اضاف: «وعلى رغم ذلك، ما زلنا نأمل ونصلّي لعلّهم يهتدون بالأنوار الإلهيّة فيتمكّنون من الاتّفاق على القانون المناسب. وإلّا فحذارِ التمديد للمجلس النيابي لأنّه اغتصاب للسلطة التشريعيّة ولإرادة الشعب ومخالفة فادحة للدستور، وحذارِ الفراغ لأنّه يهدم المؤسّسات الدستوريّة. وفي كلّ حال، يبقى الدستور عمودَ الحقّ الذي تَجب العودة الدائمة إليه والاحتكام بمضمونه. فهو الضّامن وحده لسلامة المؤسّسات وحياة الجمهوريّة».
الواقع الانتخابي
أمّا على ارض الواقع الانتخابي، فلم تبقَ صيغة إلّا وجُرِّبت ورُفضت، صارت هناك أكوام منها، وربما تزيد وتتراكم وتتكدّس فوق بعضها البعض اكثر فأكثر، طالما انّ الماكينات «شغّالة» بتوليد صيغة تلو الاخرى. وأمّا النتيجة التي حُصدت حتى الآن فهي الفشل و»اللاتوافق»، وهو ما كرّسه ويكرّسه النقاش الانتخابي الفاشل بين القوى السياسية. وآخر المحطات كان الاجتماع الخماسي الاخير في وزارة الخارجية.
على انّ الأكثر وضوحاً في المشهد الانتخابي، أنه صار أشبَه ما يكون بلعبة «حافة الهاوية»، من دون النظر الى عامل الوقت الذي يشهر سيفه على السياسيين، ويهدّد بما هو أخطر إذا ما انقضى من دون ان يكون في اليد ما يدرأ هذا الخطر. مع الإشارة الى انّ هذا الملف سيتناوله الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطاب يلقيه في الاحتفال الذي يقيمه الحزب غداً بمناسبة «يوم الجريح».
وبحسب عاملين على الخط الانتخابي فإنّ العنوان الذي يصلح لهذه المرحلة، هو فشلُ التوافق السياسي على قانون، وهو أمر يثير غيوماً رمادية مائلة الى السواد على مصير هذا الملف، خصوصاً أننا دخلنا مرحلة المواعيد الضاغطة:
– موعد 15 أيار؛ جلسة مجلس النواب المحددة للبحث في اقتراح التمديد للمجلس النيابي صارت على مسافة ايام، مع أنها صارت مهددة بفقدان النصاب بعد انضمام الرئيس سعد الحريري الى محور معارضي التمديد للمجلس، وتحيطها التباسات وإشكالات وتحضيرات لخطوات سياسية وتحرّكات في الشارع.
– موعد 31 أيار، نهاية العقد العادي للمجلس، حيث تُشلّ بعده حركة المجلس ويفقد صلاحيته في التشريع، إلّا إذا تمّ فتحُ دورة انعقاد استثنائية للمجلس، علماً أنّ فتحها مشروط رئاسياً بأن تُحصَر بإقرار قانون جديد. والشرط الاساس والأول قبلها هو أن يتمّ التوافق على قانون. وهذا يبدو متعذّراً ومتعسِّراً حتى الآن، وليس في الأفق ما يؤشّر الى تبدّل في هذه الصورة.
– موعد 20 حزيران، نهاية ولاية المجلس، حيث يخضَع ما بعدها منذ الآن لتجاذب سياسي يأخذ شكل الجدل البيزنطي، بين قائل بفراغ قاتل على مستوى الدولة كلها، وبين قائل بفراغ موقّت تحكمه آليّات دستورية تلزم إجراءَ الانتخابات النيابية خلال ثلاثة أشهر من موعد انتهاء الولاية. وحتى الآن لا يوجد قاسم مشترك بين المنطقَين.
مصادر وزارية
وقبل ذلك، تبقى العين على جلسة مجلس الوزراء التي ستُعقَد الخميس المقبل، ويشكّل الموضوع الانتخابي البندَ الأساسي فيها. وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» إنّ الاجواء التي تحيط بهذه الجلسة لا تَشي بإمكان تمكّنِ الحكومة من تحقيق خرق نوعي، إذ ليس امامها ايّ صيغة محدّدة لدراستها او تبنّيها. كما انّه ليست هناك صيغة انتخابية حكومية لطرحها على مجلس الوزراء، خصوصاً أنّ الفوارق شاسعة بين مكوّناتها في النظرة الى القانون الانتخابي شكلاً ومضموناً.
وتبعاً لذلك، اكّدت المصادر «انّ احتمال التصويت في مجلس الوزراء على صيغة بعينها غير متوافر». وقالت إنّها لا تملك ايّ معلومات حول وجود توجّه لدى رئيس الجمهورية ميشال عون أو رئيس الحكومة سعد الحريري لطرح الموضوع الانتخابي على التصويت في هذا الجوّ الانقسامي، لأنّ دونه عقبات ومحاذير سياسية».
وتحدّثت المصادر الوزارية عن إشارات بهذا المعنى بلغَت مراجع سياسية وقوى أخرى في الايام القليلة الماضية.
أجواء بعبدا
وعلى رغم هذا الجو القاتم، إلّا أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ما زال متفائلاً بإمكانية الوصول الى قانون جديد. وهذا ما أكّدته أجواء بعبدا لـ«الجمهورية».
وبحسب هذه الأجواء، فإنّ الرئيس كان يواكب المشاورات حول الملف الانتخابي بشكل مباشر وحثيث، وكان يُوضَع في كلّ مرّة في أجواء تفيد بأنّ هناك توافقاً ممكناً على صيَغ معيّنة، لكنّ المفاجأة أنّه سرعان ما يزول هذا التوافق وتحصل تبدّلات في المواقف، ومسار الموافقة هذا ثمّ العودة عنها مستمرّ منذ أكثر من شهرين.
وتؤكّد أجواء بعبدا أنّ الرئيس عون يقول دائماً إنّ «15 أيار» موعد انعقاد جلسة مجلس النواب، ليس موعداً نهائياً بل هناك 3 مواعيد تشكّل نوعاً من الخطوط الحمر. الاوّل هو موعد 15 أيار، والثاني هو 31 أيار موعد نهاية العقد العادي للمجلس النيابي مع استعداد الرئيس لفتح دورة استثنائية محصورة بالبحث في القانون الانتخابي وتستمر حتى 20 حزيران. والثالث هو 20 حزيران موعد نهاية ولاية مجلس النواب. وكلّ منها يَدفعنا إلى بذلِ مزيد من الجهود لكي لا نتجاوز موعد 20 حزيران بلا قانون.
وتشير هذه الأجواء الى أنّ «الرئيس الحريري عندما طرح رغبته بعقد جلسة لمجلس الوزراء كان الرئيس عون مصرّاً على ان يكون قانون الانتخاب البندَ الاوّل فيها؛ أوّلاً نظراً إلى اولويته، وثانياً لكي تبقى الحكومة منسجمة مع نفسها خصوصاً انّها في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء أعلنَت إبقاءَ جلساتها مفتوحة للتوصّل الى إقرار قانون انتخابي جديد».
وعكسَت أجواء بعبدا رفضَ رئيس الجمهورية القاطع لقانون الستين، مشيرةً الى انّ احتمالات العودة الى هذا القانون قبل 20 حزيران هي صفر، نتيجة الموقف الرئاسي، إذ إنّ الرئيس عون لن يوقّع إطلاقاً ايَّ مرسوم لإجراء الانتخابات على اساس القانون النافذ طالما إنّ المجلس قادر على تغيير هذا القانون. أمّا بعد 20 حزيران فتصبح الأمور مفتوحة على احتمالات اخرى، بينها تطبيق الدستور بالمادتين 25 و74 وبينها الفراغ الكبير. عندئذٍ يرى اللبنانيون ما هو الأفضل لهم.
وبحسب هذه الاجواء فإنّ رئيس الجمهورية يرى انّ من الواجب الوصول الى قانون، وهو كان على استعداد أن يبادر شخصياً الى طروحات معيّنة إلّا انّه كان ينتظر ما ستؤول اليه المشاورات التي تجري وتحيطها أجواء عن تضييق الفوارق بين القوى السياسية، أمّا الآن فهو جاهز للمبادرة وللاتصالات في أيّ لحظة.
وعندما يطرح سؤال في أجواء بعبدا عمّا إذا كان رئيس الجمهورية بصَدد إطلاق مبادرة فيما لو ظلّ باب الحلول والمخارج الانتخابية مقفلاً، يأتي الجواب: طبعاً، وأكيد سيبادر.
وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل لـ«الجمهورية» على هامش جولة استطلاعية للمعابد الاثرية في حردين: «لا تمديد، يعني قانوناً جديداً».
أجواء عين التينة
أجواء عين التينة تعكس تمسّك رئيس مجلس النواب نبيه بري بالطرح الأخير الذي قدّمه، وقال أمام زوّاره: «أنا قدّمته كمخرج هو الأفضل لِما نحن فيه، هو في يدِهم، وأنا متمسّك به كما هو، ولن أغيّر فيه حرفاً».
واستغرَب بري «تعمُّدَ البعض تحريفَ الوقائع والأمور وتجويفَ الحقائق، وكلّ الصيغ التي نقدّمها». وأشار الى أنّ «أداء هذا البعض دلّ على أنّ همَّه فقط هو وضعُ العصيّ في الدواليب»، متسائلا :»إلى اين يريدون ان يوصِلوا البلد، مع هذا الخطاب الطائفي والتحريضي الذي يمارسونه في شحنِ الأجواء؟ أخشى انّ هذا البعض يريد ان يوصلَ البلد إلى مشكل كبير».
ورغم هذا الجوّ أشار بري الى انّ هناك مشاورات ولقاءات تجري حول الموضوع الانتخابي، وقد تتكثّف من الآن حتى جلسة مجلس الوزراء يوم الخميس، علماً أنّ هذا الامر هو مهمّة الحكومة، ومهمّة الذي لا يأخذ دورَه في هذا المجال، غامزاً هنا من قناة رئيس الحكومة.
وإذ لفتَ بري الانتباه الى أنه سبقَ ووافقَ على المشروع التأهيلي، «إنّما ليس «التأهيلي» الذي يطرحونه اليوم، أنا قلت بعتبة تأهيل 10%، وموقفي يلتقي هنا مع موقف «حزب الله» الذي قال بأنّ يتأهل ثلاثة أو أربعة اشخاص، فيما أخذوا هذا الأمر، وكما سبقَ وقلت، «أخذوه مقانق وأخرجوه خنزيراً» إذ جوّفوه ليحصروا التأهيلَ باثنين فقط.»
وقال بري: «غير صحيح أنّ هناك من يُعدّ صيَغاً ومشاريع انتخابية لإيجاد أفضلِ تمثيلٍ للمسيحيين، مع انّ وظيفة هؤلاء كانت فقط أخذَ المشاريعِ التي تقدَّم والقيام بنسفِها وتجويفها، علماً أنّ هؤلاء لا يريدون قانوناً يؤمّن عدالة التمثيل للمسيحيين، بل يريدون قانوناً انتخابياً لتمثيل مسيحيين هم يختارونهم».
ونَقل زوّار بري عنه قوله: «النائب وليد جنبلاط قال: «أنا لا أريد مجلس الشيوخ»، وإلّا كان أخَذه أيام السوريين. ثمّ يريد البعض أن يأخذ كلّ شيء، بلا وليد جنبلاط. الأمور لا تمشي، يجب البحث معه والتداول معه. يحاولون إرضاءَه بأن يعطوه نائب رئيس مجلس النواب.
وإنّ القولَ بوجود ثلاث رئاسات مسلِمة مقابل رئاسة مسيحية، هو قول غير صحيح، فماذا عن المجلس الاقتصادي الاجتماعي، وماذا عن المجلس الدستوري، وماذا عن مواقع أخرى؟ فلماذا لا تعطون جنبلاط المجلسَ الدستوري، وخُذوا مجلس الشيوخ؟
وأكّد بري، ردّاً على سؤال، أن لا تصويت في مجلس الوزراء الخميس، وشدّد مجدّداً على أنّ هذا «التصويت ما بيمشي» لأنه لا يحلّ المشكلة بل يؤزّمها أكثر.
وما لفتَ الانتباه حيال التصويت في مجلس الوزراء هو تلويح قناة الـ» او تي في» باللجوء إلى هذا التصويت طبقاً للمادة 65 من الدستور، إذا استغلّ البعض هذا الأمر لتعطيل إقرار قانون جديد، وفرضِ التمديد أو الستين، مشيرةً الى انّ رئيس الجمهورية لن ينتظر الخامس عشر من أيار ليقول الكلمة الفصل إذا ما بدا أنّ أبواب إقرار قانون انتخاب جديد لم تُفتح.
مخرج للأزمة
إلى ذلك، طرَحت مصادر سياسية مراقبة مخرجاً للأزمة الراهنة، حيث أشارت أولاً الى انه يجب الإقرار بأنّ هناك مأزقاً، والسؤال هو كيف يمكن تجاوزُه، والسيناريو الوحيد الممكن للخروج من المأزق هو بتكرار سيناريو الانتخابات الرئاسية، بمعنى أن تكون هناك غالبية مؤيّدة لصيغةِ قانونٍ ما، وأقلّية معترضة من دون ان تصل الى حقّ النقض أو إحداث مشكل في البلد.
وبحسب المصادر فإنّ كلّ هذه العملية متوقّفة على موقف «حزب الله» الذي يستطيع ان يأخذ بموقفه الأمورَ في اتّجاه تكرار سيناريو 31 تشرين الرئاسي، أو الاستمرار في المأزق الراهن كما هو حالياً. بحيث أنّه ضمن لعبة ديموقراطية يقف مع «صيغة ما» مع عون في مقابل أقلّية ضده (لعبة ديموقراطية) والنزول الى المجلس والتصويت على القانون والقبول بالنتائج.
وأوضَحت المصادر أنّ البطريرك الراعي، عندما تكلّم عن الفراغ أو الستين تناوَله من باب التحذير وليس للتشجيع، وهذا ما يحذّر منه رئيس الجمهورية بأنّه لا يجب ان نصل الى هنا، أي الفراغ، إذ لا أحد يضمن ماذا ستكون عليه ردّة فعل الناس؛ الحراك المدني، الشارع الذي تمّ التخوّف منه، مع الإشارة الى أنه ظهر 12 نيسان الماضي، أُرسِلت الرسائل الى قصر بعبدا بشكل عاجل وطارئ وخطير تحضّ الرئيس عون على اتّخاذ خطوة تتدارَك ذهابَ البلد إلى انفجار كبير، خصوصاً بعدما تَعبَّأ الشارع، هذا المشهد يمكن أن يتكرّر لأنّ الناس لن يقبلوا بالعودة إلى الستين، لذلك لا بدّ من حلّ قبل 20 حزيران.
عمّال بلا عمل
من جهة ثانية، يطلّ عيد العمّال هذا العام، خالياً من أجواء البهجة والتفاؤل بسبب تراكمِ الأزمات الاجتماعية التي تضغَط على العامل في كلّ المجالات، من سلسلة الرتب والرواتب التي تحوّلت الى حلمِ ليلة صيف، وقد مضَت سنوات طويلة من دون أن تقَرّ، إلى ضيق سوقِ العمل بسبب الأزمة الاقتصادية الضاغطة، وتراجُع قدرةِ المؤسسات على التوظيف الجديد، إلى المنافسة غيرِ المشروعة التي يتعرّض لها العامل اللبناني من قبَل النازح السوري في كلّ القطاعات تقريباً.
بالإضافة الى الملفات الطارئة، كما هي حال ملف الضمان الاجتماعي، أو ملف المتعاقدين والمياومين ومقدّمي الخدمات… كلّ هذه العوامل رَفعت نسَب البطالة الى أرقام قياسية غير مسبوقة، وأصبح قسم كبير من اللبنانيين عمّالاً بلا عمل، وتحوّلت ذكرى الأوّل من أيار إلى ذكرى مشوبة بالخوف على المصير والقلق من الغد.