تحلّ الذكرى الرابعة والأربعين لاستشهاد المعلم كمال جنبلاط ولبنان يعيش منزلقاً خطيراُ لم يمرّ به من قبل، إذ لم يخطر ببال اللبنانيين انهم سيعيشون مثل هذه الأزمة الخانقة صحيًا ومعيشيا واجتماعيًا وسياسياً إلى درجة فقدوا فيها كل الآمال باستعادة الدولة القادرة المستقلة التي طالما حلموا بها منذ اندلاع الحرب الأهلية في العام 1975 حتى اليوم، وهو ما دفع ولا يزال بالنخب اللبنانية على اختلاف اختصاصاتها إلى الهجرة مفضلين السفر على تلك العيشة المذلّة، خصوصاً في ظل انسداد آفاق الحل والارتفاع الهستيري للدولار، دون أن تحرّك السلطة ساكناً، وكأن الأمر لا يعنيها وجلّ اهتمامها تقاسم المغانم وعقد الصفقات ولو ان البلد أضحى في قعر الافلاس.
أمام هذا الواقع المرير، نستذكر مشروع كمال جنبلاط من أجل الدولة المدنية ونظام العدالة الاجتماعية الذي لولا قُيِّض للبنان تطبيقه لكانت شؤون البلاد وأحوال العباد في مكان آخر تماماً.
وقد تحدث عضو كتلة التنمية والتحرير النائب ميشال موسى عبر جريدة “الأنباء” الإلكترونية عن “الرجل المتميز في السياسة من خلال فكره النيّر والخلاق والعمل في خدمة الناس بناء على أفكار جديدة وتحديثية، فقد أرسى نهجاً جديدًا في العمل من خلال هذه الأفكار التي طرحها”، مضيفًا: “وفي هذه الذكرى نستذكر الرجالات الوطنية والكبيرة في زمن الإرباك السياسي الموجود”.
من جهته، النائب السابق أحمد فتفت استذكر كيف أن “كمال جنبلاط كان في مرحلة معينة من طفولته التي تربى عليها المثال الأعلى كإسم راسخ في البال”، كاشفاً عبر “الأنباء” ان والده الذي كان نائبا عن منطقة الضنية “كان معجبا جدا بكمال جنبلاط الذي تحوّل في مطلع شبابه الى رمز سياسي اساسي”، وقال: “بالنسبة لي كنت دائما أعتبر هذه الظاهرة التقدمية لإنسان من بيئة تقليدية، ملفتة بالمدى الفلسفي العميق وفي مدى قدرته على التواصل مع كل الناس وعلى كل المستويات بذكاء نادر قلّ وجوده. فسيبقى رمزاً لما سمي بالحركة الوطنية اللبنانية، وما فعله لن يقدر أحد على فعله في مرحلة من المراحل من خلال توحيد أطراف سياسية كان بينها تناقضات كبيرة، ولقد حاولنا كقوى في 14 آذار القيام بعمل مماثل لكننا لم نقدر على ذلك تحت عنوان معين بمنهج سياسي وتشريعي. وستظل صورة كمال جنبلاط محفورة بذاكرتي لحظة اغتياله وسيبقى رمزاً تقدمياً نضالياً كبيراً”.
مسؤول الجماعة الاسلامية السابق أسعد هرموش اشار في اتصال مع “الأنباء” الى ان “ذكرى استشهاد المعلم تشكل معلما جديدا متجددا، ورغم غيابه لا يزال هو الحاضر الأكبر في السياسة وبمواقفه الوطنية وبعروبته”.
كذلك النائب السابق الياس عطالله تحدث في المناسبة، قائلا: “كمال جنبلاط كان من الأعمدة الأساسية في عصر الكبار، كان كبيرا في لبنان وفي العالم العربي، أصرّ منذ البداية على ما اصرّ عليه الطائف في ما بعد. كان رجل الأخلاق بامتياز وهذا ما نفتقده في كثر هذه الأيام، رجل عدالة ورجلاً قيادياً ترفّع عن الأنانيات الفئوية والتقسيمية وكان من الرجال القلائل الذين مروا بتاريخ لبنان، واغتالوه ليخرّبوا هذا الوطن”.
الى ذلك لا تزال البلاد تعيش إغلاقاً في كامل المنافذ السياسية. الأزمة تستفحل، الحلول بعيدة المنال، الأسواق تتفلت، وكل شيء يتحول إلى السواد. لبنان كله، أصبح سوقاً سوداء، لم يعد الدولار وحده خاضعاً للتعامل في السوق السوداء. الحكومة أصبحت في خبر كان، الأسواق تغلق قسراً بسبب عدم القدرة على التسعير، والقفز المستمر في سعر الدولار أمام الليرة اللبنانية. جلّ الإهتمامات أصبحت تتركز على كيفية حماية ما تبقى من أمن إجتماعي ومناطقي حتّى. المتاريس لا تزال مرفوعة من خلال الشروط المرتفعة بملف تشكيل الحكومة.
الرئيس سعد الحريري ثابت على موقفه، وهو قد أبلغه للجميع، حكومة من 18 وزيرا لا ثلث معطل فيها، معظم القوى تتفق على أن لا يكون هناك ثلثاً معطلاً لأي طرف. سيستمر التنسيق بين الحريري والرئيس نبيه بري في الأيام المقبلة، من خلال زيارة يجريها الرئيس المكلف إلى عين التينة، هذا الجانب كان حاضراً بقوة خلال اللقاء الذي عقد بين الحريري ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط في بيت الوسط.
في موسكو كان الموقف واضحاً، ومكرر لضرورة تشكيل سريع للحكومة برئاسة سعد الحريري، وعقد مؤتمر حوار وطني بدون تدخل دولي، وهذا يرسم إطاراً سياسياً جديداً للمرحلة بعد زيارة وفد حزب الله إلى روسيا ولقائه مع المسؤولين هناك، حيث تم البحث في ضرورة الحفاظ على الإستقرار الداخلي والحدودي، بالإضافة إلى البحث في الملف السوري، وقد طرح المسؤولون الروس على حزب الله ضرورة إجراء إعادة تموضع عسكري في سوريا تماشياً مع مقتضيات المرحلة.
لا أحد يمتلك حلاً سحرياً، كل المبادرات التي جرى التقدم بها سابقاً فشلت، لا يبدو هناك أي وجود لإهتمام دولي بمعالجة الأزمة جذرياً، ستكون المرحلة المقبلة بالغة الدقة والخطورة.