اتفق الجميع على «ِشراء الوقت» وعدم نعي الحراك الفرنسي الذي يدور في حلقة مفرغة. غادر البمعوث الرئاسي جان ايف لودريان الى «العطلة الصيفية» التي انقذت «ماء وجه» باريس ومنحت القوى السياسية اللبنانية اجازة حتى ايلول المقبل دون اي بارقة امل في عودة ميمونة في الخريف في ظل غياب المخارج الجدية للازمة القائمة، خصوصا ان عنوان الحوار هو تحديد مواصفات الرئيس «لا غير»؟ المعارضة مترددة وتتهيب رفض الحوار، لكنها لن تقبله الا اذا سبقه «تصفير» للطروحات الرئاسية، و «الثنائي الشيعي» لا يرغب بالتخلي عن ورقة ترشيح رئيس تيار المرة سليمان فرنجية لقناعة راسخة انه الاكثر استحقاقا لهذا المنصب، ولانه من «الغباء» تقديم تنازلات قبل الدخول الى قاعة الحوار المفترض. باريس تحاول الضغط على الجميع بعدما لوحت بانها ستخرج من المشهد اذا لم يحمل شهر ايلول نجاحاً للحوار، وليواجه المسؤولون عن التعطيل عقوبات لا تزال مبهمة في الشكل والمضمون. الانسحاب الفرنسي اذا ما حصل ليس موجها الى الداخل فقط وانما سيضع باقي دول الخماسية امام مسؤولياتهم ايضا بعدما حجبوا الدعم الجدي عن باريس، وهو ما عبر عنه مواربة السفير السعودي الوليد البخاري الذي اعاد التاكيد على الحياد السعودي في الملف الرئاسي، ما يعني ان الموقف السعودي لم يتقدم «قيد انملة»… واذا كانت الصيفية «مولعة» سياحيا، فالقلق الجدي من ان تكون «مولعة» سياسيا وامنيا في الخريف مع عودة البلاد الى همومها المعيشية الكارثية، ليس اقلها الاقساط المدرسية والجامعية. واذا كان الكتاب يقرأ من عنوانه، فان التخبط في ادارة مرحلة خلافة حاكم المصرف المركزي رياض سلامة لا تبشر بالخير، وهو يقدم دليلا ساطعا على خفة المسؤولين في التعامل مع الازمات ولا يبشر بوجود فرصة جدية للخروج من الدوامة التي تدور فيها البلاد. فجلسة الحكومة بالامس «ولدت ميتة» والدعوة الى جلسة الاثنين المقبل لدراسة الموازنة حصرا، بعد ان زايد رئيس الحكومة على الجميع بنظرية «اللهم اني قد بلغت».
تهديد فرنسي بالانسحاب؟!
في اليوم الثاني والاخير من جولة لودريان، لم يتغير الكثير، لكن باريس رفعت من سقف ضغوطها عبر تسريبات دبلوماسية لفتت من خلالها الى ان المشاورات التي ستحصل في ايلول حول مواصفات الرئيس ومهامه، هي الفرصة الأخيرة من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، واذا لم تنجح جلسة المباحثات فستسحب الدول الخمس يدها من الملف اللبناني ومن سيعرقل الانتخابات سيتم فرض عقوبات عليه. وفي سياق متصل، كشفت وزارة الخارجية الفرنسية، أنّ لودريان شدّد خلال زيارته الثانية الى بيروت، لجميع محاوريه على ضرورة الخروج من المأزق السياسي والمؤسسي الحالي الذي يفرضه تمديد فترة الشغور الرئاسي الذي يشكل مخاطر كبيرة على لبنان ودولته واستقراره. واشارت الخارجية الفرنسية، الى أنّ لودريان اقترح، في هذا السياق، على جميع الفاعلين المشاركين في عملية انتخاب رئيس الجمهورية دعوتهم، في أيلول، إلى اجتماع في لبنان يهدف إلى التوصل إلى توافق حول القضايا والمشاريع ذات الأولوية التي سيتعين على رئيس الجمهورية المقبل القيام بها، وبالتالي، الصفات اللازمة لمواجهتها. واوضح البيان أنّ الهدف من هذا الاجتماع هو خلق مناخ من الثقة، والسماح للبرلمان بالالتقاء بخطى حثيثة مع الظروف المؤاتية لإجراء اقتراع مفتوح للخروج بسرعة من هذه الأزمة.
لا حوار من «نقطة الصفر»!
كان لافتا بالامس ان لودريان انهى زيارته الثانية كما بدأها عند رئيس مجلس النواب نبيه بري، والتقاه في حضور السفيرة الفرنسية آن غريو، حيث جرى عرض تفاصيل جولته الاولية حول الحوار المفترض في ايلول. وبعد اللقاء جدّد بري التأكيد أنّ «كوة قد فتحت في الملف الرئاسي». ووفقا لمصادر مطلعة، يراهن بري على الجدية الفرنسية، وهو يامل في ان تكون اجازة المبعوث الرئاسي في شهر آب فرصة للجميع كي يعيدوا حساباتهم الرئاسية بعيدا عن المواقف المتشنجة، ولانه لا يراهن على شيء ملموس، يشيع اجواء ايجابية ويجدد التاكيد على ان «كوة قد فتحت في الملف الرئاسي» دون ان يكون بين يديه اي معطى ايجابي يمكن الركون اليه، لكنه مع فكرة ان «يصيف» الجميع بهدوء «ولما يجي ايلول حكي ثاني». وفي هذا السياق، رفض بري كما حزب الله منح لودريان اي وعد بالبدء من «الصفر» في الحوار المفترض، وما سمعه في عين التينة في زيارته الثانية بالامس سمعه ايضا في حارة حريك خلال اللقاء مع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد، لا تراجع عن دعم ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، ولا يمكن القبول باي شروط مسبقة للحوار، لان اي شرط سيكون في مقابله شرط، وهذا يعني نعيا للحوار قبل ان يبدأ. ولكن لا مانع من مناقشة مواصفات الرئيس المفترضة مع كل القوى السياسة الاخرى ومن عنده مواصفات افضل عليه ان يضعها على الطاولة للنقاش. ميقاتي هناك سعي الى تشريع من مجلس النواب 200 مليون دولار للرواتب.
ثوابت حزب الله
وقد التقى لودريان بالامس يرافقه وفد من السفارة، رئيسَ كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد ومسؤول العلاقات الدولية عمار الموسوي في مقر الكتلة في حارة حريك. ووفقا للمعلومات، فان رعد ابلغ لودريان ان حزب الله ثابت على قناعاته الرئاسية، لكنه لا يقفل الباب على اي نقاش حواري دون تنازلات مسبقة من اي طرف او شروط متبادلة. وكان نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم قد اكد ان تعقيدات انتخابات الرئيس ما زالت موجودة، ويبدو أنها ستأخذ وقتا إضافيا قبل أن تجد طريقا للحل، ولا يبدو أن الحل سريع لأن بعض الأطراف يتمسكون بقناعاتهم التي لا تنسجم مع مصلحة لبنان ولا مع تعجيل انتخاب الرئيس. وقال سنكون «إيجابيين ومنفتحين على نقاش أي أفكار مطروحة بروحية أن نصل إلى نتيجة، وبالتالي لا نقفل الباب على النقاش».
المعارضة «تتريث»
كذلك، التقى لودريان مارك ضو، ميشال الدويهي، ووضاح الصادق. وكذلك الأمين العام لحزب الطاشناق ورئيس كتلة نوّاب الأرمن النائب هاغوب بقرادونيان. وتمت خلال اللقاء مناقشة الأوضاع العامة ولا سيما الملف الرئاسي، حيث قدّم الموفد الفرنسي مبادرته الرئاسية. كما التقى النائب عماد الحوت باسم اللقاء النيابي المستقل. في هذا الوقت، اكدت مصادر نيابية معارضة ان النواب الذين التقوا بالامس يجرون تقييماً مشتركاً للمقاربة التي طرحها المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، وهم بصدد تحضير جواب مفصّل ومشترك تتمّ صياغته خلال الأيام المقبلة مع حرصهم على رفض الهيمنة والفرض ورغبتهم بانتخاب رئيس للجمهورية بعيداً عن منطق الفرض والإملاء في أسرع وقت ممكن لإطلاق مسار الإنقاذ الذي ينتظره اللبنانيون. ووفقا لمصادر مطلعة، فان المعارضة تتهيب الموقف ولا تريد رفض الدعوة الفرنسية على نحو متسرع قبل التشاور مع دول في الخماسية، وبعد ذلك «سيبنى على الشيء مقتضاه».
البخاري والحياد السعودي
في هذه الاثناء، اكد السفير السعودي وليد بخاري مجددا على التمسك بسياسة الحياد على الساحة اللبنانية، بما يؤكد بحسب مصادر مطلعة ان المملكة لا تزال عند مربع عدم تسهيل التوصل الى تسوية من خلال الاصرار على موقفها «السلبي». وقد اكد البخاري خلال تكريمه مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان امس في دارته في حضور 18 نائبا سنيا من اصل 27 لغياب 3 بداعي السفر واجتماع النائب وضاح الصادق مع الموفد الفرنسي وتغيّب 3 نواب مقربين من حزب الله اضافة الى النائب اسامة سعد، ان «موقف المملكة العربية السعودية ثابت في دعمها للبنان الدولة والمؤسسات ومساعدة اللبنانيين وحرصها عليهم، وهي تقوم بجهود دائمة ومتواصلة وكبيرة في اللجنة الخماسية وتقدم كل الأفكار والطروحات التي تساهم في إنقاذ لبنان، وليس لدى المملكة أي مبادرة لدعم هذا أو ذاك من الأسماء المطروحة لتولي رئاسة الجمهورية، ولا تتدخل في أسماء المرشحين وهي على مسافة واحدة من الجميع، وهذا خيار للسادة النواب وهي تطرح معايير ومواصفات فقط.
تخبط في ملف «المركزي»
في هذ الوقت، لا يزال الضياع قائما في مقاربة ملف حاكمية مصرف لبنان قبل ثلاثة ايام على انتهاء ولاية الحاكم رياض سلامة. وقد أقر رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي انه لم ينجح بعد في ثني نواب الحاكم عن الاستقالة خلافا لقول وزير المال يوسف خليل ان «الجو يميل حتى الآن الى عدم الاستقالة»، فيما اخفق مجلس الوزراء في التمام شمله لبحث الملفين المالي والنقدي وتعيين حاكم لتعذّر تأمين النصاب. 7 وزراء فقط حضروا الى السراي وغاب وزراء حزب الله والتيار الوطني الحر والمردة و الحزب الديمقراطي اللبناني. وقد عقد اجتماع تشاوري في مكتب الرئيس ميقاتي، على ان تعقد جلسة يوم الاثنين المقبل للموازنة فقط . وبعد الاجتماع مع الوزراء، اكد ميقاتي، أنّ المطلوب أن يبادر النواب إلى تحمّل مسؤوليتهم في انتخاب رئيس جديد للبلاد، في أسرع وقت، لكي ينتظم مجدداً عمل المؤسسات الدستورية واستكمال الخطوات الاصلاحية التي بدأتها حكومتنا. واعتبر أنّه «كانت أمامنا اليوم فرصة لمعالجة موقتة لملف مرتبط بالوضعين المالي والنقدي، وآسف أنّ الحسابات السياسية للأطراف المعنية داخل الحكومة لها الأولوية على ما عداها، فليتحمّل كلّ طرف المسؤولية عن قراره».
ميقاتي: لا قفزات للدولار!
وفي دردشة مع الصحافييين، طمأن رئيس الحكومة الى ان الوضع مقبول، وهو لا يخشى قفزات كبيرة للدولار لان الكتلة النقدية يمكن امتصاصها سريعا، وضبط الامور ممكن، واشار الى ان البحث قائم الان على تأمين تشريعات تؤمن اموالا لرواتب الموظفين. وقال، «لأن كل شيء في الحياة نسبي وحاكم المركزي رياض سلامة قال كلاماً واقعياً ومن حقّه الدفاع عن نفسه». واضاف، بالنسبة إلى الجلسة التشريعية، نعوّل على وعي الجميع لمساعدة النواب الأربعة للحاكم وإيجاد طريقة لتمويل موقّت أو سلفة موقّتة إلى حين ضبط الأمور. وشدد ميقاتي على اننا أمام فرصة لحثّ حقيقي للقوى السياسية على انتخاب رئيس ويجب أن يُعاد انتظام العمل المالي النقدي في لبنان بطريقة طبيعية… وبعد لقاء مسائي مع نواب الحاكم الاربعة صدر بيان عن ميقاتي أشار فيه الى»أن المرحلة الراهنة تتطلب تعاون الجميع للحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي النسبي وعدم تعريضه للاهتزاز، وان هناك مسؤولية وطنية ملقاة على عاتقنا جميعًا، في حال لم يصر الى تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي. وشدد على «ان المحاذير التي عبّر عنها نواب الحاكم في البيان الذي أصدروه قبل أيام مشروعة، وان الخطة الموضوعة من قبلهم تنسجم مع الخطة الحكومية، والحكومة ستتعاون مع المجلس النيابي لاقرار التشريعات الضرورية لحسن سير عمل المؤسسات في المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان، وفق الاصول المنصوص عنها في قانون النقد والتسليف». بدورهم شدد نواب الحاكم «على أنهم يقومون بواجباتهم الوطنية والوظيفية ضمن الاصول القانونية. وشددوا على «ان البيان أصدروه لحض الجميع على تأمين المتطلبات القانونية والتنفيذية للحفاظ على الحد الادنى من الاستقرار الذي لا يقتضي المس به اليوم»، مثمنين تجاوب القوى السياسية لتأمين المتطلبات حكوميا ونيابيا وقانونيا.
ارقام المطار «تخطت التوقعات»
وبعيدا عن الاخبار السلبية، كشف رئيس نقابة مكاتب السفر والسياحة، جان عبود، أنّ النتائج المسجّلة حتى الآن حول السياحة في لبنان «تخطّت كلّ التوقعات»، لافتاً إلى أنّ «موسم الصيف واعد جداً ونشيط والحركة السياحية مزدهرة على المستويات كافة». وأعلن أنّ مطار بيروت الدولي «يستقبل يومياً بحدود 125 طائرة مقابل 90 طائرة في الأيام العادية، في حين أنّ عدد الوافدين إلى لبنان في اليوم الواحد تخطى الـ 21 ألف شخص». وكشف أنّ «أكثر المؤشرات الإيجابية التي يحملها هذا المشهد هو تخطي نسبة السياح من مجمل القادمين إلى لبنان الـ 40 في المئة مقارنة بـ 30 في المئة في موسم صيف العام 2022»، معتبراً أنّ ذلك «مهم جداً على الصعيد الاقتصادي». وتوقع عبود أن «يتخطى عدد الوافدين إلى لبنان مليوني وافد، فيما سيتخطى عدد السياح العرب والأجانب في موسم الصيف 800 ألف سائح»، كما توقع أن «يتخطى إجمالي عدد السياح العرب والأجانب خلال العام 2023 المليون و700 ألف سائح»، لافتاً، في هذا الإطار، إلى أنّ «إحصاءات وزارة السياحة أظهرت دخول 400 ألف سائح إلى لبنان في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري». ورأى أنّ الارتفاع المطرد الذي يسجله عدد السياح الأوروبيين لافت للنظر «حيث تخطّت نسبتهم الـ 40 في المئة من مجمل السياح القادمين إلى لبنان، كما نشهد أيضاً ارتفاعاً في نسبة السياح الأردنيين والعراقيين والمصريين من 30 في المئة إلى 35 في المئة». لكنه أشار إلى أنّ إقبال السياح الخليجيين إلى لبنان خالف التوقعات، حيث بقي خجولاً على الرغم من التفاهمات السياسية الحاصلة في المنطقة.