مع نسبة 90% للتقيّد بالإقفال العام سجلتها وزارة الداخلية، وإشادة وزير الصحة بالنتيجة، يدخل لبنان اليوم الثالث للإقفال وآمال بتدنّي عدد الإصابات وعدد الوفيات، وتقدّم خطة تجهيز المستشفيات، وبالتوازي يبقى الاهتمام بالمشهد السياسيّ أولوية اللبنانيين مع الطريق المسدود للمسار الحكومي، في ظل تشدّد أميركي على كل مسعى للخروج من الأزمة حملته العقوبات المتزامنة مع كل مسعى حكومي يقترب من تحقيق نتائج، فكما حصل مع مشروع حكومة السفير مصفى أديب يحصل مع مشروع حكومة الرئيس سعد الحريري، عقوبات في منتصف الطريق الحكوميّة تُحرج الطرف المستهدف بتعقيد طريق التنازلات أمامه، وتضغط على الرئيس المكلف لتشكيلة توحي بأن العقوبات حققت أهدافها بإضعاف الطرف المستهدَف.
العقوبات الأميركية التي صاغت معادلتها السفيرة الأميركية بطريقة تغطية الفساد مقابل تغطية السلاح، وأنهتها بالتهديد بتكرار الغياب الخليجيّ عن لبنان، وحملت معلومات واشنطن ما يشير الى تواصلها باستهدافات جديدة هذا الأسبوع، ووصل حدود الجنون في استهدافاتها مع مقترحات بعض النواب الجمهوريين للمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي كان ضيفاً على مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت أوبراين قبل أسابيع قليلة، أثارت أسئلة كبرى حول الأهداف التي تتخطى ما يُقال عن كونها مساراً روتينياً مرتبطاً بالعمل ضد حزب الله الى حد التساؤل عن نيّة ضرب الاستقرار في لبنان ومنع قيام دولة، فعندما يستهدف مدير مؤسسة أمنيّة حكوميّة ويكون هو اللواء إبراهيم الذي يحظى بثقة داخلية وخارجية عالية، ويتولى مهام إقليميّة تعرفها وتهتم بها وتستفيد منها واشنطن، يصير السؤال أكبر من استهداف الشخص الى التساؤل عما إذا كانت الدعوات التي أطلقها معهد واشنطن المؤيد لكيان الاحتلال لإنزال عقوبات بحق ضباط وقيادة الجيش اللبناني للضغط على موقف لبنان التفاوضيّ في ترسيم الحدود.
العقوبات الأميركيّة والملف الحكومي وما بينهما من ترابط حضرت في موقف للحزب السوري القومي الاجتماعي الذي رفض سياسة العقوبات ودعا للإسراع في تشكيل الحكومة، ستحضر في باريس على مائدة لقاء الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون بوزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، حيث الاهتمام الفرنسي بالملف الحكومي الذي ترجمته زيارة الموفد الرئاسي باتريك دوريل الى بيروت، وباتت نتائج مهمته بين أيدي الرئيس ماكرون، يحتاج إلى قدر من الدعم الأميركي الذي كشف ماكرون أنه لم يتوفر خلال مهمة السفير مصطفى أديب لتشكيل الحكومة ويأمل ماكرون من لقائه بالوزير بومبيو أن يحصل عليه لمهمة الرئيس الحريري، ليتسنّى له وضع خريطة سير بين النقاط الأميركيّة في المهمة الحكوميّة، التي دخل الفرنسيون في تفاصيل أسماء الوزراء وتوزيع الحقائب فيها. وقالت مصادر مواكبة للمهمة الفرنسية أنها تنطلق من السعي لتسمية بدائل للأسماء التي تعثرت عندها التشكيلة الحكومية بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، وبصورة خاصة في حقيبتَيْ الداخلية والطاقة.
يُفترض أن تعود الاتصالات في الساعات القليلة المقبلة تمهيداً لتحديد مصير المشاورات الحكوميّة ليُبنى على الشيء مقتضاه، حيث من المرتقب أن تستأنف اللقاءات بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري خلال الساعات الـ 48 المقبلة حيال الحكومة المرتقبة وعدد أعضائها وتوزيع الحقائب، خاصة أن النائب جبران باسيل لا يزال متمسكاً باختيار الوزراء، في حين ان الرئيس الحريري لا يزال يعارض ذلك. وافادت مصادر مطلعة لـ”البناء” ان الموفد الفرنسي باتريك دوريل دعا المسؤولين اللبنانيين الى ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة، من اجل العمل على عقد مؤتمر الدعم الدولي الذي يهدف الى دعم لبنان ومساعدته خاصة أن لا مجال لأي مساعدات غربية للبنان من دون تشكيل حكومة تنفذ الإصلاحات وتضع حداً للفساد. ومع ذلك ترجّح المصادر أن يطول أمد الأخذ والرد والدخول في مراوغة من شأنه ان تجعل طريق التأليف طويلاً في ظل الخلافات المستمرة على الحصص.
وكان الموفد الفرنسي نجح في إجراء محادثة بين الحريري وباسيل، فسأل الموفد الرئاسي الفرنسي رئيس التيار الوطني الحر إذا كان يوافق على التحدّث مع الحريري، فأجابه لا مانع من ذلك ولا مشكلة شخصية بيننا، فما كان من الموفد الفرنسي إلاّ أن اتصل بالحريري وقال له أنا في منزل الوزير باسيل وهو يريد أن يتحدّث معك، فحصل الاتصال الذي دام لأقل من دقيقة.
إلى ذلك، يقدّم دوريل تقريره اليوم الى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ويتضمّن تأكيداً على أنّ ملف الحكومة يشهد مراوحة ولا إمكانيّة لعقد مؤتمر لمساعدات لبنان التي ستقتصر على الغذاء والتربية.
الى ذك من المرجّح أن يطرح ماكرون ووزير خارجيّته جان ايف لودريان اليوم مع وزير الخارجيّة الأميركي مايك بومبيو الذي وصل باريس السبت موضوع العقوبات على سياسيّين لبنانيّين.
وحضّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس كل القوى السياسية في لبنان على “تسهيل” تشكيل حكومة جديدة تتمكن من وضع خطة اقتصادية “تيسّر” معاودة المناقشات مع صندوق النقد الدولي، معبراً عن “قلقه البالغ” من توقعات تفاقم انعدام الأمن الغذائي والفقر في لبنان، وكذلك من التقارير التي تفيد بأن “اللبنانيين بدأوا في الهجرة غير النظامية عن طريق البحر”. وقال في أحدث تقرير له حول تنفيذ القرار 1701 إن امتلاك “حزب الله” للأسلحة خارج سيطرة الدولة يمثل “انتهاكاً خطيراً” للقرار 1701. ودعا السلطات اللبنانية إلى “منح (اليونيفيل) حق الوصول الكامل إلى كل المواقع المطلوبة شمال الخط الأزرق، لإجراء تحقيقاتها على وجه السرعة”، معبراً عن “القلق من عدم تمكن (اليونيفيل) من الوصول” إلى مواقع عدة للتحقيق في الأنفاق التي تعبر الخط الأزرق، وكذلك إلى موقع منظمة “أخضر بلا حدود”.
وسأل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي هل هذا التمادي في تعطيل تشكيل الحكومة والاستهتار بمصالح الشعب والوطن جزء من مشروع إسقاط دولة “لبنان الكبير” لوضع اليد على مخلّفاتها؟ لا نستطيع أن نرى هدفًا آخر لهذا التعطيل المتمادي المرفق بإسقاط ممنهج للقدرة الماليّة والمصرفيّة، وبإفقار الشعب حتى جعله متسوّلًا.
وسأل في عظة الأحد أمس، ألا تريدون بعد اليوم، أيّها المعطّلون المتمادون من مختلف الأطراف، دولة مدنيّة تفصل بين الدين والدولة، ودولة متعدّدة الثقافات والديانات.
لا تريدون بعد مئة عام من حياة لبنان دولة ديمقراطيّة منفتحة على جميع دول الأرض؟ ألا تريدون بالتالي دولة حياديّة ذات سيادة كاملة تفرض هيبة القانون والعدالة في الداخل، وتدافع عن نفسها بقواها الذاتيّة بوجه أيّ اعتداء خارجيّ، وتلعب دور الوسيط من أجل الاستقرار والسلام وتعزيز حقوق الإنسان والشعوب في المنطقة؟
وأضاف الراعي: ”إذا كنتم لا تريدون كلّ ذلك، فإنّكم تستبيحون الدستور والميثاق وهويّة لبنان ورسالته في الأسرتين العربيّة والدوليّة. وهذه هي الهوّة بينكم وبين الشعب اللبناني الّذي يريد حكومة مستقلّة بكامل وزرائها لا بقسم منهم. هذا هو المخرج الوحيد لحلّ الأزمة العالقة”. وأكّد أنّ الكنيسة ترفض أيّ اصطفاف تقسيميّ، يفتّت الشراكة، ويحوّل لبنان ساحة صراع بين مشروعي الأقليّات والأكثريّات في المنطقة.
إلى ذلك أكد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي وائل الحسنية بمناسبة السادس عشر من تشرين الثاني عيد تأسيس الحزب ضرورة الإسراع في تشكيل حكومة تتمتع بالاحتضان والقرار السياسيّين، وتتحمّل مسؤولياتها لمعالجة الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية ورعاية شؤون المواطنين، فإننا نحذّر من محاولات أميركية ترمي الى العرقلة والتعطيل على قاعدة، اما القبول بالشروط والاملاءات الأميركية، واما البقاء في دوامة الفراغ والأزمات المستفحلة.
وشدّد على أن لا خلاص للبنان إلا من خلال قيام دولة مدنيّة قوية وقادرة، على قاعدة التمسك بالثوابت والخيارات الوطنية، وفي مقدّمها تثبيت معادلة الجيش والشعب والمقاومة في مواجهة العدو الصهيوني، وتعزيز خيار المواجهة من خلال التنسيق والتعاون مع سورية بموجب معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق المثبتة في اتفاق الطائف. كما أكد ضرورة الالتزام بثابت السلم الأهلي والتصدّي لكلّ مشاريع التقسيم والفدرلة، التي يحاول البعض أخذ لبنان إلى أتونها الهدّام.
وأبدت مصادر مطلعة في تكتل لبنان القوي لـ”البناء” استغرابها مسارعة بعض القوى الى ربط التأليف الحكومي بالضغوط الخارجية التي يتعرّض لها التيار الوطني الحر في اشارة الى العقوبات على رئيسه النائب جبران باسيل قائلة ان تكتل لبنان القوي لا يزال على موقفه المسهل لتأليف الحكومة وفق المعايير الموحدة، مشددة على أن التيار الوطني الحر لا يطالب الا باحترام الميثاقية والدستور في عملية التشكيل من دون التمسك بأي مطلب، لافتة الى ان المداورة يجب أن تكون شاملة لا مجتزأة.
واعتبر النائب جبران باسيل أن التدقيق التشريحي في حسابات مصرف لبنان واجب وطنيّ وأولوية مطلقة وباب للتدقيق بكل الإنفاق العام. وعلى الحكومة فرض التدقيق بقوة القوانين الموجودة، وعلى مجلس النواب الدعم والتحصين، وعلى مصرف لبنان الاستجابة الفورية تحت ضغط حقوق الناس. وأضاف: ”التيار واحد وحاسم حول هذا المطلب وكل كلام عن تقديم قانون إضافي، إذا لزم واذا تأمّن إقراره، هو من باب الحرص على إتمام التحقيق وليس عرقلته”.
على خط كورونا والاجراءات المرتبطة بها دخل قرار إقفال لبنان اعتباراً من الخامسة فجراً حيّز التنفيذ ليدخل المواطنون في حالة تقييد لحركتهم تحت طائل تغريم كل مخالف والتشدّد في قمع المخالفات. وفي اليوم الأول بدت نسبة الالتزام عالية وبلغت في المناطق كافة نحو 95 في المئة. وتزامناً مع تطبيق قرار التعبئة العامة، أقامت قوى الأمن الداخلي حواجز على الأوتوسترادات والطرق الرئيسية والفرعية للتأكد من الالتزام بالإجراءات الوقائية، وتسطير محاضر ضبط بحقّ المخالفين، لا سيما عدم الالتزام بقرار سير المركبات بحسب رقم اللوحة وعدم التقيد بإجراءات الوقاية حفاظاً على السلامة العامة. كما قام الجيش اللبناني بدوريات في جبل البداوي، حيث عمد الى اغلاق المحال المخالفة لقرار التعبئة العامة. وليس بعيداً أعلنت وزارة الصحة العامة، تسجيل 1163 إصابة جديدة بفيروس كورونا و11 حالة وفاة.