تريثت دول مجلس التعاون الخليجي عبر الاجتماع التشاوري الدوري لوزراء الخارجية العرب امس في الكويت في الرد او اتخاذ موقف موحد وجامع وفوري من الرد اللبناني على الورقة الكويتية التي تبلغها لبنان من وزير الخارجية الكويتي باسم المجموعة الخليجية والعربية والدولية. وبدا هذا التريث حمّال أوجه لجهة الحذر الذي لا بد من اخذه في الاعتبار قبل اطلاق التقديرات المرتبطة بدرس الرد اللبناني قبل تحديد الخطوة اللاحقة كما اعلن وزير الخارجية الكويتي احمد ناصر المحمد الصباح في ختام الاجتماع الوزاري العربي في الكويت . فمع ان الوزير الصباح شكر للبنان “تفاعله” مع المذكرة التي نقلها اليه معلناً ان الدول الخليجية تدرس الرد اللبناني، فان ذلك لم يكف وحده للبناء عليه كمؤشر إيجابي محتمل للرد الخليجي. بل ان التريث قد يكون نتيجة وساطة كويتية لتمديد الأخذ والرد في ظل ما اعتبر تطوراً إيجابياً مبدئياً ان يبدأ لبنان يستشعر ثقل التداعيات والاكلاف التي ستترتب عليه في حال لم يتفاعل مع الإرادة العربية والخليجية والدولية التي تختصرها بنود المذكرة التي تلقاها . كما ان ثمة اوساطا لم تستبعد ان يكون التريث لرصد مفاعيل الانعكاسات الداخلية التي احدثتها المذكرة وتحديداً اذا كان “حزب الله” الذي حال نفوذه الساحق على السلطة دون تمكنها من التعهد باي تحرك مؤثر حيال تنفيذ القرار 1559 سيقابل هذه الثغرة الكبيرة في الرد اللبناني على المذكرة بتهدئة او مهادنة او تخفيف من وطأة هجماته على الدول الخليجية ليمكّن لبنان الرسمي من المضي قدما في التواصل والحوار مع الدول الخليجية ولو على أساس اختبار صدقية السلطة الحد الأدنى في اتجاهها للتنسيق الدائم مع الدول الخليجية لاحتواء الازمة المتصاعدة . ولكن بدا من المعطيات المتوافرة ان الدول الخليجية رفضت طرح لبنان تأليف لجنة مشتركة مع هذه الدول للبحث في ملف “حزب الله”. واما رصد موقف الحزب من المذكرة، فكان يفترض ان يتبلور في المقابلة التلفزيونية التي كانت مقررة مساء اليوم مع الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله ولكن قناة “العالم” أعلنت مساء امس ارجاء المقابلة من دون اتضاح السبب.
وثمة معلومات أن دول الخليج لن تتخذ إجراءات عقابية جديدة تجاه لبنان، وإن كانت بمعظمها ترفض صيغة الرد اللبناني وتعتبره ناقصاً وقاصراً. إلا أن الموقف الخليجي في حال جاء سلبيا بعد دراسة الرد اللبناني ستكون له تداعيات لناحية رفض دول مجلس التعاون مساعدة لبنان، معتبرين أنه سيبقى مرتهناً لـ”حزب الله” وحسابات إيران في المنطقة.
وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير خارجية الكويت أحمد ناصر المحمد الصباح وأمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط امس الأحد للحديث عن الاجتماع التشاوري لوزراء خارجية العرب الذي استضافته الكويت، لم يأخذ الموضوع اللبناني حيزا واسعا نظرا الى عدم صدور موقف علني بعد من الرد اللبناني. وفي سياق المؤتمر قال الصباح:”قدمنا إطار إجراءات لبناء الثقة بين دول الخليج ولبنان. وتجري دراسة الرد اللبناني”. وشكر وزير الخارجية الكويتي لبنان على “التفاعل” مع المطالب التي صاغتها الدول الخليجية، قائلا إنها “خطوة إيجابية”.
ومساء امس أصدرت وزارة الخارجية والمغتربين بيانا أفادت فيه ان الوزير عبدالله بوحبيب قام بزيارة الى الكويت للمشاركة في الاجتماع التشاوري للجامعة العربية. وقد التقى فور وصوله نظيره الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح و سلمه رسالة موجهة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى امير دولة الكويت الأمير نواف الأحمد الجابر الصباح، والورقة اللبنانية الجوابية على المبادرة الكويتية. كما شارك بوحبيب امس في اللقاء الوزاري التشاوري “حيث قدم عرضاً للأوضاع في لبنان مشدداً على حاجته لاستعادة العلاقات التاريخية الاخوية بأشقائه العرب. وقد كان لهذه الرسالة وقع إيجابي لدى الجانب الكويتي والمشاركين. وقد شدد وزير خارجية الكويت على حرص بلاده على استقرار لبنان ورفاهية شعبه واستمرار المسعى الكويتي لترتيب العلاقات مع الاشقاء في الخليج استكمالا لما ورد في الرد اللبناني”.
المشهد الانتخابي
وأما في المشهد الداخلي فبرزت في اطار تداعيات قرار الرئيس سعد الحريري تعليق عمله السياسي في واجهة المشهد الداخلي الزيارةُ التي قام بها الرئيس عون الى دار الفتوى. وبدا لافتا ان هذه الزيارة لم تثر أي ردود مرحبة اذ طغى عليها طابع التوظيف الانتخابي الظرفي خصوصا في ظل العلاقة الباردة بين عون ومرجعيات الطائفة السنية بعد تفجر التوتر بينه وبين الرئيس سعد الحريري. واعتبرت اوساط سنية ان زيارة عون جاءت متأخرّة جدا وكانت للتغطية على المسؤولية الكبيرة التي يتحملها العهد وتياره وصهره النائب جبران باسيل في افتعال القيود والضغوط والعراقيل التي دأبوا على زجها في طريق الرئيس الحريري ومنعه من تاليف الحكومة.
وبعد لقائه مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، شدد عون على “أهمية الدور الذي تؤديه الطائفة السنية الكريمة في المحافظة على وحدة لبنان وتنوعه السياسي، وعلى المشاركة مع سائر مكونات لبنان في الحياة الوطنية والسياسية، والاستحقاقات التي ترسم مستقبل لبنان وأبنائه”، وقال “نحن لا نريد للطائفة السنية أن تخرج من العمل السياسي في لبنان، لأننا سمعنا أنه قد تحصل مقاطعة ونحن لا نريد أن تحصل المقاطعة، لأن لبنان يخسر مكونا من مكوناته الكبار، وهذا الأمر يهدد المجتمع الذي تعودنا عليه وتربينا على هديه”.
احتدام
ووسط هذه الأجواء سجل تصاعد الاحتدام الانتخابي وبدء تكثيف التحركات لاعلان الترشيحات والتحالفات التي يرجح ان تتخذ وتيرة سريعة في الأسابيع القليلة المقبلة. وفي مواكبة هذه التحركات تصاعد الاحتدام الإعلامي بين “القوات اللبنانية” و”حزب الله” . ودعا رئيس حزب “القوات” سمير جعجع “القواتيين إلى أوسع حملة توعية سياسية للناس كي لا يبقوا في جهنم عن طريق الخطأ”، وشدد ان “كل صوت يذهب لـ”التيار الوطني الحر” و”حزب الله” يعني تمديدًا لأوجاعه بيده من دون منّة من أحد”، مستغربًا “شعار التيار في الحفاظ على حقوق المسيحيين بعدما أمعن في إفقارهم وتهجيرهم فيما الأولى الحفاظ عليهم كي نستطيع الحفاظ على حقوقهم، لا من خلال تنفيعهم وتأمين المكاسب لهم وتوظيفهم في أماكن يجب ألا يتم توظيفهم فيها”. وتوجه الى “جمهور المقاومة المغبون”، سائلًا: “هل نتيجة المقاومة أن نتسوّل لقمة عيشنا وأن يعمد بعض المواطنيين على البحث عن لقمة العيش بين أكوام النفايات؟” لافتًا الى “شعارات كبيرة تُطلق لغش جمهور المقاومة كي يتم الذهاب على ظهره إلى مشاريع لا علاقة لها لا بلبنان ولا باللبنانيين ولا بمصالحهم ولا بجمهور المقاومة”.
في المقابل شن نائب الأمين العام لـ”حزب الله ” الشيخ نعيم قاسم هجوماً عنيفاً جديداً على “القوات” وقال: “سمعنا أحد مسؤولي القوات اللبنانية يقول إن مشروعنا مواجهة حزب الله، نحن نقول للقوات اللبنانية، إن مشروعنا مواجهة إسرائيل وأذناب إسرائيل، ولن نقبل بأن نواجه أحدا في الداخل ليحدث فتنة كما يريد البعض. نحن وأدنا الفتنة في مجزرة الطيونة التي قامت بها القوات لتجرنا إلى حرب أهلية. نحن نعلم أن القوات اللبنانية جماعة لهم تاريخ مليء بالإجرام والقتل لأبناء طائفتهم ووطنهم. فهم إلغائيون لا يصلحون لأن يكونوا ممثلين لحال شعبية يمكن أن تبني وطنا، ونحن حزب الله نقاتل إسرائيل، ولكننا نحرص في آن على الوحدة الداخلية والتعاون مع كل الأطراف وبناء البلد بشكل مشترك من دون أن نستأثر أو أن نأخذ لأنفسنا شيئا مميزا”.