ممنوع النقاش في «خطّة التعافي» حتى في جلستها الأخيرة، كان ممنوعاً على الوزراء النقاش في خطّة التعافي وشروط صندوق النقد الدولي المسبقة. بل كان مطلوباً من الوزراء المشاركة في رفع أسعار الاتصالات ثم إقرار باقي البنود بهدوء قبل الرحيل. هذه الحكومة شكّلت غطاء لحاكم مصرف لبنان ومنعت محاكمته محلياً وحاولت منعها أوروبياً أيضاً، وحاولت أن ترفع الدولار الجمركي، ولم تمنع تضخم الأسعار من قضم ما تبقى من قوّة شرائية لدى المقيمين في لبنان، ولا سيما أسعار المواد الغذائية وأسعار البنزين والمازوت. هذه حكومة لا أسف عليها
تقتصر إنجازات حكومة الرئيس نجيب ميقاتي على رفع الدعم والأسعار… ثم الرحيل. لم تتمكن هذه الحكومة من وقف التدهور ومفاعيل الانهيار المتواصلة منذ أكثر من سنتين، بل ساهمت في مسار التدهور وغطّت قرارات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وآخرها قضى بتبديد أكثر من مليار دولار من سيولته بالعملات الأجنبية على تثبيت لسعر الصرف لا طائل منه، علماً بأنه أنفق أكثر من 20 مليار دولار خلال فترة الأزمة. هذه الحكومة لم تسائله ولم تحاسبه بل أمعنت في منع القضاء المحلّي من مساءلته، وحاولت منع القضاء الأوروبي من القيام بذلك أيضاً. لكنها لم تكتف بذلك، بل تبنّت خطّة سرية لمعالجة الأزمة أقرّها مجلس الوزراء بلا نقاش في الجلسة الأخيرة المخصّصة لـ «تهريب القرارات». خطّة لم يعرض منها على مجلس الوزراء سوى بضعة خطوط عامة. وحين اعترض وزراء حزب الله على الخطّة لأنها لم تأخذ في الاعتبار ملاحظاتهم، كان الردّ بأن الملاحظات لا تتلاءم مع شروط صندوق النقد الدولي.
إذاً، أقرّت الحكومة خطّة إملاءات الصندوق، وقرّرت رفع الدعم عن مشتقات الخبز ورفع أسعاره، ورفعت أسعار الاتصالات، وعلى يديها ارتفعت أسعار البنزين والمازوت بعدما جرى تسعيرها بالدولار النقدي ما أدّى إلى ارتفاع تعرفات المولدات وإنتاج الكهرباء خارج مؤسسة كهرباء لبنان. وفي عهدها قرّرت المدارس والجامعات تسعير الأقساط بالدولار النقدي… لم تقم الحكومة بما يفيد أي مواطن أو أي مقيم في لبنان، بل على العكس كادت أن تصيبه أكثر عندما حاولت تمرير تسعير الدولار الجمركي على سعر صيرفة، وهي حاولت تمرير رفع تعرفة الكهرباء رغم أن الحدّ الأقصى للإنتاج هو ساعتا تغذية يومياً… في أيام حكومة ميقاتي، أي منذ تشكيلها في أيلول 2021 تضخمت الأسعار بنسبة 100% ما يعني أنها لم تحرّك ساكناً تجاه الأزمة.
على أي حال، عقد أمس مجلس الوزراء، جلسته الأخيرة، والتي كان على جدول أعمالها نحو 133 بنداً ما عدا تلك التي طرحت من خارج جدول الأعمال. وبخِلاف ما كانَ متوقعاً، أقرّ المجلس رفع تعرفة الاتصالات اعتباراً من أول تموز المقبل بمعدّل ضعفين ونصف عن التعرفة الحالية كحدّ أدنى. وبحسب عدد من الوزراء، فإن الجلسة اتسمت بحال من الفوضى، إذ تبيّن أن هناك الكثير من الوزراء الذين أجلوا ملفات خاصة بوزاراتهم لطرحها في الجلسة الأخيرة كي يُصار إلى «حرقها أو تمريرها بطريقة عشوائية».
أبرز البنود المعروضة كانت خطة التعافي والدولار الجمركي. اعتبر بعض الوزراء أن مشكلة الاتصالات لا تتعلق بفاتورة المشتركين إنما بالهدر والفساد، لكن وزير الاتصالات جوني القرم أبلغهم بالآتي: «لا أحد يحمّلني مسؤولية انهيار القطاع إذا لم تقرّ التعرفة الجديدة لأوجيرو ولقطاع الخليوي، لأنها خطوة ضرورية والوضع لم يعد يحتمل»، لافتاً إلى أن «القطاع بحاجة إلى مازوت بأكثر من 50 مليون دولار وهذا المبلغ لن يتأمّن إلا من رفع التعرفة».
أما في ما يتعلق بما يسمّى «خطة التعافي»، فقد عبّر وزراء حزب الله وحركة أمل والاشتراكي (علي حمية، مصطفى بيرم، عباس الحاج حسن، عباس مرتضى، وعباس الحلبي) عن اعتراضهم عليها لأن نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي لم يأخذ بملاحظاتهم. لكن الشامي أجاب: «هذه الملاحظات لا تتناسب مع الخطة». ما لم يقله الشامي أن الملاحظات لا تتناسب مع شروط صندوق النقد الدولي الذي ينبطح الشامي أمامه مباشرة. ولم ينقذ الموقف تدخّل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قائلاً: «نحن مضطرون ومحشورون، فعدم إقرارها ستكون له تداعيات، لأن رئيس مجلس النواب نبيه بري يربطها بالكابيتال كونترول». عملياً، من يربط الكابيتال كونترول بالخطة هو صندوق النقد الدولي، والكل يسارع لتحقيق شروطه وعلى رأسهم برّي وجنبلاط رغم اعتراض وزرائهما في الحكومة.
أما النقاش الأكبر فكان حول الدولار الجمركي الذي اعتبر بعض الوزراء، ولا سيما الوزير مرتضى، أن له بعداً مالياً، أي إنه يحتاج إلى تشريع وهذه «مهمة مجلس النواب». ومع أن نائب رئيس الحكومة ووزير المال يوسف خليل أصرّا عليه، إلا أن الأخير طالب بسحبه لمزيد من الدرس. السبب الفعلي وراء السحب، هو أن لا أحد يتحمّل قراراً كهذا ستكون له مفاعيل ضريبية هائلة وتضخمية كبيرة.
الإنترنت غير الشرعي باق بقرار الحكومة
حتى الساعات الأخيرة من جلسة مجلس الوزراء المنعقدة في قصر بعبدا أمس، كان وزير الاتصالات جوني قرم متشائماً حول إقرار مرسومي تعديل الخدمات الهاتفية والإنترنت، ورفع تعرفة رسوم شركتيّ الخلوي. لكن سرعان ما تجاوب كل الوزراء مع طرح مشروعي المرسومين من خارج جدول الأعمال، وكأن الغرض «تهريبهما» لتفادي أي رد فعل في الشارع قبل الجلسة. وبالفعل، أقرّ مجلس الوزراء مرسوم رفع كلفة الخلوي للخطوط الثابتة والبطاقات المدفوعة سلفاً اعتباراً من بداية تموز المقبل، على أن تصبح مرتبطة بمنصّة صيرفة. فعلى سبيل المثال، إذا كانت فاتورة الخط الثابت 100 دولار على سعر الصرف الرسمي، سيتم قسمتها على 3 لتصبح 33.3 دولار ثم يجري احتساب الدولار وفق سعر منصة صيرفة الذي بلغ أمس 23500 ليرة، لتصبح الفاتورة 782 ألف و550 ليرة لبنانية بدلاً من 150 ألفاً. أما في ما خصّ البطاقات المدفوعة سلفاً، فستطلق الوزارة في السوق بطاقتي تشريج للفئات المحدودة الدخل بقيمة 4.7 دولار و7 دولارات. وفي ما خصّ الموضوع المتعلّق بزيادة أسعار الخدمات المقدمة من «أوجيرو»، فقد أقرّ المرسوم أيضاً، لكن مع تحفّظ، على الجزء الخاص بـ«قوننة» الإنترنت غير الشرعي، إذ التف رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي على الموضوع طالباً التأكد من تطبيق ملاحظات مجلس الشورى قبل تنفيذه. ولهذا الغرض، عيّن لجنة مؤلفة من وزراء المال والطاقة والعدل والاتصالات للبحث في هذا الشأن. ويبدو أن الهدف من هذه اللجنة هو «تطيير» الجزء الخاص بكارتيل مهربي الإنترنت.
إجبار المشتركين على تبديل هواتفهم
أقرّ المجلس المادة الرابعة في جدول الأعمال التي تنص على «إيقاف استخدام تكنولوجيا شبكات الجيل الثاني (2G) ونسبة كبيرة من الجيل الثالث (3G- U2100) التي تكلّف الدولة نفقات تشغيلية ورأسمالية باهظة تقدر بـ42.65 مليون دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة». واستند وزير الاتصالات إلى دراسات مقدمة من «ألفا» و«تاتش» لإيقاف استعمال هذه الشبكات من دون تفكيكهما خلال مدة أقصاها 12 شهراً. إيقاف خدمات الجيل الثاني والثالث وفق الدراسة يتطلب من حوالي 232 ألف مشترك تبديل هواتفهم وأجهزتهم غير الذكية من الجيل الثاني بأجهزة تتماشى مع تكنولوجيا الجيل الثالث والرابع. لذلك ستقوم الشركتان بإبلاغ المؤسسات التجارية والمستهلكين بتبديل أجهزتهم خلال مدّة أقلّها 4 أشهر قبل البدء بإيقاف الخدمات. ومن المتوقع، أن تعمد محال بيع الهاتف إلى رفع الأسعار بشكل جنوني مع زيادة الطلب. إلا أن رفع سعر كلفة الخلوي سيدفع بالمواطنين إلى إعادة استخدام الهاتف الأرضي الأقل كلفة من مصاريف الهاتف الخلوي. وسيتطلب الأمر أيضاً تبديل نحو 5364 جهازاً تستخدم في المؤسسات الأمنية من جيش وقوى أمن والدفاع المدني، ووفق تقديرات ستبلغ كلفة الأجهزة الجديدة 162 ألف دولار (30 دولاراً للجهاز الواحد). إلى ذلك، يفترض تأمين 2.25 مليون دولار لمشروع الاعتراض القانوني و5.7 مليون دولار لمشروع تحديد الموقع الجغرافي، وهما أمران ضروريان لاستبدال التقنيات المعتمدة حالياً بحسب ممثلين للأجهزة الأمنية. واشترط الوزراء أن يكون التمويل مؤمناً، لذلك اقترح وزير الاتصالات تمويل هذه المصاريف من الوفر الذي ستحققه الشركتان نتيجة إلغاء الجيلين الثاني والثالث. مصادر في الشركتين تعتبر أن إلغاء الجيل الثاني و83% من الجيل الثالث سيؤدي إلى تراجع خدمات الاتصالات بشكل كبير بسبب الضغط الذي سيتركز على شبكة واحدة وموجة واحدة، وأن كلفة هذا الإجراء على نوعية الإرسال والخدمة سيكون كبيراً.