“كل ما دق الكوز بالجرة” وانحشرت قوى 8 آذار في زاوية استحقاق دستوري ما، تنطّ فجأة “الأرانب” من أكمام رئيس مجلس النواب نبيه بري وتتفتق حنكته في “عز الحشرة” لتثير في غالب الأحيان طروحات إشكالية أو ملفات مثيرة للجدل، يحرف من خلالها الأنظار عن لبّ المعضلة وجوهرها في البلد. اليوم على ما يبدو تيقّن بري من أنّ الحكومة أصبحت في خبر كان والمطلوب تعويم حكومة 8 آذار وتعتيم الأضواء على بقعة التأليف، فبادر إلى النكء بالمشاعر الطائفية واستثارة “نعرة” قانون الانتخاب بغية تقديمه على أولويات مسرح الأحداث، ربطاً بطبيعته الجاذبة للتجاذب والانقسام بين المكونات الوطنية والبرلمانية.
“الناس بوادي والرئيس بري بوادي”… هكذا علّقت مصادر نيابية معارضة على دعوة رئيس المجلس اللجان المشتركة إلى متابعة درس اقتراحات القوانين المتعلقة بالانتخابات النيابية الأربعاء المقبل، معربةً عن رفضها واستغرابها لإثارة ملف حساس وجوهري كملف قانون الانتخاب في هذا التوقيت الحرج والمصيري للبنانيين، وأضافت: “البلد ينهار ومخزون الخزينة يتدهور والناس تجوع والبطالة تتفشى، فعن أي انتخابات وعن أي ناخبين وعن أي قانون انتخابي نتحدث الآن؟”.
وإذ شددت على أنّ الوضع الاجتماعي والاقتصادي قد ينفجر في أي لحظة، حذرت المصادر من مغبة “تحوير الأولويات في هذه المرحلة، لا سيما وأنّ وضع قانون الانتخابات على الطاولة من شأنه أن يؤجج الأزمة وفتائلها أكثر في البلد”، وأردفت: “بيكفينا يلّي فينا وبدنا مشكل بالناقص”… فالرئيس بري يعلم جيداً أنّ قانون الانتخاب هو موضوع إشكالي وخلافي بامتياز، ومن شأنه أن يثير حساسيات وانقسامات طائفية ومذهبية اللبنانيون بغنى عنها راهناً”.
ودعت رئيس المجلس بدل الضرب على وتر الاستحقاق النيابي في عزّ الأزمة، إلى أن “يضع ثقله في عملية الدفع باتجاه إنجاز الاستحقاق الحكومي باعتباره المدخل الأساس للإصلاح واستنهاض الاقتصاد، عبر تطبيق موجبات المبادرة الفرنسية التي من شأنها أن تفتح أبواب صندوق النقد والدول المانحة لانتشال البلد”، لكنها في المقابل لم تُخف تخوّفها من أنّ تلويح رئيس المجلس بانعقاد اللجان بنصاب “ثلث أعضائها” في حال عدم اكتمال النصاب القانوني في الموعد المحدد، يختزن “إصراراً منه على المشكل” مع ما يعنيه ذلك من اتجاه نحو إحداث اصطفاف طائفي بين الكتل.
في الغضون، رُصدت خلال الساعات الأخيرة معطيات على أكثر من جبهة داخلية وخارجية تشي باستنفار قوى محور الممانعة من طهران إلى بيروت، وبتصعيد هذا المحور لهجة التحدي والتصدي في مواجهة الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، تحدث مراقبون عن معلومات تفيد بأنّ طهران اتخذت قراراً بحشد جبهاتها المترامية في المنطقة العربية، ووضع أذرعها العسكرية على مختلف هذه الجبهات في حالة استنفار قصوى، تحسباً ودرءاً لأي خطر عسكري أميركي محتمل على إيران في نهاية ولاية الرئيس دونالد ترامب.
واسترعى الانتباه في هذا المجال تصاعد نبرة التهديد الإيراني بإشعال “حرب شاملة” في المنطقة رداً على الضغوط الأميركية، بينما أكد قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي أنّ بلاده لن تتقيّد “بمنطقة جغرافية محددة” للدفاع عن مصالحها، مشدداً على اعتماد بلاده “استراتيجية دفاعية مترافقة مع تكتيكات هجومية”… وهو ما يضع لبنان حكماً على خارطة هذه “الاستراتيجية الدفاعية” عن إيران، ربطاً بكون “حزب الله” الذراع العسكرية الأقوى لها في الإقليم و”زنادها” المتقدّم عند الحدود اللبنانية الجنوبية مع إسرائيل.
أما على المستوى السياسي اللبناني، فتؤكد مصادر مواكبة للملف الحكومي أنه “بات من الواضح أنّ هذا الملف دخل على خط الاشتباك الإيراني – الأميركي وتخطى بأبعاده حيّز الحسابات اللبنانية الداخلية”، مشيرةً إلى أنّ “المعنيين في قوى 8 آذار أصبحوا يتحدثون بصراحة عن ربط مباشر بين ولادة الحكومة وبين رحيل ترامب عن البيت الأبيض، لتبقى بذلك الحكومة العتيدة أسيرة “لعبة الأوراق” حتى يحين وقت إهدائها “على طبق إيراني” إلى الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن عند بدء ولايته كعربون تعاون وحسن نوايا”.