في محاولة لإنقاذ الفرصة الأخيرة أمام لبنان المتمثلة بآخر ما بقي من المبادرة الفرنسية بعدما أنهكتها بدع التعطيل والاشتراطات، فإن مهمة مصيرية ملقاة على عاتق وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الذي يصل بيروت اليوم، في ضوء ما بات معروفاً عن عزم الإليزيه الضغط بشتى السبل المتاحة لإنجاح المبادرة وتشكيل الحكومة بأسرع وقت ربطاً بالواقع الذي دخلت فيه فرنسا تحضيراً لإنتخابات رئاسية.
وفيما لم يتم الإعلان رسمياً عن الجدول النهائي للقاءات الوزير الفرنسي، فإن إحتمال استثنائه للرئيس سعد الحريري من جدول زياراته أثار الكثير من التحليلات عمّا ترمي اليه مثل هذه الخطوة، الأمر الذي انعكس محلياً بإبلاغ الحريري لأكثر من جهة وضعه خيار الاعتذار في رأس قائمة خياراته المقبلة. وعليه فإن الأمور لا تشي بأجواء إيجابية مرتقبة، مع الكثير من المعطيات التي تشير إلى ان الملف اللبناني مرتبط مباشرة بالمفاوضات الجارية في فيينا حول الإتفاق النووي، إضافة الى ما يجري من لقاءات اقليمية في أكثر من اتجاه.
عضو كتلة “المستقبل” النيابية سامي فتفت، الذي جدد دعم الكتلة للمبادرة الفرنسية “التي عملنا طيلة الفترة السابقة وفقها، وبنينا سياساتنا على أساسها”، تمنى أن يكون لزيارة لودريان “وقع إيجابي على ملف تشكيل الحكومة”. ورداً على إحتمال اعتذار الرئيس الحريري، كشف فتفت في اتصاله مع جريدة “الأنباء” الإلكترونية أن جميع الخيارات باتت مطروحة.
من جهته، رأى عضو تكتل “لبنان القوي” مصطفى حسيني أن “إعتذار الحريري ليس حلاً، بل إن الحل يكمن في تأليفه لحكومة، لأن التأخر في تسمية رئيس مكلّف جديد وتشكيل حكومة سيزيد من عمق الإنهيار، خصوصاً وأن رئيس حكومة تصريف الأعمال يرفض حتى اليوم عقد جلسة حكومية. أما وفي حال قرر الحريري الإعتذار، فعندها سيعود البحث عن أسماء جديدة قادرة على إنقاذ البلد”.
وفي حديث مع “الأنباء” الإلكترونية، جدد حسيني بدوره تأييد مع المبادرة الفرنسية، وأمل أن ”تخلٍف زيارة لودريان أجواء إيجابيةً على الملف الحكومي”، دون أن ينفي أن “ما من شيء جديد في هذا الخصوص”.
أما في ما يتعلق بالعقوبات الفرنسية المتوقعة، فتبيّن بحسب حسيني أنها “قصة فاضية”، وأن “فرضها كان في سياق إنزال الضغوط على لبنان للسير بسياسات معيّنة بهدف الإستفادة من ثرواته البحرية”.
على خطٍ آخر، لا زال دياب يتخبط بسياسات عشوائية وعبثية، ويهرب من الحلول الجذرية نحو تلك الجزئية. إذ وبعد طول درس، قرر دياب السير بالبطاقة التمويلية على أن يتم تمويلها من إحتياطي مصرف لبنان، لغياب أي مصدر للتمويل.
المدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية زياد عبد الصمد رأى أن ”الأزمة الأساسية لا تعالَج عبر الحلول المرتجلة والمتسرعة، بل هي تكمن في التوجه نحو خيارات اقتصادية مغايرة للتي تم إتباعها، وعودة تفعيل خطوط لبنان مع الخارج، بعد أن توقفت بسبب عمليات تهريب المواد غير الشرعية”.
وفي حديث مع “الأنباء” الإلكترونية، لفت عبد الصمد إلى أن “التهريب لم يتوقف بعد، لا بل تتوسع رقعته لتشمل الممنوعات، والأسواق الخارجية أُقفلت، والدعم يستنزف الإحتياطي، أما السياحة والإستثمارات الخارجية في البلاد تراجعت، وبالتالي أي حلول لا تعالج هذه الأزمات لن يكون لها أي وقع إيجابي”.
وحول الخطة التي طرحها دياب، ذكر عبد الصمد أن “المشروع يهدف لمساعدة 750 ألف أسرة، ما يعني 70% إلى 80% من اللبنانيين، في حين أن البطاقات التمويلية تُمنح بالعادة إلى 7% وصولاً إلى 20% من المواطنين لا أكثر. “لكن وبما أن معظم الشعب اللبناني بحاجة للمساعدة، فإن التوجه نحو الدعم القطاع الصحي والإجتماعي والغذائي والسكني وغيرها سيكون أفضل، عبر دعم خطة صحية مثلاً لتخفيف عبء الإستشفاء عن المواطنين، وهكذا دوليك”.
وسأل عبد الصمد: “وفق أي آلية سيتم توزيع البطاقات التمويلية؟ من يضمن عدم توزيعها وفق حسابات سياسية وحزبية؟ فهناك أحزاب ستستغل هذه البطاقة التمويلية خصوصاً وأننا على أبواب إنتخابات”.
وشدد عبد الصمد على أن “التهريب هو أحد المشكلات الأساسية، وبالتالي يجب إتخاذ قرار صريح بمكافحة التهريب، ويجب خوض المعارك في هذا السياق بعيداً عن الخوف من أي إرتدادات من الجهات المتضررة من وقف عمليات التهريب، وإلّا فالمشكلة لن تُحل”.
وتابع عبد الصمد: “دعم الأسر ووقف دعم السلع يعني زيادة الطلب على الدولار في الأسواق السوداء بهدف الإستيراد، ما سينعكس إرتفاعاً في سعر الصرف وبالتالي إرتفاع إضافي في الأسعار. إضافةً إلى أنه وفي حال تم ضخ المساعدات بالليرة اللبنانية، فإن تضخماً سيحصل وسيزيد الطلب أكثر على الدولار، وعندها ستتراجع القدرة الشرائية للمواطنين. قد تعوّل السلطة على هذه الأمور لخفض كلفة الإستيراد وتخفيض عجز الميزان التجاري، إلّا أنه سيكون لها نتائج كارثية على الصعيدين الإقتصادي والإجتماعي”.
وختم عبد الصمد حديثه لافتاً إلى أن “الدعم لن يتوقف كلياً عن بعض السلع، وبالتالي التهريب لن يتوقف، علماً أنه لا يقتصر على المواد المدعومة، بل هو سيستمر على خط تهريب المخدرات والممنوعات، وهو الأمر الذي حرم لبنان والمزارعين من تصدير منتجاتهم واستقدام الدولارات”.
من جهته، رفض عضو كتلة اللقاء الديمقراطي النائب بلال عبدالله المس بالإحتياطي الإلزامي لتمويل البطاقة التمويلية، إلّا أنه أشار إلى أن “في حال كان الإختيار بين إستخدام مليار دولار من الإحتياطي الإلزامي لمساعدة الناس، أو إستمرار الدعم بشكله الحالي وإستفادة المهربين والتجار دون غيرهم، وهو الإختيار بين السيء والأسوأ، سنكون مع خيار ترشيد الدعم والبطاقة التمويلية على أن يتم ضمان توزيع البطاقات على المستحقين لا غير”.
وسأل في إتصال مع “الأنباء”: “على أي أساس قرر دياب دعم 750 ألف أسرة؟ وفق أي بيانات؟ ما من مسح دقيق للأسر الفقيرة، فالأرقام جميعها تقريبية، وزارة الشؤون الإجتماعية باشرت منذ شهرين بإحصاء الأسر الأكثر فقراً لتوزيع أموال قرض البنك الدولي، فأين أصبحت العملية؟”.
وحول التوجه نحو سياسات مغايرة للحالية والمطروحة بسبب الثغرات الموجودة، لفت عبدالله إلى أن “كتلة اللقاء الديمقراطي كانت أول من طالب في مجلس النواب ترشيد الدعم، وأول من طرح مشاريع قوانين خدمةٍ للهدف نفسه، ونحن منفتحون على أي طروحات لمناقشتها، إلّا أنه وفي ظل غياب الحكومة والإصلاح، تصبع الحلول المثالية كلام نظري، ولهذا السبب نختار بين السيء والأسوأ، والمطلوب شراء الوقت ودعم اللبنانيين بدل دعم التجار والمهربين، إلى أن يتم تشكيل حكومة والمباشرة بالإصلاحات”.
وحول قرض البنك الدولي المُنتظر، ذكر عبدالله أن “مجلس النواب أقر القانون المطلوب للإستفادة منه، وأجرينا بعض التعديلات، وبات اليوم من مسؤولية وزارتي المالية والشؤون الإجتماعية لإدخاله حيز التنفيذ”.