ثلاثة مؤشرات يجري رصدها بعد يومين على الفرز النهائي لنتائج الانتخابات النيابية.
الأول يتعلق بالموقف الخارجي، وسط ضياع حول ما إذا كان لبنان ينتظر مبادرة جديدة تقودها فرنسا أو سيُترك وحيداً في مواجهة الأزمة الاقتصادية المصاحبة لجدال سياسي يُتوقّع أن يتوسع، في ظل قراءة سعودية تدفع بعض أصحاب الرؤوس الحامية الى مواصلة المعركة السياسية ضد حزب الله.
الثاني، يتعلق بالاستحقاق الدستوري المتعلق بانتخاب رئيس المجلس النيابي، وسط موجة ضغوط تستهدف مقاطعة التصويت للرئيس نبيه بري و«عزل» المرشح الشيعي الأبرز والأوحد عبر انتخابه بأصوات تقلّ كثيراً عن نصف عدد النواب.
الثالث، محاولة حثيثة من المجموعات الناطقة باسم «التغيير» للدخول في حفلة شعبوية تقوم على فكرة أن المنطق الذي رافق تحركات 17 تشرين يحب أن يستمر داخل المجلس النيابي، مع إشاعة مناخ تهويلي لمنع أي نقاش مختلف بين النواب المنتخبين.
انتخابات رئيس المجلس تحولّت إلى الحدث الأساس في اليومين الماضيين، بعد إعلان كتل نيابية ونواب قوى الاعتراض رفض التصويت لبري، ما يجعل من الجلسة استحقاقاً لن يمُرّ على ما يبدو بسلاسة كما في السنوات الماضية، ولا سيما أن الأصوات التي من المرجح أن ينالها بري ستكون الأدنى منذ عام ١٩٩٢. ويُخشى أن تنعكس هذه الأزمة الجديدة شللاً في البرلمان على غرار ما كان يحصل في الحكومة ورئاسة الجمهورية، ما استدعى استنفاراً سياسياً للبحث عن «تسوية» ما تؤمن بوانتاج يحفظ ماء وجه بري الذي لا منافس له. وتكمن المشكلة في أصل انعقاد الجلسة التي تحتاج إلى نصاب التئام، هو 65، إذ يحتاج الانتخاب في الدورة الأولى إلى الأكثرية المطلقة وإلى الأكثرية النسبية في الدورة الثالثة وما فوق. إذ تخوفت مصادر مطلعة من أن يقاطع نواب ١٧ تشرين والكتل السياسية التي ترفض انتخاب بري الجلسة، ما يحول دون تأمين النصاب، وتدخل البلاد في الشلل. وتقول المصادر إن الأصوات المضمونة حتى الآن تقارب الـ ٥٠ صوتاً من حزب الله وحلفائه، ومن 9 نواب من الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يُرجح أن يمنح كل أصواته لبري، فيما تبقى الأنظار متجهة إلى التيار الوطني الحر الذي لم يحسم أمره بعد. وبحسب المعلومات، فإن مسعى جدياً سيبدأ في الأيام المقبلة، يشارك فيه حزب الله، للتوصل الى صيغة مع التيار لتأمين حاصل انتخابي للرئيس بري، على أن تكون حصة التيار في هذه التسوية موقع نائب الرئيس. ورجّحت المصادر أن لا يصار الى دعوة المجلس للانعقاد من دون حصول اتفاق، الأمر الذي لا يبدو سهلاً حالياً على النائب جبران باسيل الذي كان الهجوم على بري جزءاً من حملته الانتخابية.
وفي السياق، تحدثت مصادر مطلعة عن دور يقوم به الأميركيون والأوروبيون في استحقاق رئاسة المجلس، على قاعدة أن تحجيم بري يعدّ ضربة لحزب الله، ولذلك قد يدفعون بجماعتهم في الداخل الى تصعيد الحملة وتكريس الشلل بهدف زيادة الضغط على البلاد. ولفت في هذا السياق مقال نشر أمس لمساعد وزير الخارجية الأميركي السابق ديفيد هيل، أشار فيه إلى أن ما ينتظر لبنان في الأيام المقبلة هو حالة من الشلل التام، وأن المناورات ستكون أكثر صعوبة وأطول من المعتاد في مثل هذا البرلمان المنقسم»، داعياً واشنطن الى أن «تكون واقعية ومعتدلة ومستعدة للتصرف إذا انهار لبنان».
وسط هذه الأجواء، ينتظر اللبنانيّين أيام طويلة من المناقشات الجارية بين القوى التقليدية والنواب الجدد قبل تبلور صورة الموقف على صعيد الكتل النيابية وتوجّهها، علماً بأن الأميركيين تحرّكوا سريعاً لخلق إطار يجمع غالبية النواب الجدد ضمن إطار موحد. وكان ثمانية من هؤلاء قد التقوا في فندق «Small ville» في بدارو، في لقاء اتّسم بطابع بروتوكولي. وبحسب معلومات «الأخبار»، غاب عن اللقاء كل من: أسامة سعد، شربل مسعد، مارك ضو، عبد الرحمن البزري، ميشال الدويهي والياس جرادة، لأسباب وارتباطاتٍ شخصية لا خلافية. وأفادت المعلومات بأن الاجتماع هدفه المزيد من التعارف ودرس إمكانية التجمع في كتلة نيابية، انطلاقاً من مسؤولية ملقاة على عاتقهم، والظروف التي تستدعي وضع برنامج تشريعي مشترك يكون محور مواجهتهم في البرلمان. وفيما لم يصدر عن الاجتماع أي موقف أو بيان، أبقى المجتمعون النقاش مفتوحاً.