مع ان الأولوية الأساسية التي يفترض ان تتقدم المشهد الداخلي تتصل باجراءات الاعداد للجلسة الانتخابية الأولى في اطار المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد، فان كل المعطيات لا تزال تستبعد الانطلاقة العملية للاستحقاق في ظل مؤشرات عدة ابرزها: أولا، ان مجلس النواب لن يعقد جلسة انتخابية رئاسية قبل جلسة تشريعية تخصص لاقرار الموازنة ومشاريع القوانين الإصلاحية المعروفة التي يتطلبها الاتفاق بين لبنان وصندوق النقد الدولي سواء في ظل حكومة تصريف الاعمال الحالية او في ظل حكومة “جديدة”. ثانيا، صحيح ان المعارك والسجالات الكلامية المحتدمة على خلفية الاستحقاق الرئاسي والتي كانت ابرز محطاتها تباعا المواقف الخطابية لكل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، واليوم لرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، أدخلت البلاد في مناخ الانخراط السياسي والإعلامي الحار في الاستحقاق، ولكنها شكلت واقعيا مؤشرا واضحا الى تعبئة الوقت الضائع بمعارك تصفية الحسابات اكثر مما هي توطئة لانطلاق السباق بالترشيحات والاسماء التي تبدو مرحلتها كأنها لم تبدأ بعد. ثالثا، ان تفاقم الازمات الحياتية والانشغال الحكومي على محدودية المعالجات القاصرة عن احتواء الكثير من هذه الازمات يعكسان تحسبا لازمة طويلة ضمن الاحتمالات السلبية التي لا يزال الفراغ الرئاسي يتقدمها، وتاليا فان ملف الاستحقاق الحكومي وان تراجعت وتيرته بقوة، لكنه لن يقفل وستثار معارك جديدة في شأنه كلما اقترب موعد نهاية ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الأول.
تبعا لهذه المعطيات، ووسط ترقب مسار بعض التحركات النيابية الهادفة الى اطلاق مبادرات لتحريك الاستحقاق الرئاسي وبلورة الخيارات الانتخابية وأسماء المرشحين، ستتجه الأنظار مجددا الى ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل الذي يعود بقوة الى الأضواء بعدما أدرجت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن هذا الملف ضمن أولوياتها الراهنة. وفي هذا السياق يصل الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل آموس هوكشتاين إلى بيروت مساء الخميس المقبل لاستئناف المحادثات مع الجانب اللبناني، وفق ما افاد امس مصدر رسمي لبناني لوكالة “سبوتنيك”. وتاليا فان هوكشتاين سيقوم الجمعة بجولته على الرؤساء الثلاثة وعدد من المسؤولين الاخرين. وأوضح المصدر، أن “أجوبة هوكشتاين التي يحملها إلى المسؤولين اللبنانيين تشي بأنه لا جواب إسرائيليا نهائيا بعد، وأن ثمة نقطة أو نقطتين عالقتين طلبت تل أبيب تقديم إيضاحات بشأنهما قبل أن تقدم الجواب الرسمي النهائي”، واستنتج المصدر أن هوكشتاين “سيطلب مهلة إضافية حتى نهاية أيلول الحالي”.
ميقاتي وجنبلاط
وكانت الملفات الداخلية محور لقاء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مساء امس مع رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط في دارة ميقاتي في بيروت في حضور وزير التربية عباس الحلبي وعضو كتلة “اللقاء الديموقراطي” النائب وائل أبو فاعور. وأوضح ميقاتي ان النقاش مع جنبلاط شمل ملفات عدة وكان هناك تركيز على الهموم المعيشيّة .
وفي موضوع الفراغ الرئاسي قال ميقاتي : “لم نبحث هذا الموضوع مباشرة، ولكن وليد بك كان صرح سابقا بأن هذه الحكومة، في حال الشغور الرئاسي، ستنتقل اليها صلاحيات رئيس الجمهورية. لا يوجد ما يسمى بفراغ رئاسي بل شغور والدستور واضح في هذا الموضوع، وهذه الحكومة تنتقل إليها صلاحيات الرئيس في حال حصول أيّ شغور رئاسي”.
وعن موقف الرئيس بري قال: “سالتقيه غدا (اليوم) وسنبحث في كل الأمور”.
وردا على سؤال قال: “كل الاراء والاستشارات الدستورية التي صدرت حتى الان أكدت ان الدستور نص على انتقال الصلاحيات الى الحكومة، ولم يحدد ما اذا كانت حكومة تصريف أعمال أم لا”.
وأردف: “الدستور ينبذُ الفراغ حقاً، وكلّ المبادرات بشأن الملف الرئاسي جيّدة والترجمة لها يجب أن تكون في الذهاب إلى مجلس النواب لحضور جلسة انتخاب الرئيس، ونحن حريصون على أن يجري الاستحقاق المنتظر في موعده وهذا أمر ضروري”.
وقال جنبلاط : “بحثنا مع دولة الرئيس الامور العملانية مثل الكهرباء وترسيم الحدود وبوجود وزير التربية تطرقنا الى الشؤون التربوية. اما الامور الكبرى فاتركها لغيري وهم يمسكون باللحظة التاريخية. انا اهتم بالامور الصغرى بكل تواضع”.
أزمة الاتصالات
وفي غضون ذلك وفي اطار اليوميات الضاغطة في المشهد الداخلي ، تقدمت تداعيات ملف اضراب موظفي اوجيرو امس، بعد أيام من الاضراب اتسعت معها انقطاعات واسعة في شبكة الاتصالات الأرضية وفي شبكة الانترنت في مختلف المناطق . وعقد لهذه الغاية اجتماع في السرايا ضم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الاتصالات جوني القرم الذي اعلن عن بداية اتخاذ إجراءات للحل وقال ان “الاجواء أيجابية، وقد تسلمت المرسوم ووقعته، وهو سيحال الى وزير المال، ومن ثم الى رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، وهذا المرسوم بقيمة 220مليار ليرة لبنانية، ويغطي نفقات هي حق للموظفين، وأؤكد بأن هذه الأموال موجودة في الوزارة، ويلزمنا اذن قانوني لدفعها”. وأوضح انه على تنسيق تام مع رئيس مجلس إدارة اوجيرو عماد كريدية في كل المواضيع. وأشار الى ان “هناك ثلاثة أمور من اصل اربعة في طور التنفيذ الان، وبناء عليه سأطلب فك الإضراب وسأرى مدى التجاوب”. ووصف المطالب بانها “محقة وهذه مطالب أقرت للقطاع العام ولهم بالتحديد، ولكن لم يحصلوا عليها، وهي من حقهم، فهم لم يطالبوا بشيء غير طبيعي، ولكن لا يحق لهم ايقاف السنترالات، ومنعها من تعبئة المازوت. لهم الحق في الأضراب ولكن لا يحق لهم إيقاف صهاريج المازوت لتعبئة السنترالات. ولقد نسقت مع السيد عماد كريدية في هذا الشأن، وسنلاحق قضائيا أي شخص يتصرف بهذا الشكل لأنه مناف للقانون”.
وعمليا وقع وزير الاتصالات المراسيم الاربعة التي يطالب بها موظفو “أوجيرو” وهي تتعلق بالمساعدة (راتب شهر اضافي شهريا)، وبدل النقل (95 ألف ليرة)، وبدل الحضور اليومي (بين 150 ألف و350 ألف ليرة)، ومرسوم غلاء المعيشية (تحتسب قيمة الزيادة بضرب قيمة أدنى راتب بـ2.2). وتنتظر نقابة موظفي “اوجيرو” يوم الخميس المقبل لتحصل على الجواب النهائي من الوزير قرم حيال مرسوم غلاء المعيشة لتبني على الشيء مقتضاه. وقد أرفقت هذه المراسيم بطلب وزارة الإتصالات و”أوجيرو” من وزارة المال سلفة خزينة بقيمة 220 مليار ليرة تقريبا من إحتياطي موازنة 2022 لتطبيقها، في إنتظار توقيع كل من وزير المال ورئيس الحكومة لتصبح نافذة.واستمهل قرم النقابة حتى الخميس المقبل لمعرفة قانونية مرسوم غلاء المعيشة الذي أحاله الى ديوان المحاسبة وهيئة التشريع والقضايا للوقوف على رأيهما القانوني في هذا الاطار، مع اقتناع مصادر الموظفين أن هذا المرسوم قانوني 100%، وأكدت مصادر النقابة لـ”النهار” أن فك الاضراب متوقف على جواب الوزير، فإذا كان ايجابا فستبادل النقابة الايجابية بإيجابية أكبر وستفك الاضراب فورا. أما اذا كان الجواب سلبيا “فستضطر آسفة الى المضي بالاضراب الذي تنفذه منذ أكثر من اسبوع حتى تنفيذ المطالب كافة”.
الى ذلك طرأت حلحلة على ازمة رواتب القطاع الديبلوماسي اذ أعلنت وزارة المال أن مصرف لبنان بدأ بتحويل رواتب أعضاء السلك الديبلوماسي العاملين بالخارج، وذلك بعد التواصل الذي جرى في الأيام الأخيرة بين وزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة لتحويل هذه الرواتب بالدولار الأميركي. يُذكر أن آخر راتب تلقته تلك البعثات كان في شهر أيار المنصرم .