لا تكاد البلاد تخرج من أزمة حتى تقع في أخرى، وكأنه لم يكن ينقص إلا أزمة ديبلوماسية مع دولة صديقة لم تتخلّ عن لبنان في أصعب الظروف، في وقت هو بأمسّ الحاجة الى مَن يثق به من المجتمعين العربي والدولي لا العكس. وقد مر قطوع إساءة الوزير المتنحّي شربل وهبة بأقل الضرر بعد أن أثبت لبنان السياسي والشعبي من منزل سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد البخاري الرفض التام للحديث غير المسؤول الذي أدلى به وهبة، وكان تأكيد على التضامن مع السعودية ودول الخليج العربي.
لكن مصادر مواكبة توقعت في اتصال مع جريدة “الأنباء” الالكترونية أن “لا تنتهي المسألة عند هذا الحد، خاصة في ظل التراكمات السابقة لا سيما مع التيار الوطني الحر ومنذ تولي رئيسه جبران باسيل وزارة الخارجية”، الا أن المصادر جزمت بأنه “لن يكون هناك أي مسّ باللبنانيين في دول الخليج مهما قامت المملكة بإعادة قراءة لعلاقتها ببعض الأطراف اللبنانيين”، مستندة الى تصريحات السفير البخاري الذي طمأن بأن لا ترحيل للبنانيين لا من المملكة ولا دول مجلس التعاون الخليجي.
في هذا السياق، لفت عضو كتلة المستقبل النائب محمد الحجار الى أن “وهبة كان مستشار رئيس الجمهورية ميشال عون للشؤون الديبلوماسية، بعد أن شغل منصب سفير للبنان في عدة دول”، وهذا ما يدفع الى طرح علامات استفهام حول “تهجمه على السعودية بطريقة لم يسبقه عليها أحد بهذه السفاهة والتعصب والعنصرية”.
وأكد الحجار في حديث لجريدة “الأنباء” الالكترونية ان “هذا الأمر يضر بلبنان وبشعبه وصورته، وهو جاء ترجمة للسياسة المتبعة من قبل العهد تجاه الخليج والصمت على تهجمات حزب الله على دول الخليج العربي، فقد أوصلت العلاقات الى أسوأ عهد”، مشدداً على أن “البيان الملتبس الذي أصدرته رئاسة الجمهورية يتضمن تناقضا يذكرنا بتناقض الرئيس ميشال عون حين قال إنه لا يريد الثلث المعطل في الحكومة وفي المقابل يريد ان يسمي الوزراء المسيحيين جميعهم”، معربا عن اعتقاده ان “دول الخليج تدرك ان اللبنانيين يكنون كل الاحترام والتقدير لدول مجلس التعاون الخليجي وشعوبها ولا ينسون مواقفها ودعمها الدائم للبنان واللبنانيين في كل الاستحقاقات”.
بدوره، عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب جوزيف اسحق أشار في حديث لجريدة “الأنباء” الإلكترونية الى ان “تنحية وهبة عمل جيد بعد الخطأ الكبير الذي اقترفه، فباعتباره وزير خارجية لا يمكنه ان يخاطر بعلاقات لبنان الخارجية مع دول الخليج العربي”.
وفيما يسود الترقب لما ستؤول اليه تداعيات الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية الى مجلس النواب، سأل النائب الحجار عن “الجدوى منها”، معربا عن اعتقاده ان “عون يريد من خلالها التنصل من مسؤولياته بتعطيل تشكيل الحكومة ومحاولة اخضاع المجلس النيابي لرأيه وموقفه الرافض من الأساس لتسمية سعد الحريري رئيسا للحكومة وصرف الأنظار عن الكارثة التي تسبب بها وزير خارجيته”.
من جهته أوضح اسحق أنهم في تكتل “الجمهورية القوية” يدرسون الموضوع، قائلا: “بغض النظر عن نتيجة الرسالة من عدمه، برأينا هذه الأكثرية الموجودة تثبت كل يوم أن لا أمل منها وليست جديرة بالحكم”، مضيفا “نحن لا نعوّل كثيرا على هذه الأكثرية فمع الأسف لا زالوا بالتفكير نفسه والعقلية نفسها ولم يراعوا حرمة ما يحصل في البلد من افقار وجوع”.
وحول مسار جلسة مجلس النواب المخصصة لمناقشة رسالة عون، توقعت مصادر سياسية عبر جريدة “الأنباء” الإلكترونية ان يتحدث الرئيس الحريري في الجلسة وأن “يقدم مكاشفة سياسية لكل مراحل مسار التكليف منذ اليوم الأول وما واجهه من عراقيل في الاجتماعات الـ17 التي عقدها مع الرئيس عون”، مشبهة كلمته المرتقبة في الجلسة بكلمته في ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري في شباط الماضي. وأشارت المصادر الى ان “الحريري مصمم على وضع النقاط على الحروف وسيتحدث عن تمسك عون بالثلث المعطل وبتسمية الوزراء المسيحيين”.
وفي ضوء كل ذلك فإن ما يشهده البلد يبدو غير منطقي على الإطلاق، إذ وفيما بات لبنان حتماً في نفق الانهيار، لا يبدي أي مسؤول اهتماما على قدر مسؤوليته لإنقاذ بعض ما تبقى، إنما يجدون ما يكفي من الوقت للتلهي بمسرحيات لا تقدم ولا تؤخر.
وسط هذه الأجواء، يطلّ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مساء اليوم ليصارح اللبنانيين على جري عادته بحقيقة ما وصلت إليه الأوضاع سياسيًا واقتصاديا، وأي مستقبل سينتظرنا، وليجدد نداء الحرص.
وبالتزامن، بقيت ساحة الجنوب محط الأنظار مع استمرار عمليات اطلاق الصواريخ باتجاه الأراضي المحتلة، حيث أعربت مصادر أمنية عبر جريدة “الأنباء” الإلكترونية عن قلقها مما يجري وتخوفها من تفاقم الوضع ونقل المواجهة الى الجنوب اللبناني بعد ان هدأت العمليات نسبيا في قطاع غزة، سائلة: “أين موقف حزب الله مما يجري، وما هو دور قوات الطوارئ الدولية بعد ان ثبت ان معظم الصواريخ التي أطلقت تقع ضمن نطاق عملها؟”.