الساعات الفاصلة عن موعد تنصيب الرئيس الأميركيّ المنتخب جو بايدن عادت للتحوّل الى مصدر حبس أنفاس، رغم الهزيمة التي مُني بها الرئيس السابق دونالد ترامب في مشروع تغيير النتائج ثم معركة منع تصديق الكونغرس عليها، ثم في محاولة البقاء في البيت الأبيض، فكل التقارير الواردة من واشنطن تتحدّث عن عمق الانقسام الذي يصيب المجتمع الأميركي بصورة عموديّة فيقسمه إلى نصفين متقابلين، متطرّفين تسود كل منهما دعوات الحسم مع النصف الآخر، ما جعل كبريّات الصحف الأميركيّة تتحدّث عن حرب أهليّة باردة، حيث اعترف مكتب التحقيق الفدرالي أف بي أي بوصول هذا الانقسام الى المؤسسات العسكرية والأمنية، فأعلن عن البدء بتدقيق هويات ضباط وعناصر الحرس الوطني المفرزين لحماية واشنطن وحفل التنصيب، خشية أن تكون ولاءات البعض منهم للرئيس ترامب مصدراً لاختراق أمني يتحوّل مصدر الخلل في ترتيبات أمن حفل التنصيب.
بانتظار اليوم الأميركيّ الطويل، لبنان سيعبر الموعد بلا حكومة، لكن بلا أفق لكيفيّة تجاوز العقدة الحكوميّة، مع بدء تسلل التعب والشعور بالطريق المسدود لدى كل من الفريقين. ومع مرور موعد تنصيب الرئيس الأميركيّ، تزول ذريعة الوضع الدوليّ والإقليميّ الذاهب بعيداً عن لبنان، والمبتعد أكثر فأكثر، ما يضع الجميع وخصوصاً فريقي الرئاسة في بعبدا وبيت الوسط أمام ساعة الحقيقة، فيما الأزمات تزداد تعقيداً سواء صحياً أو مالياً، بينما في الأفق فرص لتفادي الانهيار تحتاج ولادة الحكومة بأسرع وقت. وعلى هذا الأساس قرأت مصادر مواكبة للملف الحكوميّ عودة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم للتحرك، وقالت إن مساعي إبراهيم ومثلها مساعي رئيس مجلس النواب نبيه بري ومساعي البطريرك بشارة الراعي لا بدّ أن تشكل مناخاً ضاغطاً لتخطي بعض نقاط الخلاف في مصير التشكيلة الحكوميّة، وتفتح الباب لبحث عن أسماء وسطيّة أشارت اليها كلمة الراعي، ويبدو أن إبراهيم يشتغل عليها. وتوقعت المصادر أن تكون هناك فرصة لعقد اجتماع في بعبدا يجمع الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، يوم السبت المقبل يجري خلاله تجاوز القطيعة وما رافقها من مواقف راكمت المزيد من العقد.
في المواقف السياسية كان كلام للرئيس نبيه بري في مؤتمر دعم للقضية الفلسطينية جدّد فيه تمسك لبنان بالقضية الفلسطينية وجوهرها حق العودة الذي لن يسقط في ظل مقاومة الفلسطينيين واللبنانيين لتصفية حق العودة وفرض التوطين. وشدّد بري على رفض اللبنانيين للتوطين بالتوازي مع تمسكهم بمقاومتهم، مشيراً الى أن لبنان رفض ما وصفه بالرشى المالية والإغراءات للتخلي عن ثوابته.
لا يزال المشهد الداخليّ محكوماً بالإقفال العام وحظر التجول وتحت تأثير العاصفة المناخية التي تضرب لبنان والتي تستمر طيلة الأسبوع الحالي.
ولليوم الخامس على التوالي حافظ المواطنون على نسبة الالتزام 94% بقرار الإقفال باستثناء بعض الخروقات الفاضحة في عكار والضنية والقبة والضاحية الجنوبية.
فقد انتشر فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمواطنين يتجمّعون أمام سوبرماركت في طرابلس، وذلك بعد إعلان صاحبها عن بيع الخضار بأسعار رمزية، مما أدّى الى تزاحم المئات لشراء الخضار، من دون مراعاة إجراءات الوقاية من فيروس “كورونا”. كما نشرت المديرية العامة لقوى الامن الداخلي فيديو لمقهى في تحويطة الغدير يستقبل شبّانا ليلاً لتدخين النرجيلة ولعب البلياردو. وأعلنت قوى الأمن أن فصيلة المريجة عملت على ختم المقهى بالشمع الأحمر، وسطرت محاضر ضبط بمن كان فيه.
إلى ذلك تترقب الأوساط الصحية الرسمية والحكومية عداد الإصابات بوباء كورونا ومدى انخفاضها خلال اليوم الخامس من الإقفال وبالتالي النتائج الإيجابية التي حققها قرار الإقفال. فيما لفتت مصادر صحيّة لـ”البناء” إلى أن “اللجنة العلمية في وزارة الصحة ستجتمع لدراسة تأثير قرار الإقفال على مستوى نسبة الإصابات اليومية وتعزيز القدرة الاستيعابية للمستشفيات الحكومية والخاصة”، وأوضحت أن “نسبة التحسن بعدد الإصابات لن تظهر قبل مطلع الأسبوع المقبل”. وأشارت إلى أن “انخفاض عدد الإصابات لن يظهر خلال مدة قرار الإقفال الحالي وبالتالي الاتجاه إلى تمديد مدة قرار الإقفال وحظر التجول لأسبوعين آخرين للوصول إلى النتائج المرجوة”.
وسجل أمس، انخفاض ملحوظ بعدد الإصابات لكن مصادر طبيّة عزت ذلك لانخفاض عدد الفحوص المخبرية يوم الأحد. وأعلنت وزارة الصحة العامة تسجيل 3144 إصابة جديدة بـ”كورونا” في لبنان، رفعت العدد التراكمي للحالات المثبتة إلى 255956. كذلك، سُجلت 53 حالة وفاة جديدة، رفعت الإجمالي إلى 1959.
وغرّد رئس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي عن الالتزام بالتدابير الوقائية بجائحة كورونا قائلاً إنه “واجب إنساني وأخلاقي وديني للحفاظ على السلامة العامة”، مشدداً على “وجوب مساعدة الدولة الأسر المحتاجة بكل الوسائل”، مضيفاً “الفرج ان شاء الله قريب في الأشهر القليلة المقبلة مع بداية عملية التلقيح”.
وكان وزير الصحة حمد حسن وقع الدفعة الأولى من المستحقات المالية العائدة لمستشفيات حكوميّة وخاصة لقاء معالجة مرضى كورونا من قرض البنك الدولي، وذلك بعد انتهاء التدقيق بفواتير المستشفيات من قبل الشركة المعنية بذلك.
في المقابل أشار نقيب الاطباء شرف أبو شرف الى ان “لبنان أسوأ من النموذجين الإيطالي والإسباني، وفي لبنان 85 في المئة من القطاع الصحيّ خاص بالرغم من ان معظم اسرة القطاع العام فارغة”. ولفت الى انه يفترض على الدولة دعم القطاع الصحي والاجتماعي. ولفت أبو شرف في حديث تلفزيوني، الى انه لا يجوز أن لا نعطي القطاع الطبي والتمريضي حقوقهما، لأننا في دائرة الخطر ولا نملك ترف الوقت للانتظار. واوضح بأن “الضغط على الكاهل الطبي والممرضات هائل”. وذكر بأن “هناك خطة اليوم بالتنسيق مع نقابة المستشفيات والصليب الأحمر كي لا يضطر المريض التوجه مباشرة الى المستشفى والعلاج في المنزل وتخفيف الضغط عن المستشفيات، كما أنه حين ينقل الصليب الأحمر المريض يعرف الى اي مستشفى يتوجّه بدل أن يجول به في الطرقات وهناك احتماليّة موت المريض”.
على صعيد آخر ومع عودة الرئيس المكلف سعد الحريري الى بيروت نشطت الحركة السياسية والحكومية وتفعلت الوساطات على خط بعبدا – بيت الوسط لرأب الصدع بين الرئيسين ميشال عون والحريري الذي خلفه الفيديو المسرّب الذي اتهم فيه عون الحريري بالكذب.
وبعد دعوة البطريرك الماروني مار بشارة الراعي رئيس الجمهورية للمبادرة ودعوة الحريري الى لقاء في بعبدا لتقريب وجهات النظر والتفاهم بينهما على حلول وسطية وأسماء وزراء لتأليف الحكومة بأسرع وقت ممكن، تحرّك المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم على خط الوساطة. إذ التقى إبراهيم أمس بحسب المعلومات الرئيس عون في بعبدا ثم انتقل الى بيت الوسط حيث التقى الحريري في مسعى لتنفيذ مبادرة البطريرك الراعي. وأوضحت المعلومات بأن المواقف على حالها في ما خصّ الحكومة إلا أن المبادرة مستمرة وتحظى بتأييد ودعم أكثر من جهة سياسية تعمل أيضاً على خط المساعي بين عون والحريري.
ولم يُعرَف إذا ما كانت زيارة الحريري اقتصرت على السياحة وتأمين لقاحات من الإمارات أم شهدت حركة سياسية عربية. إلا أن مصادر سياسية لفتت لـ”البناء” الى أن “الحريري سعى خلال جولته إلى جسّ نبض الدول العربية والخليجية من ترؤسه لحكومة لبنان والسقف المسموح به خارجياً”. وفيما لفتت المصادر إلى أن “الحريري يستخدم كافة الأساليب والمناورات والحشد الخارجي واللعبة المسيحية لحشر عون وإحراجه لدفعه الى توقيع حكومة تحت الضغط وشدة الأزمات المالية والاقتصادية”. لفتت مصادر مطلعة على موقف بعبدا لـ”البناء” إلى أن “الرئيس عون لن يتنازل عن الأصول الدستورية لتأليف الحكومات ولا عن المعايير الموحّدة والتوازنات التي تحكم الحكومة المقبلة، وبالتالي وبناء عليه لن يبادر إلى الاتصال بالحريري، لكن أبواب بعبدا مفتوحة للجميع”. إلا أن مصادر عاملة على الخطين توقعت أن تفضي المساعي الى عقد لقاء بين عون والحريري خلال أيام.
وتساءلت أوساط مطلعة عن سبب التأخير في تأليف الحكومة وهل نتيجة العلاقة المتوترة والثقة المفقودة بين عون والحريري أم نتيجة الصراعات الإقليمية والدولية! ولفتت لـ”البناء” الى أن “عرقلة تأليف الحكومة هو حلقة في مسلسل الضغط الأقصى على لبنان لعرقلة مسيرة إنقاذ البلد من مستنقع الأزمات المتعددة وبالتالي تشديد الحصار لفرض تنازلات في قضايا وملفات استراتيجية ووطنية”.
وهذا ما ألمح إليه رئيس المجلس النيابي نبيه بري أمس، إذ قال في كلمة عبر الفيديو في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر البرلماني الدولي لدعم الانتفاضة الفلسطينية الذي تستضيفه العاصمة الإيرانية طهران، تحت عنوان “يوم غزة رمز المقاومة”: “لبنان يرزح تحت وطأة أزمة سياسية واقتصادية ومالية ومعيشية وصحية هي الأخطر بتاريخه ناهيك عن حصار غير معلن لدعمه المقاومة ورفض الرشوات المالية والإغراءات شرط التخلي عن التزاماته بالقضية الفلسطينية”. ودعا الى التمسك بخيار المقاومة، مضيفاً “نؤكد رفضنا ومقاومتنا لأي محاولة لفرض التوطين تحت أي عنوان من العناوين”. واكد ان “غزة هي وجه القدس وكل فلسطين والزمان فيها يجعل الأطفال رجالاً في أول مواجهة مع العدو”. وحذّر “من خطورة تدهور الوضع الصحي في قطاع غزة جراء تفشي كورونا في ظل الحصار الجائر، والأمر نفسه ينسحب على الضفة الغربية والأراضي المحتلة”، وقال: “المجتمع الدولي مدعوّ لتأمين لقاحات لغزة”.
في المقابل اعتبر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أن “نظرية “الرئيس القويّ” هي أكبر مصيبة على لبنان والمسيحيين”.
وفي حديث صحافي رأى جنبلاط أن “نحن نتحمّل المسؤولية في الداخل بعدم استطاعتنا الوصول إلى تأليف حكومة. ما الذي يمكن أن نتأمله بعد من مبادرة فرنسية أو غير فرنسية إذا كنا فشلنا في تأليف حكومة؟ أضم صوتي إلى صوت البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي لا ينفك يناشد رئيس الجمهورية ميشال عون والشيخ سعد الحريري العودة إلى الحوار”.
وحول تحمّل مسؤولية الفشل بالتساوي، أوضح جنبلاط: “لا، بالتأكيد. وأنا دعوت أخيراً فريق الممانعة إلى تشكيل حكومة، وليتحمَّلا مسؤولية الانهيار وحدهما. لكن لدى الحريري ربما وجهة نظر أخرى. وها نحن اليوم في مأزق كبير”.
وعلى مقلب آخر، ورداً على تداول وسائل التواصل الاجتماعي شائعات منسوبة الى بلدية حارة حريك عن حصول انفجار “نيترات أمونيوم” في الضاحية الجنوبية لبيروت وأنه نتج عنه سقوط عدد من الشهداء، نفت البلدية في بيان هذه المعلومات، مؤكدة أنه لم يحصل أي انفجار في حارة حريك أو الضاحية الجنوبية.
الرئيسية / صحف ومقالات / البناء: الديمقراطيّة الأميركيّة المأزومة: الـ”أف بي أي” تحقّق في ولاءات عناصر الحرس الوطنيّ إبراهيم يشغّل محرّكاته بين عون والحريري… هل يجتمعان السبت؟ برّي: متمسّكون بالمقاومة وحق العودة جوهر القضيّة الفلسطينيّة ولن يسقط