لا شك في أنّ 31 تشرين الأول سيكون يوماً مفصلياً في تاريخ لبنان واللبنانيين، فهم بأغلبيتهم الساحقة، ما عدا العونيون و”حزب الله”، ينتظرون بفارغ الصبر والأمل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون وطيّ صفحة عهده المشؤوم بالمعنى الملموس لواقع الشؤم والبؤس الذي وصل إليه البلد تحت حكمه وفي ظل ولايته.
صحيح أن عون لا يتحمل وحده مسؤولية ما آلت إليه أحوال البلاد، لكنّه وبمعزل عن مظلومية “ما خلّوني” التي اتخذها شمّاعة لتبرير فشل عهده، لا يستطيع التنصّل من مسؤوليته الوازنة في جردة حساب الخراب الذي تسببت به منظومته الحاكمة باسم محور الممانعة، لا سيما وأنه تشارك وأركانها مغانم السلطة قرابة عقدين من الزمن، وتحاصص معهم المناصب والمقاعد حتى التخمة، ليصبح على مدى السنوات التي تلت عودته من باريس، وانقلابه على مشروع 14 آذار السيادي، رأس الحربة المسيحية في مشروع 8 آذار واستحق عن جدارة لقب مرشح “حزب الله” الأول والأمثل لرئاسة الجمهورية… إلى أن تحوّل الحلم العوني الرئاسي الذي تحقق في 31 تشرين الأول من العام 2016 كابوساً قضّ مضاجع عموم اللبنانيين فأضحوا بعد سنوات العهد الستّ العجاف يعدّون أيامه الستين الأخيرة بالصلاة والرجاء والأمل بصحوة ضمير وطنية تدفع نواب الأمة إلى انتخاب رئيس جديد قادر على إخراج الجمهورية من قعر “جهنّم” فتكون التجربة الرئاسية العونية المريرة في قيادة دفة البلاد نحو الانهيار، عبرة من الماضي ومجرد ذكرى “تنذكر وما تنعاد” في المستقبل.
ومع دخول الاستحقاق الرئاسي في مهلة الانتخاب الدستورية بدءاً من الغد في الأول من أيلول، بدأت علامات التخبط وفقدان التوازن تظهر بشكل متزايد ومتسارع على رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، لا سيما وأنّ خياراته باتت أضيق في مواجهة المرحلة المقبلة، فأضحى كل رهانه معقوداً على أن تجدي سياسة “تهبيط الحيطان” نفعاً لتحصين مواقعه الحكومية والرئاسية، فتارةً يهوّل بإبقاء ميشال عون في قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته الدستورية، وتارةً يلوّح بسحب التكليف من نجيب ميقاتي، وأخرى يهدد بتشكيل حكومة مقابلة لحكومة تصريف الأعمال في فترة الشغور، وذلك ضمن سياق مسار تصاعدي من حالة “الطهوجة” الدستورية يعمل “حزب الله” على كبح جماحها في الأيام القليلة المقبلة من خلال دفع رئيس الجمهورية والرئيس المكلف باتجاه “إعادة تأليف” الحكومة الحالية بعد إجراء بعض التعديلات الوزارية عليها.
أما ميقاتي فيبدو أنه استشعر الحاجة الملحة لتشكيل حكومة جديدة تقي البلاد شرّ الدخول في صراع دستوري على الصلاحيات، وعلى هذا الأساس يتجه إلى قصر بعبدا هذا الأسبوع لمحاولة تدوير الزوايا الحادة مع عون حيال طرح التعديل الوزاري بغية تسريع الخطوات الهادفة إلى إعادة تعويم حكومته لتكون كاملة الصلاحيات في إدارة مرحلة الفراغ الرئاسي. ومن هذا المنطلق، أبدى أمس إصراره على تشكيل الحكومة “في أقرب وقت ممكن”، مؤكداً عدم ممانعته أن يبادر رئيس الجمهورية إلى “تسمية الوزيرين البديلين (لحقيبتي الاقتصاد والمهجرين) باعتبارهما من حصته”، مع التذكير في الوقت نفسه بأنه “في حاجة للحصول على دعم نواب عكار السنّة ورئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط لتنال الحكومة الثقة المطلوبة”.
وفي الغضون، شهدت اللجان النيابية المشتركة أمس جلسة ماراتونية خلصت إلى إحباط محاولة رئيس “التيار الوطني الحر” حماية المصارف وحقوقها عبر تمرير قانون الـ “كابيتال كونترول” كإجراء مستقل عن خطة تشريعيّة متكاملة للتعافي، حسبما نوّهت مصادر نيابية، موضحةً لـ”نداء الوطن” أنه “على الرغم من محاولة باسيل وضع إقرار هذا القانون كجزء من المسار الإصلاحي المطلوب، تلاقى تكتل “الجمهورية القوية” والنواب المستقلين والتغييريين مع نواب آخرين على التصدّي لهذه المحاولات المتكررة في مناقشة “الكابيتال كونترول”، قبل تبيان دوره كإجراء مؤقت وغير طبيعي يترافق وحزمة من القوانين المنبثقة عن خطة التعافي بشكل يوضح كيفية المحافظة على حقوق المودعين ويضمن إسترجاعها عبر آلية واضحة”.
وكشفت المصادر أنّ “باسيل سعى خلال الجلسة إلى تمرير القانون المطروح ولو في جملة واحدة، بما يضمن منع تحويل الأموال والتصرف بها بشكل رسمي وقانوني، ما يؤدي عملياً إلى تبرئة المصارف على الأفعال التي قامت ولا تزال تقوم بها حتى اليوم من إجراءات مصرفية غير قانونية، بما يؤمن لها الحماية القانونية تجاه التزاماتها تجاه المودعين”.
وفي هذا السياق، شددت أوساط اقتصادية متابعة على أنّ “المدخل إلى تمرير القوانين الإصلاحية يجب أن يكون عبر تقديم الحكومة خطة متكاملة للتعافي مع القوانين المرتبطة بها بما يضمن خطوات التعافي قبل مناقشة أي مقترح آخر، خصوصاً وأن هذا القانون يأتي اليوم متأخراً ما يقارب الـ3 سنوات، ما يسقط محاولة البعض التحجج بعدم إمكانية حكومة تصريف الأعمال إقرار خطة التعافي، في حين كان من المفترض أن يتم إقرار “الكابيتال كونترول” في اليوم الأول من الأزمة بغية حماية أموال المودعين وتفادي الهلع عبر ضبط حركة الأموال في الداخل ومنع تهريبها إلى الخارج”.