حتى الآن، ما زال تأليف الحكومة منحرفاً عن المسار الذي كان يُفترض أن يسلكه من اللحظة الأولى لتكليف مصطفى أديب تشكيلها، ومع إمعان المعنيين بهذا الملف، في الغناء كلٌ على ليلاه، ليس في الإمكان الجزم بأنّ ما تبقّى من الاسبوع الجاري سيحمل تباشير الإنفراج، وبالتالي الإفراج عن الحكومة التي تقبض عليها طروحات متصادمة، يقدّمها أصحابها وكأنّها آيات سماويّة مُنزلة غير قابلة للبحث او للنقاش فيها، بل أنّ المطلوب هو الإنصياع لها بحرفيّتها ودون أيّ تعديل أو تبديل فيها.
يأتي ذلك، في وقت، برز فيه موقف سعودي لافت للانتباه، حيث اتهمّ الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز «حزب الله» بالهيمنة على لبنان وتقويض استقراره. وحمّله المسؤولية عن الانفجار المدمّر في مرفأ بيروت.
واكّد الملك سلمان في كلمة امام الدورة «75» للجمعية العامة للأمم المتحدة «وقوف السعودية إلى جانب الشعب اللبناني الذي تعرّض إلى كارثة إنسانية بسبب الانفجار في مرفأ بيروت. والذي حدث نتيجة هيمنة «حزب الله» الإرهابي التابع لإيران على اتخاذ القرار في لبنان بقوة السلاح، ما أدّى إلى تعطيل مؤسسات الدولة الدستورية».
ورأى الملك السعودي «أنّ تحقيق ما يتطلّع إليه الشعب اللبناني الشقيق من أمن واستقرار ورخاء، يتطلّب تجريد هذا الحزب الإرهابي من السلاح».
تصادم المبادرات
لم يحصل ان شهد لبنان وضعاً مشابهاً لهذه المعركة الدائرة حالياً على حلبة تأليف الحكومة، بين اطراف يعرفون بعضهم البعض، ولطالما كانوا شركاء في السرّاء والضرّاء، وخصوصاً في تشكيل الحكومات وآلية هذا التشكيل والمحاصصة بينهم على الحقائب، سيادية كانت ام خدماتية. ولعلّ السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الجو المقفل: لماذا هذا الاشتباك في هذه اللحظة بالذات؟ وما هو الهدف منه؟ والى أين سيوصل؟ ولماذا هذا الإمعان في الشروط المتصادمة التي تمنع تشكيل حكومة، اعتُبر تشكيلها فرصة لإطفاء فتائل الإنفجار ونقل البلد الى واحة الإنفراج؟
انتظار مملّ
في هذا الجو، تبقى المبادرة الفرنسية متموضعة بلا حراك على رصيف التأليف، في انتظار – بدأ يصبح مملاًّ جداً لأصحاب المبادرة – أن تتبلور العناصر المسرّعة لولادة الحكومة، وتلك العناصر لم تقوَ على استحضارها حتى الآن، لا حلبة الاشتباك العنيف بين فريق التأليف بقيادة الرئيس سعد الحريري وبين «الثنائي الشيعي» حول وزارة المالية ومن يسمّي الوزراء في الحكومة، ولا حلبة تصادم المبادرات التي استجدت في اليومين الماضيين، وفتحت مع «مبادرة للحل» أطلقها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من القصر الجمهوري الاثنين الماضي، وقبل أن يجفّ حبرها صدمتها «مبادرة حلّ» مناقضة لها، أطلقها الحريري من بيت الوسط.
مبادرة عون
وإذا كان الرئيس عون قد اعتبر مبادرته فرصة أخيرة لحلّ مثالي لأزمة التأليف، إلاّ انّ الثغرة الأساس فيها، هو انّ القراءات السياسية لها لم تقاربها كمبادرة صادرة من موقع الحكم، بل قاربتها كمبادرة طرف سياسي، لتناغمها شكلاً ومضموناً، مع ما اعلنته اللجنة السياسية للتيار الوطني الحر قبل فترة وجيزة من اطلاقها.
عين التينة: تجاهل
وتبعاً لذلك، فإنّ مفعولها بقي ضمن جدران الرئاسة الاولى، والتغنّي بإيجابيّاتها لم يتخطّ عتبة المدخل الرئيسي للقصر الجمهوري، فـ«الثنائي الشيعي» وبحسب معلومات «الجمهورية»، قرّر ألاّ يتفاعل معها؛ عين التينة تجاهلتها بالكامل في العلن، وكأنّها غير موجودة، فيما الموقف العميق منها «انّها خطوة مستفزّة بمضمونها، الذي صاغه من يبدو أنّهم في غربة عن حقيقة الأزمة القائمة، وليسوا على دراية بما يجري».
«الحزب»: صدمة
وأمّا «حليف مار مخايل»، والمقصود هنا «حزب الله»، فبحسب معلومات موثوقة، لم تنزل عليه برداً وسلاماً، بل كانت صادمة له، وقد أوصل كلاماً بهذا المعنى في اتجاه القصر الجمهوري. فقد استاء «الحزب» من المبادرة الرئاسية، لمعاكستها ما يعتبرها «الثوابت التي حاد عنها في ما خصّ وزارة المالية والحق في تسمية الوزراء الشيعة»، والتي سبق وأكّد عليها الحزب في البيان الاخير لكتلة الوفاء للمقاومة، كما عاد وشدّد عليها رئيس الكتلة النائب محمد رعد في لقاء السبت مع رئيس الجمهورية.
مبادرة الحريري
وعلى الخط المقابل أيضاً، كان للمبادرة الرئاسيّة صدى شديد السلبية في «بيت الوسط»، ذلك أنّ مضمونها ينسف كلّ المنطق الذي تسلّح به فريق التأليف منذ اللحظة التي كُلِّف بها اديب لتشكيل الحكومة. وتبعاً لذلك، طُرحت فكرة في أوساط «تيار المستقبل» لتوجيه ردّ مباشر على مبادرة عون، ولكن، اكتُفي بتغريدة قاسية في اتجاه رئيس الجمهورية للنائبة في «المستقبل» رولا الطبش قالت فيها: «لو كنت بيّي كنت ترجّيتك ترتاح».
لقد وصلت مبادرة عون الى «بيت الوسط» في توقيت غلط، عجّل بوضع «مبادرة الحريري» قيد الصياغة والإعداد. وكان الحريري قد وضع الرئيس المكلّف مصطفى اديب ورؤساء الحكومات السابقين في اجوائها. وقد كان الرؤساء متحفظين عليها، الّا انّ الحريري، وكما يقول مقرّبون منه اصرّ على تقديمها، برغم انّها ليست شعبية، وقد تُفّسر على انّها تراجع، الّا انّها فرصة جدّية للحل، من شأنها ان تُترجم سريعاً وعوداً فرنسية متجددة بحشد الدعم المالي للبنان، إن عبر فرنسا، او عبر دول اخرى، وخصوصاً مجموعة الدعم الدولية للبنان.
جمود يسبق المبادرة
خلال الفترة السابقة لإطلاق الحريري مبادرته بعد ظهر امس الاول الثلثاء، كان الجمود هو سمة مشهد التأليف. رئيس الجمهورية كان يشتغل على خطين؛ الاول، انتظار ان يتلقّى ردوداً نهائية من الاطراف على مبادرته، والثاني، محاولة تفسير وتوضيح ما قصده بقوله: «إلى جهنّم» الذي اورده في معرض ردّه على الصحافيّين خلال اطلاق مبادرته. وأمّا الرئيس المكلّف مصطفى أديب فظلّ غائباً عن الصورة، (ما قبل مبادرة الحريري)، انّما مع الحفاظ على شعرة التواصل قائمة مع «الثنائي الشيعي»، هذا في وقت كان الخط الفرنسي مفتوحاً على اتصالات محدودة نهاراً، بعضها مع «بيت الوسط» قبل إعلان الحريري مبادرته، ومن بينها اتصال صدر من «بيت الوسط» لاستمزاج رأي الفرنسيّين بالمبادرة قبل اعلانها، فكان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مرحّباً ومشجعاً على اعتبار انّ هذه المبادرة تفتح الآفاق المقفلة. واعقب ذلك في فترة المساء، تواصل فرنسي مع معنيّين بملف التأليف.
الكرة لدى «الثنائي»
وقال مقرّبون من الحريري «إنّه يتجاوز في مبادرته كل بعد شخصي او مصلحي له. والمخرج الذي بادر الى طرحه، يندرج في سياق مسلسل التضحيات التي قدّمها في الكثير من المحطات، سعياً لدفع البلد الى تجاوز المأزق العالق فيه على كل المستويات، مع ادراكه انّ بقاء الحال على ما هو عليه سيعمّق حتماً من هذا المأزق ويقود البلد الى المجهول».
ورداً على سؤال، لفت المقرّبون الانتباه، الى انّ هذه المبادرة هي آخر ما يمكن ان يقدّمه الحريري، وبالتالي فإنّ الكرة في ملعب حركة «أمل» و»حزب الله»، اللذين عليهما ان يثبتا بالفعل انّهما مع إنجاح المبادرة الفرنسية وليس العكس».
اديب
وفي موازاة مبادرة الحريري، اكّد الرئيس المكلّف مصطفى اديب حرصه على «تشكيل حكومة مَهمّة ترضي جميع اللبنانيين، وتعمل على تنفيذ ما جاء في المبادرة الفرنسية من اصلاحات اقتصادية ومالية ونقدية وافق عليها جميع الاطراف».
وقال أديب، في بيان لمكتبه الاعلامي، امس، إنّه «آل على نفسه التزام الصمت طيلة هذه الفترة من عملية تشكيل الحكومة، تحسّساً منه بالمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه، ومن اجل الوصول الى تقديم تشكيلة بالتشاور مع رئيس الجمهورية ضمن الأطر الدستورية، تساعد اللبنانيين في وضع حد لآلامهم اليومية».
وأكّد مجدّداً التزامه «الثوابت التي أطلقها، في أن تكون الحكومة من ذوي الاختصاص واصحاب الكفاءة، القادرين على نيل ثقة الداخل كما المجتمعين العربي والدولي، لأنّ من شأن ذلك ان يفتح الباب امام حصول لبنان على الدعم الخارجي الضروري لانتشال الاقتصاد من الغرق».
وتمنّى أديب مجدداً على الجميع «التعاون لمصلحة لبنان وابنائه وتلقف فرصة انقاذ الوطن».
باريس ترحّب
وسارعت باريس الى الترحيب بمبادرة الحريري ووصفتها بـ»الشجاعة، وتبرهن عن حسّ الحريري بالمسؤولية والمصلحة الوطنية للبنان».
وقالت الخارجية الفرنسية في بيان، بدا متناغماً مع جوهر مبادرة الحريري، «إنّ فرنسا تشجع مصطفى أديب على تشكيل حكومة مَهمّة بأسرع وقت ممكن، تتألف من شخصيات مستقلة ومختصة يختارها بنفسه».
واعتبرت الخارجية الفرنسية، «انّ مثل هذا الإعلان (مبادرة الحريري) يشكّل انفتاحًا يجب أن يقدّر اهميته الجميع، لكي يتمّ تشكيل حكومة مَهمّة». مشيرة الى انّ هذا ما يتوقعه اللبنانيون، بالإضافة الى شركاء لبنان الدوليين وكل من يريد، عن حسن نيّة، مساعدته في هذه اللحظات الحرجة. لهذا السبب، تدعو فرنسا جميع القادة السياسيين اللبنانيين إلى احترام الالتزامات التي وعدوا بها الرئيس ايمانويل ماكرون في الأول من أيلول، بهدف وحيد وهو تلبية الاحتياجات الطارئة للبنان».
واعلنت الخارجية الفرنسية، «انّ فرنسا ستستمر في الوقوف إلى جانب اللبنانيين بالتنسيق مع شركائها الأوروبيين والدوليين، وستسهر على احترام شروط الدعم الدولي للبنان في كل مرحلة».
لودريان
وقال وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لو دريان، في كلمة ألقاها أمام أعضاء مجموعة الدعم الدولية للبنان: «القوى السياسية لم تنجح بعد في الاتفاق على تشكيل الحكومة، لذلك، فإنّ الضغوط القوية والمتحدة من جانبنا ضرورية لدفع المسؤولين اللبنانيين إلى احترام التزاماتهم». وأضاف: «مستقبل لبنان على المحك.. وبدون إصلاحات فلن تكون هناك مساعدات مالية دولية».
الى ذلك، حثت مجموعة الدعم الدولية للبنان الزعماء السياسيين على التكاتف لتشكيل حكومة. وقالت المجموعة، التي تشمل الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي في بيان، بعد اجتماع عُقد أمس: «حث أعضاء مجموعة الدعم الدولية للبنان الزعماء على التكاتف لدعم تشكيل حكومة في الوقت المناسب، تكون قادرة على تحقيق التطلعات المشروعة التي عبّر عنها الشعب اللبناني».
رئاسة الجمهورية
على انّ اللافت للانتباه في موازاة كل ذلك، ما صدر عن مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية، الذي عاد وشدّد على «مضمون كلام رئيس الجمهورية الاثنين الماضي، وهو انّ الرئيس هو المعنيّ بالمباشر بتشكيل الحكومة وإصدار مرسوم التشكيل بالاتفاق مع رئيس الحكومة المكلّف».
واعلنت رئاسة الجمهورية، أنّه «إزاء المواقف والبيانات، وما تمّ تداوله إعلامياً بشأن تشكيل الحكومة، وحرصاً على المبادرة الفرنسية وتشكيل حكومة مَهمّة، من اخصّائيين مستقلّين للقيام بالإصلاحات اللازمة لإنقاذ لبنان من ازماته المعقّدة، وبما انّ البيانات والمواقف المختلفة والمتباينة في بعض الأحيان قد تحجب المسار الدستوري الذي يجب اتبّاعه حتماً للوصول الى تشكيل الحكومة، يهمّ مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية إيضاح الآتي:
أولاً، التأكيد على مضمون البيان الذي صدر عن رئيس الجمهورية يوم الاثنين الماضي.
ثانياً، التذكير بأنّ الدستور ينصّ صراحة في مادتيه 53 (فقرة 4) و64 (فقرة 2) على انّ رئيس الجمهورية يصدر، بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء، مرسوم تشكيل الحكومة، وانّ رئيس الحكومة المكلّف يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها، ما يعني من دون أي اجتهاد او اختزال او تطاول على صلاحيات دستورية، انّ رئيس الجمهورية معنيّ بالمباشر بتشكيل الحكومة، وبإصدار مرسوم التشكيل بالاتفاق مع رئيس الحكومة المكلّف».
تقييم
وبحسب معلومات «الجمهورية»، فإنّ المبادرة الحريريّة أُخضعت لتقييم فوري من قِبل حركة «أمل» و»حزب الله»، خلصا فيه الى أنّها – على الرغم من تضمّنها على موافقة على ابقاء وزارة الماليّة من ضمن الحصّة الشيعية في الحكومة المنوي تشكيلها – خارجة عن سياق كل ما يطالبان به، ولا تحمل ما يشكّل دافعاً الى التفاهم المطلوب، وخصوصاً انّها ما زالت تدور خارج مدار المبادرة الفرنسية، عبر التمسّك بما لم تأتِ المبادرة على ذكره، ولاسيما لناحية مصادرة الحق بتسمية كل الوزراء الشيعة.
وعلمت «الجمهورية»، انّ «الثنائي» توقفا عند ما اعتبراه التبنّي الفرنسي لطرح الحريري بأنّ يسمّي الرئيس المكلّف الوزراء بنفسه، فهذا الأمر، بحسب مصادرهما، يدفع الى طرح علامات ريبة واستفهام، ويتطلّب تفسيراً من الجانب الفرنسي، الذي سبق واكّد لهما انّ هذا الامر ليس من مندرجات المبادرة التي طرحها الرئيس ماكرون، فإذا كان المقصود أن يسمّي الوزراء بناء على لوائح نقدّمها للاختيار منها، فلا مشكلة على الاطلاق، بل هذا هو الحل الطبيعي، أما اذا كان القصد أن يسمّي الوزراء الشيعة بمعزل عنا، فمعنى ذلك أنّ الأمور ما زالت عند نقطة الصفر».
اما الملاحظات التي سجّلها الثنائي على المبادرة، فتتلخّص بما يلي:
– اولاً، لا جديد في مبادرة الحريري، حيث انّها لم تتضمن اي حلّ، بل انّ ما تضمنته ليس سوى تظهير الى العلن لما كان قد تمّ نقاشه معهما بعيداً من الاعلام. فهذا العرض سبق ان نوقش معنا ورُفض. فالحريري نفسه ناقشه مع المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل والمعاون السياسي للامين العام لـ»حزب الله» الحاج حسين خليل، ورُفض. كما ناقشه الحريري مع الرئيس نبيه بري ورُفض بشكل قاطع، وسبق ايضاً ان ارسلوا لنا اسماء شخصيات شيعية يقترحونها لتولي وزارة المالية فرفضناها، لأنّ اختياراتهم كانت لشخصيات «اما هي معادية لنا واما هي معادية جداً لنا». كما انّ هذا الطرح سبق ان طرحه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على الرئيس بري ورفضه، حتى انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قدّم طرحاً بأن يسمّي وزيراً مارونيا للمالية وتمّ رفضه، فلماذا العودة اليه الآن مع علمهم انّه مرفوض سلفاً من قبلنا؟
– ثانياً، إنّ التسليم العلني في مبادرة الحريري بأنّ وزارة المالية هي من حصّة الشيعة، هي خطوة ننظر اليها بإيجابية. مع أنّ هذا الأمر قد تمّ تجاوزه من قبل، وليس كما جرى تقديمه في ما سُمّيت مبادرة الحريري، على أنّه طرح جديد. فهذا الامر سبق أن اكّدت عليه وحسمته النقاشات معهم ومع الرئيس الفرنسي، بدليل تقديمهم لأسماء لشخصيات شيعية لتولّي وزارة المالية.
ثالثاً، إنّ قول الحريري بأن تُسند المالية لوزير شيعي لمرة واحدة، فهذا كلام مرفوض بشكل قاطع، فضلاً عن انّ الحريري لا يملك الحق في أن يمنع او يجيز. كما ليس مقبولاً ابداً ان يُظهر في «موافقته» على ان تُسند وزارة المالية لشيعي على انّها منّة منه لنا، ثم اذا كان يقول انّه في هذا الأمر كمن يتجرّع السمّ، لمصلحة لبنان، فقد يكون بذلك يخاطب جمهوره، الّا أنّ احداً لم يطلب منه ذلك على الاطلاق، فضلاً عن انّ هذا الكلام مهين لمكون اساسي في لبنان، لا يمكن قبوله او تجاوزه.
– رابعاً، اذا كان القصد من مبادرة الحريري ان يصوّرنا على انّنا نحن العقدة الماثلة في طريق التأليف، فتلك محاولة فاشلة سلفاً لن تؤدي الى تغيير في الموقف مهما طال الزمن.
– خامساً، ما زالت الكرة في ملعبهم، والحل الذي طرحناه ما زال هو هو، اي اننا نحن من نسمّي الوزراء وفق لائحة نقدّمها، بخمسة اسماء، او بعشرة اسماء او اكثر، اذا ارادوا فلدينا بحر من الشخصيات المناسبة، وهم يختارون من بينها، فنحن نشركهم في الاختيار فقط، وبالتأكيد ليس لوزارة المالية فقط، بل لكلّ الوزراء الشيعة الذين سيمثلوننا.
سادساً، يجب ان يعلم الجميع في الداخل والخارج، بأننا لا نشتري ولا نبيع، وبأننا لا يمكن ان نقبل، وتحت اي ظرف، بأن يختار احد وزراءنا بمعزل عنا. المسألة عندنا مسألة شراكة في ادارة الدولة، ولا احد يستطيع ان يبعدنا عن هذه الشراكة، ولا ان يفرض علينا وزراءنا. ففرض الوزراء هنا، هو تعطيل مباشر للمبادرة الفرنسية وليس تسهيلاً لها.
وفي الخلاصة، كما انتم عرضتم علينا (على سائر القوى السياسية والنيابية) 3 اسماء لنختار منها شخصية لتكليفها في الاستشارات النيابية الملزمة، واخترنا مصطفى اديب من بينها، نحن من جهتنا سنقدّم اسماءنا وانتم تختارون منها وزراءنا لا اكثر ولا اقل.
– سابعاً، إنّنا ننظر بإيجابية الى ما اعلنه الرئيس المكلّف لجهة تأليف حكومة مهمّة ترضي جميع اللبنانيين، وهذا نفهمه بأنّ الحكومة المقصودة، هي حكومة شراكة، وليست مفروضة فرضاً. مع الاشارة هنا الى اننا سبق ان تبلّغنا من الرئيس المكلّف من انّه لن يبادر الى طرح اي تشكيلة حكومية تصادمية معنا.
– ثامناً، اشارة اخيرة، فقد كان فاقعاً ذلك المشهد الذي بدا فيه الحريري مبادراً لما سمّاه حلاً لأزمة التأليف، فيما بدا رؤساء الحكومات السابقون معترضين على مبادرته ومتبرئين منها. فقد كان ذلك أشبه بمسرحيّة هزليّة فاشلة لتوزيع الادوار، كان الحري بهم أن يفتشوا على «مخرج شاطر» لتقديم سيناريو مقنع لجمهورهم أولاً قبل ان يكون مقنعاً لنا».
اتصالات الحسم
في هذه الأجواء، يبدو جلياً انّ مبادرة الرئيس الحريري، قد حرّكت المياه الراكدة على حلبة التأليف، وعلى الرغم من اعتبارها من قِبل اصحابها «فرصة اخيرة» فإنّها، بحسب الأجواء المؤيّدة لها، والأجواء المقابلة لها، لا تبدو حتى الآن انّها تشكّل نقطة تفاهم، وهو ما اكّدته مصادر معنية بها لـ»الجمهورية»، التي قالت، انّ المبادرة يمكن اعتبارها باباً او مفتاحاً للنقاش، لعله يتبلور على اساسها تفاهم ما، ولكن حتى الآن لم يتغيّر شيء، ولننتظر ما ستسفر عنه حركة الاتصالات التي يفترض ان تنطلق في هذا الاتجاه، وحتى الآن يمكن القول انّ اصحاب المبادرة ينتظرون ان يتلقفها «الثنائي الشيعي» بإيجابية تعجّل في ولادة الحكومة، فيما «الثنائي» كما تشير اجواؤهما، ينتظران ما سيُعرض عليهما، فإن كان ايجابياً ويلبّي مطلبهما، تُبنى عليه ايجابية مقابلة وترجمة سريعة لها، تفتح حتماً ثغرة في الجدار المقفل، وإن كان خلاف ذلك، ستبقى الأمور جامدة في المربّع الأول».
جلسة عامة
من جهة ثانية، بات مؤكّداً انّ المجلس النيابي سيعقد جلسة تشريعية قبل نهاية الشهر الجاري، وفق ما اكّد رئيس مجلس النواب.
وقد ناقشت هيئة مكتب المجلس التي انعقدت في عين التينة برئاسة بري امس، جدول اعمال هذه الجلسة، وتمّ الاتفاق على جدول مؤلف من 35 بنداً، اهمها العفو العام الذي سيتمّ عرضه على الهيئة العامة للمجلس بصيغته النهائية التي تمّ التوافق عليها في وقت سابق.
«القوات» في الديمان
من جهة ثانية، برزت امس، زيارة تضامنية، قام بها وفد من تكتل «الجمهورية القوية» للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.
وقال النائب السابق ايلي كيروز بإسم الوفد: «تناولنا مع البطريرك القضايا اللبنانية المطروحة في المفترق اللبناني الخطير. واكّدنا الدور التاريخي لبكركي الذي يعيد تصويب الامور، انطلاقاً من الحرص على التمسّك بمرتكزات الدولة والكيان والدستور والتعايش السوي بعيداً من مشاريع الهيمنة والغلبة. وعبّرنا عن تمسّكنا بموقف البطريرك الصميم وعن استنكارنا للحملة الظالمة التي تطاوله. واننا ندعو اللبنانيين الى التدقيق في المفاهيم السياسية التي تُغدق عليهم يومياً كالدولة المدنية والغاء الطائفية السياسية والمثالثة».
كورونا
كورونياً، سجّلت وزارة الصحة العامة أمس 940 اصابة جديدة بالوباء، رفعت العدد التراكمي منذ 21 شباط الماضي الى 31778 حالة، كذلك، أعلنت في تقريرها تسجيل إرتفاع في عدد الوفيات الذي وصل الى 13 أمس.
وفي السياق، عُلم من مصادر مطلعة أن هناك قرابة الـ 20 إصابة بوباء «كورونا» سُجّلت في مصرف لبنان، بينها اصابة احد نواب الحاكم الذي واظب على الحضور إلى العمل رغم معرفته بإصابته.
وتردّد أنّ الحاكم رياض سلامة خضع لفحص الـ pcr، وثمة سؤال عمّا اذا كان قد شارك في لقاء بعبدا المالي قبل الفحص أو بعده او قبل انتظار النتيجة؟!