عشيّة وصول موفد الرئيس الفرنسي وزير الخارجية السابق جان ايف لودريان الى بيروت، إشتعل مخيم نهر البارد وكأنّ هناك كلمة سر أُعطيت من خارج الحدود الى القوى المتشددة في المخيم لتوجيه رسائل في اتجاه الموفد الفرنسي من خلال الاشتباكات العنيفة في المخيم التي أراقت دماء عدد من الاشخاص وشَلّت الحركة في مدينة صيدا بشكل واسع، وكانت الاشتباكات في المخيم قد اندلعت في اليوم التالي لمغادرة لودريان لبنان في نهاية شهر تموز الماضي، وكأنه أُريد لها ان تُجهض المسعى الفرنسي.
اللواء البيسري
في هذا الوقت، أكد المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري لـ«الجمهورية»: «لن نقف مكتوفي الايدي جرّاء ما يحصل في المخيم، هذه ارض تخضع للسيادة اللبنانية وهذا السلاح يحظى بغطاء من السلطات اللبنانية، ما يحصل خطير جداً، واذا تمدّد سيتحول الى ازمة مُستنزفة والوضع في لبنان لا ينقصه أزمات».
وحول أبعاد هذا الصراع قال اللواء البيسري: «بالتأكيد هناك أيادٍ خفية، والعامل الإسرائيلي موجود بقوة، وبغضّ النظر عن الاستنتاج، لنوصّف الواقع الذي يقول إن السلاح الفلسطيني يستخدم في غير محله ويهدد الاستقرار الداخلي، والفلسطينيون يهجرون ويقتلون. وبطبيعة الحال، عندما يتحول هذا السلاح الى مشكل علينا طرحه للبحث، الغطاء على هذا السلاح كان لحمايتهم، أما ان يتحول الى وسيلة لقتل بعضهم البعض فالأمر يختلف وليتحملوا المسؤولية، ولدينا وسائل عدة لمكافحة هذا التفلت، والأولوية حالياً لوقف اطلاق النار ضمن خطة مدروسة يلتزم بها الطرفان. ثم ان موضوع تسليم المطلوبين هو من مسؤولية الدولة اللبنانية، وهي مَن تعطي مهلة وتتصرف في حال عدم التسليم، كما ان المجموعات الإسلامية لا يحق لها ان تستبيح أمن المخيم وأمن صيدا والجوار وتتحول الى مأوى لكل إرهابي أو داعشي مهما كانت جنسيته، ولا فتح يحق لها أن تحل مكان الدولة. في النهاية الدولة اللبنانية هي مرجعية الجميع».
وأضاف البيسري لـ«الجمهورية» انّ «الوضع في مخيم عين الحلوة لم يعد يُحتمل»، موضحاً انه «وبالتنسيق مع وزارة الداخلية والسلطة السياسية، دعا الفصائل الفلسطينية الى اجتماع بعد ظهر اليوم في مكتبه حتى يضعها أمام مسؤولياتها ويبلغها رسالة واضحة وهي أنه من غير المقبول ان يستمر الإقتتال في المخيم والذي تصيب شظاياه الجوار أيضاً».
ولفت «الى انّ القذائف وصلت إلى سرايا صيدا وبعض الأحياء، وهناك مواطنون لبنانيون سقطوا ضحايا الى جانب الخسائر داخل المخيم. وبالتالي، إن المسؤولية الوطنية دفعتني الى المبادرة لجمع القوى الفلسطينية من أجل الضغط عليها لوقف هذا النزف».
ونبّه اللواء البيسري الى ان ما يجري في عين الحلوة وضعَ الدولة على المحك، فإمّا ان تثبت انها دولة فعلياً وإمّا ان تسقط في هذا الإمتحان.
ولفت الى ان التناحر في المخيم يشكل أكبر خدمة للعدو الإسرائيلي الذي ينوب عنه المتقاتلون في إضعاف القضية الفلسطينية.
وحذّر اللواء البيسري من مخاطر أن يتحول مخيم عين الحلوة الى ملجأ او ملاذ للمطلوبين الفارين من العدالة، مشدداً على وجوب إنهاء هذه الظاهرة.
وفي سياق الإشتباكات في المخيم، أفيد عن «سقوط 3 جرحى للجيش اللبناني إصابة أحدهم خطرة إثر سقوط قذيفة قرب حاجز للجيش اللبناني في تعمير عين الحلوة، ليرتفع العدد الى 5 جرحى بعد سقوط قذيفة على موقع عسكري في منطقة جبل الحليب، شرق المخيم».
لودريان
في هذا الوقت، من المقرر أن يصل إلى بيروت اليوم، الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان لعقد لقاءات في إطار دعوات وجّهت للقائه في السفارة الفرنسية غداً الثلاثاء، وذلك بعد حصوله على الإجابات الخطية من الكتل والنواب الذين وصلتهم الرسالة الفرنسية بسؤالين: عن الرئاسة والرئيس. وتزامناً مع وصول الموفد الفرنسي أُفيد بأن موفدين من قطر والسعودية سيصلون الى بيروت هذا الأسبوع.
ثلاث نقاط أساسية
ورأى مرجع سياسي أن المشهد الرئسي اليوم يتمحور حول ثلاث نقاط أساسية:
النقطة الأولى: الجميع ينتظر ماذا في جعبة لودريان وهل يحمل شيئاً جديداً؟ ام انه يأتي بالقديم الذي تحدث عنه لجهة العنوانين اللذين كان قد طرحهما، وهما المواصفات والمهمات؟ وبالتالي اذا كان يحمل المواصفات والمهمات ستنتهي زيارته كما بدأت.
اما اذا كان هناك مبادرة ما، وحتى الساعة لا يبدو أن هناك مؤشرات الى وجود مبادرة على هذا المستوى، من دون إغفال تَوقّع شيء جديد ما على رغم أن لا أحد من المراقبين السياسيين ينظر الى هذه الزيارة وكأنها ستكون محطة مفصلية، لا بل بالعكس هناك انطباع انّ المسعى الفرنسي وصل الى سقف مسدود.
النقطة الثانية: بدأت الأنظار تتركز من الآن فصاعداً على المسعى القطري الذي يجري بعيداً من الاضواء، بالتواصل مع القوى الاقليمية والمحلية، وقد وصف بأنه تحرّك فاعل بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية واللجنة الخماسية، خاصة ان قطر ليست على تناقض مع ايران، خلافاً لما ظهر في مواقف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ورَد وزير الخارجية الايراني عبد اللهيان. وبالتالي، تستطيع قطر ان تنسق مع طهران، وهي تأمل في ان تنتزع من ايران موقفا في هذه المرحلة قد يشكل اختراقاً للافق الرئاسي المعطل، بحسب تقديرها. وتقول مصادر مطلعة: «إننا أمام مرحلة من الضغط الديبلوماسي الكبير الذي من غير المعروف اذا كان سينتج عنه اي شيء، أم انّ الأمور ستبقى في مكانها».
النقطة الثالثة: على المستوى المحلي، يمكن القول ان الوضع يُراوح مكانه. لا يوجد اي تطور يذكر، لا على مستوى العلاقة بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» حيث لا اختراق حتى الساعة، ولا على مستوى المعارضة المتمسّكة بمواقفها، وبالتالي لا يوجد اي فريق سياسي على استعداد للذهاب الى اي مبادرة او طرح اي اسماء، وبالتالي يراوح الوضع السياسي في جموده المعتاد. وبات واضحاً ان الجميع يراهن على الجهود الخارجية وهو في انتظار ما يمكن ان يفعله الخارج.
وتطرح المصادر الاسئلة التالية:
1 – هل يحمل لودريان مبادرة جديدة؟
2 – ما هي طبيعة تحرك الموفد القطري؟ وهل يحمل لائحة اسماء او اسماً واحداً؟
3 – هل تنجح قطر حيث فشلت فرنسا وعلى أي أساس؟
موقف المعارضة
علمت «الجمهورية» أن موقف المعارضة يتلخّص بموقف «القوات اللبنانية» التي أبلغت من خلال الدوائر الفرنسية قبل وصول لودريان، انها متمسّكة بموقفها لجهة رفض الحوار. وبالتالي، اذا كان لدى لودريان النية الى حوار، فهي ليست في وارد التلبية. «القوات» مع اللقاءات الثنائية كما تحصل وهي منفتحة على لقاء ثنائي معه، من اجل وضعه في صورة موقفها المعروف على هذا المستوى، اما بالنسبة الى المواصفات والمهمات فإنّ «القوات» مع الموقف المتمثّل بتبنّي ما ورد في اللجنة الخماسية في هذا الشأن.
آلان عون
وفي هذا السياق، كشف عضو تكتل «لبنان القوي» النائب آلان عون أن «القبول بفرنجية لم يعد مستحيلاً و«حزب الله» سيتنازل في المقابل عن أمور كان يرفضها سابقًا لأننا دخلنا في منطق السلّة معه، وليست مُقايضة، ووزارة المال ليست ملكاً للثنائي الشيعي، علماً أن مطالب «التيار» لا تقلّل من صلاحياتها».
وقال عون إن نتائج الحوار مع «حزب الله» تظهر خلال أسبوعين بالإتفاق أو عدمه، والحديث عن أننا نمرّر الوقت الى حين انتهاء ولاية قائد الجيش محاكمة مرفوضة للنوايا، والمعركة محصورة بمرشحين هما سليمان فرنجية وجوزف عون، وكلاهما عاجز عن الوصول، لذا علينا الإتفاق.
وأضاف عون: «لدينا استعداد مبدئي للمشاركة بطرح بري، لكننا بحاجة الى إيضاحات إضافية منه، وهذا الموقف لم يتغيّر، والجلسات المفتوحة غير مجدية في ظل قدرة الجميع على تعطيل النصاب، والحل بالإتفاق على سلّة وحوار على الضمانات بين كل الكتل».
قاسم: طريقان للرئاسة
في المقابل، رأى نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أن «للرئاسة اللبنانية طريقين لا ثالث لهما من أجل أن ينجز الاستحقاق الرئاسي، الأول هو الحوار والتفاهم تمهيداً لجلسات نيابية تؤدي إلى انتخاب الرئيس، وهذا ما طرحه مؤخراً دولة الرئيس نبيه بري من أجل أن يكون الحوار معبراً للإنتخابات، وهذا أمر جيد في ظل انسداد الافق وفي جَو حَضَر فيه النواب 13 مرة إلى المجلس ولم يفلحوا بانتخاب الرئيس، ولعل الحوار يكون باباً من الأبواب المؤثرة بإنجاز الاستحقاق. والطريق الثاني خشية أن يطول الفراغ والنقاش حول الحوار وأن تكون بعض الحوارات طويلة في أن يكون هناك تقاطع حول شخص الرئيس الذي يتمتع بمواصفات، يعني اننا نذهب بالتقاطع على شخص الرئيس من دون شروط أو شروط مضادة وحوارات طويلة، خاصة انّ الشروط التي نريدها هي ثلاثة أساسية موجودة ومتوفّرة في شخص سليمان فرنجية، فهو يمتلك أولاً الانفتاح على الجميع وعدم تكريس الاصطفافات للمرحلة المقبلة. وثانياً، له رؤية سياسية واضحة باستقلال لبنان وتحريره ومقاومته للعدو الاسرائيلي وعدم الاستسلام لمطامع العدو. وثالثا، الاستعداد لإنجاز خطة اقتصادية إنقاذية في إطار المجلس والانفتاح على الشرق والغرب وجميع الافرقاء».
أضاف: «الوقت ثمين والسرعة مطلوبة والخيارات ليست مفتوحة، وطول الوقت لن يأتي بالمعجزات».
منصّة بلومبرغ والمودعون
في الشأن المالي الذي لا يقلّ أهمية عن المستجدات المحلية، علمت «الجمهورية» ان لا موعداً محدداً للبدء في عمل منصة «بلومبرغ» التي جرى اقرارها الاسبوع الماضي، بانتظار جهوزية البنك المركزي والمصارف والشركات المالية المعنية.
واوضحت مصادر مصرف لبنان لـ«الجمهورية» انّ عملاً دؤوباً يجري للتسريع في اطلاق عملها، لكن ضمن الحفاظ على اهدافها انطلاقاً من الشفافية وضبط السيولة المالية ومنع تفلّت سعر الصرف.
واكدت المصادر ذاتها انّ حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري يضع الاستقرار النقدي اولوية في عمل المنصة المذكورة، «وسيتدخّل بالأساليب التقليدية لمنع ضرب ذلك الاستقرار القائم». ورأت انّ منصوري يستكمل مساره الاصلاحي ومساعيه لإنهاء سوق «الكاش»، ومنع تعريض لبنان لمخاطر مالية دولية مُحتملة.
وقالت ان زيارات الحاكم بالإنابة الى السعودية الاسبوع الماضي حملت مؤشرات ايجابية عبر لقاءات عدة اجراها منصوري مع شخصيات مصرفية رسمية وخاصة، ستُستكمل في اجتماع يعقده صندوق النقد العربي في الجزائر نهاية الاسبوع الجاري، ويُلقي خلاله الحاكم بالإنابة كلمتين.
وعلمت «الجمهورية» ان منصوري يلتقي جمعيات المودعين اليوم الذين يطالبون بالحصول على ايداعاتهم واصدار تعاميم جديدة تلحظ ذلك، لكن المركزي الذي يلتزم بمضمون الموازنات المالية، سيشرح للجمعيات اهمية الخطوات الاصلاحية المطلوبة، خصوصاً انّ موازنة عام ٢٠٢٣ ستحرر سعر «دولار السحب» الذي تحدّد سابقاً بسعر ١٥ ألف ليرة، مما يحتّم إقرار قوانين اصلاحية تحفظ حقوق المودعين وتضبط القطاع المصرفي.
النازحون الجدد والموازنة في السرايا اليوم
واليوم، تعود بعض الملفات الى الضوء ومنها ما يتصل باستكمال البحث بمشروع قانون موازنة العام 2023 على طاولة الحكومة في جلستها الثانية المقرر عقدها عند الثالثة والنصف من بعد ظهر اليوم في السرايا، بعد ان يكون رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي قد ترأس الجلسة الأولى عند الساعة الحادية عشرة قبل الظهر وهي مخصصة للبحث في ملف النازحين السوريين الجدد، الذين اجتاحوا الأراضي اللبنانية في قوافل منتظمة يبررها البحث عن عمل وتوقيف الآلاف منهم في الفترة الاخيرة ورَدّهم الى الاراضي السورية، قبل ان يعودوا عبر طرق أخرى تحميها شبكات منظمة توفّر لها المعابر الآمنة من الجهتين اللبنانية والسورية.
عجز حكومي عن المواجهة
وعشيّة الجلستين، قالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إن أفكاراً عدة ستطرح على الجلسة الاولى، ومن بينها تلك التي استشيرت بشأنها قيادة الجيش والقوى الامنية والعسكرية الاخرى في إطار خطة للمواجهة على رغم مجموعة المصاعب والعقبات التي تحول دون وضع حد لها.
ولفتت هذه المصادر الى جملة مخاوف، منها تلك التي تتحدث عن عمليات إتجار بالبشر بوجود شبكات تحترف هذه العمليات برعاية عسكرية وامنية من الجانب السوري وبوجود من يستقبلهم ويُرشدهم في الداخل اللبناني، وان القرار السياسي غير كاف لضبطها ما لم تقم السلطات السورية بذلك. وانتهت هذه المصادر لتؤكد انّ الحكومة عاجزة عن المواجهة، وأن ما يمكن اتخاذه من خطط لن تجد طريقها الى الفاعلية المرجوّة في ظل الفشل الذي مُنيت به خطط وزير المهجرين عصام شرف الدين وادعاءاته بتفاهمات نَسَجها مع مسؤولين سوريين لإعادة الآلاف من النازحين الى بلادهم. ففي الوقت الذي ادعى فيه بأنه سيُعيد 180 ألف نازح الى الداخل السوري بالتفاهم مع وزير الداخلية السوري، بدأ مسلسل تدفّقهم باتجاه لبنان بطريقة منتظمة الى الداخل اللبناني، قبل ان يدّعي وجود خطط لإعادة 15 ألفاً شهرياً.
وفي معلومات لـ«الجمهورية» فإن الوزير هيكتور حجار تراجع عن المشاركة في جلسة الغد.