بينما كان الرئيس الأميركي جو بايدن يبحث في قمة السبعة الكبار عن وصفة لمواجهة الصين، كاشفاً القلق من خطة الحزام والطريق، لتخرج القمة بمواجهة الأفعال بالأقوال، عبر التنديد ببيع الصين لمنتجاتها بأسعار رخيصة، وعدم الأخذ بمعايير الغرب لتصنيف الدول وفق سلم استحقاق التنمية، تحت شعار النفاق السياسي المسمّى بمعايير حقوق الإنسان، التي يصير بموجبها كيان الاحتلال في طليعة الأنظمة المستحقة، رغم مواجهته عشرات الدعاوى بجرائم حرب وجرائم بحق الإنسانية أمام المحاكم الأوروبية والمحكمة الجنائية الدولية التي أنزل بها رئيس أميركيّ العقوبات، كان وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن يحتفل بأول إنجازاته، مع رحيل بنيامين نتنياهو من رئاسة حكومة الكيان بفارق صوت واحد، مع نيل حكومة الثنائي نفتالي بينيت ويائير لبيد ثقة الكنيست بـ 60 صوتاً مقابل 59، بعدما أنتجت معركة سيف القدس فراغاً أمنياً وعسكرياً استدعى طلب الحماية الأميركيّة، مع تسليم الجيش والاستخبارات في الكيان بالعجز عن تثبيت معادلة الردع في مواجهة غزة وحدَها، والقلق من معادلة الحرب الإقليميّة التي كشف عنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، كردّ على أي تهديد لهوية القدس وعبث بمقدساتها، وبعدما أثبتت حرب الأيام العشرة فشل القبة الحديديّة في صدّ صواريخ المقاومة التي تهاوت على تل أبيب ومدن الكيان، وسحب خيار الحرب البريّة من التداول مع ظهور صواريخ الكورنيت في الأيام الأولى للمعركة، وظهرت عنتريات نتنياهو ورئيس الأركان افيف كوخافي خالية من أية قدرات حقيقية، وبدا أن هدف كل تصعيد وتهديد هو توريط واشنطن بحرب حماية للكيان يقرّرها حكامه.
مع نتنياهو فقد الكيان استقلاله وانتهى زمن ملوك “بني إسرائيل” ودخل الكيان عهد الانتداب الأميركي، وهذا ما قاله نتنياهو في ردّه على خطاب بينيت، مشيراً الى ان واشنطن ذاهبة للعودة للاتفاق النووي مع إيران وللضغط لوقف الاستيطان، وهما أمران لا تملك حكومة بينيت ليبيد التمرّد على واشنطن فيهما، لكن نتنياهو لم يقل إن فشله كان السبب، وإن المبالغة بمزاعم قدرة الكيان على لعب دور إقليميّ تباهى به نتنياهو، أدت الى خسارة هذا الدور كلياً، ودفعت بالكيان وراء الجدران وحوّلت حكوماته الى حكومات تصريف أعمال تهتم بشؤون المعيشة الداخلية وتخفيض سقوف التوتر، التي أعلن نتنياهو العزم على تصعيدها طلباً للعودة للحكم، خشيّة الزج به في السجن جراء ملاحقته بدعاوى فساد.
يوم غدٍ الثلاثاء سيكون أول امتحان داخلي للفريقين، الحكومة ونتنياهو، مع موعد مسيرة الأعلام الصهيونيّة في القدس، ودعوة لجنة المتابعة الوطنية في الأراضي المحتلة عام 48 للتعبئة الشاملة لمواجهة المسيرة ودعوتها لقوى المقاومة في غزة ولبنان للاستنفار تحسباً للمستجدات.
في لبنان المشهد الحكومي المعقد الى المزيد من التعقيد، بعد اجتماع دار الفتوى الذي رسم إطاراً مذهبيا لموقع رئاسة الحكومة وربط به أي تكليف وتأليف، وما أشيع عن نيات الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري الذهاب للاعتذار عن تأليف الحكومة، ثم تراجعه نزولاً عند رغبة رئيس مجلس النواب نبيه بري، بينما رأت مصادر سياسية في الاجتماع وما رافقه من حشد لخطباء الجمعة والمجلس الشرعي للطائفة رسالة للسعوديّة بمثل ما هي رسالة لرئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسيّ عنوانها، أن الحريري مرشح وحيد لرئاسة الحكومة، وجاء السجال بين رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، والمعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل ليزيد على التعقيد تعقيداً، ما استدعى من رئيس مجلس النواب تمديد المهل أملاً باستعادة مناخ التهدئة لاستئناف مساعيه.
على المستوى المالي تجاوز سعر صرف الدولار الـ 15000 ليرة، بينما بقيت المنصة التي أعلن عنها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حبراً على ورق، وفي ظل انفراجات مرتقبة في ملفات الكهرباء والمحروقات، تفاقمت أزمة فقدان الأدوية وحليب الأطفال من الصيدليات، بينما كان وزير الصحة حمد حسن الذي نجح بتنظيم مارتون التلقيح للمرة الثانية، قد نجح بمداهمات لمستودعات معدّات طبية أظهر معها التسعير المتضمن أرباحاً فاحشة للتجار، وإخفائهم البضائع في مستودعاتهم.
طُويت صفحة اعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري، بعدما روّجت أوساط مقربة للتيار الوطني الحر هذا الخبر مرفقة إياه بالترويج لاحتمال تكليف إحدى الشخصيات السنية الطرابلسية تأليف الحكومة، وفي المعلومات فإن رئيس مجلس النواب نبيه بري تمنى على الحريري عدم الاعتذار عن التأليف خاصة أنه مستمر في مبادرته التي يأمل أن تصل الى خواتيم سعيدة. وبحسب معلومات “البناء”، فإن الرئيس بري لن يقف مكتوفي الأيدي، ففي حال استجاب المعرقلون لمبادرته وجرى الاتفاق على تأليف حكومة برئاسة الحريري كان به وإن بقيت الأمور على ما هي عليه، فعندما سيضع رئيس المجلس الأمور عند نصابها خاصة وإن للصبر حدوداً. ولفتت المصادر الى ان التيار الوطني الحر وعلى عكس ما يصرّح رئيسه النائب جبران باسيل أنه جاهز للتعاون مع الرئيس الحريري، يتعاطى مواربة مع ملف التأليف ويواصل وضع العراقيل وطرح صيغ من شأنها أن تعطيه الثلث الضامن.
في المقابل، تؤكد اوساط التيار الوطني الحر لـ “البناء” ان النائب باسيل أعطى الرئيس المكلف الكثير من الفرص، مشيرة الى ان مواقف باسيل ورئيس الجمهورية في شأن التأليف تنطلق أولاً وأخيراً من ضرورة تطبيق الدستور وعدم تجاوزه واحترام الميثاقية والشراكة الوطنية التي للأسف يحاول الحريري مدعوماً من قوى سياسية تجاوزها والقفز فوقها وهذا ما لا يمكن السماح به.
أما على خط تيار المستقبل، فإن الأمور على حالها، وتشير إلى أن الرئيس المكلف لن يعتذر في الوقت الراهن لا سيما وأنه يحظى بغطاء سني واسع ومن ثنائي حزب الله وحركة أمل، لافتة إلى أن الحريري قدم كل ما لديه وأكثر وباتت الكرة في ملعب العهد الذي عليه أن يلاقي الرئيس الحريري ومبادرة الرئيس بري في منتصف الطريق بدل الاستمرار في سياسة المكابرة والتعديل التي تضرّ جميعاً. واعتبرت المصادر أن تيار المستقبل لن يقبل المسّ بصلاحيات رئيس الحكومة المكلف معتبرة أن محاولات البعض اللعب على وتر النعرات الطائفية لن تنفع، فالجميع على دراية أن العهد لن يحقق أي إنجاز يبنى عليه في حين أن الأزمات من كل حدب وصوب والبلد يكاد يصل إلى الفوضى وهو يواصل النكايات السياسية ولا يريد تسهيل تأليف الحكومة إلا مقابل تسوية جديدة توصل باسيل إلى رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس عون.
وفيما وصل إلى بيروت الوسيط الأميركي John De Rosher امس، ليستأنف المحادثات المتصلة بمفاوضات الترسيم البحرية مع المعنيين بالملف، نصح مساعد وزير الخارجية الأميركية السابق دايفيد شنكر لبنان أن يكون ليناً في ملف ترسيم الحدود. وأكد أن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل “يريد الثلث المعطل لطموحات رئاسية وتحديداً ليعزز حظوظه للانتخابات الرئاسية المقبلة”. وشدد شينكر أنه “يجب البدء بتشكيل حكومة في لبنان ويبدو أن لا نية لذلك، والبلاد اقتربت من الانهيار المحتم، والإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن أطلقت حملة عقوبات على الفساد لمكافحته، وآمل أن تفرضها على قادة فاسدين في لبنان”. واشار الى أن “لبنان بوضع اقتصادي حرج وترسيم الحدود سيغيب أرباحاً ضخمة، وعلى ما يبدو أن السياسيين لم يروا مصلحة لهم لذلك لا يتساهلون بالمفاوضات”.
ودعا البطريرك الماروني بشارة الراعي الدولة إلى التحرّك نحو الدول الشقيقةِ والصديقة وتتفاوض معها لمساعدةِ لبنان اليومَ قبل الغد. وقال: لقد حان الوقت لخروج الدولةِ من لعبةِ المحاورِ الإقليميّة، وتعيدَ النظرَ بخِياراتها التي أثبتَت التطوّراتُ أنّها لا تَصبُّ في مصلحةِ البلادِ والاستقلالِ والاستقرارِ والوِحدةِ والازدهار، وأنّها قَضَت على عَلاقاتِ لبنانَ العربيّةِ والدوليّة. لقد ضَربت هذه الجماعةُ السياسيّةُ سُمعةَ لبنان الدوليّة، فيما كان اسمُ لبنانَ رمزَ الإبداعِ والنهضةِ والازدهارِ في بلاد العربِ والعالم.
وأضاف هناكَ من يَمنعون تنفيذَ الحلولِ كما يمنعون تأليفَ الحكومة. هناك مَن يريدُ أن يُقفلَ البلاد ويَتسلَّمَ مفاتيحَه. هذه رهاناتٌ خاطئة، معتبراً أن لبنان يحتاج إلى قيادةٍ حكيمةٍ وشجاعةٍ ووطنيّة تُحبُّ شعبَها. وإذا لم تتوفّر هذه القيادة، فمسؤوليّةُ الشعبِ أن يَنتظمَ في حركةٍ اعتراضيّةٍ سلميّةٍ لإحداثِ التغييرِ المطلوب، ولاستعادةِ هوّيةِ لبنان وحياده الناشط ومكانه في منظومةِ الأمم، وصداقاته، والدورةِ الاقتصاديّةِ والحضاريّةِ العالمية، ودوره في الإبداع والسلام”.
الى ذلك يبدأ اليوم توزيع المحروقات على كل المحطات بالتزامن مع اجتماع سيعقده موزّعو المحروقات اليوم للبحث في الحلول المطروحة لأزمة المحروقات.
وقال ممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا إلى أنه: “على الدولة أن تحسم أمرها برفع الدعم أو ترشيده”، معتبراً أنهم “لم يعد باستطاعتهم كأصحاب محطات وموزعين تحمل هذه الأزمة أكثر من ذلك”. وكان عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس تمنى أن يكون توزيع مادة البنزين اليوم الاثنين من قبل الشركات المستوردة الى السوق المحلي بكميات كافية لتباشر بتخفيف الطوابير امام المحطات للتوصل الى الانتهاء منها. ولكن يبقى المطلب الرئيسي ان تصل هذه الكميات فعلاً الى المحطات، لان البنزين لن يصل الى المواطن إلا من خلال المحطات. وطلب تأمين وصول هذه المادة الى محطات الأطراف وخاصة في الجنوب وعكار والبقاع المحرومين منها بالتوازي مع إجراءات صارمة للتأكد من وصول هذه الكميات الى خزانات المحطات وإلا لن نصل الى حل لهذه الأزمة.