للامين العام لـ»حزب الله» الحاج حسين خليل، في حضور المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل، فإنّ هذه المشاورات لا تقتصر فقط على محاولة التوافق على اسم رئيس الحكومة، بل تتعدى ذلك الى شكل الحكومة وبرنامج عملها.
وفيما وصف اللقاء بأنه بداية تشاور جدي حول التشكيلة الحكومية وشخصية رئيسها، وكذلك حول برنامجها الاصلاحي الذي يفترض ان تقارب فيه الازمة الاقتصادية والمالية، وتم التوافق في عين التينة على متابعة المشاورات، علمت «الجمهورية» انّ التوافق على اسم رئيس الحكومة لم يحسم بعد، ويبدو انّ هذا الامر يحتاج الى مشاورات مكثفة ومزيد من الوقت.
واذا كان اسم الحريري محسوماً لدى الثنائي الشيعي، فإنّ لقاء عين التينة لم يفض بشكل واضح إلى ما يؤكد بأنّ أسهم الحريري لرئاسة الحكومة قد ارتفعت لدى التيار الوطني الحر. الّا انّ مصادر مطلعة على اجواء اللقاء أبلغت الى «الجمهورية» قولها: كل الاطراف معنية بتسهيل تشكيل الحكومة، والنقاش سيستمر في الساعات المقبلة، وهناك آراء يتم تداولها بصراحة وانفتاح، فهناك من يقترح ان يكون الاتفاق على اسم رئيس الحكومة أولاً والتباحث معه في برنامج عملها، وهناك في المقابل من يطرح الاتفاق على هذا البرنامج قبل الاتفاق على الاسم، وفي الخلاصة فإنّ باب الوصول الى نتائج ايجابية ليس مقفلاً، والنتائج الحاسمة ستظهر حتماً في وقت ليس ببعيد.
«الحزب»
وكشفت مصادر مطلعة على موقف «حزب الله» لـ«الجمهورية» انّ البحث يجري حالياً حول برنامج عمل الحكومة مع استعراض للأسماء المطروحة لترؤس الحكومة، وانّ الاجتماع الرباعي بحث ما هو المطلوب منها في هذه الظروف قبل الاتفاق على الاسم. وأوضحت المصادر انّ «حزب الله» لا مانع لديه بعودة الحريري، لكن ايضاً لا مانع لديه في أيّ اسم يتم التوافق عليه مع حركة «أمل» والتيار الوطني الحر. وقالت المصادر: لا شك ولا ريب في انّ كل طرف يقرأ جيداً التجربة الماضية وينطلق منها للمستقبل، والكل يدرك انّ ايّ رئيس حكومة يعلم جيداً انّ حمله ثقيل، لذلك يجب التفاهم على كل شيء سلة واحدة وبأسرع وقت قبل المشاورات والتسمية، علماً انّ اجتماعاً ثانياً سيحصل في غضون 3 ايام بين الخليلين وباسيل لاستكمال البحث. وقد اكدت المصادر أن لا ليونة بعد في المواقف لدى باسيل والحريري إنما الحوار مستمر، وهناك قناعة انّ البلد يحتاج الى إنقاذ، وهذا يسهّل مهمة التلاقي وعدم العودة الى العناد السابق.
أي حكومة؟
وتشير المعلومات الى انّ فكرة الحكومة المصغّرة مطروحة، وفي اللقاء الاخير بين عون وبري تم التداول بفكرة حكومة من 10 وزراء، الّا انها لم تحسم بعد، علماً انّ الرئيس بري يؤيّد «الحكومة العشرية»، على غرار «حكومة العشرة» التي شكّلت في عهد الرئيس امين الجميل، وسمّيت آنذاك بـ»حكومة الاقطاب». كذلك تبقى على طاولة البحث الجدي حكومة وحدة وطنية موسّعة مختلطة من سياسيين واختصاصيين وتضمّ ممثلين عن الحراك، وقد تحدث رئيس الجمهورية صراحة عن توجّه لإشراك الحراك، وهو أمر ليس محل خلاف بين الاطراف المعنية بالملف الحكومي، علماً انّ الرئيس بري لطالما نادى قبل تشكيل حكومة حسان دياب بإشراك الحراك في الحكومة بوزير او اكثر لو اقتضى الأمر ذلك.
برنامج الحكومة؟
الى ذلك، فإنّ الثابت في حركة المشاورات الداخلية، كما تقول مصادر معنية بهذه المشاورات، هو الذهاب الى حكومة مختلطة من سياسيين واختصاصيين، وعدم استنساخ حكومة حسان دياب بحكومة تكنوقراط إنما بأسماء جدية، علماً انّ هناك نصيحة فرنسية متجددة بتشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها جميع الاطراف، وانّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي شدّد «مرتين» في لقائه مع الفرقاء اللبنانيين في قصر الصنوبر على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، يأمل في أن يتم ذلك قبل زيارته المقررة الى بيروت مطلع الشهر المقبل، كما انه يأمل في تعاون «حزب الله» وأن يشكّل الحزب القاطرة التي تجرّ الوضع في لبنان الى بر الأمان.
والثابت ايضاً، كما تقول المصادر نفسها، انه اذا كان تكليف رئيس الحكومة هو أمر مهم بالتأكيد، فإنّ الأهم من هذا التكليف، والذي يتقدّم عليه، هو برنامج الحكومة. ومن هنا يأتي تسليم الاطراف المعنية بالملف الحكومي، في تشكيل حكومة ببرنامج عمل استثنائي، يقوم على الشروع بعد نيل الحكومة الثقة في إجراء إصلاحات نوعية وجذرية في كل القطاعات، وأولها في قطاع الكهرباء، والمضي في التدقيق المحاسبي والجنائي في مصرف لبنان وكل الوزارات والمؤسسات، واتخاذ الاجراءات الكفيلة في تحقيق الاستقرار النقدي وتثبيت سعر الصرف وإغلاق السوق السوداء والردع الصارم للمتلاعبين بالعملة الوطنية، والعمل بما لا يقبل أدنى تردّد على استقلالية القضاء بشكل يجعله نهائياً، بمنأى عن المداخلات السياسية واستكمال مواجهة فيروس «كورونا» بما يتطلّبه من إجراءات علاجية وقائية فاعلة. اضافة الى احتواء الآثار الكارثية لانفجار مرفأ بيروت. وهذا يوجب استنفاراً سياسياً وديبلوماسياً لحشد الدعم الدولي للبنان لإعادة الاعمار. ويترافق ذلك مع عودة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بطريقة مجدية وعلى أسس واضحة لا لبس فيها، ومغايرة تماماً للفضيحة التي شابَت المفاوضات السابقة، والتي تجلّت في انقسام الموقف اللبناني حول أرقام الخسائر.
نصائح
وعلمت «الجمهورية» من مصادر موثوقة انّ المجتمع الدولي يتعاطى بليونة مع لبنان في هذه الفترة خلافاً لما كان عليه الحال قبل اسابيع قليلة، وثمّة نصائح دولية أسديت لبعض المستويات الرسمية في لبنان بوجوب وضع برنامج واضح للإصلاحات مع تحديد المواضع التي سيطالها الاصلاح، والالتزام بتواريخ محددة او تقريبية لإنجازها، بحيث كلما تم تنفيذ بند إصلاحي، تأتي دفعة من المساعدات الى خزينة الدولة اللبنانية، مع التأكيد على انّ صدقية برنامج الاصلاحات تعيد ثقة المجتمع الدولي بلبنان، وتوصِل المفاوضات مع صندوق النقد الى اتفاق على تقديم المساعدات المالية للبنان، والتي لطالما ربط الصندوق أي اتفاق تعاون مع لبنان ببرنامج إصلاحات مقنعة، مؤكداً انّ من دون هذه الاصلاحات لا مساعدات.
بري: الاصلاحات
وربطاً بذلك، أكد رئيس المجلس النيابي نبيه بري «انّ برنامج العمل الانقاذي للبنان يجب ان يبدأ فوراً، ولا مجال للتأخير على الاطلاق وتضييع الوقت، فكلما تأخرنا في ذلك يصبح الوضع أصعب واكثر تعقيداً، لذلك لا بد من إجراء الاصلاحات المطلوبة، وأنا من جهتي الآن أكثر تصلّباً في إجرائها فوراً، وبالطريقة التي تتحقق فيها مصلحة لبنان وتضعه على سكة الانتعاش والنهوض من جديد».