كتب جورج عبيد في “الديار”: قرع مدير عام الأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم جرس الإنذار منبئاً بالخطر المحدق بلبنان من جرّاء استفحال الأعمال الإرهابيّة في المحيط السوريّ وتدفّق اللاجئين إلى لبنان لتحوي مخيماتهم بدورها بيئة حاضنة للإرهاب تتربّص شرّاً بلبنان. ليس تصريح اللواء إبراهيم معصوماً عن تجاربه وعن اختباراته لملفّات عديدة، وليس منفصمًا عن الوقائع المحيطة بلبنان وفيه والتي تحرّض اللبنانيين إلى مزيد من التلاقي والعمل على تجديد البلد ونظامه بقانون انتخاب عصريّ وأنموذجيّ يعيد إنتاج مدى ديموقراطيّ متوثّب يكون فيه الشعب وبحقّ مصدراً للسلطات، ويدرأ عنه استدراجه إلى مزيد من الحروب الهابطة عليه من المحيط.
أوساط سياسيّة تنبّهت إلى كلام اللواء إبراهيم، ووقفت بدورها عند قراءات دوليّة صدرت عن مراجع عديدة أهمّها ما تمّ تبيانه من المراجع الروسيّة على لسان شخصيّة سياسية لبنانيّة زارت موسكو في الآونة الأخيرة، فأعربت عن خشيتها من عدم وصول اللبنانيين إلى فهم مشترك يعبّر عن تطلعاتهم وازنة تقود لبنان إلى مراحله الجديدة حتى لا يظلّ علبة بريد تستهلكها وكالات الاستخبارات فتضع مضامينها المتفجرة بظروف مموّهة فتنفجر تباعاً وتفجّر معها لبنان.
تلك الأوساط عينها انتقدت طرائق المعالجات الجارية سواء على مستوى إقرار الموازنة أو على مستوى إقرار سلسلة الرتب والرواتب، لتعنتها بأنّها تحوي منهجاً تراكميّاً يحجب عن العهد إمكانية الانطلاق بقانون جديد للوصول إلى مجلس نيابيّ جديد وحكومة جديدة. وتظهر تلك الأوساط معلومة واضحة تقول بأنّ ثمّة أقطاباً سياسيّة اتفقت فيما بينها على استمرار تطويق العهد ومنعه من التقدّم وإحراز المزيد من الإنجازات الراقية، من بناء الدولة القادرة وصولاً إلى إحياء مؤسساتها ومكافحة الفساد فيها بدءاً من إقرار قانون الانتخابات النيابيّة. وتظهر تلك الأوساط بأن هؤلاء الأقطاب اتفقوا فيما بينهم على استهلاك قضيّة الموازنة ومسألة سلسلة الرتب والرواتب استهلاكاً نافراً وملتبساً في مقابل تمييع القضيّة الجوهريّة والتي تهمّ العهد وهي مسألة قانون الانتخابات. وتعتبر تلك الأوساط بأنّ التمييع لن يبدو مباشرة بحال تمّ الإقرار فقط ولكن بالنتائج الممكن صدورها بناء على تأثر القطاعات الاقتصاديّة والاجتماعيّة بهذا الإقرار، والتأثّر سيقود حتمًا إلى انفجار اجتماعيّ سيتضخّم حجمه وتزيد مساحته وتتوسّع رقعته في لحظة الصدور وتداعياتها. وتعتبر تلك الأوساط بأنّ الزيادات على الرواتب إذا لم تكن مقرونة بنظام اقتصادي متوازن يخفّف من حجم هيمنة الرأسمالية المتوحّشة وطموح التجار الجشع وطمع كثيرين، فإنّها صائرة إلى زوال وكأنها لم تكن. فالزيادات بحجمها المتداول به مع تنامي حجم الضرائب لن يكون لصالح الناس والعمال والموظفين بل سيكون لصالح رجال الأعمال والمصارف والتجار، الذين سيمتصون الزيادات لزيادة أرباحهم وهيمنتهم على السوق مع هيمنتهم على البلد، مع استفادة الطبقة السياسيّة من عوامل هذه الهيمنة.
ستقود عوامل الهيمنة إلى المزيد من التدحرج الاجتماعيّ ليشهد لبنان المزيد من التوتّر الاجتماعيّ والسياسيّ فيؤول كل ذلك إلى مجموعة انفجارات اجتماعية وتظاهرات متكررة تحجب عن السلطة السياسيّة إمكانية إقرار قانون للانتخابات على صورة العهد، وهذا كاف للاعتقاد بأن ثمّة من يشاء تطويق فكرة وجود العهد وانبثاقه بجوهره، واستهلاك الأرض اللبنانيّة بتلك العناوين المتراكمة والشديدة الانفجار بتداعياتها بوجه الحسم الميدانيّ في سوريّا وصولاً لى الحسم السياسيّ بناءً على الحسم الميدانيّ.
الخطورة وكما تعتقد الأوساط عينها بأنّ لبنان عاد مركزاً للاختبار قوى تلعب وتتنافس من جديد على أرضه، أو يراد له أن يعود. فمسألة مخيّم عين الحلوة جزء من هذا الاختبار المركزّي، وتمركز الإرهابيين فوق جرود عرسال وعدم حسم الواقع معهم سيقود بدوره إلى تلاش يتمسكن في جوف هذا الاختبار، ويتحرّك فيه كما يحرّكه، ووجود أكثر من مليونيّ نازح سوريّ سيكون بعضًا من هذا الاستهلاك، فكيف يتكوّن حالات اجتماعية نافرة أساسها مسالة المعيشة والحياة الكريمة للناس.
إنّ هذه المسائل كلّها قد حذّر منها مسؤولون روس من دون التدخل في التفاصيل، هم لا يظهرون اهتمامهم بشكل القانون على سبيل المثال بل يهمهم أن يصدر قانون حام للبنان واستقراره. يهمهم نجاح العهد في خطواته الداخليّة لكونهم يعقدون آمالاً هامّة لدور كبير يؤديه الرئيس ميشال عون في تأمين ديناميّة عربيّة تنطلق من لبنان وتشمل سوريا ومصر والأردن من ضمن منظومة الحرب على الإرهاب، هذه الديناميّة حاجة استراتيجيّة وضروريّة في مرحلة بناء نظام شرق أوسط جديد وفقاً لمصطلحات جديدة واضحة. ويأمل الروس وبجديّة أن يقرّ القانون قبل زيارة الرئيس عون إلى موسكو القريبة، والتي يحضّر لها بإتقان شديد النائب أمل أبو زيد مع القيادات الروسيّة والتي تربطه علاقات طيبة وراسخة. وبرأي هذه الأوساط إنّ المرحلة اللبنانيّة بمحتوياتها يفترض أن تكون حاسمة بالضرورة، وفي المقابل إنّ المرحلة في سوريا قد دنت من الحسم الكليّ على قاعدة الإنهاء الجذوريّ للإرهاب وهذا قرار نهائيّ مأخوذ من الرئيس فلاديمير بوتين.
مصدر سياسيّ مواكب وبناء على ما يحدث اعتبر بأنّ النقاش السياسيّ بدأ بعكس السير. فثمّة اتفاق انطلق به معظم الأفرقاء السياسيين بإقرار قانون الانتخابات قبل النقاش في الموازنة، وهذا الاتفاق تمّ في الأساس بين رئيس الجمهوريّة ورئيس المجلس النيابيّ ورئيس الحكومة. كما أنّ التيار الوطنيّ الحرّ اتفق مع تيار المستقبل بضرورة إقرار قانون الانتخابات قبل الموازنة. وبحسب هذا المصدر وبناء على معلوماته، لقد تمّ الضغط اقتصاديّاً وماليّاً بتوافق ما بين عدد من السياسيين والهيئات الاقتصاديّة لفتح هذا النقاش وتعميمه فيكون للحكومة والمجلس النيابيّ حجّة بأخذه إلى نقاش مستفيض لوقت طويل لريثما تنتهي المهلة القانونيّة الطبيعيّة لإقرار قانون جديد للانتخابات. ومتى انتهت المدّة وهنا القطبة المخفيّة بحسب هذا المصدر، فيكون لبنان أمام أمر واقع لا مفرّ منه وهو اعتماد قانون 1960 من جديد وإجراء الانتخابات عليها وهذا ما يرفضه رئيس الجمهوريّة وعدد كبير من القوى.
برأي هذا المصدر إن قانون الستين لم يمت كليّاً ولم يدفن بعد، بل هو في وضع متأرجح بين الغيبوبة واليقظة. لقد دفن عند رئيس الجمهوريّة والتيار الوطنيّ الحر والقوات اللبنانية وحزب الله وحركة أمل، لكنّه لم يدفن بعد في ذهن تيار المستقبل والحزب التقدميّ الاشتراكيّ. هذه القوى تضغط بكل قواها من خلال المسألة المالية والاقتصاديّة لتكون رافعة لإيقاظ هذا القانون في مواجهة واضحة وصريحة لم تعد أبعادها محليّة بالمطلق بقدر ما هي إقليميّة وعربية. وفي المعلومات إن السعوديين لا يزالون يضغطون خفية باتجاه تأمين تلك الرافعة بوجه روسيا وإيران، وهم يخشون من تكثيف الهيمنة الإيرانية والروسية بصورة مباشرة، وليس صحيحاً وبحسب هذا المصدر بأن السعوديين والإيرانيين اتفقوا على تحييد لبنان من جديد من خلال إقرار قانون للانتخابات بل لبنان في قلب المواجهة الجديدة. وبالنسبة لروسيا فإنّ تحرير لبنان من عمق هذه المواجهة يكون بهذا الإقرار لقانون يؤمّن الاستقرار على المستويات كافّة.