رسمت المعطيات الكثيرة التي ازدحمت فوق الساحة الحكومية دفعة واحدة امس، معالم المشهد التأليفي المرتقب في الفترة المقبلة. هو مشهد لا يدعو الى الطمأنينة كثيرا، وفق ما تقول مصادر سياسية معارضة ، حتى انه يكاد يدعو الى القلق في رأيها، الا اذا كان ما جرى، هو التصعيد الاخير قبل «التسوية
، لكنها سارعت واستبعدت هذه النظرية. فبحسب المصادر، الزيارة التي قام بها الرئيس المكلف سعد الحريري الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، للمرة 17، كرّست التباين بين الجانبين، ولم تحمل اي خرق جديد. جلّ ما تحقق خلالها هي اعادة «تنظيم
الخلاف بين المَقرّين بعدما أفلت من عقاله الاسبوع الماضي، مطلقا العنان للدولار ومخرجا الناسَ عن أطوارهم. فكان الغرض من اللقاء الذي كاد الا يحصل، محصورا على ما يبدو، برسم قواعد الاشتباك مرة جديدة، وسقوفه.
ومع ان الحريري رفض اقفال الباب سريعا على اي امكانية للتفاهم، ممددَا فترة التفاؤل والامل، والتهدئة الشعبية و
النقدية
حتى الاثنين المقبل موعد زيارته الـ18 الى قصر بعبدا، فإن المصادر تشير الى ان التطورات التي أعقبت كلامه من القصر الجمهوي، وفي مقدّمها المواقف الليلية التي اطلقها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، بددت جزءا كبيرا من الرهان على «جديد ما
قد يسجّل في الايام المقبلة، يساعد في فكّ أسر الحكومة. فالرجل بدا بطرحه الذهاب نحو حكومة تكنو سياسية، رغم اعلانه قبوله بتركيبة اختصاصيين في حال تمكّن الرئيس عون والحريري من الاتفاق عليها، ملوّحا في الوقت عينه بأن حكومة «عارية
من غطاء القوى الكبري في البلاد لن تكون قادرة على «الصمود
، بكلامه هذا، بدا نصرالله يعيد لعبة التأليف كلّها الى المربّع الاول، ناسفا جوهر المبادرة الفرنسية والعنصر الاكبر الذي يتمسّك به الحريري والذي يعتبر اساسيا لتتمكن حكومته العتيدة من انتزاع ثقة الخارج، الا وهو ان تكون «من مستقلّين.
من حيث برنامج الحكومة ايضا، توجّهات نصرالله مختلفة تماما عن خيارات الحريري. الاخير تحدث من القصر عن اعتماده على صندوق النقد الدولي، اما الاول، فوجّه انتقاداته اليه معتبرا انه يفرض شروطا ولا يعطي مساعدات بالمجان، معتبرا ايضا ان ثمة مساع لا لتحييد لبنان بل لإرضاخه وضمّه الى المحور الاميركي الاسرائيلي في المنطقة، قبل ان يصوّب على حاكم المركزي و
سياساته الخاطئة
الذي كان زار الحريري قبل ساعات، ويختم حديثه داعيا الى تفعيل حكومة تصريف الاعمال اذا لم يتم التشكيل سريعا.
ولم يكد ينهي نصرالله حديثه حتى لاقاه حليفه رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بتغريدة مؤيدة وداعمة لما جاء في خطابه. هذا الواقع ان دل الى شيء، فالى ان الحزب وحليفه الرئاسي – البرتقالي، يتّجهان نحو رص اضافي للصفوف في قابل الايام، في مواجهة حكومة الحريري، من حيث شكلها وطبيعتها وبرنامجها ايضا. والطروحات التي قدّمها نصرالله، تؤشّر الى ان الضغوط الروسية للتشكيل السريع، التي حكي عنها في الايام الماضية، والموقف الذي أُبلغ به وفد الحزب الى موسكو، لم يلق بعد آذانا صاغية في ايران، التي لاتزال تفضّل ترك ورقة الحكومة في يدها وعدم التخلي عنها، اللّهم إلا لحكومة يمسك حزب الله بقرارها بوضوح. فهل سيقبل الحريري بذلك؟ ام هل يكون رفع السقوف مقدّمة للتنازلات تحت وطأة التلويح بالعقوبات من قبل الاوروبيين؟