اصاب الارتباك الهجوم الغربي ونجحت موسكو بتحويله خاصرة رخوة، بحيث اضطرت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التابعة للأمم المتحدة إلى تكذيب رئيسة حكومة بريطانيا ووزير خارجيتها، بعد تأكيداتهما للبرلمان البريطاني بأنّ المنظمة حدّدت مصدر المادة الكيميائية المستعملة بتسميم سيرغي سكريبال، فقالت المنظمة إنها حدّدت فقط نوع السمّ لكنها لم تحدّد منشأه ومصدره، بعدما قال المختبر البريطاني المتخصّص بالسموم الكيميائية أنه لم يستطع إقامة رابط بين هذا التسميم وروسيا، وبعدما رفضت بريطانيا التحقيق الروسي البريطاني المشترك، واضعة نفسها في موقع الشبهة بالوقوف وراء العملية لاستخدامها في حملة مفبركة ضدّ روسيا انتقاماً لموقفها الذي ساهم دبلوماسياً وعملياً في تحقيق الانتصار السوري في غوطة دمشق، وأحبط محاولات الغرب في قطع الطريق عليه، بصورة أسقطت الآمال الغربية بالرهان على تقسيم سورية أو بغزو عاصمتها أو التسلل إليها، فمضت موسكو بالانتقال للهجوم المعاكس عبر الدعوة لجلسة خاصة لمجلس الأمن اليوم لمناقشة القضية يتوقع أن تتنهي بطلب تشكيل لجنة تحقيق دولية بمبادرة روسية، كما قالت مصادر دبلوماسية واسعة الإطلاع لـ «البناء».
في أنقرة خرجت القمة التي ضمّت رؤساء روسيا فلاديمير بوتين وتركيا رجب أردوغان وإيران حسن روحاني، بالتأكيد على أولوية وحدة وسيادة سورية، في ظلّ ارتباك تركي واضح عبّرت عنه كلمة أردوغان الذي شارك بالبيان الختامي من جهة، وخرج يتحدّث عن نية التقدّم نحو منبج من جهة أخرى، وشارك في الكلام عن مسار أستانة ووقف شامل لإطلاق النار وصل حدّ قول الرئيس بوتين إنّ الحرب تشارف على النهاية في سورية، بينما لم يلتزم أردوغان بوقف النار، لكن بدا واضحاً من كلمتي بوتين وروحاني أنّ ما نوقش في القمة مختلف عن تصريحات أردوغان الهادفة لمخاطبة وضع داخلي، بعدما وجد أردوغان نفسه محاصراً بالإصرار الروسي الإيراني على اعتبار تسلّم الجيش السوري للسيادة على كلّ الجغرافيا السورية يشكل وحده الضمان لإسقاط خطر الإرهاب من جهة، وإنهاء خطر التقسيم وظهور كيانات عرقية من جهة ثانية، وتبديد المخاوف التركية من جهة ثالثة، حتى خرج الرئيس الإيراني في المؤتمر الصحافي يدعو تركيا علناً لتسليم مدينة عفرين للدولة السورية.
في سورية التي فرضت بانتصار الغوطة إيقاعاً جديداً للأحداث والحسابات الدولية تجاهها، تتواصل عمليات التفاوض حول خروج المسلحين من مدينة دوما في الغوطة، بينما يتمّ تنفيذ بعض البنود المتفق عليها ببطء من خروج للمسلحين وإفراج عن الأسرى، بينما الغرب يتلعثم في إيجاد خطاب منسّق ومتماسك في مواجهة المتغيّرات، فالرئيس الأميركي الذي تعهّد بانسحاب سريع من سورية عاد وأكد قراره مانحاً المزيد من الوقت لحلفائه للاستعداد للمرحلة الجديدة، بينما شعرت بريطانيا وفرنسا بخسارة أيّ دور في مستقبل سورية، فشنّتا هجوماً دبلوماسياً على قمة أنقرة، بالعودة للتذكير بكون مؤتمر جنيف هو الإطار الوحيد للحلّ السياسي وليس أستانة، وأنّ الأمم المتحدة هي المرجعية الوحيدة وليست القمة الثلاثية.