عاد الملفّ الحكومي ليتصدّر الاهتمامات السياسية مجدداً وسط حراك دولي غير مسبوق يؤشر إلى مساعٍ جدّية ومكثفة تُبذل على هذا المستوى. ومعلوم انّ المجتمع الدولي لا يتحرك لأهداف فولكلورية أو لمجرّد إعطاء الانطباع بأنّه يتحرّك، وبالتالي هذا الزخم الدولي الذي انطلق بقوة، لا بدّ من انّ يحقِّق الاختراق الحكومي المطلوب، خصوصاً مع انتقال الاتحاد الأوروبي من التهويل بالعقوبات، إلى التوافق بالإجماع، في خطوة نادرة، على فرض هذه العقوبات وإعلانها قبل نهاية الشهر الحالي.
قالت مصادر مطلعة لـ»الجمهورية»، انّه لا يمكن التعامل مع الدينامية الدولية بخفة سياسية، كما انّ الانتقال من مرحلة التهويل بالعقوبات إلى الترجمة العملية ستفرض إيقاعها على أرض الواقع، لأنّ خطوة من هذا النوع تشكّل رادعاً للقوى المعنية بالتأليف التي كانت تراهن على استحالة الإجماع الأوروبي على العقوبات، وبالتالي بعد هذا الإعلان لن يكون كما قبله، وسيؤدي إلى تسريع مسار التأليف. وأما الأسباب الكامنة وراء القرار الأوروبي فتكمن في الآتي:
ـ أولاً، لأسباب معنوية لها علاقة بصورة الاتحاد الأوروبي عموماً، وفرنسا خصوصاً، حيث انّ عدم صدور العقوبات يعني مواصلة التعاطي بخفّة مع الاتحاد، الأمر الذي استدعى توحيد الموقف من أجل إفهام من يجب إفهامهم بأنّ أوروبا تهدِّد وتنفِّذ.
ـ ثانياً، لأسباب لها علاقة بالبابا فرنسيس ولقاء الفاتيكان، ووضعه القضية اللبنانية في صدارة اهتماماته ومتابعاته، والاتحاد الأوروبي يريد ان يكون في حالة تناغم مع الفاتيكان وتلبية رغبته في تأليف حكومة وإبعاد مخاطر الانفجار المجتمعي عن لبنان.
ـ ثالثاً، لأسباب لها علاقة بالذكرى السنوية الأولى لتفجير المرفأ في 4 آب المقبل، والتي هزّت وجدان العالم، وبالتالي الاتحاد الاوروبي لا يريد إمرار هذه الذكرى من دون توجيه رسالة قاسية إلى أصحاب الشأن الذين يتخلّون عن مسؤولياتهم، تاركين الشعب اللبناني يموت جوعاً حفاظاً على مصالحهم السلطوية.
فخطوة العقوبات التي غالباً ما تفضِّل الشخصيات السياسية تجنبّها تفادياً للإحراج أمام الرأي العام اللبناني والدولي، ستفعل فعلها بتليين المواقف السياسية من جهة، وتسريع الخطوات الحكومية من جهة أخرى، ما يعني انّ الأيام المقبلة قد تحمل معها أكثر من تطور على هذا المستوى.
القرار المرّ
في هذه الاثناء، قال مصدر رفيع متابع لملف الاستحقاق الحكومي لـ»الجمهورية»، انّ العدّ العكسي لاتخاذ القرار المرّ قد بدأ، وانّ الرئيس المكلّف سعد الحريري بات على مسافة ساعات من اعلان موقفه في موضوع التأليف، والمرجح ان يكون الاعتذار. وبحسب هذا المصدر، فإنّ اللغط الذي حصل حول لقاء للحريري مع رئيس الجمهورية ميشال عون أمس، لا علاقة له بزيارة مصر التي لن تتدخّل بقرار الرئيس المكلّف، كما لن تدفعه الى اتخاذ قرار ما.
وحسب الرواية التي حصلت عليها «الجمهورية»، فإنّ حكاية الموعد بين عون والحريري بدأت مع تواصل حصل ليل الاثنين بين القصر الجمهوري و»بيت الوسط» لتحديد موعد للرئيس المكلّف مع رئيس الجمهورية، وكان الجواب انّ عون لديه مواعيد، على ان يتمّ صباحاً تحديد موعد اللقاء بعد اتفاق مبدئي على أن يكون ظهراً. وعندما تأخّرت دوائر قصر بعبدا صباح امس في تثبيت الموعد نهائياً، كان الحريري قد ارتبط بجدول مواعيد له، وخصوصاً مع الموفد الفرنسي باتريك دوريل فتعذّر اللقاء، بعدها اتصل الحريري بعون وأبلغه انّ هناك موعداً له مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي صباح اليوم الاربعاء، وأنّه سيتوجّه مساء الى القاهرة وفور عودته سيزور قصر بعبدا. وعليه، تمّ الاتفاق على تحديد موعد عند الساعة الرابعة بعد ظهر اليوم. وكشف المصدر، انّ الحريري سيقدّم لعون تشكيلة وزارية تحت مسمّى «آخر محاولة»، تتضمن بعض التعديلات في ما يتعلق بتوزيعة الطوائف على الحقائب، كوزارة الداخلية مثلاً التي اعادها الى الطائفة السنّية، في اعتبار انّ زمن التنازلات عنده قد ولّى، وفي حال لم يقبل عون بهذه التشكيلة، وهذا هو المتوقع، فإنّ الحريري سيذهب الى الاعتذار على ان يعلن موقفه غداً الخميس.
وقال المصدر، انّ العيون يجب ان تتجّه الآن الى مرحلة ما بعد الاعتذار، لجهة الاتفاق على رئيس حكومة جديد والاستشارات النيابية الملزمة، وماذا ستكون عليه الحكومة العتيدة، هل تكون حكومة انتقالية ام حكومة انتخابات؟ وهناك بعض الافكار التي اصبحت قيد التداول في هذا الشأن، ولكن في حينه يُبنى على الشيء مقتضاه.
إلى ذلك، رجحت مصادر سياسية مطلعة أن ينتهي حراك الرئيس سعد الحريري الخارجي والداخلي الى الإعلان عن إعتذاره، مشيرة الى أن التشكيلة التي سيقدّمها الى عون ستندرج في إطار الإخراج الذي يُمهّد للإعتذار.
وأشارت المصادر لـ»الجمهورية» إلى أن المساعي مستمرة لإقناع الحريري بأن يُغطي مَن سيخلفه في التكليف، موضحة أن الإسم البديل يجب أن يحظى بتوافق داخلي وآخر خارجي من قبل واشنطن والرياض وطهران وباريس حتى تكون هناك فرصة لنجاحه
ولفتت المصادر إلى أنه اذا كان الحريري سيمتنع عن تسمية أو دعم الإسم البديل، فالمطلوب منه على الأقل أن لا يواجهه أو يعرقله.
وضمن سياق متصل، نُقل عن مرجع سياسي كبير قوله إنه كان يأمل في أن يكون متفائلاً، لكن الحقيقة المرّة هي أن الوضع لا يزال صعباً على كل الصعد.
الحريري الى القاهرة
وفي هذه الأجواء، وفي ظلّ الغموض الذي ما زال يكتنف مختلف المبادرات المطروحة، سواء على مستوى مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري او التحرّك الثلاثي الجديد الاميركي – الفرنسي – السعودي وما بينهما، توجّه الحريري ليل امس الى القاهرة لعقد لقاء صباحي مع السيسي، هو الثاني بينهما في خلال الايام العشرة الاخيرة، بعدما تمّ تقديم الموعد الذي كان محدّداً غداً الخميس الى اليوم. وقالت مصادر «بيت الوسط» لـ «الجمهورية»، انّ الحريري يلبّي دعوة السيسي في هذه الزيارة إثر اتفاق تمّ بينهما عليه، في لقائهما الأول، في ما استجد ما يستدعي إنعقاده وهو ما حصل.
وعشية اللقاء بين عون والحريري، قالت مصادر مطلعة على اجواء قصر بعبدا لـ «الجمهورية»، انّه ليس لدى رئيس الجمهورية اي معلومات عمّا سيكون عليه مضمون زيارة الرئيس المكلّف، وانّ دوائر القصر تتداول كما بقية اللبنانيين السيناريوهات المتوقعة، ولم تتبلّغ ان كان الحريري سيسلّمه تشكيلة وزارية ما، أم انّ لديه بعض الأسماء التي يمكن التشاور في شأنها، او انّ كان تتمة للقاءات سابقة توقف عندها الحوار حول بعض الأسماء التي لم يتمّ التفاهم عليها بين الرجلين، وعمّا إذا كان الحريري سيعتذر عن التأليف. وأضافت هذه المصادر، «انّ القرار قراره، وانّ رئيس الجمهورية يتوقع ان يترجم الرئيس المكلّف المهمّة التي كُلّف بها، وأنّه ينتظره بفارغ الصبر».
بعبدا تذكّر بالمادة 53
وقبل ساعات على الاعلان عن الغاء موعد الحريري الذي لم يكن احد على علم به، وخصوصاً عندما قالت مصادر بعبدا ان ليس هناك اي موعد له على لائحة مواعيد رئيس الجمهورية امس الثلثاء، شدَّد عون في تغريدة له عبر «تويتر» على أنّ «من يريد انتقاد رئيس الجمهورية حول صلاحيته في تأليف الحكومة فليقرأ جيداً الفقرة الرابعة من المادة 53 من الدستور».
موسكو تنتقد الثلاثي
وفي موقف روسي انتقد ما سمّاه «التدخّل الخارجي في الشؤون اللبنانية الداخلية» في إشارة غير مباشرة الى حراك الثلاثي الاميركي ـ الفرنسي ـ السعودي، اصدرت الخارجية الروسية بياناً قالت فيه: «في 13 تموز (أمس) وبناء لاتفاق مسبق، جرى اتصال هاتفي بين الممثل الخاص لرئيس روسيا الاتحادية في الشرق الأوسط وبلدان إفريقيا نائب وزير الخارجية الروسي السيد ميخائيل بوغدانوف ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وأثناء الحديث تمّ بحث في مجموعة مواضيع مرتبطة بتطور الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية في لبنان، مع التركيز على مشكلة تشكيل حكومة مهمّة قادرة، على قاعدة القرار المُتخذ بناءً للاستشارات النيابية الملزمة وقرار رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون بتعيين رئيس الحكومة سعد الحريري. ومن الطرف الروسي تمّ التأكيد على دعم الجهود التي تقوم بها القوى السياسية والطائفية الاساسية اللبنانية، في هدف الوصول الى توافق على حلّ المشكلات الوطنية المطروحة حالياً، بما فيها ضرورة إيجاد حل في أزمة تشكيل الحكومة. ومن هنا اكّد بوغدانوف انّه غير مقبول، ويأتي بنتائج عكسية التدخّل الخارجي بالشؤون الداخلية اللبنانية وخصوصاً التصريحات من بعض العواصم الغربية، والتهديد بفرض عقوبات، يضرّ بمبدأ وحدة الأراضي وسيادة الدولة اللبنانية».
بلغة «التيار»
وفي الاطار عينه لوحظ انّ وسائل إعلام «التيار الوطني الحر» لم تتبنّ صيغة البيان الروسي بنصّه الحرفي. وفيما تجاهلت الحديث عن مهمة الحريري ودوره مكلفاً من مجلس النواب تشكيل الحكومة، اعتمدت نصاً آخر قالت فيه انّ بوغدانوف وباسيل شددا خلال الاتصال على «الضرورة القصوى للإسراع في تشكيل حكومة قادرة على الاصلاح وعلى وقف الانهيار».
ونقل البيان عن بوغدانوف «تأكيده انّ موقف روسيا هو ثابت بعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول، وحرصها على الاستقرار في لبنان وأهمية تحسين الأوضاع الاقتصادية والمالية فيه».
دوريل في «بيت الوسط»
وقبل ان تنتهي زيارة الوزير المفوض التجارة الخارجية والاستقطاب الفرنسي فرانك ريستر لبيروت، وعلى وقع تأكيداته خلال زيارته التفقدية مرفأ بيروت، فرض الاتحاد الأوروبي العقوبات على معرقلي حل الازمة اللبنانية، وإشارته الواضحة «أنّ المساعدات لا تزال مشروطة بإطلاق إصلاحات ذات صدقية». وصل الى بيروت الموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل وبدأ جولته على المسؤولين بزيارة الحريري قبل ان يزور باسيل حيث عرضَ كل منهما آخر المستجدات السياسية والأوضاع العامة في لبنان، ولا سيما منها ملف تشكيل الحكومة. ومن المقرر ان يزور دوريل عون اليوم للغاية عينها قبل ان يجول على بري وعدد من المسؤولين ومن بينهم قائد الجيش العماد جوزف عون، إضافة الى ممثلين للقوى التغييرية في لبنان.
عون وريستر
وكان عون قد أكد لريستير انّ «لبنان يتابع بامتنان الجهود التي يبذلها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لمساعدته على الخروج من أزمته الراهنة، والتي تؤكد اهتمامه الدائم به على مختلف الصعد السياسية والانسانية والمعيشية». وأكد «الحاجة الى حكومة قادرة، من اولى مهماتها إجراء الاصلاحات الضرورية وإزالة العراقيل من امام تحقيقها، لأنها أساس في اعادة نهضة البلاد في مختلف المجالات وكشف الحقائق التي أدت الى الازمة التي وقع فيها لبنان وتحديد المسؤوليات». واعتبر انّ «التدقيق المالي الجنائي في الحسابات المالية لمصرف لبنان يعتبر محطة اساسية في مسار الاصلاحات، لا سيما انّ هذا التدقيق كان من المطالب الاولى التي أبداها صندوق النقد الدولي، كما انّ المبادرة الفرنسية تضمّنت في اول بند منها إجراء تدقيق مالي في هذه الحسابات، وهذه المبادرة التي اعلنها الرئيس ماكرون في 1 ايلول الماضي في قصر الصنوبر، تلقى كل الدعم والتأييد».
من جهته، قال ريستر في المرفأ: «فرنسا تؤكد وقوفها الدائم الى جانب لبنان، ونحن ساعدنا الضحايا وعائلاتهم، وقدمت 85 مليون يورو أعطيت للبنان في العام 2020 كمساعدات في مختلف القطاعات، فضلاً عن عمليات ميدانية وأموال خصّصت فقط لترميم مرفأ بيروت». وأعلن «أننا نعمل في الأطر اللوجستية ونقوم بالدراسات اللازمة لتأمين عودة الحياة إلى مرفأ بيروت في أسرع وقت ممكن، ولا نزال عند وعودنا، وفرنسا تحترم التزاماتها على عكس السلطة اللبنانية التي لم تلتزم الإصلاحات». وقال: «لا يمكن الاستمرار هكذا في لبنان، وستصدر عقوبات بحق المسؤولين الذين يعرقلون تشكيل الحكومة، ورسالتنا اليوم هي لتأكيد دعمنا للبنانيين، ولتذكير المسؤولين بالوعود التي أطلقوها».
تدوير الحبوب
من جهة أخرى تعتزم شركة فرنسية خاصة إعادة تدوير أطنان من الحبوب المتروكة في إهراءات مرفأ بيروت منذ انفجار 4 آب الذي تسبّب بتصدّع أجزاء من الصوامع، بهدف تحويلها الى سماد زراعي.
وبعد حصولها على تمويل من الحكومة الفرنسية بقيمة 1,3 مليون يورو، ستبدأ شركة «ريسيغروب» عملية إعادة التدوير خلال أسبوع بالتعاون مع شركة «مونديس» اللبنانية.
وقال المؤسس المشارك للشركة الفرنسية كريستوف دوبوف لوكالة «فرانس برس» من المرفأ: «نتوقع أن نجد كمية حبوب تتراوح بين 20 ألفاً و30 ألف طن، ونعتقد أنّ في إمكاننا معالجتها خلال ثلاثة أشهر إلى أربعة «. واضاف انّ نصف كمية الحبوب الموجودة، والتي اختلطت مع الركام والمعادن، ستخضع لفرز عبر غربال صناعي وُضع قرب الاهراءات، في عملية تهدف الى إيجاد «حياة ثانية» لها.
وتعتزم الشركة، وفق دوبوف، تحويل الحبوب الى «سماد يمكن استخدامه مجدداً في الزراعة»، كتربة او تستخدم كأرضية يمكن السير عليها في الحدائق أو كمواد عازلة.
نعوش وصور
وكان أهالي ضحايا انفجار المرفأ قد انطلقوا مساء أمس في مسيرة راجلة إلى منزل وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي، حاملين النعوش البيضاء وصور الضحايا. حيث رموا هذه النعوش أمامه وحمّلوه مسؤولية عرقلة التحقيقات، وطالبوه برفع الحصانات خصوصاً عن المسؤولين الامنيين، فيما تجمّع قسم من الأهالي أمام مسجد قرب المجلس النيابي.
وقد حصل تضارب بين الاهالي وبعض عناصر قوى الامن، سقط فيه عدد من الجرحى من الطرفين. وأعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، في بيان، انه «أثناء قيام عدد من اهالي شهداء المرفأ بالاعتصام امام المبنى الذي يقطن فيه وزير الداخلية والبلديات العميد محمد فهمي، حضرت مجموعات اخرى الى المكان وقامت بتكسير مداخل المبنى والاعتداء المُفرط على عناصر قوى الامن الداخلي، وبعد وقوع اصابات وجروح مختلفة متعددة في صفوف العناصر، أعطيت الاوامر بإخراجهم من المكان».
كورونا
صحياً، أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي أمس حول مستجدات فيروس كورونا تسجيل 494 إصابة جديدة (459 محلية و35 وافدة) ليرتفع العدد الإجمالي للإصابات الى 548455. كذلك سجّلت الوزارة حالتي وفاة جديدة، ليصبح العدد الإجمالي للوفيات 7879.