بآداء أقل ما يقال فيه أنه غير مسؤول ولا ينم عن حد أدنى من الانسانية في وقت يتخبط اللبنانيون بمئات الأزمات التي يضطرون لمواجهتها يوميا بغياب اي مقومات للصمود، يواصل رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري اللعب على أعصاب الناس من خلال تسريب معلومات مفادها حينا انه قرر الاعتذار وحينا آخر انه تراجع عنه. في الساعات القليلة الماضية ألهى اللبنانيين بزيارة قيل أنه سيقوم بها الى قصر بعبدا ليقدم لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون تشكيلة حكومية جديدة من 24 وزيرا، بدا محسوما انها لن تمر طالما أن التواصل مقطوع بينه وبين بعبدا منذ أشهر وطالما الرئيس عون لم يعطه اسمي الوزيرين المسيحيين اللذين يصر على تسميتهما. أصلا لا يبذل الحريري أي جهد لوضع تشكيلة ترضي عون وكل ما يفعله يقتصر على وضع حبكة جيدة تتيح له مخرج مشرف، على غرار القول انه قدم تشكيلة جديدة لعون لكنه رفضها ما يجعل الاخير يتحمل كل مسؤوليات التعطيل والخراب والانهيار امام المجتمعين المحلي والدولي. وقد استبق عون الحركة الحريرية بتغريدة صباحية يوم امس داعيا من يريد انتقاد رئيس الجمهورية حول صلاحيته في تأليف الحكومة لـ”قراءة الفقرة الرابعة من المادة 53 من الدستور جيدا”.
وبدل ان تكون القوى السياسية مستنفرة ليل نهار لمحاولة التخفيف من “مصائب” اللبنانيين تراها تستمر بتقاذف المسؤوليات متسلحة بدستور وبمواد قانونية لم تعد تعني شيئا للمواطنين الذي باتوا يقضون أيامهم في رحلة البحث عن بنزين ودواء، وعندما يعودون الى منازلهم لا يجدون ماء او كهرباء لتكتمل كل عناصر الجحيم الذي وعدوا به ووصلوا اليه أسرع مما توقعوا!
ساعات حاسمة حكوميا
وبالعودة الى الملف الحكومي، بات محسوما أن الحريري قرر الاعتذار لكنه يعمل على اخراج يجعله اولا في نظر الشارع السني يحقق مكاسب يتوق اليها قبل اشهر من الاستحقاق النيابي وثانيا يؤمن له عودة الى السراي في مرحلة لاحقة خاصة في ظل ما يتردد عن ان مستقبله السياسي مهدد تماما وان تخليه اليوم عن ورقة التكليف يعني فقدانه أي امتياز للعودة الى رئاسة الحكومة.
وبحسب مصادر قريبة من الرئيس عون، فانه “كان ينتظر أمس اتصالا من الحريري يحدد فيه موعدا لزيارته في قصر بعبدا خلال ساعات النهار، لكن الرئيس المكلف اتصل عند حدود الساعة العاشرة صباحا وطلب تأجيل الموعد حتى يوم الاربعاء متحدثا عن طارىء حتّم عليه ذلك”. وأشارت المصادر لـ”الديار” الى أن الرئيسين “اتفقا على اللقاء اليوم من دون ان يتضح ما اذا كان اللقاء سيحصل قبل زيارة الحريري المرتقبة الى مصر أو بعدها”، لافتة الى ان لا معلومات أيضا عما سيحمله الرئيس الرئيس المكلف، لجهة ما اذا كان سيقدم لرئيس الجمهورية تشكيلة جديدة من 24 وزيرا أم سيقدم اعتذاره”.
من جهتها، قالت مصادر مطلعة على الحراك الحاصل لـ”الديار” أن “الحريري يتخبط ويتعرض لضغوط شتى سواء داخليا من رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي لا يريد اعتذار الحريري ويتعاطى معه كصفعة كبيرة له، او خارجيا من قبل بعض الاطراف الدوليين الذين يتخوفون من انفلات الامور تماما في ظل عدم اتضاح الرؤية وعدم الاتفاق على بديل يخلفه”.
التدويل وهم؟
بالمقابل، يعول حزب الله على ما يبدو على الاقتراب من احياء الاتفاق النووي الايراني، ولعل ذلك ما دفع رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد مؤخرا للقول “أصبحنا على مشارف نهاية الأزمة”. اذ أعلن المتحدث بإسم الحكومة الإيرانية، علي ربيعي أمس، “أصبحنا على أعتاب إحياء الإتفاق النووي، وسنتمكن عندها من الإستفادة من مزاياه”. وأشار إلى أن “المفاوضات مع واشنطن تتواصل بشأن تبادل السجناء، ومستعدون لتبادلهم جميعاً”.
في هذا الوقت، وبما يبدو انها مساع دولية لممارسة أقصى الضغوط قبل احياء الاتفاق النووي الايراني من جديد، واصل الثلاثي واشنطن- باريس – الرياض تصعيده بوجه الطبقة الحاكمة. ولفت ما قاله وزير التجارة الفرنسية فرانك ريستر، خلال جولة تفقدية له في مرفأ بيروت عن انه “لا يمكن الإستمرار هكذا في لبنان، وستصدر عقوبات بحق المسؤولين الذين يعرقلون تشكيل الحكومة، ورسالتنا اليوم هي لتأكيد دعمنا للبنانيين، ولتذكير المسؤولين بالوعود التي أطلقوها”.
وعلقت مصادر مطلعة على جو حزب الله عما يطرح من تدويل للأزمة اللبنانية قائلة لـ”الديار”:”واهم من يعتقد بأن أجندات مماثلة تجد أرضا خصبة في لبنان…ما لم ينجحوا بفرضه في سوريا بعد سنوات من القتل والتدمير لن ينجحوا لا شك بفرضه اليوم في لبنان..هل يتجرأون أصلا على ارسال جندي واحد الى لبنان لفرض التدويل وجعله أمر واقعا؟!”.
وفي دخول روسي حاد على خط الحديث عن تدويل الأزمة، شددت وزارة الخارجية الروسية أمس على ان التدخل الخارجي بالشؤون اللبنانية غير مقبول ويأتي بنتائج عكسية. وردت على الاتحاد الأوروبي، مؤكدة ان “التهديد باستخدام عقوبات يقوّض مبادئ وحدة لبنان”.
وخلال استقباله ريستير، أبلغ عون الوزير الفرنسي ان “لبنان يتابع بامتنان الجهود التي يبذلها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لمساعدته على الخروج من ازمته الراهنة، والتي تؤكد اهتمامه الدائم به على مختلف الصعد السياسية والانسانية والمعيشية”. وقال ان “اللبنانيين يقدرون لفرنسا المساعدات التي تقدمها لهم كما يحفظون للرئيس ماكرون مبادراته في المؤتمرات التي عقدت وسوف تعقد من اجل دعم لبنان، ومنها المؤتمر المقرر بداية الشهر المقبل والمخصص لمساعدة الشعب اللبناني”. وعرض عون للوزير الفرنسي الوضع السياسي الراهن والصعوبات التي واجهت وتواجه تشكيل الحكومة الجديدة، مؤكدا “الحاجة الى حكومة قادرة، من اولى مهماتها اجراء الاصلاحات الضرورية وإزالة العراقيل من امام تحقيقها، لأنها اساس في اعادة نهضة البلاد في مختلف المجالات وكشف الحقائق التي ادت الى الازمة التي وقع بها لبنان وتحديد المسؤوليات”.
الانتخابات في موعدها!
وتتجه أنظار المجتمع الدولي الذي لا يمتلك اي آلية لفرض التدويل او غيره من الاجندات على اللبنانيين وفق الواقع الحالي وموازين القوى الحالية، الى الاستحقاق النيابي المقبل الذي يدفع لحصوله في موعده ويبذل مساع حثيثة لتقوية قوى المعارضة والمجتمع المدني كي تحدث التغيير الذي يطمح اليه. وفي اطار الحركة التي بدأت باكرا استعداد للاستحقاق، جالت الرئيسة السابقة لبعثة الإتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات ايلينا فالنسيانو على عدد من المسؤولين وابرزهم عون والحريري.
وأبلغ عون فالنسيانو أن الانتخابات النيابية ستجرى في موعدها في ربيع 2022، وان لبنان يرحّب بوجود مراقبين اوروبيين لمتابعتها كما حصل في العام 2018. ولفت رئيس الجمهورية الى ان الجهد سينصب هذه المرة على منع استغلال الاوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعاني منها المواطنون للتأثير على حرية الناخب وخياراته، الامر الذي يفرض تعزيز الاشراف على تمويل الحملات الانتخابية، فضلاً عن تعزيز صلاحيات هيئة الاشراف على الانتخابات في مجالي الرقابة والمعاقبة. وشدد على دعمه للاصلاحات التي من شأنها تحسين مستوى التمثيل الديموقراطي في لبنان، وتعزيز حضور المرأة في الانتخابات، لافتاً الى ان النظام النسبي الذي اعتمد خلال انتخابات 2018 أمّن تمثيلاً أفضل لكافة الفئات والتيارات في لبنان. وأعرب الرئيس عون عن امله في ان تكون جائحة كورونا قد تراجع تأثيرها مع موعد الانتخابات النيابية المقبلة في 2022، وإلا فإن معايير التباعد الاجتماعي ستعتمد لتأمين الظروف الصحية الملائمة. من جهتها، اعتبرت فالنسيانو أنه “من المشجع أن نسمع من رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة بأن الانتخابات ستجري في مواعيدها عام 2022″، مشددة على وجوب “احترام حق الانتخاب”.
وقالت مصادر مواكبة للحراك الدولي الضاغط لاجراء الانتخابات في موعدها ان ما تخشاه هو “افتعال المنظومة الحاكمة أحداثا أمنية كبيرة تجعل التأجيل أمرا واقعا”، لافتة في تصريح لـ”الديار” الى ان “كل المعطيات والأرقام والاحصاءات تؤكد أن لا مصلحة لدى معظم قوى السلطة ان تختبر شعبيتها بعد انتفاضة 2019 والانهيارات المتواصلة على الصعد كافة، ما سيدفعها للعب كل اوراقها للمحافظة على مواقعها وعدد نوابها الحالي خاصة واننا سنكون على موعد مع استحقاق انتخابات الرئاسة 2022”.
رفع الدعم كليا!
هذا بالسياسة، اما على أرض الواقع تواصلت مآسي اللبنانيين خاصة بعد نفاد مادة المازوت في كثير من المناطق ما اضطر أصحاب المولدات لاطفاء محركاتها. وأعلن عدد من أصحاب المولدات في مدينة صيدا اطفاء المولدات حتى إشعار آخر، بسبب نفاد مادة المازوت. وعلى الأثر، أعلنت المديرية العامة للنفط، في بيان، انه “تم فتح وتعزيز اعتماد الباخرة المحملة بكمية 30 الف طن من مادة المازوت الراسية في طرابلس، لتبدأ عصرا تفريغ نصف حمولتها في منشآت النفط في طرابلس، على أن تستكمل يوم الخميس تفريغ النصف الباقي في منشآت الزهراني، وعمليا سيعاد تسليم السوق المحلي يوم الخميس والجمعة بالمداورة بين المنشأتين في طرابلس والزهراني”.
وبما يؤشر لتوجه لرفع الدعم كليا خلال شهر، وفق ما أفادت معلومات “الديار”، وقّع وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني، كتاباً وأرسله إلى رئاسة مجلس الوزراء، للحصول على موافقة لزيادة بدل النقل الذي يعطى للعاملين في القطاع العام ليصبح 24 ألف ليرة لبنانية بدلاً من 8 آلاف ليرة. وعلقت مصادر مالية على هذا الاجراء قائلة لـ”الديار”:”لا يفرحنّ اللبنانيون والموظفون بهذا الاجراء كثيرا لأنه حل ترقيعي يعني عمليا مزيدا من التضخم وانهيار بسعر الصرف وتحليق بأسعار السلع..بدل التلهي بقرارات مماثلة لاسكات الناس فلينصرفوا الى حلول بعيدة الامد كفيلة بحل اساس المشكلة وليس مخلفاتها”.
في هذا الوقت كشفت مصادر وزارة الطاقة لـ”المركزية” عن بحث جدي في طرح يقضي بتوزيع قسائم على المواطنين تؤمّن لهم صفيحة بنزين اسبوعيا وفق السعر المدعوم، على ان يدفعوا أي حاجة اضافية على السعر غير المدعوم، كون دعم مصرف لبنان من الصعب ان يستمر الى ايلول. وتوقّعت المصادر ان يصبح الاقتراح نافذا بحلول نهاية شهر تموز الجاري وهو معتمد في سوريا منذ مدّة.
مواجهات امام منزل فهمي
قضائيا، أحال المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار الى المحامي العام التمييزي غسان خوري المستندات والبراهين المتعلقة بالمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم وذلك بناء على طلب النيابة العامة التمييزية من اجل البت بطلب اذن ملاحقته بعد رفض وزير الداخلية محمد فهمي استدعاءه. وقد استدعى ذلك مواجهات عنيفة بين أهالي ضحايا المرفأ وعناصر الأمن المولجين حماية منزل فهمي أدت لسقوط جرحى في صفوف الطرفين خاصة بعد استخدام القوى الامنية قنابل مسيلة للدموع بعد محاولة الاهالي اقتحام المبنى.
وكان فهمي التقى صباحا مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، في دار الفتوى حيث طمأن اللبنانيين “أن الوضع الأمني متماسك وممسوك، وهناك جهوزية تامة لضباط وعناصر القوى الأمنية اللبنانية رغم الظروف الصعبة التي يمرون بها لمعالجة أي خلل قد يحصل في أي منطقة لبنانية”، مؤكدا “التعاون والتنسيق والتفاهم بين كل القوى العسكرية في المتابعة والاستنفار لتفادي ما يعكر صفو الأمن في البلاد”.
وجدد فهمي تأكيده انه “تحت سقف القانون الذي هو الحكم في أي أمر”، معتبرا ان “تجاوز القانون لا يخدم العدالة، وكل ما يقال عكس ذلك هو افتراء ولا يؤثر علي ولا على قناعاتي ومبادئي الوطنية”، مشددا على أن “قضية التحقيق في انفجار بيروت تعني جميع اللبنانيين”، مبديا تعاطفه وتعاونه مع أهالي شهداء انفجار مرفأ بيروت “ضمن ما تنص عليه القوانين المرعية الإجراء في دولة المؤسسات التي تحترم وتطبق القانون الذي يحفظ حقوق جميع اللبنانيين”.