انتهت الشعبوية والكيدية ضد مصرف لبنان واصبح التدقيق الجنائي يشمل الوزارات والهيئات المالية الرسمية والصناديق والمجالس والبلديات بقرار من مجلس النواب وليس بتوصية. والقرار اقوى من التوصية اذ يفتح الباب على مصراعيه لهذا التدقيق الجنائي. ورغم اختلاف الكتل النيابية في الاراء، نجح الرئيس نبيه بري في حياكة هذا القرار باسلوب متناغم وغير تنافري وضبط ايقاع خلافات الكتل داخل قاعة الاونيسكو فاتحا الطريق امام التدقيق الشامل الذي لن يقتصر فقط على مصرف لبنان. واجواء الجلسة عكست خلافات في وجهات النظر، ولكن كان هناك قاسم مشترك طغى على المداخلات، وهو توسيع التدقيق ليشمل الجميع فلا مؤسسة «فوق رأسها خيمة». اما الاهم فيكمن في الآلية التي ستعتمد لترجمة قرار مجلس النواب. ويبقى السؤال ايضا: كيف سيجري التدقيق؟ وهل سيستمر هذا الموضوع سلاحاً تتقاذفه السياسة ام انه سيتحول فعلا الى وسيلة للاصلاح ولاستعادة الاموال المنهوبة؟
وخلال الجلسة، برز تباين حول السرية المصرفية، لكن تم تجاوزه من خلال القرار الدقيق الذي صدر عن مجلس النواب: ان اي ذريعة لن تعيق اي تدقيق. وبمعنى آخر، ان السرية المصرفية لن تكون عائقاً امام تدقيق جنائي لحسابات مصرف لبنان، كما لن تكون هناك ذريعة لعدم حصول تدقيق جنائي في الوزارات والهيئات المالية والصناديق والبلديات والمجالس.
من جهته، غرد رئيس الجمهورية بموقف ايجابي على ما اقره مجلس النواب قائلا: «ان تجاوب مجلس النواب مع رغبتنا في تحقيق التدقيق المالي الجنائي في مؤسسات الدولة وإداراتها، إنجازٌ للبنانيين الذين يريدون معرفة من هدر مالهم واستباح رزقهم»، لافتاً إلى أنه أيضاً «اطلالة مضيئة على المجتمع الدولي المتضامن معنا في معركتنا ضد الفساد والهدر».
بدوره، قال رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، في تصريح عبر مواقع التواصل الإجتماعي، أن «مجلس النواب اليوم قام بسابقة باتخاذ قرار»، مضيفا: «لا بأس، ما دام القرار هو أهم من التوصية وما دام يعطي «الغطاء» لمن تذرّع بالحاجة اليه لتزويد شركة التدقيق بالمستندات». و رأى أنه «يبقى ان تعود شركة التدقيق الى عملها فوراً وتستلم ما طلبته، وان تعمل الحكومة على اجراء تدقيق جنائي في كافة ادارات ومؤسسات الدولة وصناديقها.» وختم تصريحه : «في النهاية، اليوم ربح الشعب اللبناني بفضل رئيسه، وحقّق خطوة الى الأمام باتجاه استعادة جزء من حقوقه».
واللافت في جلسة مجلس النواب امس انها المرة الاولى التي يحصل فيها توافق واجماع بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وحزب الله على مسألة هي التدقيق الجنائي في مصرف لبنان . فهذا امر بارز بين القوى المسيحية وحزب الله بأن يجمعوا على هذا المسار.
وتضمنت الجلسة ايضا اقراراً للقانون المقدم من النائب علي حسن خليل لاعتبار شهداء المرفأ كشهداء الجيش، واستفادة الجرحى من الضمان الاجتماعي مدى الحياة.
من جهة اخرى، تقول مصادر وزارية ان تشدد التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية على التدقيق الجنائي على مصرف لبنان له ابعاد سياسية وهي ازاحة الحاكم رياض سلامة من المعترك الرئاسي وليس فقط لاسباب اصلاحية كما يدعون.
والحال انه في وقت يتسابق السياسيون على تسجيل مواقف امام الرأي العام، ينتظر الناس ساعات وساعات لتأمين سرير في المستشفى الحكومي في حين ان المستشفيات الخاصة هي للاغنياء فقط، لان المواطن الفقير لا يستطيع دفع تكاليف العلاج لكورونا او اي علاج لمرض آخر في المستشفيات الخاصة.
وتتساءل اوساط سياسية عما ستفعله القوى السياسية عندما ستتوقف الدولة عن دفع الرواتب للقطاع العام اذا استمرت الازمة المالية على حالها ؟ وماذا سيحل بالناس؟ فلا وزارة تقوم بدورها، لا بل الكل يغرق في صفقات ومزايدات سياسية في خضم الازمة المالية والمعيشية المتردية التي يعيشها الناس.
واذا تحدثنا عن وضع الجيش اللبناني فهو وضع صعب حيث لم تدفع رواتب العسكر، علما ان وزير المال في حكومة تصريف الاعمال غازي وزني وعد قائد الجيش بحل هذا الموضوع قريبا.
ويشار الى ان وزير الداخلية في حكومة تصريف الاعمال محمد فهمي حذر من ثورة الجياع التي ستؤدي الى انفلات امني واجتماعي خطر واستغلال عصابات ومافيات من الفوضى لتقوم بأعمالها بشكل متحرر اكثر.
هذا واجتمع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مساء أمس في قصر بعبدا مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وبحث معه في موضوع دعم المواد الأساسية والضرورية والإجراءات الايلة الى استمرار هذا الدعم في الظروف الراهنة.
الملف الحكومي: الحريري بين مطرقة واشنطن وسندان قصر بعبدا ـ حارة حريك
كشفت اوساط سياسية للديار وجود وجهتي نظر حول المؤتمر الدولي الذي دعا اليه الرئيس الفرنسي ايمانيول ماكرون. وهو يحشد ليكون موسعا ويحصد مساعدات مرضية، والذي سينعقد الاربعاء المقبل في 2 كانون الاول من العام الجاري. والحال ان هناك وجهة نظر ترى ان هذا المؤتمر الدولي سيخدم حكومة تصريف الاعمال في ظل غياب حكومة جديدة وعدم تمكن الرئيس المكلف من الوصول الى خاتمة سعيدة في التأليف، اذ ان حكومة حسان دياب هي التي ستتلقى الاموال في حال حصوله. في المقابل، هناك وجهة نظر اخرى تقول ان اقرار المؤتمر الدولي خلافا للتوجه الذي كان قائما حيث ربط الموفد الفرنسي في لبنان تلازم التأليف مع انعقاد المؤتمر لنيل المساعدات المالية، ان المؤتمر الدولي سيكون جرعة دعم للرئيس المكلف من اجل ان يبقى في موقعه ولا يعتذر وايضا دعماً لرئيس الجمهورية. ذلك ان اي مساعدة للوضع الحالي، اي للمسؤولين الحاليين، تبقيهم في مواقعهم وتبعد انزلاق لبنان الى المزيد من التدهور، اضافة الى ان المساعدات المالية تفرمل الانهيار المالي. وقالت هذه الاوساط السياسية للديار انه ربما يقدم الرئيس المكلف بالتشاور مع الرئيس عون تشكيلة حكومية استباقا لهذا المؤتمر ومواكبة له في الوقت ذاته. واشارت الى ان المؤتمر الدولي الذي تعد له باريس سيكون الحدث السياسي مطلع الاسبوع المقبل لما له من اهمية بالغة على الاقتصاد اللبناني.
اما لجهة التعقيد الحكومي، فان الرئيس سعد الحريري يقف بين مطرقة وسندان. وبمعنى اخر، انه يقف بين مطرقة الولايات المتحدة الاميركية وعقوباتها على لبنان ومساندة المملكة العربية السعودية لها في هذا المجال . يخشى الحريري من ان تُطبّق العقوبات الاميركية على الحكومة اذا سمت الكتل النيابية وزراءها، بالتالي يصبح مكبلا وقدرته على الانجاز تصبح محدودة. وخلاصة القول اذا شملت العقوبات الاميركية الحكومة التي سيؤلفها الحريري، عندئذ ستكون حدوده السراي بدلا من ان تكون حدوده العالمين العربي والغربي.
في المقابل، يواجه الحريري سندان قصر بعبدا وحارة حريك، ذلك ان الرئيس المكلف يدرك ان هناك ميزان قوة لا يمكنه ان يتجاوزه، واي حكومة لا تراعي هذين الطرفين لن تبصر النور.
وعليه، لا يحسد الرئيس الحريري على موقعه الحالي، فهو مجبر على تدارك عوامل خارجية وداخلية، خاصة ان الرئيس جو بايدن لم تتضح سياسته بعد تجاه لبنان والمنطقة، ولا يزال دونالد ترامب في البيت الابيض حتى اواخر كانون الثاني من عام 2021.
اما في المقلب الاخر، فقد قالت مصادر وزارية ان الرئيس عون لا يقبل التنازل عن الثلث الضامن في الحكومة تعويضا للضربة التي تلقاها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وهذا الامر يجمد المشاورات في عملية تأليف الحكومة.
من جهتها، اكدت مصادر التيار الوطني الحر للديار ان الرئيس عون لم يطالب الرئيس المكلف سعد الحريري بالحصول على الثلث الضامن، بل باحترام الميثاقية وبوحدة المعايير في تسمية الوزراء مشيرة الى ان المشكلة عند الحريري. ذلك ان الولايات المتحدة هددت الحريري بعقوبات عليه وعلى تياره السياسي، وفقا لمصادر الوطني الحر، في حال شكل حكومة ضمت وزراء تابعين لو بطريقة غير مباشرة لحزب الله. وتابعت انه على هذا الاساس يعرقل الحريري داخليا كيلا تفرض عقوبات عليه، كاشفة ان احد وجوه العرقلة تمسكه بتسمية الوزراء المسيحيين والسماح للرئيس عون فقط بوزيرين مسيحيين، علما ان رئيس الجمهورية شريك في تأليف الحكومة وفقا للدستور. واضافت هذه المصادر ان الرئيس سعد الحريري لم يقدم اي مسودّة حكومية للرئيس عون حتى اللحظة.
المحققون الفرنسيون: انفجار مرفأ بيروت غير ناتج من اهمال ضيق النطاق
علمت الديار ان قنوات فرنسية افادت للقاضي صوان من خلال التحقيق التقني الذي اجراه المحققون الفرنسيون في انفجار مرفأ بيروت ان الانفجار غير ناتج من اهمال وظيفي ضيق النطاق، بل لاسباب اخطر من ذلك.
اما عن طلب القاضي فادي صوان من الرئيس بري الموافقة على رفع الحصانة عن وزراء العدل والاشغال والمالية السابقين لانه يعتبر ان عليهم مسؤولية سياسية وتقنية، فقد اعتبرت مصادر سياسية ان هذا الطلب هو للحصول على غطاء سياسي ليتمكن من تنفيذ قراره الاتهامي ويجعل هؤلاء الوزراء يخضعون للمساءلة امام المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
من جهة اخرى، هناك وجهة نظر قانونية يعتمدها المدعي العام السابق حاتم ماضي تخالف رؤية نظر القاضي صوان حيث تعتبر ان القاضي العدلي ليس بحاجة لموافقة مجلس النواب لملاحقة الوزراء في قضية المرفأ. ذلك ان اي موافقة تحتاج الى ثلثي اعضاء الهيئة العامة لدى مجلس النواب، وبالتالي هذا الامر من المستحيل تحقيقه في ظل التوازنات السياسية الموجودة.
وفي هذا السياق، قالت مصادر في التيار الوطني الحر للديار ان القاضي صوان له الحق في ان يتهم وزيراً بعد اصدار القرار الظني به، وعندئذ يتم البحث في رفع الحصانة عن هذا الوزير اذا توافرت ادلة كافية لادانته. واعتبرت ان قيام قاضي التحقيق فادي صوان بتوجيه رسالة الى الرئيس بري بأخذ موافقة الهيئة العامة، اي بالحصول على غطاء سياسي، هو محاولة لرمي الكرة في مكان آخر بهدف ازالة المسؤولية عنه. وكشفت انه في تقرير القاضي صوان يتكلم بشكل عام حيث يقول «رؤساء حكومات سابقين» تقع عليهم مسؤولية ولكن دون تسميتهم، وهذا يدل على ان لا جدية في العمل في انفجار مرفأ بيروت.
مصادر في التيار الوطني الحر: نتوقع عراقيل جديدة في التدقيق الجنائي لمصرف لبنان
من جهتها، لم تؤكد ولم تنف مصادر في التيار الوطني الحر المعلومات التي تقول ان المصرف المركزي الفرنسي يدقق في حسابات مصرف لبنان. وفي هذا النطاق، لفتت هذه المصادر الى ان الرئيس ميشال عون منذ عام 2009 يطالب بالتدقيق الجنائي في كل المؤسسات، واليوم يطالب العهد والتيار الوطني الحر بهذا التدقيق الجنائي في مصرف لبنان بداية لان المصرف المركزي هو أم المؤسسات المالية والحاضنة الاكبر لها. ولفتت الى ان كشف الحسابات في مصرف لبنان سيؤدي الى معرفة الفساد الموجود في الوزارات الاخرى، ولذلك نريد معرفة اين صرفت اموال الدولة.
ورأت المصادر في الوطني الحر ان بدء التدقيق الجنائي في مصرف لبنان لا يثير حساسية طائفية او سياسية، ذلك ان بدأ التدقيق على سبيل المثال في مجلس الجنوب او في صندوق وزارة المهجرين فسيخلق ذلك استفزازا لدى الطوائف ويؤدي الى ازمة سياسية.
وفي السياق ذاته، توقعت مصادر في التيار الوطني الحر ان يواجه ملف التدقيق الجنائي في مصرف لبنان عراقيل جديدة رغم اقرار مجلس النواب التدقيق بإجماع كل الكتل النيابية. وعلى سبيل المثال، رأت هذه المصادر ان البعض سيحاول الالتفاف على هذا الملف بخلق ازمة حول اين سيبدأ التدقيق الجنائي اولا : هل سيبدأ في مصرف لبنان او في وزارة الطاقة او الاتصالات او اي مؤسسة اخرى؟ والحال ان مجلس النواب اقر اليوم التدقيق الجنائي في مصرف لبنان وفي كل مؤسسات الدولة حاسما موضوع السرية المصرفية بانها لن تشكل عائقاً امام اي تدقيق جديد سيجري في حسابات مصرف لبنان هذه المرة.
واعتبرت مصادر التيار الوطني الحر ان المعرقلين جزء من المسؤولين المتورطين في الفساد، وهم أنفسهم من يدعون انهم مع التحقيق.
القوات اللبنانية: المهم ترجمة ما اقره مجلس النواب الى عمل فعلي
الى ذلك، وحول معلومات ترددت عن ان القوات اللبنانية تدعم التدقيق الجنائي في مصرف لبنان لإزاحة رياض سلامة من المعترك الرئاسي، نفت مصادر في القوات اللبنانية هذا التوجه واعتبرت ان الاولوية اليوم هي للازمة المالية وليس للاستحقاق الرئاسي. وتابعت ان لبنان مهدد بالزوال، وهذا الكلام قالته فرنسا، وبالتالي علينا ان نعمل لاخراج لبنان من الازمة المالية التي تهدد وجوده. وشددت المصادر على ان القوات حريصة على اوضاع الناس، اذ إن الناس مأزومون وجائعون، ولذلك معالجة الازمة المالية تبدأ بتدقيق جنائي في مصرف لبنان وكل مؤسسات الدولة اللبنانية دون استثناء. واشارت المصادر القواتية الى ان مصرف لبنان يصرح ان كل عملياته شفافة، وبالتالي يجب ألا يخشى اي تدقيق مضيفة ان التدقيق يجب ان لا يحصل فقط في حسابات المصرف المركزي بل في كل الوزارات والادارت والصناديق. ولفتت الى ان التدقيق هو جزء من رزمة خطوات اصلاحية لمعالجة الازمة المالية.
ورأت المصادر في القوات اللبنانية ان التحدي يكمن في ترجمة ما اقر في جلسة مجلس النواب امس مشددة على انه يجب دفع الامور باتجاه العمل الفعلي التي تقاطعت حوله كل الكتل النيابية.
اما التقاطع مع التيار الوطني الحر فهو ظرفي حول قانون الانتخاب وقانون العفو والتدقيق الجنائي في مصرف لبنان، وفقا للمصادر القواتية التي اوضحت ان لا علاقة سياسية بين القوات اللبنانية والوطني الحر، وخير دليل على ذلك رفضها المشاركة في اي حكومة تجمع الاكثرية القائمة، ومن ضمنها العهد. واوضحت القوات اللبنانية انها لا تغطي احدا، وتحديدا لا تغطي سياسة العهد والاكثرية الحاكمة التي اوصلت البلد الى هذه الحالة.
وكررت المصادر القواتية مطالبتها بانتخابات نيابية مبكرة من اجل اعادة انتاج السلطة مجددا قبل الحديث عن اي شيء اخر. ودعت الى التسريع في تشكيل حكومة مستقلين التي ستكون الوحيدة القادرة على وقف الانهيار المالي والبدء بمعالجة الازمة.