الانظار مشدودة اليوم وغداً الى حدثين بارزين الاول الى الناقورة حيث ينعقد أول اجتماع للمفاوضات الغير مباشرة بين لبنان والعدو الإسرائيلي حول ترسيم الحدود البحرية، برعاية الامم المتحدة في الناقورة، وحضور نائب وزير الخارجية الاميركية دافيد شينكر، ومعه السفير الذي سيكلف متابعة الملف جون ديروشر. والحدث الثاني المهم ايضا هو الاستشارات النيابية في قصر بعبدا التي ستحسم تسمية سعد الحريري كرئيس مكلف من عدمه. وتعقيبا على ذلك، تقول اوساط بارزة في 8 اذار لـ«الديار» ان الساعات الـ24 المقبلة حاسمة خاصة بعد لقاء الحريري بالنائب جبران باسيل وبمعاون الامين العام لــ«حزب الله» الحاج حسين الخليل.
الملف الحكومي
بداية وفي الداخل اللبناني، رأت مصادر ديبلوماسية ان لبنان دخل في مرحلة جمود سياسي بفعل الانتخابات الرئاسية الاميركية التي ترخي بظلالها على المسار المحلي. ذلك ان تسمية سعد الحريري غدا ليكون الرئيس المكلف ليس محسوما بما ان المفاوضات التي قام بها لم تذلل العقبات فضلا عن ان مواقف الاحزاب المعلنة باستثناء تيار المردة لم تؤيد الحريري في مبادرته. ولكن في الوقت ذاته يبقى احتمال كبير ان تسمي الكتل النيابية سعد الحريري انما ما هو مؤكد ان تشكيل الحكومة سيتم في مرحلة لاحقة وليس بالسهولة التي يعتقدها الحريري.
من جانبها، كشفت مصادر بارزة في 8 آذار لـ«الديار» ان الرئيس عون لا يحبذ ان يترأس سعد الحريري الحكومة المرتقبة ويرغب ان يكون جواد عدرا او فؤاد المخزومي المرشحان لرئاسة مجلس الوزراء. وبالتالي، لفتت هذه المصادر الى ان الحريري لم يتمكن من الحصول على تأييد مسيحي له. واضافت الى ان المفاوضات بين الحريري والثنائي الشيعي لم تصل الى نتيجة حيث لا يزال سعد الحريري متسمك بتسمية الوزراء رافضا اعطاء الثنائي الشيعي الحق في تسمية وزرائه وعليه تبقى هذه العقدة عقبة امام تأليف الحكومة.
واشارت المصادر في 8 اذار ان المبادرة الفرنسية لم تتطرق الى حكومة اختصاصيين ولم تحدد عدد الوزراء بـ14 وزير لا بل قال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون انه يدعم حكومة توافق وطني. اضف الى ذلك، اعتبرت هذه المصادر ان الحريري لا يحق له القيام بامتحان للاحزاب والكتل النيابية اذا كانت موافقة على المبادرة الفرنسية ام لا.
في النطاق ذاته، كشفت مصادر ديبلوماسية رفيعة المستوى لـ«الديار» ان الرئيس سعد الحريري يصطدم بعقبتين محليتين وعقبتين خارجيتين. وقالت ان العقبة الداخلية الاولى هي ان الثنائي الشيعي لن يتنازل ابدا عن السقف الذي وضعه لناحية تسمية وزرائه اضافة الى التمسك بحقيبة وزارة المالية. وعللت ذلك انطلاقا من ان الثنائي الشيعي يعتبر انه غير مضطر الى الذهاب لتشكيل حكومة في لحظة تحولات خارجية دون ان يكون ممسكا بمفاصل السلطة داخل هذه الحكومة المرتقبة. وهنا رأت الاوساط السياسية ان الثنائي الشيعي وتحديدا حزب الله يرى ان تسمية وزرائه تعطيه حق الفيتو الشيعي لتعطيل الحكومة اذا اتخذت قرارات لا تتناسب مع تطلعاته خاصة ان المرحلة الحالية دقيقة وخطيرة في المنطقة. ولفتت الى ان العقبة المحلية الثانية هي موقف الوزير جبران باسيل الرافض لترؤس الرئيس سعد الحريري حكومة اختصاصيين. واضافت هذه الاوساط السياسية الى انه في حال تشكلت حكومة من غير اختصاصيين فالوزير باسيل يريد شراكة سياسية مع الحريري في الحكومة. وفي هذا المجال تساءلت هذه الاوساط: ما الذي تبدل لكي يطرح سعد الحريري مبادرته اليوم؟ وهنا اعتبرت ان الحريري من الواضح انه راهن على عاملين وهما ترسيم الحدود البحرية ووضع القوى السياسية تقف وظهرها على الحائط وليس امامها خيارات. وفي التفاصيل، اوضحت الاوساط السياسية لـ«الديار» ان الحريري يعتقد ان ترسيم الحدود سيؤدي الى تليين الموقف الاميركي تجاه لبنان فضلا عن ان القوى السياسية في موقع ضعف وبالتالي ستكون مضطرة ان تضع الماء في نبيذها من اجل ان تقدم تسهيلات امام تشكيل الحكومة. وعلى هذا الاساس، اعتبر الحريري ان الحكومة التي سيشكلها ستكون لفترة زمنية محددة وهي ستة اشهر وعليه يؤمن الحريري انه لا داعي الى التصعيد من قبل القوى السياسية اللبنانية.
اما عن العقبتين الخارجيتين، اشارت الاوساط السياسية للديار ان العقبة الاولى هي ان المملكة العربية السعودية ليست في وارد التسهيل والتغطية لتأليف حكومة بقيادة الحريري الامر الذي اعتاد عليه الاخير. اما العقبة الثانية الخارجية، فقد اعتبرت هذه الاوساط ان الولايات المتحدة تميز بين مفاوضات ترسيم الحدود وبين المسار الحكومي حيث انها ليست في وارد المقايضة في هذا النطاق.
وتابعت الاوساط السياسية ان هذه الاجواء السياسية السائدة تشير الى انه لا يوجد اي تطور سياسي وهذا سيضع الرئيس سعد الحريري امام خيارين. الخيار الاول وهو تأجيل الاستشارات النيابية اما الخيار الثاني اعتذار الحريري عن عدم اكمال مشاوراته في تشكيل الحكومة علما اذا كانت حكومة غير اختصاصيين فلن يحصل لبنان على مساعدات مالية هو بأمس الحاجة اليها.
أول اجتماع لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية
بموازاة ذلك وحول المفاوضات الغير مباشرة لترسيم الحدود البحرية بين الوفد اللبناني التقني ووفد الكيان الصهيوني بحضور الاميركيين كمسهلين للمباحثات وبرعاية الامم المتحدة، اعطى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تعليماته وتوجيهاته للوفد اللبناني بان «هذه المفاوضات تقنية ومحددة بترسيم الحدود البحرية، وان البحث يجب أن ينحصر في هذه المسألة تحديدا».وفضلا عن ذلك اوضح عون للوفد المكلف بالتفاوض غير المباشر على ان تبدأ المفاوضات على أساس الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة برا التي نصت عليها اتفاقية بوليه نيوكومب عام 1923 والممتد بحرا، استنادا الى تقنية خط الوسط من دون احتساب أي تأثير للجزر الساحلية التابعة لفلسطين المحتلة، وفقا لدراسة أعدتها قيادة الجيش اللبناني على أساس القانون الدولي.
وأمل الرئيس عون «ان يتم التوصل الى حل منصف يحمي الحقوق السيادية للشعب اللبناني».
ويشار الى ان الوفد اللبناني يترأسه العميد الركن الطيار بسام ياسين، والأعضاء هم العقيد الركن البحري مازن بصبوص وعضو ادارة قطاع البترول المهندس وسام شباط والخبير الدكتور نجيب مسيحي.
واتفاقية بوليه نيوكومب وقعت بين 1920 و 1923، هي اتفاقيات الحدود الفرنسية – البريطانية، وتحتوي على سلسلة من الاتفاقية الموقعة بين حكومة بريطانيا وفرنسا على موقف وطبيعة الحدود بين الانتدابين البريطاني والفرنسي، وهما فلسطين والعراق الممنوحين لبريطانيا، وسوريا ولبنان الممنوحين لفرنسا انذاك . وقالت الاتفاقيات على ان خط الحدود السورية الفلسطينية بين البحر المتوسط وبلدة الحمة. ويذكر ان بلدة الحمة كانت قرية فلسطينية تبعد 22 كم من جنوب شرقي مدينة طبريا و65 كم من جنوب غربي مدينة القنيطرة. وسميت الاتفاقية على اسم الكولونيل الفرنسي ن. بوليه والكولونيل البريطاني س.ف.نيوكومب اللذان تم تعيينهما لرئاسة لجنة الحدود.
حزب الله يتحفظ على وجود مدنيين في الوفد اللبناني المفاوض
الى ذلك، اكدت مصادر في حزب الله للديار تحفظها على وجود مدنيين في الوفد مشددة على الوفد المفاوض كان يجب ان يقتصر على ضباط في الجيش اللبناني اما الخبراء وهم مدنيين في حال استدعى الامر وجودهم فيجب ان يكونوا خارج قاعة المفاوضات الغير المباشرة. من هنا قالت هذه المصادر ان مشاركة المدنيين ولو كخبراء في الجلسة الاولى وهما عضو ادارة قطاع البترول المهندس وسام شباط، الخبير الدكتور نجيب مسيحي ليست محل ترحيب على اعتبار انها مفاوضات تقنية والضباط وهما العميد الركن الطيار بسام ياسين، والعقيد الركن البحري مازن بصبوص خير من يمثل لبنان بما لهم من خبرة وتجربة.
الوزير باسيل: دستورنا نتن والقبول بالحريري هو تكرار للخطأ
من جهته، قال رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل خلال المؤتمر الذي عقده في ذكرى 13 تشرين ان: «لا إمكانية للعيش والاستمرار مع هذا الدستور النتن والعفن، الذي أتانا بالدبّابة، واكمل علينا بالفساد و«هلّق بدّو ينهينا بالجمود والموت البطيء»! وتابع: «الطائف وصلنا اليه بكلفة عالية ودفعنا ثمنه 30 سنة تخلّفاً وفساداً وانهياراً، والدساتير تعدّل! وخاصةً اذا كانت مولّدة للمشاكل لا الحلول! ودستورنا، هناك آلية لتعديله ولتطويره من دون حروب، لا بل بالتفاهم!».
وشدد باسيل في كلمته ان التيار الوطني الحر لا يريد التقسيم ويعتبره قضاء على لبنان الرسالة والكيان انما في الوقت ذاته اعرب عن تأييده لطرح اللامركزية بمعناها الواسع مشيرا الى ان الإستمرار بالتعامي لن يأخذنا الاّ الى صيغ متشدّدة أكثر حولها! واكد في هذا الاطار انه: «يجب ان تكون لدينا الجرأة بالذهاب اليها متفاهمين، فهي لا تفكّك الدولة بل تشذّب المجتمع وتكرّس ادارة سويّة للتعدديّة». وتابع: «نحن لا نريد الفيديرالية، أكرّر، ليس لأنّها تقسيم، بل لأنّها صيغة اتحاديّة متقدّمة للحكم لسنا جاهزين لها في مجتمعاتنا بعد».
اما عن ترشيح سعد الحريري لرئاسة الحكومة، استطرد الوزير جبران باسيل بالقول: ما فينا نقبل بشخص بعدو عم يقول بعد 30 سنة انّو بدّو يحافظ على نفس السياسة ونفس الأشخاص ويتوقّع نتائج مختلفة عن سرقة أموالنا وودائعنا وسحبها وخطفها للخارج»! وبحسب القول الشهير: «الغبي هو يلّي بيعمل نفس الشي مرتين وبنفس الأسلوب وبيتوقّع نتائج مختلفة».
ودعا باسيل الى تعديل دستوري يقضي بالزام رئيس الحكومة المكلّف بمهلة شهر كحدّ أقصى لتأليف الحكومة وحصوله على موافقة وتوقيع رئيس الجمهورية على مرسوم التأليف، وإلاّ اعتباره معتذراً حكماً، وإعادة فتح مهلة الشهر المعطاة لرئيس الجمهورية للإستشارات.
مصادر في الوطني الحر: قوات جعجع مسكونة بالحرب
وحول معلومات تتهم القوات اللبنانية بميلها للقتال مجددا، ميزت مصادر في الوطني الحر بين «قوات سمير جعجع» على حد تعبيرها وبين رجال في القوات اللبنانية يحترمون القانون ولا يحبذون اي عمل خارج اطار الدولة. وقالت هذه المصادر للديار ان قوات سمير جعجع مسكونة بالحرب والاعتداءات وما جرى من استعراض عسكري في ذكرى بشير الجميل و احداث ميرنا الشالوحي يطرح علامات استفهام متسائلة: هل قوات سمير جعجع تريد اعادة الحرب والاستثمار بالدم؟ وتابعت ان قائد القوات اللبنانية سمير جعجع يسعى لاظهار صورة رجل الدولة لكنه داخليا ربما لا يزال رجل الميليشيا الذي عرفه اللبنانيون في زمن الحرب الاهلية وفقا لهذه المصادر في التيار الوطني الحر.
على صعيد اخر، اكدت المصادر في التيار الوطني الحر ان مي خريش، نائب رئيس تيار الوطني الحر للشؤون السياسية عبرت عن نفسها في البرنامج مع الاعلامي طوني خليفة مشيرة الى ان التيار الوطني الحر لا يتبنى كلامها. ويذكر ان مقابلة مي خريش مع طوني خليفة اثارت ردود فعل كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي خاصة عند سؤالها اي بلد تختار السعودية او ايران فكان جوابها انها تختار ايران.
القوات اللبنانية
بدورها، اكدت القوات اللبنانية انها عندما سلمت سلاحها للدولة جاء ذلك انطلاقا من ايمانها بمشروع الدولة اللبنانية ومن المعلوم ان القوات هي التي غطت وساهمت في انهاء الحرب الاهلية في لبنان لادراكها ان الحرب كلفتها كبيرة وان السلم هو الخيار الوحيد الذي يشكل مشروع حماية لكل اللبنانيين تحت مظلة الدولة. واشارت المصادر القواتية الى ان القوات دخلت في عملية السلام ولكن حصل انقلاب عليها وسجن الدكتور سمير جعجع لاحقا. وتابعت ان القواتيين حملوا السلاح في زمن الحرب اضطراريا نتيجة تفكك الدولة وسقوطها آنذاك، وبالتالي اليوم لن يكون اطلاقا خيارهم حمل السلاح مجددا خاصة ان كل اهداف حزب القوات اللبنانية عام 1990 وأيضا عام 2005 هي دفع من يحمل السلاح الى ان يسلمه للدولة اللبنانية. واعتبرت المصادر القواتية ان الدولة تشكل المساحة المشتركة الوحيدة بين جميع اللبنانيين.
وعلى صعيد تردد معلومات عن استعراض عسكري قواتي حصل في 14 ايلول الماضي اي في ذكرى بشير الجميل ، نفت المصادر هذا الاتهام موضحة انه كان عرضا للكشافة. وهنا تحدت المصادر القواتية ان ينشر اي مصدر او حزب صورة تظهر ان عناصر قواتية كانت تحمل سلاح في العرض الذي حصل في ذكرى 14 ايلول الماضي او في ذكرى شهداء القوات. ورأت ان اسباب الهجمة على القوات وسمير جعجع واضحة المعالم وهي لان القوات اللبنانية في حالة صعود شعبية وسياسية وتحديدا في البيئة الشابة وخير دليل على ذلك الانتخابات في الجامعة الاميركية – اللبنانية في جبيل التي اكدت ان القوات لم تتراجع شعبيتها على غرار احزاب اخرى بعد ثورة 17 تشرين حيث حصلت على 10 مقاعد لها في وقت حصل المستقلين على اربعة مقاعد ومقعد لحركة امل. واضافت المصادر القواتية ان هذه النتيجة في الجامعة والاحصاءات التي تقام لمعرفة شعبية الاحزاب من الطبيعي ان تثير خوف الاخرين من القوات بما انها في الطليعة على الصعيد الوطني وايضا في قلب البيئة المسيحية.
وحول قول الوزير جنبلاط ان رهانات جعجع خاطئة، اكدت المصادر القواتية انها لا تراهن الا على صندوق الاقتراع الكفيل في قلب النتائج وان التغيير الحقيقي لا يحصل الا من خلال تغيير في الارادة الشعبية.