مع ان المعطيات الشديدة التناقض والالتباس الذي سادت الوضع الداخلي في الساعات الأخيرة وعشية تقديم الرئيس المكلف مصطفى أديب قبل ظهر اليوم تشكيلة حكومته الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لا تحمل على الجزم باي اتجاه سيسلكه مسار تشكيل الحكومة في الساعات المقبلة فان اقرب الاحتمالات ترجيحا تمثل في تريث الرئيس عون بت موقفه قبولا او رفضا او طلبا لتعديل بعض الحقائب والاسماء لفترة لا تتجاوز ال48 ساعة. ذلك ان المعطيات المتوافرة ل”النهار” تشير الى ان أديب انجز تشكيلته الحكومية من 14 وزيرا كما تمسك بذلك من البداية وهذه التشكيلة قد تكون بمثابة حكومة غير مسبوقة لجهة توزيع حقائبها على وزراء اختصاصيين مستقلين غير سياسيين وغير حزبيين ولا وجود فيها لاي نواب او وزراء سابقين او مرشحين خسروا في الانتخابات، وبعض الأسماء فيها هم من المجلين في قطاعات اختصاصاتهم خارج لبنان وتردد مثلا اسم سمير عساف لوزارة المال وعمر دارغوث لوزارة الطاقة. وأفادت المعلومات ان هذه التشكيلة في حال أبصارها النور ستكون مطابقة تماما للمعايير المبدئية التي تضمنتها المبادرة الفرنسية بحيث تمكن الحكومة من التفرغ لمهماتها المحددة لترجمة البرنامج الإصلاحي المتفق عليه في الورقة الفرنسية ومشروع البيان الوزاري للحكومة. وقد اعتمد الرئيس المكلف في تشكيلته مبدأ المداورة الشاملة في التوزيع الطائفي في كل الحقائب السيادية والخدماتية الأساسية.
ولكن المشهد السياسي عشية تقديم التشكيلة الحكومية بدا على كثير من التلبد خصوصا وسط تصاعد معالم رفض الثنائي الشيعي “لنزع” حقيبة المال من الطائفة ومن حركة “امل” تحديدا خصوصا بعد قرار وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على الوزير السابق علي حسن خليل علما ان الذرائع التي قدمت لاعتراض الثنائي الشيعي حصرته بامور ميثاقية ومحلية وأظهرت حرص الثنائي على عدم الاصطدام بفرنسا. ولكن موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري امس وغداة الاتصال الذي تلقاه من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وأبلغه خلاله عدم الموافقة على التخلي عن حقيبة المال كما غداة لقائه والرئيس سعد الحريري في عين التينة، بدا حمال أوجه وملتبسا اذ جمع بين الإعلان عن عدم المشاركة في الحكومة والاستعداد لتسهيل مهمتها وتعداد الملاحظات على عملية تشكيلها. وما زاد غموض الموقف من احتمالات تأجيل الولادة الحكومية ان رئيس “التيار الوطني الحر”النائب جبران باسيل أيضا ذهب في اتجاهات ملتبسة من الحكومة اذ اعلن بدوره عدم المشاركة فيها مع اعلان حرصه على الدعم الكامل للمبادرة الفرنسية ولكنه وجه انتقادات حادة الى عملية تشكيلها. ولعل اكثر ما ميز موقف باسيل امس ما اعتبره المراقبون استدارة واسعة وجه من خلالها انتقادات الى حلفائه ولا سيما منهم “حزب الله” والثنائي الشيعي اذ رفض تكريس أي حقيبة لطائفة معتبرا ذلك تكريسا للمثالثة كما هاجم بحدة زيارة إسماعيل هنية للبنان وذهب الى الحديث عن تشجيع عودة “حزب الله” من سوريا الى لبنان كما على ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل. وإذ فهم ان مواقف باسيل اثارت استياء الثنائي الشيعي وعدت بمثابة استرضاء للفرنسيين والأميركيين بدا لافتا ان باسيل تلقى مساء امس اتصالا من الرئيس الفرنسي ثم تلقى الاتصال الأول من الرئيس المكلف منذ تكليفه.
عون يتريث؟
وتوقعت مصادر واسعة الاطلاع ان يتريث رئيس الجمهورية في اتخاذ موقفه من التشكيلة التي سيعرضها عليه الرئيس المكلف ريثما يتم إيجاد مخارج لعقدة حقيبة المال خصوصا اذا كان أديب قد ناطها بوزير غير شيعي وكذلك لعقد محتملة أخرى قد تبرز من خلال التشكيلة التي وصفت بانها استثنائية وغير تقليدية اطلاقا. وبرزت معالم الرفض الشيعي لاي مشاركة في الحكومة من خلال البيان الإعلامي لرئيس مجلس النواب نبيه بري الذي اعتبر ان “المشكلة ليست مع الفرنسيين بل داخلية ” وإذ اشار الى ملاحظات عدة على عملية تشكيل الحكومة قال “ابلغنا رئيس الحكومة المكلف من عندياتنا ومن تلقائنا عدم رغبتنا في المشاركة في الحكومة وأبلغناه استعدادنا للتعاون الى اقصى الحدود في كل ما يلزم لاستقرار لبنان وماليته والقيام بالإصلاحات وإنقاذ الاقتصاد “. ونقل زوار عين التينة ان من ملاحظاته الأساسية انه يعتبر المداورة “اختراعا” محليا وليس شرطا او مطلبا فرنسيا او اميركيا لانتزاع المال من الشيعة كما يأخذ بقوة على الرئيس المكلف انه عمد الى تأليف الحكومة داخل جدران منزله من دون تشاور مع أي فريق. ويبدو من أجواء الثنائي الشيعي انه يتوقع ان يتريث رئيس الجمهورية اليوم في بت هذه التشكيلة ريثما يصار الى تدوير بعض الزوايا بالتوافق مع الفرنسيين.
وتداولت الأوساط المعنية سيناريوات عدة للمأزق في حال عدم التوصل الى مخارج متوافق عليها مع الفرنسيين ومن ابرزها ان يوافق رئيس الجمهورية على تشكيلة أديب لإزاحة عبء أي عرقلة للولادة عن عاتقه ورمي الكرة في مرمى الكتل النيابية والقوى السياسية بحيث تصبح مشكلة الحكومة الجديدة مع المجلس والكتل التي قد تحجب الثقة عن الحكومة بعدما وافقت على تكليف أديب على أساس معايير الوساطة الفرنسية كاملة. اما السيناريو الاخر فيتمثل في تريث عون في القبول او الرفض والاتكاء الى التعقيدات الناشئة لمحاولة تمديد المهلة الفرنسية بضعة أيام فقط للبحث عن مخرج. اما ما طرح عن سيناريو اعتذار او اعتكاف الرئيس المكلف فبدا مفتقرا للحقيقة بحسب ما أفضى به مطلعون.
الراعي
وفي موقف جازم ولافت جديد من الاستحقاق الحكومي اعلن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظته امس خلال ترؤسه قداسا حاشدا في بازيليك سيدة حريصا لمناسبة مرور أربعين يوما على انفجار مرفأ بيروت في حضور عدد من ذوي ضحايا الانفجار انه ” لا يمكن بعد الآن القبول بحكومة على شاكلة سابقاتها التي أوصلت الدولة الى ما هي عليه من انهيار، حكومة يكون فيها استملاك لحقائب وزارية لاي طرف او طائفة باسم الميثاقية. ” وأضاف :” ما هي الميثاقية سوى المناصفة في توزيع الحقائب بين المسيحيين والمسلمين وعلى قاعدة المداورة الديموقراطية ومقياس الإنتاجية والإصلاح ؟ ثم اين تبخرت وعود الكتل النيابية عند الاستشارات بانها لا تريد شيئا ولا تضع شروطا؟”.