بعد مضي 48 يومًا على تفجير مرفأ بيروت، يُمكن القول ان إدارة الدولة لهذا المرفأ فشلت على كل الأصعدة. فما بين التواطؤ والاستخفاف والمحسوبيات، إنفجر الشريان الحيوي للبنان وسوريا. هذا الشريان الذي لا طالما أطعم اللبنانيين وأمّن لهم قوتهم مع أكثر من 80% من الشركات لها إرتباط مباشر وغير مباشر بالمرفأ وحركته. ولكن في الوقت نفسه، كان المرفأ مصدر القوت لقسم كبير من الشعب السوري الذي بدأ ينقصه القمح والمحروقات منذ تفجير المرفأ! معاناة يُمكن ملاحظتها من الصفوف الطويلة أمام أفران الخبز ومحطات الوقود.
تقول مصادر أمنية ان المرفأ عاد إلى العمل بقدرة 85% من إجمالي قدرته قبل الإنفجار. هذا القول وعلى الرغم من صوابيته إلا أنه لا يعكس الواقع من ناحية أن المرفأ لا يعمل بالقدرة الإستعابية نفسها وأن الـ 85% تُشكّل الأماكن التي تُفرغ منها السفن شحناتها وهي بمعظمها مساعدات إنسانية. الدمار لا يزال موجودًا ولا إمكان لتخزين البضائع المستوردة، وبالتالي لا يُمكن تسمية مرفأ بيروت بمرفأ نظرًا إلى عدم وجود البنية التحتية اللازمة لمرفأ يُريد احتلال مكانته الإقليمية!
دعوة رئيس الجمهورية لإعادة بناء المرفأ ليست من عدم، بل هي نتاج مخطط العدو الإسرائيلي الذي يقضي بجعل مرفأ حيفا المرفأ الإقليمي الأول والباب الرئيسي للعمق العربي. نعم هذا المخطط موجود منذ عقود من خلال وضع سكك حديدية تمّ الحديث عنها خلال عرض «صفقة القرن» وتربط «إسرائيل» بدول الخليج.
في هذا الوقت، لا تزال التطورات بقضية تشكيل الحكومة تراوح مكانها مع تصلّب الأفرقاء في مواقفهم. لكن هذه المواقف التي تعكس الرغبات الدولية والإقليمية تُعطّل مساعي الخروج من الأزمة الإقتصادية وتُنذر بفترة قاسية جدًا على الصعيد الإجتماعي.
الثنائي الشيعي لا يزال على موقفه المطالب بوزارة المال وتسمية الوزراء الشيعة عملا بمبدأ الميثاقية، وهو ما ترفضه كل القوى السياسية الأخرى. البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وخلال عظته امس، في دير سيدة إيليج، تساءل «بأية صفة تُطالب طائفة بوزارة معينة كأنها ملك لها»، محمّلا الثنائي الشيعي من دون تسميته مسؤولية الشلل السياسي والأضرار الإقتصادية والمالية والمعيشية. وطالب البطريرك بحكومة إنقاذ مصغّرة مؤّلفة من وزراء اختصاصيين مستقلين ذوي خبرة سياسية مع مبدأ المداورة في الحقائب، مذكرًا بالمادة 95 من الدستور التي تنصّ على أن «تكون وظائف الفئة الأولى – ومن بينها الوزارات – مناصفةً بين المسيحيّين والمسلمين دون تخصيص أيَّ منها لأيَّ طائفة مع التقيُّد بمبدأي الاختصاص والكفاءة». ودعا البطريرك رئيس الحكومة المكلّف إلى التقيّد بالدستور والمضي في تأليف حكومة ينتظرها الشعب مطالبًا إياه بعدم الخضوع للشروط أو التأخير أو الإعتذار.
وقال البطريرك: «لسنا مستعدين ان نعيد النظر بوجودنا ونظامنا كلما عمدنا الى تأليف حكومة. ولسنا مستعدين ان نقبل تنازلات على حساب الخصوصية اللبنانية والميثاق والديموقراطية. ولسنا مستعدين أن نبحث بتعديل النظام قبل ان تدخل كل المكونات في كنف الشرعية وتتخلى عن مشاريعها الخاصة. ولا تعديل في الدولة في ظل الدويلات آو الجمهوريات بحسب تعبير فخامة رئيس الجمهورية. فأي فائدة من تعديل النظام في ظل هيمنة السلاح المتفلت غير الشرعي أكان يحمله لبنانيون او غير لبنانيين».
ردّ المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى
واستنكر المجلس لاسلامي الشيعي الأعلى في بيان، «ما صدر عن مرجعية دينية كبيرة تجاه الطائفة الإسلامية الشيعية، ولما انحدر إليه الخطاب من تحريض طائفي يثير النعرات ويشوه الحقائق ويفتري على طائفة قدمت خيرة شبابها وطاقاتها في معركة تحرير الوطن كل الوطن ودحر الإرهابين الصهيوني والتكفيري عن قراه ومناطقه المتنوعة طائفياً ومذهبياً، لتجعل من لبنان مفخرة للعرب والاحرار في العالم، وينعم كل شعبه بالاستقرار والحرية والكرامة الوطنية، بيد ان من ارتهن للخارج وخدمة لمآرب مشبوهة ضد مصالح الوطن وشعبه، يمعن في تحريف الوقائع وتضليل اللبنانيين في موضوع تشكيل الحكومة الانقاذية الإصلاحية التي تحفظ وحدة لبنان بميثاقه ودستوره واستقراره واقتصاده، ونحن اذا كنا نطالب باحتفاظ الطائفة الشيعية بوزارة المالية فمن منطلق حرصنا على الشركة الوطنية في السلطة الإجرائية ، فما يجري من توافق بين الكتل النيابية ينبغي ان يتم بين المكونات السياسية في تشكيل الحكومة».
واستغرب المجلس عدم صدور أصوات منددة بخرق الميثاقية يوم تشكلت حكومة بتراء لم تشارك فيها الطائفة الشيعية، «التي دعت دوماً لتطبيق اتفاق الطائف، اما اذا اردنا ان نطبق المداورة في الوزارات فلتكن المداورة في وظائف الفئة الأولى، وقد ورد في المادة 95 من الدستور اللبناني ان تكون وظائف الفئة الأولى ومن بينها الوزارات مناصفة بين المسلمين والمسيحيين دون تخصيص أي منها لاي طائفة مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة».
وأسف المجلس «ان تفرض طبقة سياسية فاسدة خرج منها من يراهن على سحق المقاومة وتمديد الحرب عليها شروطها، ونحن نعتبر هذه الفئة مسؤولة عما وصل اليه البلد من انهيار اقتصادي، وهي تحاول مرة اخرى فرض شروطها على تشكيل الحكومة فيما هي تسببت بالانهيار نتيجة سياسة المحاصصة وتمرير الصفقات وهدر المال العام وخرق الدستور، وتحاول اليوم فرض نفسها كمنقذ للوطن».
… وردّ المفتي الجعفري
وردّ المفتي الجعفري الممتاز ايضاً على البطريرك الراعي من دون تسميته فقال: «لن نقبل إلغاء طائفة بأمها وأبيها، بخلفية عصا اميركية وجزرة فرنسية.
وتابع: «لذلك لن نسير ابداً في لعبة القتل الدولية أو الاقليمية أو المحلية، ولن نسمح لهذا البلد بأن يكون ضحية أحقاد او فخوخ. على ان السلاح الذي ترميه طوال هذه الايام هو الذي حرر هذا البلد وأمن سيادته وأعاده الى الخريطة، وما زال يفعل ذلك ضماناً للبنان واللبنانيين».
واكد ان «خيارنا هو لا استسلام حتى لو اجتمع العالم على حصارنا ما دام موقفنا يرتكز على صميم مصلحة لبنان بكل طوائفه ومناطقه ومفهوم سيادته الحر والآمن».
المواجهة الأميركية ـ الإيرانية
بعض الخبراء السياسيين يعزون أسباب وصول الوضع إلى حالة من الشلل إلى الصراع الأميركي ـ الإيراني حيث أن هناك رغبة إيرانية بعدم إعطاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب عناصر اضافية لوضعها على رصيده في الإنتخابات النيابية. ويقول هؤلاء الخبراء أن هناك سيناريوهان محتملان:
– الأول وينص على أن إيران تسعى إلى تعطيل تشكيل الحكومة قبل الإنتخابات الاميركية المتوقّعة في الأيام العشرة الأولى من تشرين الثاني. وهذا الأمر يأتي من منطلق أن تشكيل حكومة لبنانية من دون حزب الله يعني انتصاراً لترامب مما سيؤكدّ صوابية إجراءاته ويزيد من الدعم الشعبي له.
– الثاني: اذا حصل توافق فرنسي ـ ايراني وإذّاك يكون الحلّ.
عمليًا، بفرضية أن الحكومة تشكّلت من دون إعطاء المال إلى الثنائي ومن دون تسمية الوزارء من قبل القوى السياسية، فإن الوضع يبقى تحت سيطرة 8 أذار التي تملك الأغلبية في المجلس النيابي، حيث يُمكن سحب الثقة من الحكومة بين ليلة وضحاها. إلا أنه وفقًا للخبراء، فإن اميركا تسعى الى تفكيك تحالف 8 آذار من الداخل عبر جعل تضارب المصالح عنصر التفكك الأول. وهذا ما نراه اليوم مع تخلّي التيار الوطني الحر عن حليفه حزب الله في معركته للحصول على وزارة المال وتكريسها للشيعة، وبالتالي، فإن عنصر النجاح في المعركة بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية والمعارضين في الداخل، هو الثبات على الموقف، لأن الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية ستُبعد كل حلفاء حزب الله عنه، ولكن الثنائي الشيعي يؤكد انه ثابت في مواقفه، وتؤكد اوساطه ان لا تقدّم حكومياً في ظل مقاربة الرئيس المكلّف مصطفى اديب للتكليف من زاوية سلبية، وتقضي بفرض اعراف علينا، وحتى رئيس الجمهورية لم يطلعه اديب على تشكيلته الحكومية ولم يتشاور معه فيها حتى الساعة، وكأن المطلوب تكريس اعراف جديدة وإلغاء الكتل النيابية وممثليها، والانقلاب على نتيجة الانتخابات ونسفها وإقصاء حزب الله وحركة امل والتيار الوطني الحرّ من المعادلة الحكومية.
وشددت مصادر الثنائي: ما عندنا قدّمناه وسهلنا الى اقصى الحدود والكرة الآن في الملعب الفرنسي وهو الذي اختار اديب وزكاه وهو من طرح مبادرته.
هدف الولايات المتحدة الأميركية أصبح معروفًا وينصّ على عزل لبنان عن سوريا وعن إيران وإقصاء حزب الله من الحياة السياسية عملاً بمقولة أن لا فصل بين الجناح العسكري والسياسي للحزب. وبالتالي، فإن المواجهة الأميركية ـ الإيرانية ستزيد في الأيام والأسابيع المقبلة حتى الإنتخابات الأميركية. إلا أن بعض المتفاءلين يتوقّعون أن يكون هناك اتفاق أميركي ـ إيراني غير مباشر لتحرير حكومة الرئيس مصطفى أديب، من هنا، تأتي الدعوات الفرنسية والداخلية إلى الرئيس أديب لعدم الاعتذار. الجدير ذكره، أن الرئيس أديب صاغ بتأنٍ كتاب اعتذاره مع تسمية الأشياء بأسمائها وهو بانتظار إعلانها، إلا أن مصادر صحافية تحدّثت عن أن الجانب الفرنسي اتصل البارحة بأديب طالبًا منه التريّث من جديد قبل الاعتذار.
وخوفًا من تحميل رئيس الجمهورية مسؤولية فشل تشكيل الحكومة، قالت مصادر قصر بعبدا ان المشكلة ليست في بعبدا بل في مكان آخر، مشدّدة على أن الرئيس لن ينتظر إلى ما شاء الله وسيتخذ القرار المناسب.
أسابيع قبل الفوضى
في هذا الوقت، مخزون لبنان من المواد الغذائية والمحروقات يتراجع على بعد أسابيع من رفع الدعم من قبل مصرف لبنان. هذا الأمر يعني أنه بغياب مخزون الإهراءات وبغياب القدرة المالية لتأمين دولارات على السعر الرسمي، سترتفع الأسعار بشكل جنوني سيكون نتاجها زيادة السرقة والتعدّيات وهذا الأمر سيتحوّل لاحقًا إلى فوضى أمنية مع عدم قدرة العديد من الخروج من منازلهم مع غياب ضوء النهار.
الوضع الراهن يعتمد بشكل أساسي على المساعدات الإنسانية خصوصًا من قبل الدول التي تقدّم القمح والذي سمح بزيادة 100 غرام على ربطة الخبز، ولكن أيضًا من الدول التي تُقدّم المحروقات. إلا أن هذا الوضع قد لا يدوم إذا ما تطوّرت المواجهة مع الغرب خصوصًا مع الولايات المتحدة الأميركية.
على صعيد متواز، تعجز وزارة الإقتصاد والتجارة عن فرض رقابة صارمة على التجار الذين يعبثون بالأمن الغذائي للمواطن اللبناني وبأمنه المعيشي من خلال التلاعب بالأسعار بشكل مخالف لكل القوانين والمنطق. فبين المساعدات التي تباع في المحال التجارية والسوبرماركت على سعر دولار السوق السوداء وإعادة تصدير المواد الغذائية المدعومة، رائحة فساد التجار أصبحت تُشتمّ من قبرص وسوريا. ولو أنه تمّ تكليف القوى الأمنية ملاحقة المخالفين لكانت النتائج مختلفة.
وما يزيد الوضع تعقيدًا هو بدء مرحلة جديدة من تفشي وباء كورونا الذي أصبح على عتبة الـ 1000 إصابة يوميًا. هذا الأمر يعني أن العدوى قد تنتشر بوتيرة أكبر يزداد معها عدد الإصابات بشكل مضاعف مرتين أو ثلاث مرات أو أكثر مع مرور الوقت! هذا الأمر استدعى نداء من قبل وزير الصحة لإقفال البلد لمدة أسبوعين للسيطرة على عدد الإصابات خصوصًا أن قدرة المستشفيات الإستيعابية أصبحت شبه معدومة مع ازدياد الحالات وتعثرّ استقبال الحالات المرضية غير الكورونا!
إلا أن الدعوة إلى إقفال البلد لمدة أسبوعين لم تؤتِ بنتائج في المرّة الماضية خصوصًا مع الإستثناءات التي شملت معظم المواطنين والشركات، وبالتالي لم يستطع الإقفال خفض عدد الإصابات إلا بشكل محدود جدًا. من هذا المنطلق، فإن إقفال مع استثناءات سيُعيد التجربة السابقة ولن يكون ذا جدوى، إلا أن إقفالاً تاماً (مع ما له من مضار إقتصادية) سيكون ذات منفعة على صعيد السيطرة على عدد الإصابات. ويبقى أن اللجنة الموكلة متابعة كورونا ستجتمع اليوم لأخذ القرار وهي التي ستُقرّر ما إذا كان الإقفال مع استثناءات أو من دونه، مع العلم أنه كان لوزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي موقف لافت ضد الإقفال عبر قوله ان «المجتمع اللبناني ليس لعبة بين الأيادي ليخضع أسبوعًا للإقفال وآخر لإعادة الفتح».