لا تزال المبادرة التي قدّمها الرئيس سعد الحريري تنتظر أن تلاقيها في فكّ جدار الأزمة الحكومية خطوات من الثنائي الشيعي، بما يعني في حال التجاوب الانتقال فعلياً إلى مرحلة استعادة محركات التأليف. وفيما لا يزال حزب الله يلتزم الصمت حيال المبادرة، نُقل عن أوساط الرئيس نبيه بري ارتياحه وقوله إنه “يبنى عليها إيجاباً”، في وقت دعا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الى التقاط مبادرة الحريري فهي “تفتح مجالاً كبيراً للتسوية”، متمنياً على الذين “يحلّلون استراتيجياً” أن “يريحونا” فالشعب اللبناني “بحاجة إلى حكومة جديدة”.
وبإنتظار جلاء الصورة توقفت أوساط سياسية عند البيان الصادر عن المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية الذي ذكّر فيه بالدور الأساسي لرئيس الجمهورية في عملية تشكيل الحكومة استنادا للمادتين 53 و 54 من الدستور. وتساءلت الأوساط عما إذا كان البيان موجّه للرئيس سعد الحريري الذي طلب في مبادرته أن يسمي الرئيس المكلف الوزير الشيعي للمالية، أم للثنائي الشيعي ليقول له إن رئيس الجمهورية شريك في تسمية الوزراء، أم لابلاغ القوى السياسية تمسك الرئيس وفريقه السياسي بالحقائب التي كانت محسوبة عليهما، أو أنها موجهة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليشير له أنه لولا تدخله بالوقت المناسب لكان الرئيس مصطفى أديب اعتذر عن التكليف منذ الخميس الماضي. وهي قراءة زاد في أرجحيتها بيان تكتل لبنان القوي الذي اعتبر ان خطوة الحريري “قفز فوق الدستور”.
لكن قصر بعبدا حاولت التقليل من وقع الأمر، وأكدت لـ “الأنباء” أن البيان ليس مقصودا منه جهة معينة، بل “للتذكير بدور رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومات بعدما أصبحنا نسمع بأن المواقف توزّع يمينا وشمالا من دون الوقوف على خاطر رئاسة الجمهورية ودورها في تشكيل الحكومات وتوقيع المراسيم المتعلقة بها. فالسنّي يريد تصوير الرئيس المكلّف على أنه صاحب القرار في تشكيل الحكومة، بينما الدستور ينص على التشاور مع رئيس الجمهورية. والفريق الشيعي يشترط التمسك بحقيبة المالية وتسمية الوزراء الشيعة بمعزل عن الرئاسة، ولذلك كان بيان المكتب الإعلامي لتذكير القوى السياسية بما نص عليه الدستور وضرورة التزام الجميع به”.
عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب فادي علامه أوضح من جهته لـ “الأنباء” أنه رغم عدم صدور موقف رسمي عن الثنائي الشيعي بخصوص مبادرة الحريري، الا أن “الأجواء إيجابية والكل يحرص على عدم تفويت الفرصة وعدم إفشال المبادرة الفرنسية”.
وتعليقا على بيان رئاسة الجمهورية قال علامة إن “رئيس الجمهورية أراد التذكير بأنه شريك بتشكيل الحكومة”، لكن علامة أكد أنه “لا يمكن تبنّي أعراف جديدة في مسار التأليف، فيجب الوقوف على آراء الكتل النيابية إن لحجم الحكومة أو شكلها لأن تشكيل الحكومة ليس ورقة تضم أسماء الوزراء مقترحين يوقع عليها رئيس الجمهورية”.
عضو تكتل “لبنان القوي” النائب فريد البستاني أكد لـ “الأنباء” أن “التكتل يسهل تشكيل الحكومة لأبعد الحدود، لأن تشكيلها واجب وطني وكان يجب أن تشكل منذ الأسبوع الأول للتكليف”، ورأى أن “رئيس الجمهورية في المشاورات التي أجراها مع الكتل النيابية لمَس أن كل الأطراف تعهدت بتسهيل التشكيل ضمن الأصول الدستورية”، واضعاً بيان رئاسة الجمهورية في خانة “التوضيح”.
من جهته، عضو كتلة المستقبل النائب محمد الحجار رأى أن “المطلوب اليوم من الثنائي الشيعي ان يساعد على تشكيل الحكومة”، داعياً عبر “الأنباء” الجميع الى أن “يسارعوا الى تشكيل حكومة تلبي مستلزمات المؤتمرات الداعمة للبنان وتمنع أي خضات اقتصادية ومالية”.
وعلّق الحجار على بيان المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية فاعتبر ان “البعض رأى أنه كلام في العموميات، والبعض الآخر رأى أن الرئاسة أرادت التذكير بأن الرئيس المكلف يشكل الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية، وهناك فريق يقول إن الرئيس له الحق في تسمية الوزراء”.
وفي مطلق الأحوال، بات واضحاً أن حراك التأليف لا يزال بحاجة لخطوات تنازلية من أطراف النقاش الحكومي على ضفة الثنائي الشيعي، وإلى تسهيل رئيس الجمهورية لعملية التأليف، وأي تمادٍ في التأخير بملاقاة مبادرة الأمس تعني أن الأمور ليست “رمانة” الحكومة، بل “قلوب مليانة” على وقع الصراع الدولي الذي قال عنه وليد جنبلاط بالأمس إن “لا علاقة للشعب اللبناني به، فليرحمونا