إنعكس الوضع الإقتصادي الصعب، ووباء كورونا على القطاعات كلها وفي طليعتها القطاع الرياضي، ولا بد من تسليط الضوء على هذا القطاع المتضرر، وبشكل خاص على لعبة “كرة القدم”.
تعاني لعبة كرة القدم في لبنان من صعوبات جمة ، ولها تاريخ مشرّف أعطى اللبنانيين أملاً ببناء مستقبل رياضي رائد، وكانت لها محطات مميزة مثل ما حصل في عام 2000 حين نال لبنان شرف إستضافة كأس آسيا، والدعاية الرياضية التي نالها و شقّت له مساراً كان يمكنه الإستفادة منه. ولا شك أن معوقات تطور لعبة كرة القدم في لبنان عديدة ويتمنى كل لبناني سواء كان رياضياً أو مشجعاً أن تستعيد اللعبة حيوتها مجدداً وأن تعود الى سابق عهدها من التألق والنجاح .
اللعبة تحتاج الى ملاعب بمواصفات جيدة وتأتي مشكلة الملاعب في طليعة مشاكل اللعبة، وبالرغم من تعدد ملاعب كرة القدم في لبنان إلا أنها غير مجهزة بشكل كامل، بدءاً من أرضيتها السيئة التي تفتقر الى الصيانة، وغالباً ما يتعرض اللاعبون للإصابة بسبب سوء الأرضية، ناهيك عن عدم الإهتمام بعشب الملعب، أما بالنسبة للتجهيزات وغرف الملابس في الملاعب اللبنانية ومقارنتها مع تلك في دول العالم، فنلاحظ الفرق الكبير بينها وبين تلك العالمية وزاد العبء بعد انتشار وباء كورونا ، وصار مطلوباً خلق مساحات أوسع تحترم التباعد الإجتماعي الذي فرضه فيروس الكورونا لتفادي إنتقال العدوى والحفاظ على صحة وحياة اللاعبين والمدربين والجمهور في حال حضوره المباريات.
وفي الوقت الحالي صار الأمر أصعب بسبب الوضع الإقتصادي، مع إرتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، حيث باتت الأندية غير قادرة على دفع التكاليف الباهظة للصيانة والمصاريف الأخرى، وهذا ما أكده المستشار الفني في وزارة الشباب والرياضة حسن شرارة بقوله: “الوضع ما قبل الأزمة كان صعباً ، خصوصا وأن التمويل صار ضعيفاً مع انسحاب رجال الأعمال من مجال دعم الرياضة بعد غياب الجمهور عن المدرجات “.
وعلى الصعيد العربي هناك فرق شاسع بين الملاعب البنانية والعربية ففي العراق مثلا البلد الذي يشهد مشاكل وصعوبات إقتصادية وسياسية كما لبنان، الا أن الإتحاد العراقي لكرة القدم بنى ملاعب ضخمة أبرزها ملعب كربلاء ، ومن المقرر إجراء بطولة “خليجي 25 “عليه ، وحالياً تشهد ملاعب قطر شهرة وجودة عالمية، وهي تستعد لإستضافة كأس العالم في العام المقبل “مونديال 2022”. وهذه الأمثلة تظهر الفرق الشاسع بين ملاعب الخارج وملاعبنا التي تحولت في بعض الأحيان إلى مخازن ومستودعات.
العبء المادي يؤثر على المستوى أما على مستوى الأندية ، فقد تضاعفت مشاكلها بعد الأزمة الإقتصادية. فاللاعبون الأجانب الذين يلعبون مع النوادي كانوا يتقاضون رواتبهم بالعملة الصعبة ، وبعد انهيار الليرة اللبنانية بات مستحيلاً على النوادي دفع تلك الرواتب ، حيث أن إجمالي الرواتب للاعبين اللبنانيين داخل النادي لا تقاس بمبلغ راتب لاعبين أجنبين . فعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك ناد لبناني من أندية الطليعة، كان متعاقداً مع ثلاث لاعبين أجانب بمبلغ 100 الف دولار أميركي تقريباً، وبعد الأزمة اضطر الى شراء العملة الصعبة من “السوق السوداء”، ودفعها للأجانب الذين لم يقبلوا قبض بدلاتهم بالشيك المصرفي أو بسعر الصرف الرسمي للدولار، والجدير ذكره أن هذا المبلغ يقارب مليار ليرة تقريباً ، وهذا عبء كبير لا تستطيع تحمله ميزانية معظم أندية كرة القدم اللبنانية. وقد انعكس هذا الأمر على مستوى الأندية لعدم قدرتها على التعاقد مع لاعبين من خارج البلاد ، وهذا أثر كثيراً على مستوياتها وجعلها غير قادرة على المنافسة ، وكان طبيعياً أن ينعكس ذلك سلبياً على مستوى الدوري اللبناني والأجواء الكروية بشكل عام . ونتيجة الظروف الصعبة إضطرت الأندية للإعتماد على الفئة الشبابية من اللاعبين الذين يتقاضون بدلات صغيرة ويقبلون بعقود غير إحترافية وقد اعتمد نادي السلام زغرتا بالمجمل على فئة الشباب ، واليوم بعد نهاية الدوري اللبناني هبط للدرجة الأدنى . وبالمقابل ، يمكن أن نثمن الخطوة إيجابية التي قام بها الإتحاد اللبناني ، وهو إنجاز بطولة الدوري اللبناني التي اختتم بفوز نادي الأنصار على النجمة ، وهذه الخطوة تبرز نجاح الإتحاد وتحيي الأمل لدى الأندية التي في طليعة إهتماماتها تحسين الظروف وتقوية الدوري اللبناني عبر طرق عديدة. أما على سبيل الإيرادات، فبسبب جائحة الكورونا لم يتسن للملاعب استقبال الجماهير، الذين يقدمون دخلاً إضافياً للنادي، وهذا قلص دخل الأندية، فضلا عن غياب الدعم جرّاء الأزمة المالية التي يشهدها البلد. هجرة اللاعبين المحترفين وعلى صعيد وضع اللاعبين اللبنانين في لعبة كرة القدم ، وفي ظل الظروف الإقتصادية المتردية ، فقد تسرب العديد منهم الى الخارج ، وفي الفترة الأخيرة شهد القطاع الرياضي هجرة كفاءات للتفتيش عن فرص أفضل وإن ببدلات عادية إلا أنها تبقى جيدة كونها تدفع بالعملة الصعبة، وتبقى أفضل من الرواتب داخل لبنان.
هنا عيّنة من اللاعبين الذين غادروا لبنان للعب مع أندية خارجية : ربيع عطايا لاعب نادي العهد سابقاً ، إلتحق بصفوف نادي “كيداه” الماليزي كما رحل اللاعب سوني سعد من نادي الأنصار إلى الوحدات الأردني ، وانضم اللاعب قاسم الزين إلى نادي النصر الكويتي بعدما كان سابقاً لاعباً في نادي النجمة ، كما رحل أحمد زريق عن نادي العهد ليلعب حالياً مع نادي الوحدات الأردني. ولا يمكننا أن ننسى المنتخب الوطني الذي يعاني من ضعف في إمكانياته المادية ومن غياب الخطط التنموية ، التي تؤخر فرصة تقدّم المنتخب ومشاركته في البطولات العالمية ، ولعل أكبر دليل على ذلك كان إقالة الجهاز الفني السابق واستبداله بجهاز محلي ، واستبعاد المدرب الأجنبي ، إذ لم يعد بمقدور ميزانية المنتخب التكفل بتكاليف الجهاز السابق.
وهذا التراجع في المستوى له أسبابه الكثيرة ، ولكن المصاعب التي تواجه الكرة اللبنانية يمكن حلها إذا تم التعاون والتنسيق بين الإتحاد اللبناني لكرة القدم والدولة ، ولا سيما الوزارة المعنية ، وزارة الشباب والرياضة ، والوزارة حالياً كما باقي وزارات الدولة في حالة موت سريري ناهيك عن أن قطاع الرياضة ليس في قائمة الأولويات، مع العلم أنه من أكثر القطاعات التي تستحق الدعم ، وعندما شهد البلد إقفالاً عامّاً ، لم يتم إستثناء الملاعب الرياضية.
إهمال مزمن للقطاع الرياضي ولا شك بأن إهمال القطاع الرياضي بشكل عام مشكلة مزمنة في لبنان منذ الحكومات السابقة ، وكان على الإتحاد اللبناني العمل بمفرده ، والتكفّل بالإصلاحات والتنظيم بالرغم من إمكانياته المتواضعة، وهذا انعكس سلبياً على المسار الرياضي بشكل عام . وفي حال وجود نية للإصلاح لا بد من التعلم من أخطاء الماضي وسلوك المسار الصحيح الذي يعيد للكرة اللبنانية قيمتها ويبرزها مجدّداً ، ولعل القطاع الرياضي حينها يؤسس لمرحلة جديدة نحو ريادة عالمية ترفع إسم لبنان عالياً بعيداً عن المشاكل والأزمات التي باتت على كل شفة ولسان .
الدعم الرسمي مطلوب لمستقبل الرياضة في لبنان وتتحقق هذه الأهداف إذا أظهرت الوزارات المعنية جدية في التعامل مع قطاع الرياضة من خلال الدعم المادي والمعنوي الجدي للإتحاد اللبناني لكرة القدم عامة، وللأندية والمنتخب بشكل خاص .هذا بالإضافة إلى العمل على تنفيذ خطة مستقبلية لتحسين نوعية الملاعب ، وتدريب صغار اللاعبين الهواة لصناعة جيل شبابي ماهر قادر على التكفل بتطوير لعبة كرة القدم والرياضة بشكل عام ، وإيصال لبنان إلى العالمية عبر منتخباته الوطنية .
التقرير من اعداد الطالب: بلال غازية
الجامعة اللبنانية – كلية الاعلام – الفرع الاول
ضمن برنامج التدريب الذي تقوم به وزارة الاعلام – مديرية الدراسات والمنشورات اللبنانية