لم يتفاعل الطرابلسيون مع مقررات جلسة مجلس الوزراء أمس إلا من منظار “الاتجار السياسي والانتخابي المفضوح” بمآسيهم ومعاناتهم، تحت وطأة إمعان الجلاد في لعب دور المنقذ لضحاياه بعدما أغرقهم تحت خط الفقر ودفع بهم أفراداً وجماعات لخوض “عباب الموت” في البحر هرباً من بطشه وتسلطه… ولم تنفع كل مغريات “الرشاوى” التي أغدقت بها جلسة بعبدا على أبناء طرابلس في التعمية على حقيقة مسؤولية الأكثرية الحاكمة عما وصل إليه الناس من بؤس ويأس وفقر حال، من دون أن تفلح محاولة تنصل العهد وتياره من هذه المسؤولية والتلطي خلف أزمة النازحين لرفع بصمات السلطة عن مسرح الجريمة الإنسانية المستمرة بحق الطرابلسيين وعموم اللبنانيين.
وحده قائد الجيش جوزيف عون كان على مستوى التحدي والمسؤولية واضعاً “كل الضباط والعسكريين بتصرف التحقيق” في قضية غرق زورق طرابلس، فحضر جلسة مجلس الوزراء مدججاً بالأدلة والوثائق والصور التي تدحض اتهام القوات البحرية اللبنانية بتعمد إغراق الزورق، ليُغرق في المقابل “مركب المزايدات” الرامي إلى إيقاع الفتنة بين الجيش والطرابلسيين، مؤكداً بوضوح وبلا أدنى مواربة أنّ كل هذه الاتهامات أتت لتصب في خانة “محاولة التغطية على المهرّبين ونقل القضية إلى مكان آخر، وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الجيش للحملات”، من دون أن يتردد في التصويب في هذا المجال على مسارعة البعض إلى استغلال حادثة غرق الزورق “لأهداف سياسية وانتخابية من خلال تسعير حملة التحامل على الجيش واتهامه بإغراق النساء والأطفال في الوقت الذي كان يعمل فيه على محاولة إنقاذهم من الغرق“.
واستعرض قائد الجيش في مداخلته أمام مجلس الوزراء الوقائع التي سبقت ورافقت عملية غرق الزورق، كاشفاً بحسب معلومات “نداء الوطن” (ص 2) أنّ رائد دندشي الذي نظّم عملية الهجرة غير الشرعية كان قد أوقف في 20 تشرين الثاني من العام الفائت ومعه شريك آخر بتهمة تهريب 91 شخصاً عبر قارب انطلق من القلمون، ولكن المفارقة كانت أن القضاء عمد بعد سبعة أيام إلى إطلاق سراحه، فعاد هو نفسه بالتعاون هذه المرة مع شخص سوري من آل حموي، إلى تحضير عملية تهريب جديدة تقاضى فيها مبلغ 2500 دولار عن كل شخص، فكانت النتيجة أنه وضع نحو 80 شخصاً في قارب من صنع العام 1974 تتسع حمولته القصوى لـ10 أشخاص فقط، بالإضافة إلى تحميل 3 أطنان مازوت على متن القارب باعتبار أن وجهة سيره كانت إيطاليا.
تزامناً، أجهضت انتفاضة المودعين أمام مجلس النواب أمس محاولة تمرير قانون الكابيتال كونترول بصيغته المعروضة أمام اللجان المشتركة، فلم تنعقد جلستها تحت وطأة الخوف من ردة فعل الشارع لتخرج مصادر نيابية بخلاصة أكيدة مفادها أنّ الكابيتال كونترول “طار” إلى ما بعد الانتخابات النيابية في 15 أيار على أن يكون القانون مطروحاً من ضمن “سلة إصلاحية كاملة متكاملة تشمل خطة التعافي ورسم خارطة طريق واضحة المعالم حيال مسألة تحديد الخسائر وتوزيعها وفقاً للمسؤوليات بين الدولة والمصرف المركزي والمصارف، بعيداً عن المحاولات الخبيثة الجارية راهناً لتحميل المودعين وحدهم أوزار التفليسة، وإلغاء حقهم في مقاضاة المصارف لتحصيل ودائعهم“.
وأمام تخلي الدولة عن مسؤولياتها في معالجة الأزمة ورفع أعبائها عن كاهل اللبنانيين، أتت الشراكة السعودية – الفرنسية في سبيل تنفيذ مشاريع دعم إنسانية وإغاثية في لبنان لتشكّل بارقة أمل في الأفق اللبناني المسدود، بحيث أعلن مساء أمس عن إطلاق الآليات التنفيذية لهذه المشاريع بتمويل من الصندوق المالي الذي تم إنشاؤه بالتعاون بين الرياض وباريس، على أن يتركز الدعم على “6 قطاعات رئيسية وهي الأمن الغذائي والصحة والتعليم والطاقة والمياه والأمن الداخلي”، حسبما أوضح السفير السعودي وليد بخاري خلال حفل توقيع “مذكرة التفاهم الإطارية” للصندوق مع السفيرة الفرنسية آن غريو.
وشدد بخاري في كلمته للمناسبة على أنّ المملكة تؤدي واجباتها تجاه لبنان “من دون تمييز بين طائفة وأخرى”، منوهاً بأنّ الدعم المتأتي عن هذا الصندوق يندرج ضمن سياق المشاريع الإنسانية التي لطالما قامت بها السعودية في لبنان خلال العقود الماضية لتحفيف معاناة اللبنانيين، بينما أكدت غريو عزم بلادها على مواصلة العمل مع السعودية “لدعم الشعب اللبناني في مواجهة أزمته الإنسانية“.
وكانت السفارة الفرنسية في بيروت قد أوضحت أنّ الاتفاق الموقع مع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية يوفر مساعدة مالية بقيمة 30 مليون يورو لدعم “السكان المستضعفين في لبنان ولتلبية احتياجاتهم الأكثر إلحاحاً في قطاعي الصحة والأمن الغذائي”، مع الإشارة إلى “دعم مستشفى طرابلس بصورة خاصة، وتعزيز الانتفاع بخدمات الرعاية الصحية الأولية، وتقديم المعونة الطارئة التي تشمل تقديم الغذاء إلى الفئات المحرومة“.