تسارعت التطورات في الساعات الماضية على غير صعيد، وبدا المشهد اللبناني ملبدا في الداخل على وقع تزايد التوترات السياسية المتعلقة بالخلافات حول الحكومة وتداعيات تصريح الوزير شربل وهبة الاخير الذي اضطر الى التنحي كمخرج لاحتواء ردود الافعال الخارجية والداخلية.
اما على الحدود الجنوبية مع الاراضي الفلسطينية المحتلة، فقد بقي التوتر مخيما في ظل استمرار المجازر والعدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني في كل الاراضي الفلسطينية المحررة والمحتلة، وتداعياته الخطرة على المنطقة ومنها لبنان.
ووفقا للمعلومات التي توافرت للديار، فان جلسة مجلس النواب التي دعا الرئيس بري الى انعقادها بعد ظهر الغد لتلاوة رسالة الرئيس عون حول تاخر تشكيل الحكومة مرشحة ان تكون ساخنة وان تشهد سجالات حادة حول الازمة الحكومية وقضايا اخرى.
وتؤكد المعلومات التي توافرت للديار ان الرئيس الحريري الذي سيعود الى بيروت، سيقدم في الجلسة، اكان تقرر النقاش الجمعة ام الاثنين، مداخلة مفصلة ردا على رسالة عون التي اعتبرت اوساطه ان مضمونها غير دستوري وحافل بالمغالطات وتحريف الحقائق.
وتضيف المعلومات ان الحريري بدأ اعداد مداخلته التي ستكون كرسالة مضادة لرسالة رئيس الجمهورية.
اما اوساط بعبدا فتقول ان رسالة رئيس الجمهورية هي حق دستوري واضح وصريح وانه يريد منها ان يتحمل الجميع مسؤولياتهم تجاه التأخير المتعمد لتاليف الحكومة وعجز الرئيس الحريري عن القيام بمهمته او تلكؤه في ذلك.
والمعلوم ان عون طلب في رسالته للمجلس مناقشة تاخير الحكومة « واتخاذ الموقف او الاجراء او القرار المناسب بشأنها».
وحمل الحريري مسؤولية تاخير تاليف الحكومة، ملاحظا انه « اصبح من الثابت ان الرئيس المكلف عاجز عن تاليف حكومة قادرة على الانقاذ».
ورد الحريري بتغريدة مقتضبة وصف فيها الرسالة بانها « امعان في سياسة قلب الحقائق والهروب الى الامام، والتغطية على الفضيحة الدبلوماسية العنصرية لوزير خارجية العهد تجاه الاشقاء في الخليج العربي… وللحديث صلة في البرلمان».
من جهة اخرى، كشفت قضية وتداعيات تصريح الوزير وهبة هشاشة الوضع السياسي في البلاد، لا سيما في ضوء مظاهر الاصطفافات التي ظهرت. لكن الجهود المكثفة التي بذلت نجحت في فرملة هذه الاجواء المحمومة بشكل نسبي من خلال تنحي وهبة وتعيين الوزيرة زينة عكر وزيرة للخارجية بالتكليف، وباحتواء ردود الافعال الخليجية والمحلية.
توتر على الحدود
اما على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، فقد خيم بعد ظهر ومساء امس التوتر اثر اعلان العدو الاسرائيلي عن اطلاق ٤ صواريخ من الحنوب اللبناني نحو شمال فلسطين المحتلة.
وذكرت مصادر اعلامية ان الصواريخ اطلقت من منطقة قريبة من قرية صديقين، لكن المصادر الامنية لم تؤكد هذه المعلومات.
وسيرت قوات اليونيفيل دوريات في البلدة ومحيطها. واجرى قائدها اتصالات مع الاطراف المعنية للتحاي باقصى درجات صبط النفس في هذا الوقت الحرج.
وقال الناطق باسم جيش العدو الاسرائيلي افيخاي ادرعي ان اربعة صواريخ اطلقت من داخل الاراضي اللبنانية باتجاه الاراضي الفلسطينية المحتلة، حيث اعترضت الدفاعات الجوية الاسرائيلية صاروخا واحدا فوق الجليل وسقط آخر في منطقة مفتوحة واثنان في البحر.
واضاف ان الجيش الاسرائيلي رد بقصف مدفعي على عدة اهداف داخل الاراضي اللبنانية.
وذكرت المعلومات ان قذائف العدو طاولت اراض مفتوحة قرب قريتي شمع والناقورة دون حصول اصابات.
كما ذكرت وسائل الاعلام الاسرائيلية ان صفارات الانذار دوت في حيف وعكا وفي الجليل، وان المستوطنين في المستوطنات القريبة من الحدود الجنوبية هرعوا الى الملاجىء.
وذكرت معلومات ان رئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو الغى اجتماعا وزاريا مصغرا بعد اطلاق الصواريخ.
ومساء اعلنت مديرية التوجيه في قيادة الجيش اللبناني انه قرابة الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر استهدفت مدفعية العدو الاسرائيلي منطقة وادي حامول قرب صديقين واحصي سقوط ١٧ قذيفة، ولم يسفر القصف عن وقوع اضرار او اصابات، كما عثرت وحدة من الجيش في المكان عينه على اربع منصات فارغة لاطلاق الصواريخ ومنصة مجهزة بصاروخ كان معدا للاطلاق وتعمل الوحدات المختصة على تفكيكه.
جلسة رسالة عون والحريري للرد
وعشية الجلسة العامة لمجلس النواب التي دعا الرئيس بري الى انعقادها عند الثانية من بعد ظهر غد الجمعة لتلاوة رسالة رئيس الجمهورية، تكثفت الاتصالات من اجل العبور بالجلسة الى نتائج لا تزيد البلاد توترا وشرخا، مع العلم ان الاجواء السياسية بلغت مؤخرا درجة كبيرة من السخونة ما يؤشر الى ان الوضع سيبقى في دائرة التجاذبات والخلافات التي تحول حتى الآن دون تاليف الحكومة.
وقال مصدر نيابي مطلع لـ» الديار» امس انه من المرجح ان يلي تلاوة رسالة رئيس الجمهورية نقاش لا يخلو من الحدة والسخونة حول مضمونها الذي تعتبره اوساط نيابية وسياسية غير دستوري ويتناقض مع مبدأ فصل السلطات ويثير الانقسامات والفتنة.
وبرأي هذه الاوساط انه اذا كان من حق رئيس الجمهورية ان يبعث برسالة الى المجلس دستوريا، فان مضمون الرسالة غير دستوري لانه يتجاوز فصل السلطات ويطلب من المجلس امورا ليست من صلاحياته. عدا ان ما تضمنته الرسالة يعتبر مطلبا سياسيا يفتح الباب امام خلق اجواء انقسامية ذات بعد طائفي.
ووفقا للمصادر النيابية فان ألرئيس بري، الذي حرص على التعامل مع الرسالة وفق الاصول، سيفتح المجال امام الكتل النيابية كما فعل في جلسة الرسالة السابقة للادلاء بمواقفها قبل ان تتخذ الهيئة العامة الموقف المناسب منها.
وعلمت الديار ان الاتصالات ستستمر اليوم، وان الرئيس بري لم يحسم مسألة المباشرة بالمناقشة بعد تلاوة الرسالة مباشرة ام انه سيترك النقاش الى جلسة تعقد يوم الاثنين المقبل.
ووفقا للمعلومات، فان سيناريوهات عديدة طرحت نفسها، لكن المرجح ان يحضر الرئيس الحريري وكتلته النيابية الجلسة، وان يدلي بمداخلة مفصلة ردا على رسالة عون بحيث تشكل هذه المداخلة جوابا على طريقة رسالة برسالة.
واضافت المعلومات ان الحريري عكف على اعداد الرد المفصل، وان هذا التوجه عززته العبارة التي ختم بها تغريدته المقتضبة ردا على رسالة عون بقوله « وللحديث صلة في البرلمان».
وذكرت المعلومات ايضا ان طروحات وتوجهات عديدة طرحت ردا على رسالة عون والموقف من الجلسة لكنها تبددت وصرف النظر عنها، ومنها مقاطعة كتلة المستقبل الجلسة مستتبعة بمقاطعة كتلة اللقاء الديمقراطي. وتردد ايضا انه جرى البحث في اتخاذ كتلة اللقاء التشاوري السنية المحسوبة على ٨ اذار موقفا مماثلا لكنه لقي خلافات داخل الكتلة قبل صرف النظر عن مثل هذا الخيار.
والجدير بالذكر ان الرئيس بري حرص على عقد الجلسة والتعامل مع رسالة رئيس الجمهورية وفق الاصول رغم ملاحظاته العديدة على ارساله الى المجلس وعلى مضمونها.
وحسب المعلومات ايضا، فان طرحا اخر لم يحظ بالقبول كان يقضي بان تحضر هذه الكتل وتؤكد عدم دستورية الرسالة قبل مغادرة الجلسة.
وفي ضوء المداولات، بات مرجحا بل مؤكدا انعقاد الجلسة بنصاب كبير، ومناقشة رسالة عون والرد عليها.
واستباقا لاجواء هذه الجلسة، قال مصدر نيابي بارز لـ» الديار» امس انه لا يتوقع ان تؤدي رسالة ألرئيس عون الى اي نتائج ايجابية او الى اي تطور ملموس، لا بل انها ستؤكد واقع التأزم الحاصل في شأن الحكومة، معتبرا ان المشكلة ليست عند المجلس بل عند عون والحريري.
واضاف ان رمي هذه الكرة الى ملعب مجلس النواب هو في غير محله، فالمجلس قام بواجبه وسمى الحريري بالاكثرية لتشكيل الحكومة والكرة اليوم عند رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف.
واضاف المصدر «ان رسالة ألرئيس عون لن تقدم شيئا، لكنها ربما ستزيد الوضع تأزما اذا ما تجاوزت السجالات في الاونسكو ما شهدناه من سجالات سابقة، خصوصا في ظل التوتر الاخير بعد تصريحات الوزير شربل وهبة».
مصدر في التيار
من جهة اخرى، قال مصدر نيابي في التيار الوطني الحر للديار إن رئيس الجمهورية استخدم حقه الدستوري في رسالته الى المجلس، وانه يريد ان يتحمل الجميع مسؤولياتهم تجاه استمرار تاخير تاليف الحكومة ومخاطره. واضاف ان الهدف من الرسالة ليس تسجيل مواقف على الآخرين او رمي الكرة الى المجلس بقدر ما هو محاولة جادة وصادقة للدفع باتجاه الخروج من هذا الوضع الذي لم يعد مقبولا.
واشار الى ان اتصالات جرت وتجري يمكن ان تنتهي الى أجواء قد تساعد على خروج الجلسة بنتائج محفزة على تسريع الحل وحسم الازمة الحكومية، وبالتالي يمكن الذهاب بالجلسة الى الجانب الايجابي بدلا من تتحول الى محطة خلافية.
ورأى ان ما قام به الرئيس عون يعبر عن رغبة جادة وصادقة في العمل للخروج من الازمة وانقاذ البلد، فلماذا التعامل معها بسلبية بدلا من التعاطي معها بموضوعية وايجابية لتحقيق الهدف المطلوب وهو حسم خيار تاليف الحكومة؟
رؤساء الحكومات السابقة
وامس اصدر رؤساء الحكومات السابقة بيانا اعربوا فيه عن استغرابهم من رسالة رئيس الجمهورية، واكدوا ان الرسالة « مليئة بالمغالطات، وفيها تحوير للوقائع التي حصلت في تكليف الرئيس الحريري بمهمة تشكيل الحكومة»، رافضين تحميله مغبة التأخير في التاليف.
ورأوا ان الحريري «لم يلق تعاونا، بل وضعت العراقيل في طريقه والتي حاول رئيس الجمهورية فرضها، ومنها مسألة الثلث المعطل واعراف جديدة اخرى متعارضة مع احكام الدستور».
تنحي وهبة وعكر البديل
على صعيد آخر، تسارعت الجهود والاتصالات لاحتواء تداعيات تصريح الوزير وهبة، وقر الرأي على ان الاعتذار الذي ادلى به غير كاف وأنه يجب ان يتوقف عن مهامه لاحتواء ردود افعال دول الخليج التي لوحت باجراءات بعد استدعاء السفراء اللبنانيين في السعودية والكويت والامارات والبحرين واتخاذ مصر موقفا مماثلا وداعما لهذه الدول.
وبنتيجة هذه الجهود والاتصالات اتخذ قرار تنحي وهبة واعفائه من مهمته، وان يترافق ذلك مع تخفيف التوتر وعدم حصول ردود افعال في الشارع بعد ان جرى تسويق هذه الاخبار.
وبالفعل قام وهبة كما هو مرسوم بزيارة الرئيس عون والرئيس دياب وقدم لهما كتابا لاعفائه من مهمته. واعلن ان هذا التنحي هو لمصلحة لبنان، متمنيا اقفال الموضوع ليصبح من الماضي.
وعلمت الديار انه جرى ليل اول امس البحث في الاسم البديل وجرى نقاش وخلاف حيث لم يوافق الرئيس عون على تعيين الوزير دميانوس قطار المكلف بمرسوم الحكومة ان يكون بديلا الوزير ناصيف حتي الذي كان استقال قبل استقالة الحكومة وعين مكانه وهبة.
وذكرت المعلومات ان عون ابدى ميلا لتعيين الوزيرة غادة شريم بحماس من النائب جبران باسيل، لكن هذه الرغبة واجهت معارضة من الرئيس بري واعتراضا من دياب وجهات اخرى.
وفي المحصلة، قر الرأي على تعيين الوزيرة زينة عكر وتوقيع الرئيس عون مرسوم تعديل التكليف بعد ساعات قليلة من تنحي وهبة.
من جهة اخرى، فتح السفير السعودي وليد بخاري خيمة في حديقة منزله في اليرزة لاستقبال القوى السياسية والوفود التي قصدت الخيمة للتعبير عن تاييدها للمملكة واستنكارها لموقف الوزير وهبة بحق السعودية والخليج.
ونفى السفير بخاري في دردشة مع الاعلاميين ما سربته بعض وسائل الاعلام والمواقع الاخبارية عن نية السعودية ترحيل اللبنانيين من المملكة، وقال « ان كل ما يحكى عن سعي السعودية لترحيل اللبنانيين عن اراضيها لا اساس له من الصحة».
ولاحقا قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ان تصريحات الوزير وهبة «غير دبلوماسية وعنصرية ولا تعبر عن الشعب اللبناني، ونحن حريصون على مستقبل لبنان لكن عليه ان يجد السبيل لانقاذ نفسه».
وسبق ذلك اعلان السفير السعودي بخاري انه تلقى اول امس اتصالا من الوزير وهبة الذي اعتذر عن التصريح الذي ادلى به.