سيطر جواً من التشاؤم على الساحة اللبنانية بعد مغادرة المستشار الفرنسي للرئيس ماكرون العاصمة اللبنانية متوجها الى باريس، حيث سيُقدّم تقريره اليوم الى الرئىس الفرنسي ايمانويل ماكرون، حول نتائج زيارته لبيروت واجتماعه مع كل الاقطاب ورؤساء الكتل والاحزاب، وطبعا مع الرؤساء الثلاثة عون ـ بري ـ الحريري.
واجواء التشاؤم نتجت عن افتراضات وضعتها وسائل الاعلام والاحزاب السياسية والرؤساء، تشير الى ان المستشار الفرنسي دوريل كان يجب ان يصل الى نقطة تقدم في تأليف الحكومة، لكن الواقع ليس صحيحاً، لانه جاء ليسمع كل وجهات النظر وليعرف المشكلة الحقيقية التي تحول دون تأليف الحكومة ثم يرفع تقريره الى الرئيس الفرنسي الذي وحده يقرر الخطوات الفرنسية حيال لبنان، ويقرر مع من يتصل هاتفياً سواء مع رئىس الجمهورية العماد ميشال عون ام مع الرئىس الحريري ام مع الوزير جبران باسيل لدعوتهم ضرورة تجاوز المشاكل والاسراع بتشكيل الحكومة، ولم تكن مهمة المستشار الفرنسي دوريل تأليف الحكومة اللبنانية او إزالة العقبات أو حل عقدة التمثيل المسيحي او توزيع الحقائب، بل كانت فقط الاستماع وطرحه اسئلة على الذين قابلهم، مع وضع محضر لكل اجتماع، على ان يختصر كل محاضر الاجتماعات بتقرير واحد واقتراحات يقدمها الى رئيسه في قصر الاليزيه، وكل ما قام به المستشار الفرنسي انه جعل الحريري وباسيل يتكلمان لمدة دقيقة واحدة على الهاتف وليس اكثر من ذلك.
رئىس الجمهورية العماد ميشال عون كان قد شرح للمستشار الفرنسي ضرورة اجتماع الحريري وباسيل لحل عقدة التمثيل المسيحي وتوزيع الحقائب، وانه كرئىس جمهورية ينظر الى الخطوط العريضة بمرسوم تشكيل الحكومة ويوقع عليه او يطلب تعديلات فيه. ولكن اذا كان المطلوب تشكيل حكومة تعطيها الكتل النيابية الثقة، فكتلة لبنان القوي الذي يرأسها الوزير جبران باسيل هي اكبر كتلة مسيحية مع تحالف مؤلف من 22 نائباً يُضاف اليه عدد حلفاء التكتل الذي يصل الى 29 نائبا، ولذلك لا بد ان يجتمع الرئيس المكلف مع رئيس كتلة لبنان القوي الوزير جبران باسيل.
وعندما اجتمع المستشار الفرنسي دوريل مع الحريري وابلغه موقف رئىس الجمهورية عن ضرورة اجتماعه بباسيل قال الحريري انه لن يجتمع مع رؤساء الكتل كي لا يظهر ان رؤساء الكتل قاموا بتعيين الوزراء، بل حصل الامر بالتواصل عبر مندوبين وموفدين من كافة الكتل، حتى يتم الاتفاق على الاسماء، وانه من حيث الشكل اذا اجتمع مع باسيل وبحث معه في التمثيل المسيحي سيسقط مبدأ استقلالية الوزراء، لان هذا الاجتماع عندما يحصل ويتم التوافق على الاسماء سيظهر ان باسيل اختار الوزراء، وبالتالي فإن الحريري ليس مستعداً للتخلي عن الشكل، ويريد التواصل مع رئىس الجمهورية بعدما اتفق معه على ان تكون الحكومة من18 وزيراً مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، دون ان يذهب الحريري الى الرئىس بري او النائب محمد رعد رئىس كتلة الوفاء للمقاومة او الوزير سليمان فرنجية او الوزير وليد جنبلاط او كل رؤساء الكتل والاحزاب المعنية بتشكيل الحكومة، واذا اجتمع مع باسيل فسيكون اجتماعه ضربة قاضية من حيث الشكل وليس المضمون في تحرّكه، على اساس ان الدستور اناط به وبرئيس الجمهورية تأليف الحكومة.
ان عقد الاجتماع مع باسيل يعني ان الحريري ابتعد عن كافة رؤساء الكتل ولم يجتمع بهم واستثنى من الامر باسيل، وهذا الامر لا يمكن القيام به، بل على رئيس الجمهورية، كونه الاب الروحي للتيار الوطني الحر ولتكتل لبنان القوي، ان يقول للحريري مطالب باسيل، والا على الحريري ان يجتمع من جديد بكافة رؤساء الكتل والاحزاب في المجلس النيابي، ويبحث معهم ما جرى الاتفاق عليه، وهنا سأله المستشار الفرنسي هل لديك مانع من ان تتكلم على الهاتف مع الوزير باسيل عندما ازوره، فأجاب الحريري كلا.
وتقول معلومات متناقضة ان الحريري اتصل بالمستشار الفرنسي عندما كان يزور باسيل وجرى التواصل بينهما، وتقول معلومات اخرى ان دوريل عندما زار باسيل سأله اذا كان يمانع بالتحدث مع باسيل فكان جوابه ايجابي. وهكذا اتصل دوريل بالحريري وتحدث مع باسيل لمدة دقيقة تبادلا فيها التحية والكلام.
كل وسائل الاعلام تحدثت عن ان الموفد الفرنسي ذهب من دون الاتفاق بشأن الحكومة، فيما الواقع انه جاء للاستقصاء وللتعرف عن قرب على حقيقة المشاكل، واستمع من الجميع على طروحاتهم، لكن الجلسة مع باسيل استغرقت كل الوقت حيث شرح باسيل مواقفه بالنسبة للمبادرة الفرنسية التي يؤيدها، لكنه قال ان الحصة المسيحية يجب ان تكون من حصة “تكتل لبنان القوي”، لان القوات والكتائب لن يشاركا في الحكومة، مع اعطاء وزيرين لفرنجية، كما يجب ان ينال “تكتل لبنان القوي” حصّة رئىس الجمهورية.
وينطلق باسيل من طرحه رداً على العقوبات الاميركية بحقه من خلال الحصول على حقائب يختارها، كما يريد 7 وزراء كرد اعتبار للتيار الوطني الحروله شخصياً الذي طالته العقوبات الاميركية، واكد باسيل على ضرورة تمثيل “لبنان القوي” بحقائب مهمة، وان يتم اختيار الوزراء بالتنسيق بينه وبين الحريري، لكن باسيل قال، على الحريري ان يتفاهم مع رئىس الجمهورية، ورئيس الجمهورية يعرف تماماً مواقف ”التيار الوطني الحر”، فاجابه المستشار الفرنسي دوريل ان رئىس الجمهورية العماد ميشال عون هو من طلب منه السعي لعقد اجتماع بينه وبين الحريري، فكيف يحيل باسيل المستشار الفرنسي الى رئىس الجمهورية العماد عون.
كما تناول الحديث بين دوريل وباسيل العقوبات الاميركية التي طالته، وتأثيرها على الداخل اللبناني، وقال باسيل انها عقوبات سياسية وليست بتهمة الفساد، والرد يكون على هذه العقوبات بالاحتفاظ بوزارة الطاقة وست وزارات اخرى للتيار الوطني الحر و6 لـ”لبنان القوي” وحليف ارمني يختاره التيار الوطني الحر طالما ان الحريري اختار وزراء السنة، وطالما ان الثنائي الشيعي اختار وزراءه، وطالما ان الوزير جنبلاط اختار ممثله.
وهنا تقول المعلومات ان الحريري بالتنسيق مع الرئىس الاسبق للحكومة نجيب ميقاتي اختار الوزير الذي يمثل ميقاتي، كما ان الحريري اختار من اللائحة التي قدمها الثنائي الشيعي وانهم غير حزبيين، وايضاً اختار ممثل جنبلاط الذي هو غير حزبي ابداً. ولذلك فان الحريري يريد اختيار اسماء من ضمن اللائحة التي يقدمها رئىس الجمهورية العماد عون او باسيل ويتم التوافق على الاسماء والحقائب بين الرئىس المكلف ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
يبدو ان عقدة التمثيل المسيحي خلقت اجواء التشاؤم لدى الاطراف والوسائل الاعلامية الذين قالوا ان المستشار الفرنسي دوريل فشل في مهمته. وفي الحقيقة، فإن المستشار الفرنسي لم يفشل بل مهمته كانت نقل الصورة الكاملة مباشرة على مستوى اعلى من السفيرة الفرنسية في بيروت الى الرئىس الفرنسي ماكرون مباشرة كي يقرر هذا الأخير مع خلية الازمة ومع المستشار دوريل خطة التحرك لتسريع تأليف الحكومة في لبنان.
وفي معلومات لـ”الديار” من باريس، فإن اوساطاً رسمية فرنسية مطلعة اكدت ان دوريل غير مكلف البحث في تأليف الحكومة بل الاطلاع لاعطاء صورة شاملة ودقيقة للرئىس الفرنسي ماكرون الذي سيقرر هو الخطوات الواجب اتخاذها. ونكرر كما سبق وذكرنا ان ماكرون سيتحرك شخصياً بالاتصال هاتفياً بالشخصيات التي هي على الارجح الرئىس عون والرئيس الحريري والوزير جبران باسيل ويقدم لهم النصائح ويعطيهم رأيه في طريقة الحل كي لا ينهار لبنان كلياً وينــهار اقتصاده انهياراً شاملاً، اضافة الى ازمة الكورونا وانفجار المرفأ والدمار الحاصل وارتفاع الدولار وخسارة الليرة اللبنانية 85 % من قيمتها والهجرة الكبيرة الحاصلة من لبنان الى الخارج والبطالة التي شملت اكثر من 80 الف موظف في كامل الاراضي اللبنانية على الاقل.
الرئىس الفرنسي ماكرون سيكون حاسما في اتصالاته ومحذرا المسؤولين اللبنانيين من ضياع الفرصة الاخيرة ان لم يتفقوا على حل عقدة تمثيل المسيحيين والحقائب المتعلقة بهم، وبالتالي عدم تشكيل الحكومة، فان الوقت الثمين يكون قد ضاع لاسباب ليست جوهرية.
لكن هنالك سؤال آخر: لماذا تطلق واشنطن قنابل العقوبات في كل مرة يكون هناك سعي لتأليف حكومة لبنانية جديدة؟ فقد فعلت ذلك في زمن الرئيس المكلف مصطفى اديب عندما عاقبت الوزيرين علي حسن خليل من حركة امل ويوسف فنيانوس من تيار المردة حيث تمسكت حركة امل بوزارة المالية اكثر من السابق بعد العقوبات، ثم اطلقت اميركا بعد اعتذار مصطفى اديب وتكليف الرئيس الحريري واثناء صلب مهمته عقوبة قاسية على جبران باسيل رئىس التيار الوطني الحر، وهذا ما ادى الى تعطيل تأليف الحكومة، وطبعاً هدف واشنطن هو معاقبة حلفاء حزب الله، سواء حركة امل ام تيار المردة ام التيار الوطني الحر، كي يبتعدوا عن حزب الله، لان الادارة الاميركية محاصرة حزب الله على الساحة اللبنانية من خلال ابتعاد الحلفاء عنه، وهذا برأي الولايات المتحدة يكون قاسياً على حزب الله على ان تضع عليه العقوبات مباشرة، ومثالاً على ذلك، لم تضع عقوبات على الوزير الذي يمثل حزب الله في الحكومة عبر وزارة الصحة، كما لم تفرض عقوبات على نواب حزب الله.
والادارة الاميركية لم تفعل ذلك لانها تريد ابعاد الحلفاء عن حزب الله لمحاصرته، لانها تريد عدم تمثيل حزب الله في الحكومة، لهذا تسعى الى عرقلة تأليفها كي يبقى الفراغ ولا يدخل ممثل عن حزب الله في الحكومة.
وزير خارجية الولايات المتحدة مايك بومبيو يزور باريس وسيجتمع اليوم الاثنين مع الرئىس الفرنسي ماكرون، ويحمل معه عتباً من الرئىس ترامب على الرئىس ماكرون لانه كان من اول المهنئين بالرئيس المنتخب بايدن، وفق وسائل اعلامة اميركية قبل اعلان النتائج رسمياً. كما سيبحث بومبيو مع ماكرون الوضع في لبنان وتشكيل الحكومة. وسيضغط الرئيس الفرنسي على بومبيو كي تخفف الولايات المتحدة العقوبات حالياً على شخصيات لبنانية كي تتألف الحكومة العتيدة في لبنان بسرعة، لان فرنسا ما زالت تعترف بالجناح السياسي لحزب الله وتعتبره غير ارهابي.
بالنتيجة الخلاصة هي: لا يجب التشاؤم حول مهمة المستشار دوريل والقول ان زيارته كانت فاشلة، يجب الانتظار هذا الاسبوع خــطوات من الرئيس الفرنسي ماكرون، وهي التي تقرر اما تأليف الحكومة او الذهاب الى جهنم، كما قال رئىس الجمهورية العماد عون، اذا لم تتجاوب الاطراف اللبنانية مع طلبات الرئىس الفرنسي ماكرون.