تبدأ السنة الجديدة على غرار ما انتهى عليه العام المنصرم الذي حمّلها كل الملفات العالقة، بدءاً من الحكومة العالق تشكيلها بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري، وصولاً إلى الأزمة المالية المعقدّة والمتشعبة والمتطورة فصولاً، وما بينهما غياب الحلول المطلوبة والقلق الشعبي على الحاضر والمستقبل والمصير. فصحيح أنّ سنة جديدة قد بدأت، ولكن الملفات العالقة كلها قديمة، ولا مؤشرات الى حلول لها في المدى المنظور، بل كل التوقعات تشير الى انّ المراوحة ستبقى سيّدة الموقف حتى إشعار آخر، وستبقى الآمال معلّقة على حلحلة وتنازلات متبادلة بين عون والحريري، او على وساطة سيستأنفها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، او على زيارة سيقوم بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للبنان، او على دخول الرئيس الاميركي المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض. ولكن، شتان ما بين الآمال، وبين واقع الحال على أرض الواقع، حيث يواصل التدهور تدحرجه من السيئ إلى الأسوأ. ومن المتوقع ان تستعيد الحركة السياسية زخمها هذا الأسبوع، بعد عطلة طويلة نسبياً امتدت منذ ما قبل عيد الميلاد إلى اليوم، وفيما التبريد إبّانها كان سّيد الموقف، غير انّ التسخين عاد ليطلّ من بابين: باب تصريح أحد قادة الحرس الثوري الإيراني، الذي أثار عاصفة من الردود السياسية، اضطر معها رئيس الجمهورية إلى الدخول على خطها، وباب وباء كورونا الذي سجّل في الأسابيع الأخيرة عدد إصابات قياسياً، يتجّه معه لبنان إلى الإقفال مجدداً، وحيث سيتصدّر الملف الصحي الاهتمام السياسي والشعبي. وفي موازاة كل ذلك، يتواصل التصعيد الأميركي-الإيراني، سواء عن طريق المواقف والتصريحات المتقابلة، او من خلال التقارير التي تتحدث عن احتمالات الحرب، قبل مغادرة الرئيس الاميركي دونالد ترامب البيت الأبيض، الأمر الذي يُبقي المنطقة في حالة حبس أنفاس حتى 20 من الشهر الحالي، وذلك على رغم من انّ أكثر من مصدر ديبلوماسي غربي يستبعد ضربة أميركية لطهران في الأيام القليلة المقبلة.
مع انتهاء عطلة الأعياد، يسود ترقّب لعودة الحريري الى بيروت، أملاً في أن تدور مجدداً محركات التأليف الحكومي بعدما انطفأت كلياً عقب زيارته الأخيرة لعون عشية عيد الميلاد والتي انتهت الى فشل ذريع.
والمستهجن، انّه لم تظهر خلال الساعات الماضية اي إشارة الى احتمال كسر الجمود السياسي، وإعطاء قوة دفع لعملية التشكيل المتوقفة، علماً انّ الظروف القاسية والخطرة التي يمرّ فيها لبنان كانت تستوجب من المعنيين استمرار السعي الى اختراق الحائط المسدود، حتى خلال عطلة الأعياد، لتعويض بعضاً من الوقت الثمين الذي ضاع حتى الآن، خصوصاً انّ عوامل الانهيار والانحدار المستمرة في التفاقم لا تعترف اصلاً بعطلة او إجازة.
وفيما لا يزال البعض يصرّ على ربط تشكيل الحكومة بإنجاز التسليم والتسلّم بين ترامب المنتهية ولايته والرئيس المنتخب جو بايدن، اعتبرت اوساط مواكبة للملف الحكومي، انّ هذا الربط هو مفتعل وبات أقرب إلى شماعة يُعلّق عليها التأخير غير المبرر، في حين انّ الأسباب الحقيقية للتأخير المتمادي ترتبط بحسابات ومصالح شخصية وفئوية. واستغربت هذه الاوساط بقاء الحريري في أعلى الشجرة التي تسلّقها، وهو الذي يعرف انّ معالجة العِقَد الحكومية تتطلب اكبر مقدار ممكن من الواقعية والمرونة. كذلك استغربت تحجيم رئيس الجمهورية دوره الى حدود التفاوض على نسبة من الوزراء وثلث معطّل، بينما ينبغي أن يكون رئيساً فوق الجميع وليس واحداً من الجميع يطالب بحصة وزارية.
في انتظار الحريري
وفي رواية أُخرى، لم ترصد الاوساط السياسية اي حراك يقود الى احياء البحث في الملف الحكومي، وهي تنتظر عودة الحريري المتوقعة في الساعات المقبلة، ان لم يكن قد عاد فجر اليوم، لإستئناف البحث في التشكيلة الحكومية. وكل ذلك تترقبه الاوساط السياسية على خلفية الحديث عن انّ الكل ينتظر الكل. فالحريري ينتظر ملاحظات جدّية على التشكيلة التي اقترحها ولم يقدم على اي خطوة تعطلّها بعد، فيما تردّد اوساط القصر الجمهوري انّ عون ينتظر ردّ الحريري على ملاحظاته.
إحياء «العشرينية»
ولفتت المصادر، الى انّه لم يُسجّل طوال فترة عطلتي الميلاد ورأس السنة اي حراك في شأن الاستحقاق الحكومي، باستثناء اللقاء الذي شهده القصر الجمهوري بين عون ورئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» النائب طلال ارسلان قبيل عيد الميلاد، الذي احيا الحديث عن حكومة عشرينية بدلاً من صيغة الـ 18 والـ «6×6×6»، والتي تمّ الربط في ما بينها ومنطق وحدة المعايير التي عطّلت الصيغة التي طرحها الحريري منذ لقاء 9 كانون الاول، لمجرد الحديث عن المكون الدرزي الثاني، الذي تجاهلته تشكيلة الحريري، ربطاً بالمعايير التي عطّلت عملية توزيع الحقائب بين القوى السياسية والحزبية، وعُدّت خروجاً فاضحاً على المبادرة الفرنسية.والى هذه المعطيات التي لم يتبين بعد ما ستكون نتائجها، تبقى الخطوات المقبلة المرتبطة بهذا الملف مجرد افكار، ليس هناك من يتبناها حتى هذه اللحظة.
ي غضون ذلك، تناول البطريرك الراعي الاستحقاق الحكومي في عظة الاحد، فقال: «في ضوء رسالة قداسة البابا فرنسيس الداعية إلى ثقافة السلام، نعتبر أنّ الحكومة لن تتشكَّل إلّا من خلال لقاء رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف واتفاقهما على تشكيل حكومة مميزة باستقلالية حقيقية، وتوازن ديمقراطي وتعدّدي، وبوزراء ذوي كفاية عالية في اختصاصهم وإدراك وطني بالشأن العام». وأضاف: «إنّ رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف قادران على اتخاذ هذا القرار المسؤول والشجاع، إذا أبعدا عنهما الأثقال والضغوط، وتعاليا على الحصص والحقائب، وعطّلا التدخّلات الداخلية والخارجية المتنوعة، ووضعا نصب أعينهما مصلحة لبنان فقط».
رداً على الحرس الثوري
في هذه الاثناء، لاقى كلام قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني (الباسدران)، علي حاجي زادة السبت الماضي، بعض ردود الفعل اللبنانية المعارضة، حيث قال السبت في حوار مع قناة «المنار»، إنّ «كل ما تمتلكه غزة ولبنان من قدرات صاروخية، تمّ بدعم إيران، وهما الخط الأمامي للمواجهة».واضاف زادة: «نحن نعلّم جبهة المقاومة على صناعة صنّارة الصيد، بدلاً من تقديم السمك، ولبنان وغزة يمتلكان تكنولوجيا صناعة الصواريخ»، لافتاً إلى أنّ «قدرات محور المقاومة لم تعد كما كانت قبل عشر سنوات، واليوم يطلق الفلسطينيون الصواريخ بدلاً من رمي الحجارة». وأشار إلى أنّ «هناك تقاطعاً للنيران في سماء إسرائيل، بين سوريا، ولبنان، وفلسطين»، مؤكّداً أنّ «الفلسطينيين يمتلكون اليوم تكنولوجيا صناعة الصواريخ الدقيقة». وأضاف مهدداً: «لدينا أمر عام من المرشد، علي خامنئي، بتسوية حيفا وتل أبيب بالأرض، في حال ارتكبت أي حماقة ضدّ إيران، وعملنا طيلة السنوات الماضية لنكون قادرين على ذلك»، مشيراً إلى أنّ طهران تدعم «أي طرف يقف في مواجهة إسرائيل».
عون و«التيار» يردّان
وردّ رئيس الجمهورية ميشال عون عبر «تويتر» على حاجي زادة، فقال: «لا شريك للبنانيين في حفظ استقلال وطنهم وسيادته على حدوده وأرضه وحرية قراره». كذلك ردّ «التيار الوطني الحر» عبر اللجنة المركزية للاعلام، فقال: «حق اللبنانيين في الدفاع عن سيادتهم وأرضهم وثرواتهم في مواجهة أي اعتداء، من جانب إسرائيل او غيرها». واعتبر أنّ «اللبنانيين معنيون بالحفاظ على حرّية لبنان وقراره وسيادته واستقلاله، وأنّ المقاومة التي يمارسها اللبنانيون دفاعاً عن أرضهم، يجب أن تخدم دائماً هذه الأهداف دون سواها، وأنّ أي دعم يتلقونه لا يجوز أن يكون مشروطاً بالتنازل عن السيادة الوطنية أو بالانغماس في ما لا شأن لهم به».
جعجع لـ«لجمهورية»
ومن جهته، قال رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، إنّ «حلف حزب رئيس الجمهورية مع «حزب الله» هو من اوصل البلاد الى ما وصلت اليه، والحل هو في انتخابات نيابية مبكرة تبدّل الأكثرية النيابية».
وقال جعجع في حوار مع «الجمهورية»، انّ أمنيته القصوى، «ان يستفيق ويجد كتلاً نيابية مستقيلة من مجلس النواب مع «القوات»، للذهاب الى انتخابات مبكرة. مؤكّداً «أنّ «القوات» لن تحمل السلاح مجدداً الّا في حالة واحدة، اذا انهار الجيش وقوى الامن الداخلي». وأكّد جعجع «انّ الصواريخ التي يمتلكها «حزب الله» هي صواريخ ايرانية، وموجودة لخدمة مشروع ايراني. بدليل التصريح الذي سمعناه على لسان قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الايراني، اي «شهد شاهد من اهلهم». انما الذي استغربته شخصياً من كلامه، قوله انّه مستعد لمساعدة كل من يعمل لمواجهة اسرائيل! والسؤال، لماذا يريدون مساعدة الجميع في مواجهة اسرائيل، ولماذا لا يواجهونها هم وبالمباشر، اي لماذا لا يواجه الحرس الثوري اسرائيل بالمباشر، خصوصاً اذا كان يملك صواريخ دقيقة يوزعها على غزة وعلى «حزب الله» في لبنان او على مجموعات في سوريا، وخصوصاً اذا كانوا يمتلكون صواريخ كبيرة ودقيقة كفاية؟ وبالتالي، نرى في هذه النقطة انّ هناك استعمالاً للبلدان المحيطة بإسرائيل في الوقت الذي يجعل ايران بمنأى عن كل ما يجري».
رداً على قول السيد نصرالله «إنّ إيران وسوريا هما أهم داعم للمقاومة في لبنان»، قال جعجع: «صحيح، وأكبر دليل الوضع الذي يعيشه اللبنانيون اليوم في لبنان».
نصرالله يردّ
في إطار الردّ على بيان «التيار الوطني الحرّ»، أشار الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله خلال كلمته مساء أمس الاحد، إلى أنّ «كل الدعم الإيراني للمقاومة هو غير مشروط وبلا شروط».
وقال: «يوم أمس وسائل اعلام لبنانية قامت بتحريف كلام المسؤول الايراني حاجي زادة»، لافِتًا إلى أنّه «في لبنان هناك من يمتهن التزوير وتحريف الأحاديث». وأضاف: «صحيح نحن في لبنان جبهة أمامية وغزة ايضاً جبهة امامية، وحاجي زادة لم يقل إننا جبهة أمامية لإيران بل جبهة أمامية لمواجهة الاحتلال الاسرائيلي».
استنفار اسرائيلي
الى ذلك، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأنّ قوات الجيش أعلنت مستوطنة المطلة المحاذية للحدود مع لبنان منطقة عسكرية مغلقة. وأشارت إلى أنّ «الجيش منع التحرك في محاذاة الحدود مع لبنان، وذلك عقب مراسم الذكرى السنوية لاغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني وتسجيل تظاهرات وتجمعات على طول السياج».
وذكر موقع «واللا» الإسرائيلي، أنّ «الجيش طلب من المدنيين مغادرة المناطق القريبة من المطلة، وشمل الأمر المستوطنين القادمين من خارج المنطقة». وأضاف: «الجيش أبلغ المستوطنين بأنّ المنطقة مغلقة، وتمركزت الدبابات في مواقع قريبة من المنطقة».
من جهتها، قالت القناة «13 الإسرائيلية»، إنّ «الاحتفالات والموسيقى في الذكرى السنوية لاغتيال سليماني في الجانب اللبناني من الحدود، بمحاذاة السياج تقلق جداً بلدات خط المواجهة».
وتحدثت صحيفة «جيروزاليم بوست» في وقت سابق، عن أنّ «الجيش يستعد لهجوم إيراني محتمل على أهداف إسرائيلية انطلاقاً من اليمن أو العراق، وذلك مع مرور عام على اغتيال سليماني والقيادي في الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس». وأكّدت وسائل الإعلام الإسرائيلية السبت الماضي، أنّ «الجيش الإسرائيلي في حالة استنفار قصوى».
كورونا والإقفال
على الصعيد الصحي، وفي ضوء تفاقم تفشي كورونا خلال عطلة الاعياد، تتجّه البلاد الى فترة جديدة من الاقفال العام لمحاصرة هذا الوباء، اوصت بها الجهات المعنية، ويتركز النقاش حول مدة هذا الاقفال وتحديد ساعة الصفر المتوقعة بدءاً من صباح الخميس المقبل .
في هذا الاطار، كشفت مصادر مطلعة لـ «الجمهورية»، انّ الدعوة الى اجتماع المجلس الاعلى للدفاع لم تصدر بعد، وسط اعتقاد البعض انّه قد لا يكون ضرورياً للبحث في الاغلاق وسلسلة الإجراءات التي يمكن اتخاذها. ولفتت المصادر، الى انّ هناك من يعتقد انّ الاغلاق يمكن ان يتقرّر في اجتماع اللجنة الوزارية المكلّفة متابعة ملف كورونا ومعها اعضاء اللجنة الطبية التي ستحدّد الخطوات التي سيشرف على تطبيقها الجيش اللبناني الذي يشرف في الوقت نفسه على تنفيذ حال التعبئة العامة التي تمّ تمديدها حتى نهاية آذار المقبل بمرسوم صدر قبل نهاية السنة الماضية. اما بقية الخطوات فستكون في عهدة وزارة الداخلية التي عليها ترجمة القرارات المتخذة في اللجنة الوزارية وملاحقة المراحل التنفيذية بالتعاون والتنسيق بين الاجهزة الامنية الاخرى.
ولفتت المصادر، الى انّ الاغلاق قد لا يكون شاملاً، ولن يعتمد خطة الارقام المفردة والمزدوجة للسيارات الخصوصية، وان ليس في قدرة البلد تحمّل اقفال بعض القطاعات الاقتصادية والصناعية، ولا سيما منها قطاع الصناعات الغذائية على انواعها، وتلك الخاصة بمواد التنظيف والتطهير التي ضاعفت من طاقتها لمواجهة آثار انتشار الكورونا.
وانعكاساً للأجواء التي واكبت النقاش حول سلسلة من الافكار المتناقضة نتيجة عدم التفاهم على صيغة واحدة، غرّد وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن مساء امس عبر «تويتر» فقال: «بورصة المطالبة بالإقفال بلّشت مزايدة، ومين يقول أكتر، وكأنو منهم من هالناس اللي مقهورة ومخنوقة وبدها تعيش، ونسوا عملتهم ونتائجها بكفّي بقى…».
الإصابات الجديدة
وأعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي عن الاصابات أمس، عن تسجيل 2870 إصابة جديدة (2870 محلية و0 وافدة) ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 189278. كذلك تمّ تسجيل 10حالات وفاة، ليرتفع العدد الإجمالي للوفيات الى 1486 حالة.
وبحسب الجدول الذي نشرته وزارة الصحة، سجّل قضاء زغرتا أعلى نسبة بإصابات كورونا، حيث بلغت فيه 57 اصابة وهي في المرتبة الأولى، ويأتي قضاء جبيل في المرتبة الثانية بـ 44 إصابة، ومنطقة الحازمية (قضاء بعبدا) 44 إصابة، لتأتي منطقة الحدث (قضاء بعبدا) في المرتبة الثالثة، والتي سجّلت 43 إصابة.
انفجار في الهرمل
من جهة ثانية، اصيب 10 أشخاص على الأقل بجروح مساء امس نتيجة انفجار في مستودعات لتخزين قوارير الغاز في بلدة القصر منطقة الهرمل المتاخمة للحدود مع سوريا. وذلك حسب الصليب الاحمر اللبناني.