لا يمكن التعامل مع ما يجري في طرابلس بخفّة وبمنطق تقاذف مسؤوليات ورمي كرة الاتهامات. وبصرف النظر عن كل احتمالات التداخل والتشابك، وما أكثرها على الساحة اللبنانية كلها وليس فقط في الشمال، فإن المسؤولين في الحُكم معنيّون من موقعهم ودورهم وواجباتهم أن يبادروا إلى معالجة أزمة الجوع الحقيقية في كل نواحي الفقر والحاجة في لبنان، بدل الغرق في أساليب الجور والقمع والاضطهاد. وإذا كان صحيحاً أن ثمّة من يستغل جوع الناس في طرابلس أو غيرها، أليس من الأجدر الذهاب إلى نزع هذا الفتيل ومعالجة همّ الناس، ومنع أي احتمال لاستغلال هذه الهموم من أي طرف كان، بدل البحث عن كبش فداء لرمي التقصير الفاضح عليه؟!
الحقيقة هي أن الطرابلسيين، ومنذ ثلاثين سنة، يعيشون المعاناة نفسها، أما أهل الحُكم فيُحجِمون عن القيام بما يمليه الضمير، بل للأسف يذهبون إلى إمعانٍ غير مسبوق في هدم كل شيء.
وفي تطورات ليل الخميس الجمعة شهدت طرابلس عمليات حرق لمقر البلدية، واقتحام عدد من المؤسسات العامة والخاصة، بما أنذر بتحول المشهد إلى خطورة أكبر، علق عليها رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط بالقول “لأن ما يحدث في طرابلس يهدد الوطن بأكمله فإن الاولوية تكون في تشكيل وزارة فوق الشروط والشروط المضادة. إن الفراغ ان استشرى يقتل الجميع”، كما أصدر الحزب التقدمي الإشتراكي بيانا أكد فيه أن “طرابلس تدفع وأهلها مجددا أقسى الأثمان بفعل الإهمال والظلم التاريخي الذي طالها لعقود وسنوات، وعمَّق أزماتها وحرمانها، وجعَل من فقر الناس وجُوعهم وقوداً قابلاً للاشتعال في كل لحظة”، مشيرا الى أن “العلاج الوحيد يبقى في التوجّه المباشر إلى دعم حقيقي وفعلي للعائلات الفقيرة والمحتاجة بدءاً من طرابلس، لنزع هذا الفتيل من أيدي كل من تُسوّل له نفسه استغلال مطالب الناس المحقّة لإذكاء نيران الأزمات”. ولفت إلى أنه من “الأجدى بالمعنيين تأليف الحكومة بأسرع وقت لمواجهة كل هذه التحديات الخطيرة. ليس الوقت وقت ألاعيب سياسية وتصفية حسابات، بل هو وقت التصرف المسؤول لتأمين حقوق الناس وحماية الدولة والوطن والكيان”.
مصادر شمالية أكّدت لجريدة “الأنباء” الإلكترونية أن ما يجري في المدينة يأخذ بعداً اجتماعياً، فهناك جوع حقيقي، وبطالة مستفحلة، والدولة غائبة نهائياً عن طرابلس، لكنها لفتت إلى أنّ هناك من يلعب دوراً كبيراً باستغلال الناس الفقراء والمعدمين، وحذّرت من محاولات استغلال ما يحصل، إن في السجالات السياسية أو بمستوى أخطر وهو “دعشنة” المدينة.
عضو كتلة “العزم” النائب نقولا نحاس، وصف في حديثٍ لجريدة “الأنباء” الإلكترونية ما يجري، “بالتظاهرات ضد الجوع والحرمان”، معتبراً أنه “لن يكون هناك حلاً سحرياً، لأن المطلوب من الدولة أن تعطي الثقة إلى الطرابلسيين، وأن تعوّض عليهم ما فاتهم من الحرمان”.
وسأل نحاس: “أين هي السلطة التي تكتسب الثقة؟ للأسف، السلطة غائبة ليس في طرابلس فحسب، بل في كل لبنان. ففي طرابلس 80% من سكانها عاطلين عن العمل”.
الرئيس المكلف سعد الحريري اعتبر أنّ “ما حصل في مدينة طرابلس جريمة موصوفة ومنظمة يتحمل مسؤوليتها كل من تواطأ على ضرب استقرار المدينة واحراق مؤسساتها وبلديتها واحتلال شوارعها بالفوضى”. وأضاف: “إننا نقف الى جانب أهلنا في طرابلس والشمال، ونتساءل معهم؛ لماذا وقف الجيش اللبناني متفرجاً على إحراق السرايا والبلدية والمنشآت، ومن سيحمي طرابلس اذا تخلف الجيش عن حمايتها؟”.
مصدرٌ في تيار المستقبل نفى في حديثٍ مع جريدة “الأنباء” الإلكترونية أن يكون للتيار أية علاقة بما يجري في المدينة، مضيفاً: “قد يكون بين المتظاهرين أعضاء في التيار جاؤوا ليعبّروا عن غضبهم نتيجة حرمان طرابلس من أبسط مقوّمات العيش والصمود، لكن ذلك لا يعني أن تيار المستقبل، وسعد الحريري، مسؤولان عما يحدث”.
وفي المقابل تساءل المصدر المستقبلي عن “علاقة النائب جبران باسيل بتظاهرات طرابلس”، معتبراً أن باسيل “يريد أن يلصق التهمة بسعد الحريري، لكن، طويلة على رقبته”.
وفيما السؤال الأهم الذي يطرح نفسه هو عن غياب الدولة، وعدم اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من مأساة اللبنانيين، أشار مصدر حكومي عبر جريدة “الانباء” الإلكترونية إلى أن رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب، أصدر تعليماته إلى محافظ المدينة رمزي نهرا، والمعنيين لإجراء مسحٍ شامل للأسر الأكثر فقراً لتقديم مساعدات فورية لهم. وهي خطوة على ضرورتها، وضرورة متابعتها واستكمالها بالتوزيع الحقيقي للمساعدات، إلّا أن الغريب العجيب عدم قيام هذه الحكومة بهذه المَهمة منذ شباط الماضي حين كانت دعوات الحزب التقدمي الإشتراكي ورئيسه وليد جنبلاط تتكرر في دعوة الحكومة إلى تفعيل برامج الدعم للأسر الفقيرة.