لم تتحرّك المياه الراكدة حكومياً بعد، رغم الكرة التي رماها الرئيس سعد الحريري بإعلان استعداده تسمية شخصية من الطائفة الشيعية لتولي حقيبة وزارة المال لهذه المرة فقط، فسرعان ما عاجله بيانٌ من رؤساء الحكومات يتبرّأ من هذا التنازل، فيما التعامل الأولي من الثنائي الشيعي كان سلبياً أيضاً، ما يجعل الأمور جامدةً عند خانة التعطيل الذي تدفع البلاد ثمنه منذ سنوات، ويبقي التأليف في قاعة انتظار خطوات إضافية.
وبحسب معلومات “الأنباء” فإن خطوة الحريري جاءت بعد اتصالٍ تلقّاه من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، طلب منه تقديم هذا التنازل، ورمي كرة التعطيل بعيداً عن نفسه. وافق الحريري على رمي الكرة في ملعب الثنائي الشيعي، الذي بحسب المعلومات لن يوافق على شرط أن تكون وزارة المال لهذه المرة فقط من حصة الطائفة الشيعية، ولن يوافق إلّا على تسليم لائحة من عشرة أسماء ليتم اختيار واحدٍ بينها لوزارة المال.
صيغة الاقتراح الحريري تمّ العمل عليها بشكلٍ مكثّفٍ فرنسياً، إذ أن السفير الفرنسي في بيروت، برونو فوشيه، زار العاصمة الفرنسية، باريس، في الساعات الماضية للبحث عن مخرجٍ لأزمة تشكيل الحكومة اللبنانية. وتؤكّد المعلومات أن فرنسا عملت على إيجاد هذه الصيغة ليتمّ من خلالها منح وزارة المالية لشخصيةٍ شيعية يرشّحها المجتمع الدولي، وتحظى بثقة الأميركيين وصندوق النقد الدولي.
وتؤكّد المعلومات أيضاً أن الفرنسيين يحاولون الضغط على حزب اللّه للقبول بمثل هذا الطرح، وإعطاء مهلةٍ أقصاها يوم الخميس لإيجاد الحلّ، وإلّا ستكون هناك عقوبات جديدة، وسيبدأ الوضع اللبناني بالانهيار سريعاً عبر ارتفاع سعر صرف الدولار. وهذا ما عبّر عنه بيان الخارجية الفرنسية ليل أمس في رسالةٍ حاسمة بأن على القوى السياسية اللبنانية الاختيار بين تعافي بلدها أو انهياره.
وتعليقاً على مبادرة الحريري، رأى عضو كتلة التنمية والتحرير النائب قاسم هاشم أن “موقف الحريري خطوة إيجابية باتّجاه الحلول، على أن يتم استكمال مناقشة الفكرة”، لافتاً إلى أن “الجميع منفتحٌ على الحلول من أجل تشكيل الحكومة في أسرع وقت لتقوم بمهمة الإنقاذ، وتحفظ التوازن الوطني في القرار التنفيذي، ونحن بدورنا ندعم كل فكرة إيجابية”.
وفي حديثٍ لجريدة “الأنباء” الإلكترونية، أكّد هاشم أن “لا ضرورة لأن يكون الوزير الشيعي في المالية حزبي. ولم يكن هناك أي إصرار في هذا السياق، فالأولوية للاختصاصيين الكفوئين، إلّا أنّه لا مانع أن يكون للاختصاصي خلفيات حزبية”. ورداً على سؤال حول مدى تأثير معارضة موقف باقي رؤساء الحكومات السابقين، أشار هاشم إلى أن، “الحريري هو من يمثّل تكتل المستقبل، وهو الشريك الأساسي في البلاد”.
وفي ما خصّ موقف رئيس الجمهورية، ميشال عون، المطالِب بالمداورة، اعتبر هاشم أن “الظرف الاستثنائي يحتّم المرونة وتدوير الزوايا في ظلّ الحلول المتوافرة”، آملاً أن يكون التشكيل في وقتٍ قريب.
من جهته، أكّد عضو تكتّل “لبنان القوي”، النائب إدغار معلوف في اتصالٍ مع “الأنباء” أن، “الموقف العام مسهّل ومنفتح من أجل ولادة الحكومة، إلّا أن الموقف الرسمي يصدر عن اجتماع التكتّل”، مشدّداً على “أهمية ولادة الحكومة المقبلة بسرعة لما ينتظرها من إصلاحات ضرورية ينبغي تنفيذها في سياق مهمة النهوض”.
أمّا لجهة الانقسام بين مواقف رؤساء الحكومات السابقين، رأى معلوف أن، “الموضوع شكلي”. إلّا أنه ناشد رئيس الحكومة المكلّف، مصطفى أديب، “وجوب التواصل والتشاور مع مختلف الكتل، بعيداً عن الجفاء، رغم حقّه في وضع شروطه في عملية التكليف، والإصرار على توزير اختصاصيين”.
وعن موقف رئيس الجمهورية، اعتبر معلوف أنه “سيكون مسهّلاً أيضاً، بعد أن تقدّم يوم أمس بمبادرةٍ هدفها الإسراع في ولادة الحكومة”.
ملامح الحراك الحكومي هذا، جاءت بعد ساعات قليلة على الانفجار الذي هزّ بلدة عين قانا الجنوبية، في حين غابت أي رواية رسمية لشرح تفاصيل ما جرى.
في هذا السياق، كشف الخبير العسكري العميد المتقاعد، إلياس حنّا، في اتصالٍ مع “الأنباء” أن، “المواد التي انفجرت في عين قانا هي أقرب لمخلّفات الحرب، إذ أن الدمار الذي ألمّ بمحيط الانفجار لا يدلّ على وجود سلاح وذخائر، كما أن موقعه بين المجمّعات السكنية لا يشير إلى أنه مخزن سلاح”.
أمّا لجهة المسبّب الرئيسي لحدوث هذا الانفجار، وما أُشيع عن “خطأ فني” حدثَ في المكان، فقد تساءل حنا، ”عمن كان وراء هذا الخطأ في ظلّ عدم وجود أي ضحايا”، لافتاً إلى “التكتّم الكبير الحاصل حول الموضوع”.
وفي ما خصّ تحليق الطيران الحربي الإسرائيلي في الأجواء الجنوبية قُبيل وأثناء وقوع الانفجار، رجّح في هذا السياق “إمكانية حدوث أي عمل تخريبي”. وعن الأبعاد السياسية للموضوع، رأى حنا أن “الإسرائيلي اليوم لا يريد حرباً في ظل موجة الاتفاقيات والتطبيع التي تحصل، كما أن المنطقة التي حصل فيها الانفجار تقع شمال نهر الليطاني، وبالتالي خارج نطاق القرار 1701. أما بالنسبة للقرار 1559، فهو بالأساس غير مطبّق كلّياً”.
وعن تطابق الانفجار مع تلك الانفجارات التي حصلت في إيران بشكلٍ متتالٍ، اعتبر حنّا أن “الوضع مختلف وكذلك الهدف. وإذا ما ثبتت فرضية الخطأ الفني فهي بالتالي تنفي احتمالية تشابه الأحداث. أما في حال حصول انفجارات أخرى تطال حزب الله بطريقةٍ مباشرة، ما يشكل نمطاً، فهذا يعني أن هناك قراراً سياسياً كبيراً أُخذ بالسير في هذه العمليات”.
صحياً، لا زالت أرقام فيروس كورونا على ارتفاعها، مسجّلةً أرقاماً قياسية في الأيام الأخيرة، وهو ما يزيد من عمق الأزمة في ظل عدم تجهيز المستشفيات كما هو مطلوب، واقتراب موسم الانفلونزا، وانعدام جدّية الإجراءات التي تأخذها الدولة في هذا السياق لجهة التشدّد في تطبيق الإجراءات الوقائية، أو الإقفال التام.
وفي اتصالٍ له مع “الأنباء”، أوضح رئيس لجنة الصحة النيابية، عاصم عراجي، أن “لجنة متابعة التدابير الوقائية لفيروس كورونا رفضت توصيات وزارة الصحة القاضية بالإقفال التام، بل توجّهت نحو زيادة الإجراءات الرقابية على المؤسّسات من أجل تطبيق معايير السلامة”.
إلّا أن عراجي أشار إلى، “انعدام الأخذ بالإجراءات الوقائية سابقاً في مختلف القطاعات الاقتصادية والسياحية، خصوصاً في الشهرين الأخيرين، وتجاهُل المواطنين هذه الإجراءات رغم القرارات بالتشدّد”، مفضلاً “التوجّه نحو الإقفال من أجل إراحة النظام الاستشفائي”، مبدياً تشاؤمه لـجهة “استطاعتهم ضبط المخالفات”.
وأبدى عراجي تفهّمه لـ “صعوبة الإقفال في ظل الوضع الاقتصادي الصعب، إلّا أن الوضع الوبائي الخطر يحتّم التوجّه إليه كَخيار”، لافتاً إلى أن “أعداد الإصابات من المتوقع أن ترتفع في الأيام المقبلة”.
وعن توفير لقاحات لفيروسات الإنفلونزا الموسمية من أجل التصدي لها، ومساعدة أنظمة المناعة لدى الناس، قال عراجي: “اللقاحات لم تصل بعد، ومن المتوقّع وصولها في أوائل تشرين”، لافتاً إلى “أن أزمة الدولار، وفتح الاعتمادات تشكّل عائقاً أمام استيراد هذه اللقاحات”.