الناس في واد والمسؤولون في وادٍ آخر. هذا هو حال البلد اليوم. السلطة الغائبة عن أي معالجة جدّية لأي أزمة، بل تراها في ضياع وتخبّط، وليس من ملف تصل به إلى حل أو إلى نهاية، فيما وباء كورونا يفتك باللبنانيين يوماً تلو الآخر، أما السلطة فتتقاذف “الفرامانات” الهمايونية من دون أي درس ومن دون أي قاعدة علمية. وزيرٌ يقفل مناطق وبلدات، وآخر يفتح المدارس، فيما يغيب من يفترض به ان يكون رأس السلطة التنفيذية ولو من باب تصريف الأعمال، والناس في حيرة من تصدق، أوزير الداخلية أم وزير التربية؟ ناهيك عن وزارات وإدارات تتخذ هي الأخرى القرارات على قاعدة “يا رب تيجي بعينه”.
وفيما البلاد دخلت دائرة الخطر الحقيقي بما يشبه الإنتحار الجماعي، يتركز الاهتمام على الحركة السياسية التي بدأها الرئيس سعد الحريري إنطلاقا من إعلانه ترشحه لرئاسة الحكومة، حيث سيلتقي اليوم كما كانت كشفت الأنباء صباح أمس كلا من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري لوضعهما في صورة قراره واستمزاج رأييهما في موضوع تشكيل الحكومة.
مصادر سياسية توقعت خلال حديثها لـ “الأنباء” أن لا تكون أجواء لقائي الحريري بالرئيسين عون وبري سلبية لدرجة تدفعه للتراجع، لكن اللقائين قد يخلوان من المجاملات ليدخل الحريري مع كل من الرئيسين بصلب توجهه ورؤيته للتأليف، بما يعني ان مضمون لقاءات الاثنين سيحدد مصير الاستشارات النيابية المقررة الخميس المقبل.
ولفتت المصادر إلى أنه بغضّ النظر عن موقفَي بعبدا وعين التينة، تتركز الأنظار على نتيجة اللقاء الذي سيجمع الحريري بالنائب جبران باسيل وبموقف حزب الله الذي لن يرضخ لشروط الحريري.
وعشية اللقاء بين الرئيسين عون والحريري، أكدت مصادر القصر الجمهوري لـ “الأنباء” “ترحيب بعبدا بمبادرة الحريري”، وأن “ما يأمله الرئيس عون أن يكون الحريري أجرى مراجعة دقيقة لكل المرحلة الماضية، وإعترافه بأن الجميع أخطأ بمن فيهم هو، دليل على إدراكه لخطورة المرحلة”.
المصادر توقعت ان “يساعد لقاء الحريري – باسيل في فتح صفحة جديدة بغض النظر عما إذا شارك الأخير في الحكومة أو لا، لأن تفاهمهما قد ينعكس إيجابا على ارض الواقع ومن شأنه أن يؤسس لتفاهمات جديدة بين القوى السياسية كافة”.
أما مصادر عين التينة فقالت لـ “الأنباء” إن “الرئيس بري لن يتراجع عن دعم الحريري لترؤس الحكومة، لكن العلاقة بينهما لن تمر مرور الكرام. فقد يكون هناك إختلاف في الرأي حول مواضيع عدة لكنه لن يفسد في الودّ قضية”، مشيرة الى ان “الرئيس الحريري زعيم كبير ووجوده على رأس الحكومة يبعث على الإطمئنان لشريحة كبيرة من اللبنانيين، لكن نظرته لتشكيل الحكومة تختلف كليا عن نظرة الرئيس بري والثنائي الشيعي، وهذا يتطلب نقاشا عميقا من أجل التوصل الى توافق حول هذا الموضوع الذي لن يتوقف فقط عند حدود وزارة المال، وقد يصل الى تسمية الوزراء الشيعة”.
من جهتها تحدثت مصادر بيت الوسط لـ “الأنباء” عن “نية الحريري الصادقة لتشكيل حكومة إنقاذ، وأن اجتماع الأمس مع رؤساء الحكومات السابقين كان لوضعهم بصورة الاتصالات التي سيجريها مع الرئيسين عون وبري انطلاقا من المبادئ التي اتفق عليها معهم”.
عضو كتلة المستقبل النائب نزيه نجم كشف لـ “الأنباء” ان الحريري سيضع الكتلة اليوم في أجواء المبادرة. وعن الاتصالات التي سيقوم بها الحريري مع القوى السياسية قال نجم: “اذا كانت لدى هذه القوى النية الطيبة عليهم القبول بالمبادرة، ومن غير المقبول بعد اليوم تحميله مسؤولية التعطيل”، معتبرا ان مبادرة الحريري هي الفرصة الأخيرة.
وأضاف نجم: “إذا كانت قوى الممانعة غير راضية، فلديهم الأكثرية النيابية ليشكلوا الحكومة التي يريدون اذا استطاعوا. فإما ان يقبلوا بالحريري أو ليتدبروا أمورهم بعدما أصبحوا مكشوفين”.
تربويا، أثار قرار الوزير طارق المجذوب فتح المدارس اليوم في ظل التفشي المخيف لكورونا وإعلان وزير الداخلية إقفال 169 بلدة استغراب العديد من لجان الأهل والعاملين في الحقل التربوي والجمعيات الصحية الذين وصفوا القرار ”بالقفز في المجهول، وتعريض التلامذة للخطر”، محملين وزير التربية وحكومة تصريف الأعمال مسؤولية ما قد تسببه هذه الخطوة من أذى.
مصادر مراقبة أشارت لـ “الأنباء” الى أن حكومة حسان دياب تحولت الى “حارة كل من إيدو إلو”، وكل وزير فيها يريد تسجيل إنتصار لنفسه”، وسألت “كيف أن وزير الصحة يعلن يوميا عن الأرقام المخيفة للمصابين ويشدد على الوقاية في وقت يصدر زميل له قرارا بفتح المدارس بدون أن يرف له جفن؟”.
رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي إستغرب عبر “الأنباء” قرار الوزير المجذوب بالتزامن مع قرار إقفال 169 بلدة بما يوازي 10 بالمئة من قرى وبلدات لبنان، مستهجنا التخبط الحاصل بين الوزراء، وسأل “هل جرى الكشف على المدارس الرسمية وتعقيمها؟”، وتحدث عراجي عن “حالات مرضية خطيرة وعدم توفر أمكنة في المستشفيات”.