اذا كان مجلس النواب سعى في اللحظة الأخيرة من السنة الحالية، وقبل عشرة أيام فقط من انصرامها، الى محاولة تعويض سنة قاحلة واستثنائية في المقاييس الكارثية التي ضربت #لبنان من خلال جلسة تشريعية وداعية منتجة الى حدود معقولة، وخصوصا من خلال تشريع بعض القوانين النوعية مثل رفع السرية المصرفية، فان الأنظار ستتركز اليوم على لقاء بعبدا الذي يفترض ان يحمل معطيات فاصلة حول ازمة #تأليف الحكومة. اذ ان اللقاء الذي سيجمع اليوم رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بدعوة من الرئيس عون وبناء على المسعى الذي قام به البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يتسم بأهمية مفصلية، أيا جاءت نتائجه، في ظل مجموعة معطيات من ابرزها أولا ان اللقاء سيكون الأول بين عون والحريري مذ قدم الثاني تشكيلته الحكومية الى الأول في آخر زيارة للحريري لبعبدا في التاسع من كانون الأول الحالي، ورد عليه رئيس الجمهورية بطرح جاهز مسبقا، الامر الذي ترجم اشتباكا سياسيا حادا بينهما تواصلت حلقاته وتداعياته حتى اليوم. ومن هذه المعطيات أيضا انه في ظل المواقف المتباعدة جدا بين الرئيسين تفجر قبل أيام على وقع التحرك البطريركي الاشتباك السياسي والإعلامي بين تيار “المستقبل” و”التيار الوطني الحر” في نقاط دستورية وسياسية كشفت تكرارا واكثر من أي وقت سابق، عمق تداخل الموقف بين رئيس الجمهورية والرجل القوي في دائرته رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل بما يثير مجددا معادلة يستحيل تجاهلها في أي لقاء يعقد بين عون والحريري وهي الحضور الثالث لباسيل كشريك أساسي في الحل والتعقيد سواء بسواء. واذا كانت الأجواء التي تغلف اللقاء الثالث عشر بين عون والحريري اليوم في بعبدا لا تبعث موضوعيا على أي تفاؤل في امكان تبديل مواقف الفريقين من التشكيلة الحكومية في ظل التشكيلة التي وضعها الحريري ولا يزال متمسكا بها فيما يرفضها عون، فان ثمة اوساطا معنية بالمشاورات والأجواء التي سادت في الأيام الأخيرة لا تقطع نهائيا مع احتمالات تلمس ملامح مرونة او إيجابيات معينة قد تطلع اليوم من مدخنة بعبدا ولو ان امال هذه الأوساط لا تبعد عن اطار توقع بدء مسار جديد من النقاش بين الرئيسين يعيد الحرارة الى مسار التأليف قبيل عيدي الميلاد ورأس السنة بما يخفف الأجواء الملبدة التي تهيمن على البلاد. ولذا تصف هذه الأوساط لقاء اليوم بانه سيكون مفصليا، فاذا تحققت خلاله بدايات حلحلة، ولو نسبية، في مسار المشاورات المتجددة بين الرئيسين عون والحريري، فان ذلك سيؤدي بطبيعة الحال الى تحريك الجمود ولو على خلفية البحث عن مخارج للمواقف المتباعدة من التشكيلة الحكومية والخلاف حول المعايير وتوزيع الحقائب وصولا الى الأسماء. اما في حال الاصطدام مجددا بلقاء جاف يعقد لمجرد توزيع الصورة الشكلية، كما تقول هذه الأوساط، فان ذلك سيعمم أسوأ الانطباعات عن انسداد المسار الحكومي عشية نهاية السنة، وربما سيؤدي ذلك الى نوع مختلف وخطير من التداعيات الخارجية على البلاد من جهة الدول المانحة للبنان. وسيكون مهما للغاية رصد ردود الفعل الفرنسية تحديدا حيال النتائج نظرا الى معطيات تتحدث عن عدم انقطاع الاتصالات الفرنسية بالمسؤولين واللاعبين الأساسيين في لبنان رغم إصابة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بفيروس كورونا. وتشير هذه المعطيات الى ان باريس نظرت بارتياح الى تحرك البطريرك الماروني وأفادت منه بتزخيم اتصالاتها لأحداث خرق في المشاورات بين رئيس الجمهورية والرئيس الحريري.
الجلسة التشريعية
وعلى رغم الحذر الشديد التي تمليه نتائج اللقاءات السابقة بين عون والحريري، ثمة من تحدث عن دفع مشجع قد يلعب دورا ولو نسبيا في الجهود نحو تأليف الحكومة من خلال المغزى المعنوي الذي حققه تصويت مجلس النواب امس على قانون رفع السرية المصرفية عن المتعاطين الشأن العام في مصرف لبنان والوزارات والإدارات العامة لمدة سنة بما يسقط قانونا وعمليا هذه المرة كل الموانع امام التدقيق الجنائي في المؤسسات العامة. اذ ان هذا التصويت الذي جاء عشية لقاء عون والحريري، ربما يلعب دورا محفّزا على الإيجابيات بينهما. والواقع ان إقرار هذا القانون الذي كان خليطا من أربعة اقتراحات قوانين لأربع كتل نيابية شكل ذروة “إنجازات” الجلسة التشريعية الأخيرة لمجلس النواب هذه السنة والتي انعقدت بجدول اعمال مثقل بنحو 70 بندا اقر منها 29 قبل رفع الجلسة. وفي مقابل الإقرار غير المتوقع لقانون رفع السرية المصرفية امس حول المجلس على اللجان المشتركة اقتراح القانون المعجل المكرر لاسترداد الأموال التي حولت الى الخارج بعد انتفاضة 17 تشرين الأول من العام الماضي وحدد مهلة 15 يوما للجان لإنجازه. ومن المشاريع البارزة التي اقرها المجلس أيضا قانون اعفاء السيارات من رسوم الميكانيك عن العام 2020-2021 وكذلك قانون التمديد سنتين لكهرباء زحلة وقانون معاقبة جريمة التحرش الجنسي لا سيما في أماكن العمل.
وسارع الرئيس عون الى “الإعراب عن تقديره” لاقرار المجلس قانون رفع السرية المصرفية وربطه بالتدقيق الجنائي معتبرا ان ” تجاوب المجلس مع الرسالة التي وجهها اليه في 24 تشرين الثاني الماضي ترجم رغبة الرئيس في ان يوضع ملف مكافحة الفساد موضع التنفيذ لانه الطريق الى تحقيق الإصلاحات المرجوة من الشعب اللبناني وتشجعنا عليه الدول والمنظمات الدولية”. وثمن عون خطوة المجلس متمنيا ان يأخذ التدقيق الجنائي طريقه الى التنفيذ.
جريمة الكحالة
وسط هذه الأجواء هزت الكحالة خصوصا، والبلاد عموما، جريمة قتل المواطن جوزف بجاني في ساعات الصباح على نحو مافيوي عكس خطة مدبرة مسبقا بدقة لقتله حين كان يتهيأ لركوب سيارته ونقل طفلتيه الى المدرسة. وقد ترصد الضحية ثلاثة أشخاص على ما تشير المعطيات وهاجمه اثنان وعاجله احدهما بإطلاق الرصاص عليه من مسدس مزود كاتم للصوت وارداه فورا، وفر الجناة الذي تردد ان كاميرات موجودة في محيط المنزل التقطت صورا لتحركاتهم. وإذ اشعلت الجريمة ردود فعل غاضبة فورية من أبناء الكحالة الذين قطعوا الأوتوستراد لبعض الوقت فاقم الغموض الذي غلف الجريمة ودوافعها المحتملة نشر تقارير إعلامية تربط الجريمة بانفجار مرفأ بيروت على غرار ما حصل بربط جريمة قتل المقدم المتقاعد في الجمارك منير أبو رجيلي في قرطبا قبل شهر بانفجار المرفأ أيضا. وأفادت قناة “الحدث -العربية” ان بجاني كان وثق ادلة مع محققين اميركيين وفرنسيين حول انفجار مرفأ بيروت وان عشرة أشخاص اشتركوا في تنفيذ الجريمة . لكن أي معلومات امنية رسمية لم تؤكد شيئا من هذه التقارير وسط استمرار التحقيقات الجارية في الجريمة. ومعلوم ان المغدور يعمل في شركة اتصالات.