هي فعلاً “حال من الفوضى” تسيطر على لبنان كما وصفها السفير البريطاني كريس رامبلينغ… فوضى غير خلاقة، صنيعة طبقة حاكمة فاشلة لم تبقِ حجراً على حجر في بنيان الجمهورية، حتى بلغ بها الإفلاس حدّ التهليل لقرار لا يزال حبراً على ورق بصم عليه كل الأطراف، منهم الصادق ومنهم الخبيث، تأكيداً على وجوب التدقيق جنائياً بحسابات الخزينة. على أنّ العهد الغريق والمتعطش لأي “قشة” يعوم عليها، وجد في ملف التدقيق تلك “القشة” المرجوة فسارع إلى التعلّق بها ورفع أنخاب “النصر العوني” لها وبات رئيس الجمهورية ميشال عون ليلته أمس “منتشياً” بما حققته رسالته على “مسرح الأونيسكو”… بينما لم يجد رئيس مجلس النواب نبيه بري حاجة للرد على مضمونها المطوّل سوى “بسطرين” يؤكدان قرار إخضاع “حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والمؤسسات المالية والبلديات والصناديق كافة بالتوازي للتدقيق الجنائي دون اي عائق او تذرع بالسرية المصرفية أو بخلافه”.
في كل دول العالم، يرقى التدقيق بالحسابات إلى مرتبة “الواجب”، أما في منظومة “حاميها حراميها” فهو بطبيعة الحال “إنجاز” يُلبس الذئاب لبوس النعاج ليرعوا آمنين في مراعي الإصلاح بعدما عاثوا فساداً ونهشاً بخيرات الدولة وتقاسماً لمغانم المال العام! وحتى إشعار آخر يرى فيه اللبنانيون أركان هذه المنظومة، المشهود لفسادها عالمياً، تحت قوس العدالة، فإنّ التدقيق الجنائي لن يكون سوى تدقيق “دعائي” لتبرئة ذمم وتبييض أموال منقولة وغير منقولة من جنى أعمار المودعين.
تزامناً، وعلى مقياس التحلل الذي يضرب هيكل الدولة، برزت أمس انتفاضة قضائية على وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي بلغت مستوى طلب مجلس القضاء الأعلى بالتوافق مع رئيس مجلس الشورى ورئيس ديوان المحاسبة، من النائب العام التمييزي “اتخاذ الاجراء القانوني الملائم بحقّ وزير الداخلية”، بسبب ما تطرق إليه في حديثه لبرنامج “صار الوقت” عن فساد في الجسم القضائي، مستعرضاً نماذج وأمثلة في هذا السياق، ومتسائلاً: “يلي معاشو وراتبو 15 مليون ليرة لبنانية ومنزله بـ 5 ملايين دولار ألا يجب أن يُسأل: من أين له هذا؟”.
وعلى الخط نفسه، هبّت نقابتا المحامين في بيروت وطرابس في اجتماع طارئ نصرةً لـ”هيبة القضاء” ورفضاً للتعدي الذي حصل على المحامي المتدرّج من قبل عناصر قوى الأمن الداخلي، واعتبر المجتمعون أنّ فهمي يقود “محاولة فاشلة لتطويع وترهيب المحامين والقضاة”، ودعوه “فوراً الى إعفاء نفسه مِن مهامه وترك موقعه والرحيل، على أنْ يُكلَّف موقتاً وزير الداخلية بالوكالة لتسيير شؤون الوزارة إلى حين تأليف الحكومة” الجديدة.
أما في جديد ملف التأليف، فتوقعت أوساط سياسية رفيعة لـ”نداء الوطن” أن يقوم رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بزيارة قصر بعبدا خلال عطلة نهاية الأسبوع في محاولة لإعادة تفعيل عملية تشكيل “حكومة المهمة”، معربةً عن اعتقادها بأنّ الحريري “سيحمل إلى رئيس الجمهورية مسودة تشكيلة حكومية مكتملة من 18 وزيراً بما يشمل أسماء المرشحين لتولي الحقائب من كافة المكونات الوطنية بغية النقاش معه في تركيبتها”، لكنها رجحت في المقابل أن “يرفض عون أي تسميات مسيحية من جانب الرئيس المكلف ما لم يتوافق مسبقاً عليها مع جبران باسيل”.