كتب مدير عام وزارة الاعلام الدكتور حسان فلحه في صحيفة “النهار”:
دأب اللبنانيون على السأم من تعويد أنفسهم على انتظار تشكيل الحكومات والتوافق على أعضائها الوزراء، وعلى ماهيّة انتمائهم ورابط ولائهم من دون العادة على التوافق على تجانسهم، والتآلف فيما بينهم على تضادهم، لفترات قد تفوق فترات حكم هؤلاء إن حكموا مباشرة بالنيابة أو بالوكالة، ولم يعد عددهم أو مجموعهم ذا شأن يغري أو يحسب لمن تاهت بهم الدنيا ودارت عليهم الأوضاع الاجتماعيّة والمالية والمعيشيّة منقوصة الأحوال غالبا، ومعتلّة الآخرة دائمًا، إلّا أن ما فاتنا نحن اللبنانيّين أن الوزارة منصب متقلّب الأدوار، حمّال أوجه شديد المحال، هيّن الحال، يسود في الليل عامله، ويُمحى في النهار. قد يرفع فيه الولاة إلى سدّة المقام أو قد يرمى بهم إلى أدنى الأحوال، للتاريخ عبر وعبرات زيّنوا الأفراح في البدايات ونالتهم نوائب الأتراح في النهايات.
إن كلمة وزير قديمة العهد وغريبة المعنى فهي باللغة العربية ، الموازر اي المعاون مطلقا او المستعان برأيه وتدبيره و حامل ثقله و لكنها اللاتينية تعني الخادم ، خادم الدولة والرعية “Minister”وهي التى اخذت منها اللغة الفرنسيّة كلمة “Ministre “ واشتقت منها ministrant” مسعف ومساعد، وأيضا ان مفردة ministère اقترنت باسماء شخصيّات ملأت دنيا الحكم صيتا بالجبروت والاستئثار أو بالضعف والانكسار شواهد على مر ّ التاريخ؛ فهامان وزير فرعون ونائبه الشهير الذي أدناه منه وأذله، وهارون الذي جُعل وزيرًا لأخيه موسى، أخو نبيّ، ويحيى البرمكيّ الذي وزره هارون الرشيد وزيرًا مفوّضا في أمور الخلافة كانت شهرته في مقتله ونهايته السيئة لا في إدارته ووزارته، ومثله في ذلك مثل الفضل بن سهل الذي عيّنه المأمون وزيرًا له واقصاه،
وقد عرف الوزير بذي الكافيتين صاحب السيف والقلم على ما درج على تسميته ابن العميد عليّ بن محمّد بن الحسين في عهد الخليفة الطائع لله.
وقد كان أبو سلمة الخلّال حفص بن سليمان الهمدانيّ أول وزير في العصر العباسيّ ، سُمّي بوزير آل محمّد الذي قتله أبو العبّاس السفّاح رغم اعتذاره. أمّا في فرنسا، فان أرماند دي ريشليو Armand Jean du Plessis de Richelieu خلّده التاريخ في قدرته على الإمساك في سياسة الوزارة قبل رئاستها وقبل استجماع سيطرته البارعة في ساسة أقرانه الوزراء بالرغم من استحكام عداء الشعب له، وهو الذي انتقم منه بعد موته ومُثّل بجثته غداة الثورة الفرنسية.
لا منصب يجمع معنى واحدا بين الخادم والسيد، إلّا هذا المنصب الذي لا تفوق جدليته في لبنان عند تشكيل الحكومات إلّا جدليّة البشريّة الأولى “جنس الملائكة”، فالدستور اللبنانيّ
اوغل في ردة الفعل في إيلاء هذا المنصب محورية القرار وسيادته (المادة ٦٦)، بعدما كان شاغله معاونا لرئيس الجمهورية فقط، يعّينه ويقيله ساعة يهوى أو يشاء، وهذا نمط اللبنانيين بحكمهم في عدم الوسطية بين الإفراط والتفريط. وليس مستغربا أن يعاد ذلك إلى حجم هوّة الثقة واتّساعها بينهم في غياب مركزية الحكم الوطني والحضور الشديد للامركزية الطوائف. إن تغليب المصلحة الفئويّة وتعاظم نفوذها نابع من الثقة المفقودة والتوجس المستديم لدى الجماعات المكونة للمجتمع اللبنانيّ والسعى والركون إلى الذات الطائفيّة والمذهبيّة، والعودة إليها تصبح أكثر إلحاحًا وحاجة وأكثر اطمئنانا عند الملمّات والحوادث وتضمر عند تصاعد منسوب الاستقرار والهدوء السياسيّين الذي لم يتعوّد اللبنانيّون على التنعّم به منذ حرب أركان الداخل والخارج عام ١٩٧٥ إلّا لفترات محدودة غير طويلة الأجل وبمساعدة خارجية مباشرة وحثيثة، فكان تشكيل الحكومات اللبنانية لا يستغرق زمنا محسوبا ،
فعادة كانت تسمية الوزراء أكثر وفرة ويسرًا وحضورًا إذ يغدو الوزير فردًا ضمن فريق الجماعة المتراصفة على عكس توكّئ القيّمين الآن على ذواتهم وأنفسهم في الانجرار الى جدل العدد والاسم وهذا مرتبط بالنظرة إلى أهمية الفوز في المفرق، لا الجدوى من الربحية في الجملة، وكأنّ مجلس الوزراء هو مجموع أفراد وزراء لا مجموع عمل مشترك.
أزّمةالحكم ليست في أزمة الحكم بل في أزمة نظام فريد وإشكالياته صعبة المحال ولقد صدق قوله تعالى : ” وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى” فهذا حال اللبنانيين الذين يعرفون جيدا انه
“من الخطير أن تكون على حق عندما تكون السلطة على خطأ” على ما قاله الكاتب و الفيلسوف الفرنسي (فرنسوا ماري اروويه) ڤولتير …”