يطل لبنان في الساعات المقبلة على محطة احياء ذكرى الاستقلال يوم الاحد المقبل مثقلا بتداعيات وإجواء ثقيلة غير مسبوقة على كل الصعد السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية بما يضفي على هذه المناسبة الوطنية، وسط اخفاق إجراءات التعبئة العامة الراهنة في تخفيف الانتشار الوبائي لفيروس كورونا، مناخا شديد القتامة. ولعل ما يزيد سوداوية الواقع الداخلي في هذه المحطة ان التجاذبات السياسية حول مسار تأليف الحكومة الجديدة تبدو متجهة نحو التصعيد ولا شيء في افق الانسداد يوحي بحلحلة نسبية بعدما انكشفت الأيام الأخيرة عن صعوبة ردم الهوة الآخذة في الاتساع بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الى حدود العودة الفعلية الى مربع البدايات. وقد اتخذت في هذا السياق الإشارات الجديدة الصادرة عن باريس في شأن لبنان طابعا معبرا عن تقويم سلبي، بل بالغ السلبية، لنتائج المهمة التي قام بها موفد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مستشاره باتريك دوريل في بيروت الأسبوع الماضي، وذلك بعدما اخضعت هذه النتائج في ظل تقرير الموفد دوريل لدرس معمق، يبدو انه زاد خيبة باريس ولو لم يجعلها تتراجع عن مبادرتها في لبنان. وبرزت أمس اشارتان في هذا السياق اتخذتا دلالات مهمة. الأولى مع ما نقل عن الرئاسة الفرنسية من ان الرئيس ماكرون يتابع الوضع في لبنان حيث يجب تعيين وزراء تثق بهم الاسرة الدولية، وهي إشارة فسرها المراقبون بانها بمثابة دفع لمنطق اختيار وزراء اختصاصيين غير حزبيين على النحو الذي يتمسك به الرئيس المكلف. واما الإشارة الثانية فكانت في دعوة وزارة الخارجية الفرنسية السلطات اللبنانية الى تسريع التحقيق في انفجار مرفأ بيروت. واتخذت الدعوة أيضا بعدا بارزا في ظل انخراط فرنسا في التحقيقات التي أجريت في الانفجار كما في ظل الدعوات المتصاعدة للمجتمع المدني اللبناني لتسريع اعلان نتائج التحقيقات.
ومع ذلك فان المعطيات المتوافرة عن تعقيدات مسار تأليف الحكومة لا تسمح بتوقعات متفائلة اطلاقا، اذ تفيد المعلومات القريبة من دوائر الحكم ان محركات التأليف توقفت من حيث انتهى اللقاء السريع الأخير بين الرئيسين عون والحريري في قصر بعبدا والذي لم يتجاوز انعقاده العشر دقائق طلب خلالها الرئيس عون من الرئيس المكلف تقديم تشكيلته الحكومية كاملة، بما فيها ضمنا أسماء الوزراء الشيعة، بدلا من البحث في أسماء الوزراء المسيحيين. ولم يتفق بعد هذا اللقاء على موعد الاجتماع التالي. وتلمح هذه المعطيات الى خيار آخر طرح هو الاتفاق على صيغة حكومية جديدة بعد التشاور بين الرئيس المكلف والكتل النيابية باعتبار ان الحكومة ستنال ثقة المجلس ويجب التشاور مع الكتل وليس فقط مع رئيس مجلس النواب.
حقائب “سيدر”
في المقابل تقول الاوساط القريبة من الرئيس المكلف ان الحريري لا يبدي اعتراضا على تسمية رئيس الجمهورية لوزراء كما يشاع، لكن من دون ان يعني ذلك امتلاك الرئيس حصرية التسمية الكاملة للحقائب المسيحية وشرط الا تكون أسماء الوزراء الذين يريدهم فاقعة على طريقة المحسوبيات. ويفهم من هذه الأوساط ان الخلاف يبقى قائما مع بعبدا في المرحلة الراهنة حول القواعد التي على أساسها ستحصل تسمية عدد من الوزراء الذين سيتولون حقائب مهمة مرتبطة بالإصلاحات التي تقررت في مؤتمر “سيدر” والجهة التي ستضطلع بتسميتهم. ويبدو واضحا ان الأمور لم تنضج بعد ولا يستبعد ان يؤدي المضي في إطالة المأزق الى خروج الحريري عن صمته وتسمية الأمور باسمائها.
ولوحظ في هذا السياق ان عضو “كتلة المستقبل” هادي حبيش شدد امس على عدم صحة الكلام عن عدم وجود معايير موحدة في التاليف لافتا الى انه بعد الزيارات المتكررة للحريري لرئيس الجمهورية “كان الأولى ببقية الأحزاب ان تعترض بدل التيار الوطني الحر”. وقال حبيش “سنرى أسماء في الحكومة لم نسمع بها من قبل لكن سيرها الذاتية مهمة للغاية ” وتوقع ان يقدم الرئيس الحريري تشكيلته قريبا “لان الوضع لم يعد يحتمل وهذه ستكون الفرصة الأخيرة للبنان والطبقة السياسية”.
وفي سياق التعامل مع تداعيات المأزق الحكومي اعتبر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط امس انه “أيا تكن الخلافات السياسية فان حكومة حسان دياب هي حكومة تصريف اعمال ولا يحق لها دستوريا ان تعتكف عن العمل الى ان تشكل حكومة جديدة”. وقال ” مر لبنان أيام الحرب بظاهرة حكومتين لكن تسيير المرفق العام قضى باختراع المراسيم الجوالة. اليوم اتخاذ القرارات كالموازنة وغيرها اكثر من ضروري “.
وعلى الصعيد السياسي أيضا وعلى رغم الظروف التي فرضتها جائحة كورونا يحيي حزب الكتائب غدا ذكرى تأسيسه والذكرى الـ 14 لاستشهاد النائب والوزير بيار الجميل في لقاء رقمي عبر تقنيات التواصل عن بعد. وسيلقي رئيس الحزب النائب السابق سامي الجميل كلمة في المناسبة وصفها القريبون منه بانها مفصلية ويطرح فيها تصورا متكاملا للمرحلة المقبلة على قاعدة تضافر جهود اهل التغيير في اطار جامع يسمح بالانتقال الى المواجهة وهو عنوان المرحلة المقبلة .
في أي حال لم تترك الازمة الحكومية أي اثر على مسار التشكيلات التي تستحق في المؤسسة العسكرية اذ جرى امس تعيين العميد انطوان قهوجي مديرا جديدا لمخابرات الجيش مكان العميد طوني منصور لبلوغه سن التقاعد. وقد وقعت وزيرة الدفاع في حكومة تصريف الاعمال زينة عكر قرار التعيين بعدما أنهى المجلس العسكري في اجتماع عقده قبل الظهر برئاسة قائد الجيش العماد جوزف عون بتعيين قهوجي .
في سياق آخر لم تدفع اعداد الانتشار الوبائي لفيروس كورونا باي امال حقيقية على خفض الإصابات وتراجع الانتشار خصوصا ان وزير الصحة في حكومة تصريف الاعمال #حمد حسن اعلن بنفسه بعد اجتماع اللجنة العلمية في الوزارة ان أي تحسن ملموس بخفض عدد الإصابات او نسبة الوفيات لم يتحقق بعد. وإذ شدد على اننا لا نتحمل إقفالا لأربعة أسابيع شدد على شروط التزام التدابير في الأيام العشرة المتبقية من مهلة الاقفال العام كفرصة أخيرة وابرز أهمية زيادة عدد الاسرة في المستشفيات الحكومية والخاصة المخصصة لإصابات كورونا. وكان تقرير وزارة الصحة سجل امس 1909 إصابات و16 حالة وفاة.