عقبات كثيرة لا تزال تعترض مسار الاستشارات المُفترضة لتسمية رئيس جديد لتأليف الحكومة رغم انطلاق الوفد الذي أرسله رئيس تيار “المستقبل” سعد الحريري لتسويق ترشيحه للتكليف. وفيما خرجت موقف اعتراضي من ناحية المبدأ من قبل رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط أول من أمس، فإن اعتراضات من نوع آخر واجهها الحريري أمس من قبل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وصلت الى حدود نسف مسعى الحريري ومضمونه.
لكن أجواء بيت الوسط تفيد أن الحريري ينتظر ما ستكون عليه نتائج الإتصالات والإجتماعات ليبني على الشيء مقتضاه، وقد بدأ باستدراك بعض الخطوات في محاولة لإعادة احياء كل التفاهمات مع القوى السياسية، وكان من بين ذلك الاتصال الذي جرى بين الحريري وعضو اللقاء الديمقراطي النائب وائل أبو فاعور.
وبحال تمكّن الحريري من تخطي الهفوات التي وقعت فيها خطوته، قد تصبح الامور في مكان آخر، خاصة اذا حصل على موافقة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وحزب الله وتيار المردة والاشتراكي، فيما يبقى حزب القوات اللبنانية معارضاً وكذلك التيار الوطني الحر بعد موقف جبران باسيل الواضح. وهنا تبرز مشكلة الميثاقية، التي تفرض على الحريري الإسراع في الذهاب الى مشاورات قبل موعد الاستشارات لاتخاذ القرار النهائي حول المضي في ترشيح نفسه ام التراجع امام كل هذه الشروط. ولذلك كان حريصاً على بدء جولة وفده النيابي من زيارة بنشعي لاستطلاع الموقف المسيحي.
وترى مصادر سياسية مواكبة أنه حتى وإنْ أصرّ الحريري على ترشيح نفسه تبقى مشكلة اساسية هي توقيع رئيس الجمهورية على مرسوم تشكيل الحكومة، الذي قد لا يحصل، اذا لم يتوفر التوافق بين الحريري وباسيل. وهذا الأمر سيدفع الحريري الى فتح قنوات التواصل مع رئيس التيار الوطني الحر الذي رفع شروطاً واضحة، وهي إما أن يشكل اختصاصي حكومة من الاختصاصيين، او يشكل سياسي حكومة تكنو سياسية، وهنا سيكون الحريري امام خيار من اثنين، إما الموافقة على هذه الشروط او الاحجام عن مساعيه.
الا ان المصادر لفتت الى أن الاخطر يبقى في ما يرمي اليه باسيل، وهو وصف الدستور “بالنتن والعفن”، ودعوته إلى تعديل صلاحيات رئيس الحكومة المكلف وتعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية، وهنا سيكون الامر صعباً على الحريري في السير بمثل هكذا خيارات او تسويات.
ساعات حاسمة إذاً يتحدد فيها مصير مسعى الحريري، وكيفية التعاطي المحلي والدولي معه. وهو إذ يرفض تأجيل الاستشارات، فإنه في ظل الشروط المرفوعة أصبح من الصعب التوافق قبل موعدها.
على خطٍ آخر، ستبدأ رحلة المفاوضات من أجل ترسيم الحدود البحرية الجنوبية اليوم في الناقورة التي رفع وزير الداخلية محمد فهمي الحجر الصحي عنها، حيث سيتوجّه اليها وفد لبنان للإجتماع مع وفد إسرائيلي، برعاية ووساطة أميركية ممثلة بمساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، وفريق عمل الوزارة، وبحضور الأمم المتحدة.
وفي هذا الإطار، أشار الخبير في القانون الدولي الدكتور شفيق المصري في حديث لجريدة “الأنباء” إلى أن “هذه المفاوضات حسب القانون الدولي يمكن أن تحصل، إذ تتناول شأنا غير سياسي، بل عسكري وإقتصادي، وهذا الأمر متّفق عليه، وبالتالي أي مفاوضات غير سياسية لا تستتبع إعترافا بالدولة المفاوضة، كما لا تستتبع علاقات سياسية”، مذكّرا بـ”لجنة الإرتباط الملحقة بالقرار 1701 التي تضم مندوبين عسكريين لبنانيين وإسرائيليين”.
وفي السياق، شدّد المصري على ضرورة “تأكيد الوفد اللبناني لتقنية المفاوضات، والوفد حتى الآن حريص على أن تبقى في الإطار العسكري والأمني”، لافتا إلى “محاولات إسرائيل تطعيم وفدها بسياسيين، من أجل رفع مستوى التفاوض من الجهة اللبنانية، وبالتالي إلغاء إتفاق الهدنة الذي يُعمل به، والإنتقال إلى مرحلة التفاوض المباشر”.
كما حذّر المصري من “أي تغيير قد يطرأ على الوفد اللبناني لناحية ضم أي مندوب مدني، كممثل عن رئيس الجمهورية أو ما شابه، قد يكون فخاً يقع فيه لبنان من أجل تحوير المفاوضات عن هدفها الأساسي، والذهاب بإتجاه الإعتراف السياسي”، مشيرا إلى أن “الوفد الحالي هو تقني بالكامل، حتى الآن، رغم أنه يضم عضو هيئة قطاع البترول وسام شباط”.
وشدد المصري على “وجوب عدم إعتماد الخط الأزرق كخط حدود، إذ أنه خط إنسحاب، كما أن الترسيم البحري سيتم وفق قاعدة معيّنة، ربما الخط المستقيم “Perpendicular” الذي إعتمدته الأمم المتحدة سابقا في حل نزاعات مشابهة، ورغم انه قد يكون حصل إتفاق مسبق بين رئيس مجلس النواب نبيه بري من جهة، والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى، إلّا أن المفاوضات قد تأخذ سنوات وسنوات”.
إلى ذلك، لا زال لبنان يتخبّط صحياً إثر المستوى العالي الذي يسجّله بإصابات كورونا، مع تسجيل يوم أمس 1245 إصابة جديدة، و13 حالة وفاة إضافية، وهو إرتفاع مقلق في أعداد الوفيات، في ظل غياب لأي إجراء جدّي من الدولة، وغياب الوعي الكافي من قبل الكثير من المواطنين، وعدم التجهيز للجيّد من قبل المستشفيات لمواجهة الأسوأ.
في هذا المجال، يحذّر طبيب الأمراض التنفّسية بيار أبي حنّا “من الوقوع في فخ تدنّي أرقام الاصابات نسبيا في الأيام الأخيرة، وتراجعها من حد الـ1400 إصابة إلى قرابة الـ1010 يوم الأحد”، ويذكّر أن “عدد فحوص يوم الأحد سجّل تراجعا كبيرا، وقد ناهز عددها الـ5000، وبالتالي أعلى نسبة إصابات يسجّلها لبنان مقارنةً بأعداد الفحوص كانت يوم الأحد الماضي”.
وعن أهمية قرار عزل المناطق والقرى، رأى أبي حنّا أن “الموضوع ليس بالسهل، لتداخل الشوارع والأحياء، لكن علينا الإنتظار فترة وجيزة من أجل تقييم الإجراء”.
إلّا أنه وفي سياق الإجراءات، شدد أبي حنا على أن “لا إجراء كافٍ بقدر الأخذ بالتدابير الشخصية، أي إرتداء الكمامة، وممارسة التباعد، وتفادي التجمعات، فهذا الحل الوحيد اليوم، وإلّا الأمور ستذهب نحو الأسوأ لا محال”.
كما ينبّه أبي حنا من “قدرات القطاع الطبي المتواضعة في لبنان، وغير القادرة على مجارات السيناريوهات الأسوأ، ومع وصول القدرة الإستيعابية إلى تخومها، لن يجد المرضى أسرّة من أجل العلاج، وهو واقع بدأنا بتلمّسه”.