كعادتها في انعدام تحمل المسؤولية، حشرت السلطة السياسية نفسها في “الزاوية” على بعد ايام من انتهاء ولاية حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، ودخلت في سباق مع الوقت لايجاد مخرج من المأزق غير المفاجىء والمحدد تاريخه مسبقا، علما ان كل “الطرق” تؤدي الى “طاحون” السياسات الترقعية، في غياب استراتيجية جدية لانقاذ ما يمكن انقاذه، في بلد منكوب ماليا واقتصاديا تتقدم فيه النكايات الحزبية والطائفية، والمصالح الشخصية على ما عداها. وهكذا تصبح “العجقة” المفتعلة حيال مصير النواب الاربعة لحاكم مصرف لبنان والوقوف على “خاطرهم”، مجرد استفاقة متأخرة “لا تثمن ولن تغني عن جوع”. وما لم ينجز على مدار السنوات العجاف منذ 2019، لن يجد طريقه الى الانجاز خلال ايام معدودة، سواء استقال النواب الاربعة ام بقوا في مناصبهم.
على الخط الرئاسي، لا اوهام كبيرة عشية زيارة المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الذي يصل اليوم الى بيروت، “العجز” الفرنسي عن ايجاد ثغرة في جدار الازمة تحصيل حاصل، باريس بعد اجتماع الدوحة اصبحت مقيدة اكثر، بعدما باتت جزءا من قرار دول المجموعة الخماسية، ما يعني ان الامور باتت معقدة اكثر، وترتبط بشبكة المصالح المتضاربة لهذه الدول، غير المعنية راهنا بوضع ثقلها لانتاج حل يعكس موازين القوى الحقيقة في المنطقة وفي الداخل اللبناني. لهذا من المرجح ان تنتهي جولة لودريان الجديدة دون نتائج جدية، سواء اعتمد المراوغة في التعبير صراحة عن مصير المبادرة الفرنسية، او حاول “شراء الوقت” بانتظار حركة قطرية مرتقبة ستحل عمليا مكان الحراك الفرنسي ، لانتاج صيغة حل خلال اشهر لا اسابيع، كما تعهد القطريون عندما طرحوا “ورقة العمل” على طاولة “الخماسية”.
في هذا الوقت، “الغليان الاسرائيلي” الداخلي على اشده، بعد اقرار “الكنيست” قانون “المعقولية” القضائية، الذي يحد من سلطة القضاء على قرارات الحكومة وقوانين “الكنيست”، لكن هذا لم يمنع بقاء النقاش حول الوضع على الحدود الشمالية على “الطاولة”، وقد حضر الانقسام بين مؤيد لضربات استباقية لحزب الله لترميم صورة الردع، وبين معارض لخطوة متهورة تأخذ الاحداث نحو “المجهول”.
قلق من الفوضى النقدية؟
في الاسبوع الاخير لولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي يطل في مقابلة اعلامية مطولة غدا، وصلت المشاورات التي يقودها الحزب “التقدمي الاشتراكي” لتعيين حاكم اصيل الى “حائط مسدود”، بعد رفض القوى المسيحية الرئيسية للمقترح، ولهذا يسود “الهلع” من الفوضى النقدية، في ظل غياب استراتيجية حكومية للتعامل مع “اليوم التالي”. وكان واضحا بالامس حجم التخبط السياسي، حيث لم تصل الاتصالات التي قادها رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي مع نواب الحكام الاربعة الى اي نتيجة، وكالعادة تم “ِشراء الوقت” مرة جديدة، حيث طلب منهم مهلة لـ48 ساعة لايجاد تغطية حكومية قانونية لفترة تسلمهم مهام الحاكم، من خلال ايجاد مخرج لتمويل الدولة من الاحتياطي، وهم ابلغوه انهم لن يقبلوا اي تغطية غير قانونية وشفافة لادارة المرحلة المقبلة ، بعدما ظلوا طوال سنوات يعارضونها.
وكان لافتا تأكيد ميقاتي انه يؤيد الخطة التي وضعها النواب الاربعة امام لجنة لادارة والعدل، واشار الى انها تتماهى مع خطة الحكومة، لكنه لفت الى صعوبة تطبيقها قبل 1آب او خلال اسابيع قليلة، وتحدث عن خطة طوارىء حكومية لمواكبة المرحلة دون ان يفصح عن فحواها. وقد حذرت اوساط اقتصادية من الاستخفاف بالمرحلة المقبلة، ولفتت الى ان عدم تحمل المسؤولية يفتح الابواب امام استغلال داخلي وخارجي لاي فراغ محتمل، لافتعال “خضة” نقدية مفتوحة على كل احتمالات الفوضى؟!
من يقبل الاستقالة؟
في هذا الوقت، حضر ملف حاكمية مصرف لبنان في جلسة دراسة موازنة2023 ، والتي انتهت بالطلب من الوزارء ان يدرسوا موازنات وزاراتهم واعادتها الى وزارة المال، قبل العودة الى الجلسة المقبلة. وفيما اكدت المعلومات ان ميقاتي قال للوزراء إنّه بعث بدراسة إلى إختصاصيين قانونيين لمعرفة مَن مِن المفترض أن يقبل الإستقالة في حال تقدّم بها نواب الحاكم وأنّه سيعود بالجواب خلال 48 ساعة، قال وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام ان استقالة نواب الحاكم يجب أن يقبلها مجلس الوزراء، واجتماعهم مع ميقاتي كان ايجابيا، وتم إعطاؤهم مهلة 48 ساعة لان يعودوا مع أجوبة، وعلى أثر ذلك سيدعو ميقاتي إلى جلسة حكومية بين الخميس والجمعة لتفادي أي خضة. واستبعد وزير المالية يوسف الخليل استقالة نواب الحاكم ، لكنّه أكّد أن لا معلومات أكيدة حول ذلك، ولفت إلى أن الموضوع يُحل من خلال “حوار هادئ وعلمي”، مشيراً إلى أن “لنواب الحاكم خطةً اقتصادية قريبة من خطة الدولة”.
الخيارات والبدائل
وتبقى الخيارات محصورة حتى الآن بتسلم منصوري المسؤوليات، الا ان الخيار هذا دونه عقبات اساسية اهمها:
– اولا: انه يرتب مسؤوليات على “الثنائي الشيعي” بتحميله عبء المرحلة، فيصبح مسؤولا عن انهيار النقد والقطاع المالي برمته، ما دامت في يده وزارة المال والمدعي العام المالي وديوان المحاسبة وحاكمية مصرف لبنان. وهو امر “يتهيب” منه خصوصا الرئيس نبيه بري.
– ثانيا: استقالة نواب الحاكم، فيطلب منهم وزير المال يوسف الخليل انطلاقا من مبدأ تسيير المرفق العام ورفض الشغور، الاستمرار بتسيير مهامهم، لكن هذا لا يحملهم تبعات قانونية مباشرة، ويبقى الحال على ما هو عليه من سياسات قاسمة راهنا.
– ثالثا: بقاء نواب الحاكم شرط تقديم الضمانات وفق الخطة التي رفعوها الى لجنة الادارة والعدل، وهو امر غير ممكن، لان النواب من مختلف التوجهات السياسية لا يوافقون عليها، خصوصا انها تتطابق مع خطة نائب رئيس حكومة تصريف الأعمال سعاده الشامي، اي خطة صندوق النقد الدولي؟
ما هو الخيار الانسب؟
من جهته كشف وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد مكاري بعد جلسة الحكومة، ان ميقاتي أكد ان الخيار الانسب هو تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان متى سمحت الظروف بذلك، لا سيما أنه من واجب الحكومة تأمين سير المرفق العام. وقال ان نواب حاكم مصرف لبنان طالبوا توفير الغطاء لإقراض الحكومة وتأمين الرواتب، وقد طالب الوزراء بضرورة تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان. وفي ملف آخر اشار الى انه “تمت الموافقة من خارج جدول الاعمال على ترقية تلامذة ضباط لرتبة ملازم اعتبارا من تاريخ 1 آب 2023 وكالة عن رئيس الجمهورية.
“الاشتراكي” مصرّ على التعيين
واثر اخفاق الحزب “التقدمي الاشتراكي” في اقناع القوى السياسية، وفي مقدمتها “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، غرد رئيس “الاشتراكي” النائب تيمور جنبلاط عبر حسابه على “تويتر” قائلا: “الحد الأدنى من منطق حماية ما تبقى من مؤسسات، يقتضي تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، علّنا نتفادى مخاطر نقدية ومالية تزيد معاناة المواطن اللبناني، ومن واجب الحكومة إتمام ذلك، وعلى القوى السياسية تسهيل الأمر بعيدا من منطق المحاصصة والفيتوات المتبادلة”.
لودريان والتخلي عن الحوار؟
رئاسيا، تبقى اهمية زيارة لودريان في ابقاء الملف الرئاسي “حيا”، كما تقول اوساط سياسية بارزة، خصوصا ان الخارج “مطنش” عن خطوات جدية لدفع الامور نحو التسوية، وداخليا لا جديد الا استئناف الحوار بين حزب الله والتيار الوطني الحر، وهو لا يزال في بدايته، لهذا لا تعويل كبير على حضوره مجددا الى بيروت، والفرنسيون متواضعون اصلا في سقف توقعاتهم، لانهم يدركون ان الامر زاد صعوبة، وثمة شكوك كبيرة في مضيهم في رعاية حوار وطني لبناني جامع او “بالمفرق”، كما كان متوقعا، خصوصا انهم باتوا على دراية ان اغلبية الاطراف الرافضة للحوار، باتت محصنة بمواقف الدول الرئيسية في “الخماسية”، التي لا تشجع عليه ولن تضغط كي يحصل.
تقدم الديبلوماسية القطرية
وعلى الرغم من التعليمات المباشرة من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لفريق عمله، بالاستمرار في البحث عن حلول للازمة اللبنانية، تتوقع مصادر ديبلوماسية تراجعا في الدينامية الفرنسية اذا عاد لودريان “بخيبة امل” جديدة، لتتقدم الديبلوماسية القطرية التي ستعمل على خط الرياض- واشنطن- طهران، لمحاولة التسويق للحل الثالث وجعله اولوية دولية واقليمية في الاشهر المقبلة، ادراكا من الدوحة ان الاوضاع معقدة ، وتحتاج الى وقت قد لا يكون قصيرا، لاحداث خرق في “البرودة” الاميركية- السعودية حيال الملف اللبناني.
زيارة “التسهيل والوساطة”
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية اكد أن الممثل الشخصي للرئيس الفرنسي لشؤون لبنان جان إيف لودريان سيزور لبنان في الفترة من 25 إلى 27 تموز المقبل. واشار في بيان إلى أن هذه الزيارة الثانية إلى لبنان تأتي في إطار مهمته في التسهيل والوساطة، بهدف خلق الظروف المؤاتية للوصول إلى حل توافقي لجميع الأطراف المعنية بانتخاب رئيس الجمهورية. وشدد على أن هذه خطوة أساسية لإعادة تفعيل المؤسسات الدستورية التي يحتاجها لبنان بشكل عاجل للمضي قدما نحو الانتعاش.
وعشية عودة لو دريان، استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة السفيرة الفرنسية آن غريو. كما استقبل ميقاتي غريو التي أعلنت بعد اللقاء انها ستتولى منصب مديرة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في الخارجية الفرنسية، ووعدت بالاستمرار في بالاهتمام أيضا بلبنان.
حزب الله ومواصفات الرئيس
وعشية وصول لودريان، جدد نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم التمسك بخيارات الحزب الرئاسية، وقال: ” نحن ندعو إلى اختيار رئيس للبنان بحجم البلد، أي بمواصفات وطنية جامعة لا رئيس بحجم مجموعة أو جماعة أو حزب، فهم يريدون أن يكون مطية بين أيديهم لسياسات لا تنسجم مع لبنان ولا مع تحريره ولا مع استقلاله. ولفت إلى أن إحدى المشاكل المستحكمة في لبنان هي الأنانية عند الكثير من الزعماء.
التدقيق الجنائي
ماليا، أصدر قاضي العجلة الإداري كارل عيراني قراراً بإلزام وزارة المالية تسليم النائب سامي الجميّل التقرير المبدئي المتعلق بالتدقيق الجنائي لحسابات وأنشطة مصرف لبنان، المعدّ من قبل شركة “ألفاريز آند مارسال”، وذلك بصورة فورية ومن دون إبطاء.
انقسام حول الحرب الاستباقية
وفيما “تغلي اسرائيل” داخليا على وقع اقرار “الكنيست” لقانون يحد من تدخل المحكمة العليا بقرارات الحكومة، انقسم ضباط جيش الاحتلال حول كيفية التعامل مع الاوضاع على الحدود مع لبنان، وكشفت مصادر أمنيّة، وُصِفت بأنّها رفيعة المستوى لصحيفة “جيروزاليم بوست الاسرائيلية”، عن وجود نقاش مستمر في قيادة الجيش حول إذا كانت الحرب ضدّ حزب الله ستتحول في الأيام المقبلة إلى أمر حتمي، وإذا كان من الذكاء شنّ ضربة استباقية، أوْ تأخير الصراع لأطول فترة ممكنة، والاكتفاء بالردّ على أيّ هجومٍ بالمثل خوفا من “المجهول”.
شن عملية واسعة؟
ووفقا للصحيفة، فأنّ كبار قادة جيش الاحتلال يناقشون في الوقت الحالي إذا كانوا سيستخدمون القوة لإزالة الخيمة من مزارع شبعا، والتي لا تشكل نسبيًا أي مشاكل من حيث الحجم والخطر، وفي حال اتخاذ القرار باستخدام القوة، يبقى السؤال حول مقدارها والوقت المحدد لها. وشدّدت المصادر نفسها للصحيفة على أنّ الأغلبية الساحقة من كبار ضباط الجيش “الإسرائيليّ” تقريبا اتفقوا في البداية، على محاولة إقناع حزب الله بإزالة الخيمتين باستخدام الديبلوماسية من خلال اليونيفيل. لكن بعد مرور كل هذا الوقت، يريد عدد متزايد من كبار ضباط إنهاء هذه القضية بسرعة وبالقوة، ومن دون مزيدٍ من التأخير. حتى أنّ بعضهم دعم خلال مناقشات امنية الأسبوع الماضي فكرة شن عملية عسكريّة واسعة. في المقابل، لا يزال ضباط آخرون في الجيش “الإسرائيلي”، يفضلون إجراء مفاوضات مطولة، حتى بضعة أشهر أخرى، وسحب القضية من التغطية الإعلامية.
نصرالله وعقدة الردع
وفي معرض شرحها للنقاش الدائر بين ضباط الجيش “الإسرائيلي”، أوضحت الصحيفة أنّ أولئك الذين يرون أنّ الحرب مع حزب الله حتمية، يفضلون الضربة الاستباقية. وهؤلاء لا يخشون اندلاع حرب غير ضرورية عن طريق الخطأ، لأنهم يميلون إلى افتراض أنّ وقوع حرب أكبر هي مسألة وقت وحسب. وفي هذه الحالة، فإنّهم يفضلون أنْ تأخذ “إسرائيل” زمام المبادرة وتهيئ ساحة المعركة، وتكون قادرة على الاستفادة من عامل المفاجأة.
ويقر قائد منطقة الشمال اللواء أوري جوردن، بقدرة الحزب على إطلاق حوالي 4 آلاف صاروخ يوميًا في الأيام الأولى من الحرب المحتملة على شمال “إسرائيل”، بما في ذلك حيفا وطبريا ومواقع رئيسية أخرى. وانطلاقًا من ذلك، يعتقد قادة الجيش “الإسرائيلي” بأنّه يمكن تقليص قدرات حزب الله الصاروخية بشكل كبير من خلال عمليةٍ استباقيّة تدمر شبكات اتصالاته وبعض أدق أسلحته بعيدة المدى، لافتين الى ضرورة التخلص من حقيقة أنّ السيِّد نصر الله هو الزعيم الأكثر ردعًا الذي تُواجِهه “إسرائيل” اليوم.