تمر عملية تشكيل الحكومة خصوصا، والبلادُ عموما، في ساعات مفصلية. بعد اصطدام مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري بشروط العهد وصهره، وتجاوزِ الاوضاع المعيشية الخطوطَ الحمراء على الصعد كافة، واجرى الرئيس المكلف سعد الحريري ورشة اتصالات موسّعة لدرس خياراته وسيخرج منها بقرار حاسم خلال ساعات: اما يريد الاستمرار في مهمّة التكليف مع علمه انه لن يتمكّن من التأليف، وهو الخيار المرجّح حتى الساعة، أو انه سيعتذر ويترك العهد يتحمّل مسؤولية ما «اقترفته يداه» بعدما استخدم الفريقُ الرئاسي، على مرّ الاشهر الماضية، كلَّ الوسائل المتاحة، للتخلّص من الحريري، وليتولَّ الآن مهمة ايجاد رئيس مكلّف جديد وليشكّل حكومة تنتشل لبنان من «جهنم» التي يتخبط فيها.
في البيت الاسلامي
بداية هذه الورشة، كانت من داخل البيت الاسلامي. فقد اجتمع المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في دار الفتوى برئاسة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان في حضور الحريري وتدارس المجلس في الشؤون الإسلامية والوطنية وآخر المستجدات على الساحة اللبنانية، واستهلت الجلسة بكلمة لمفتي الجمهورية ثم استمع الى الحريري الذي اطلع الأعضاء «على اخر التطورات السياسية والعقبات التي تعترض تشكيل الحكومة والخطوات التي قام بها لتجاوزها من اجل مصلحة الوطن».
واستمع الحريري الى وجهة نظر المجتمعين من مسألة استمراره في التشكيل او الاعتذار عن عدمه. وقد تجاذب الحاضرون وجهتا نظر: الاولى طالبت الحريري بعدم الاعتذار. وفي المقابل، كان موقف آخر يدعو الحريري الى الاعتذار، ومن بعدها «فليقلّع العهد شوكو بإيدو»، وليجد شخصية قادرة على تأمين غطاء سنّي «اذا وجد الى ذلك سبيلا»، وليتحمّل مسؤولية كل ما فعله منذ 7 اشهر ومسؤولية إصراره على إخراج الحريري من المعادلة.
النرجسية والصلاحيات
هذا في الكواليس. اما بيان المجلس، فحمل دعما مطلقا للحريري من دون ان يحدّد دعمه في اي خيار: اعتذارا ام استمرارا في التكليف. وأشار المجلس الى أنه «في الوقت الذي توشك فيه السفينة على الغرق، فان بعضا من هؤلاء المسؤولين (أو الذين يُفترض أن يكونوا مسؤولين)، لا يرفّ له جفن، ولا يتحرك لديه ضمير أو حسّ وطني أو إنساني. إن هذا البعض غارق في «الأنا» وفي نرجسياتهم الوهمية، وكأن الأخطار التي تحدق بسفينة الوطن لا تعنيهم من قريب أو بعيد. إنهم يرفضون حتى أن يمدّوا أيديهم الى الأيدي الممدودة من وراء الحدود لإنقاذهم من أنفسهم، ومن الغرق في دوامة الفوضى والانهيار. واكد المجلس الشرعي أنه لا يمكن السماح بالمس بصلاحيات رئيس الحكومة المكلف، معتبراً أن اي سعي الى إعراف جديدة فيما يتعلق بالدستور أو باتفاق الطائف أمر لا يمكن القبول به تحت أي حجة من الحجج.
يهمّنا البلد
وقال الرئيس المكلف لدى مغادرته دار الفتوى: جئت الى الدار واجتمعت بالمجلس الشرعي وشرحت لسماحة المفتي وللمجلس ما جرى معي خلال الأشهر السبع الماضية وجرى حوار بناء ومهم خلال الاجتماع. البلد يشهد تدهورا سياسيا واقتصاديا كل يوم. عيني على البلد وكذلك عين سماحة المفتي والمجلس ، وما يهمنا هو البلد في نهاية المطاف. هذا فحوى ما دار خلال اجتماع المجلس وان شاء الله نعود ونتكلم لاحقا.
رؤساء الحكومة
عقد الحريري اجتماعا في «بيت الوسط» مع رؤساء الحكومة السابقين نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة، وتمام سلام، تم خلاله التداول بآخر المستجدات السياسية والأوضاع العامة في البلاد، لا سيما ما يتعلق منها بمسار تشكيل الحكومة الجديدة.
التشاور مع بري
وأكد الرئيس الحريري في حديث صحافي، أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة، وأنه لن ينفرد باتخاذ أي خيار من هذه الخيارات، سواء باستمراره في مهمته التي استمدها من البرلمان أو بالاعتذار عن التأليف من دون العودة إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري والمجلس الشرعي الإسلامي ورؤساء الحكومات السابقين، وجدد تمسكه بمبادرة رئيس البرلمان المستمدة من روحية المبادرة الإنقاذية التي طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي «تأخذ البلد إلى الخلاص من أزماته».
في المواقف
اعتبر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ان الحلول موجودة لكن هناك من يمنع تنفيذها وهذا البلد لا تسلم مقاليده لاحد ولا يستسلم امام احد.
وطالب متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عوده، رئيس الجمهورية ان ينزل إلى الشارع ويستمع إلى الشعب ويعاين الذل الذي يعيشه. وسأله: هل تقبل أن يهان مواطن في عهدك؟ هل تقبل أن يضمحل لبنان في عهدك؟
طوابير وعتمة
معيشيا، لاتزال البلاد تنتظر وصول شحنات الفيول من العراق علّها تساهم في التخفيف من حدة التقنين الكهربائي، الا ان هذه العملية تحتاج اياما وفق ما اعلن المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، ما يعني ان العتمة مستمرة حتى الساعة. هذه المعاناة تُضاف الى معاناة اللبنانيين على محطات الوقود. فطوابير الذل لا تزال على حالها رغم الاعلان عن حلحلة مرتقبة في اليومين المقبلين، الا ان عامل الثقة بات مفقودا تماما لدى اللبنانيين. كل ذلك يحصل فيما الدواء لايزال مفقودا والصيدليات تواصل اضرابها. اما الدولار، فعلى عتبة الـ15 الف ليرة.
الرئيس المكلّف: نبيه بري وسعد الحريري واحد دعمني ولم يتخلّ عني.. وسألتقيه قريباً
أكد الرئيس الحريري في حديث صحافي، أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة، وأنه لن ينفرد باتخاذ أي خيار من هذه الخيارات، سواء باستمراره في مهمته التي استمدها من البرلمان أو بالاعتذار عن التأليف من دون العودة إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري والمجلس الشرعي الإسلامي ورؤساء الحكومات السابقين، وجدد تمسكه بمبادرة رئيس البرلمان المستمدة من روحية المبادرة الإنقاذية التي طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي «تأخذ البلد إلى الخلاص من أزماته».
وقال: «إن سعد الحريري يعني نبيه بري، ونبيه بري يعني سعد الحريري، والمشكلة تكمن بمن يضع العقبات التي تؤخر تشكيل الحكومة، رغم أنني والرئيس بري حاولنا تجاوزها لإحداث تقدم يمكن التعويل عليه للمضي في عملية التأليف». وأجمع المفتي دريان وأعضاء المجلس الشرعي على الوقوف إلى جانب الرئيس المكلف، رافضين مجرد تفكيره بالاعتذار.
ولفت الحريري إلى أنه كاشف المجلس الاسلامي الشرعي الاعلى بكل شاردة وواردة منذ اللحظة الأولى لتكليفه بتشكيل الحكومة، واضعاً المفتي دريان وأعضاء المجلس في تفاصيل العقبات التي اعترضته، مازالت، وانسحبت لاحقاً على بري الذي يحاول جاهداً تذليلها، مبدياً كل مرونة وانفتاح من دون أن يلقى حتى الساعة أي تجاوب، في إشارة إلى السلبية التي يتعاطى بها رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل مع مبادرته.
وتوقف الحريري مطولاً أمام علاقته ببري، وقال: «إنه الشخص الوحيد الذي وقف إلى جانبي منذ اللحظة الأولى لتكليفي بتشكيل الحكومة؛ لم يتركني أبداً، ولم أسمع منه أو يُنقل عنه أي حرف أو كلمة توحي بأنه تخلى عني».
وأكد الحريري أنه على تواصل مستمر مع بري، وأنه سيلتقيه قريباً، فيما نقل عنه عدد من أعضاء المجلس قوله إنه طرح فور تكليفه بتشكيل الحكومة أن تتشكل من 18 وزيراً من المستقلين والاختصاصيين غير المحازبين، وعاد ووافق لتذليل العقبات على أن تتشكل من 24 وزيراً، لكن «هناك من بادر (في إشارة إلى باسيل) إلى وضع مزيد من العراقيل».