كورونا يحاصر البلد ويقطعّ الأوصال بين بلداته، والسلطات الرسمية سلّمت باجتياح الوباء وتركت له تحديد مصائر اللبنانيين، فيصيب بعضهم ويقتل بعضاً آخر ويأسر الباقي في الحجر. وكما في الملف الصحي كذلك في الملف الحكومي، اللبنانيون متروكون لأقدارهم وأهل الحكم يكتفون بتنظيم السير على الطريق السريع المؤدي إلى “جهنم” بعدما قطعوا الدروب أمام كل مخارج الطوارئ وآخرها المبادرة الفرنسية التي اختطفها الثنائي الشيعي ووأد الآمال اللبنانية المعقودة عليها حكومياً وإصلاحياً واقتصادياً ومالياً. واليوم بعدما “فشّل وهشّل” الثنائي مصطفى أديب، عادت الأمور إلى مربعها الأول تحت كليشيهات وأسئلة ممجوجة باتت تثير الغثيان في النفوس لكثرة تردادها: تأليف قبل التكليف؟ تشكيلة تكنوقراط؟ تكنوسياسية؟ مصغرة؟ موسعة؟ وسواها من العبارات والمصطلحات التي لا ينفك الطقم الحاكم يجترّها ويلوكها عند كل استحقاق حكومي.
وبدل أن يكون لبنان بعد شهرين على زلزال بيروت أمام حكومة مهمة إنقاذية كاملة المواصفات والصلاحيات تنطلق في رحلة الألف ميل نحو استعادة الثقة داخلياً وخارجياً في البلد، أعاد السياسيون الوضع الحكومي إلى “الخطوة الأولى” ليكون الأسبوع الطالع بمثابة أسبوع “جسّ نبض” حكومي استكشافاً للأوراق والنوايا على طاولة التكليف والتأليف، بدءاً من مشاورات رئيسي الجمهورية ومجلس النواب ميشال عون ونبيه بري، ذهاباً وإياباً على متن رحلة الكويت، وصولاً إلى تفعيل قنوات التواصل بين مختلف الأفرقاء المعنيين توصلاً “إلى تحديد مواصفات وإسم الرئيس المكلف أولاً” حسبما أوضحت مصادر مواكبة لـ”نداء الوطن”، مؤكدةً أنّ الشخصية التي سيتم التوافق على تكليفها تعتبر في هذه المرحلة “العقدة المفتاح لكل العقد الأخرى”، وشددت في هذا المجال على أنّ “كل ما سيتم طرحه وبحثه ينطلق من هذه النقطة المحورية للبدء تالياً بالعمل على رسم خطوط التكليف والتأليف العريضة وبلورة معالم التشكيلة المرتقبة شكلاً ومضموناً”.
في الغضون، لا تزال قرارات النائبة العامة الاستئنافية القاضية غادة عون مثار أخذ ورد وجدل وبلبلة على شريط الأحداث القضائية لا سيما في مطاردتها رئيسة مصلحة السير هدى سلوم بشتى أنواع الملاحقات والإجراءات، وجديدها خلال الساعات الأخيرة إصدار مذكرة بحث وتحرٍّ بحق سلوم إلى جانب خمسة موظفين في مصلحة تسجيل السيارات في الأوزاعي على خلفية تحقيق يعود إلى العام 2016 ويتعلّق بسرقة المليارات نتيجة التلاعب في الرسوم المتوجّبة وفي قيود الشاحنات. وعلى الأثر، رفض وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي مثول سلوم والموظفين الخمسة المعنيين أمام القاضية عون، معتبراً أنّ قرارها ليس مبرراً قانوناً، فبادر إلى مخاطبة النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات طالباً منه رفع بلاغات البحث والتحري واسترداد قرارات منع السفر التي سطرتها عون.
ورأى مرجع قضائي لـ”نداء الوطن” أنّ القاضية عون “تتجاوز أصول المحاكمات الجزائية وبات من الواضح أنّ قراراتها يغلب عليها الطابع الكيدي أكثر من القضائي”، كاشفاً في المقابل أنّ مدعي عام التمييز قرر إحالة عون إلى التفتيش القضائي بسبب إصدارها بلاغات بحث وتحرّ خلافاً للقانون بعد رفض وزير الداخلية مثول سلوم وموظفي “النافعة” أمامها، ربطاً بوجود الملف الذي تم استدعاؤهم على أساسه أمام النيابة العامة المالية من جهة، وبسبب وجود دعوى جزائية مقامة من هدى سلوم بوجه القاضية عون ما يمنعها قانوناً من وضع يدها على أي ملف يتعلق بالمدعية.
وتوازياً، علمت “نداء الوطن” أنّ عويدات أحال الملف كذلك إلى مجلس القضاء الأعلى لإحاطته علماً بمخالفات القاضية عون واتخاذ القرار الذي يراه المجلس مناسباً بحقها، بالتزامن مع ترقب مثول عون أمام التفتيش القضائي لبحث مضمون إحالتها وتحديد الإجراء الواجب اتخاذه حيالها.