قال علماء متخصصون من حدائق كيو في لندن إن متذوقي وشاربي القهوة قد يعانون من ارتفاع اسعار مشروبهم المفضل وتدني نوعيته جراء ارتفاع درجات الحرارة في كوكبنا الذي سيتسبب في تقلص المساحات المناسبة لزراعة البن.
جاء في تقرير نشر مؤخرا أن انتاج القهوة في اثيوبيا، وهي الموطن الأصلي لانتاج البن العربي عالي الجودة وأكبر الدول الأفريقية المصدرة له، يواجه خطرا جديا في القرن المقبل ما لم تتخذ اجراءات جدية لتدارك المشكلة.
قال الدكتور آرون ديفيز، الباحث في حدائق كيو وأحد واضعي التقرير، إن “في أثيوبيا تحديدا وفي كل بقاع العالم عموما اذا لم نفعل شيئا ستكون هناك كميات أقل من القهوة التي قد لن تكون على الأرجح ذات مذاق جيد وستكون أكثر تكلفة ايضا.”
أشارت التوقعات الى تجاوز حجم استهلاك القهوة حجم الانتاج للسنة الثالثة على التوالي، حسب ما جاء في احصائيات نشرتها منظمة القهوة العالمية. ولكن لحد الآن لم ترتفع اسعار القهوة بشكل كبير نظرا للخزين الكبير الذي تم تجميعه أثناء سنوات الانتاج الوفير.
ولكن منظمة القهوة العالمية قالت أيضا إنه بسبب اضطرار المصدرين على استغلال هذا الخزين، انخفضت كميات القهوة التي يحتفظون بها. مع ذلك، واذا وضعنا جانبا المخاوف من تغير المناخ على الأمد البعيد، خفت الى حد الكبير القلق الذي كان سائدا حول الظروف المناخية في البرازيل وفيتنام، وهما أكبر منتجين للقهوة في العالم. ولكن ثمة مخاوف من تقلبات مناخية قد تحصل في الأشهر القليلة المقبلة قد تؤدي الى شح في القهوة على المدى القصير.
ولكن مصدر القلق الأكبر بالنسبة لمنتجي القهوة وشاربيها يكمن في الاحتمالات التي قد تقع على المدى البعيد.
كما قال الدكتور تيم شيلينغ، مدير معهد بحوث القهوة الدولي، وهو منظمة دولية لصناعة القهوة إن “توفير بن ذي جودة عالية مهدد بالتغير المناخي، والأمراض، والحشرات، وضغط الأراضي، ونقص العمالة – والطلب على هذه القهوة يتزايد كل عام“.
وأضاف، “النتيجة المنطقية لهذا هي أن الأسعار يجب أن ترتفع”.
إثيوبيا: موطن القهوة
قد تتقلص المساحات التي تزرع فيها القهوة في أثيوبيا بنسبة قد تبلغ 60 في المئة اذا ارتفعت درجات الحرارة بمعدل 4 درجات مئوية بحلول نهاية القرن الحالي، حسبما توقعت الدراسة التي نشرها باحثو حدائق كيو ومساعدوهم في أثيوبيا.
اعتمد توقع ارتفاع درجات الحرارة بواقع 4 درجات مئوية على فرضية أن تبقى انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري على حالها من الآن الى سنة 2100. واستقي هذا التوقع من التنبؤات التي توصلت اليها اللجنة الدولية للتغير المناخي.
ولكن باحث حدائق كيو قال أيضا إن المساحات المنتجة للقهوة في أثيوبيا قد تتقلص بنسة 55 في المئة حتى لو افترضنا أن درجات الحرارة لن ترتفع الى ذلك المستوى.
قال جاستين موت من حدائق كيو، وهو أيضا من مؤلفي البحث، إن “التقاعس عن فعل شيء سيكون كارثيا بالنسبة لقطاع انتاج القهوة في أثيوبيا على المدى البعيد.”
لكن باحثي حدائق كيو حريصون على التأكيد على انه لو اتخذت الاجراءات اللازمة، قد يكون في الإمكان تجنب هذه المشاكل، ويضيفون انه لو تم الانتقال الى مناطق اخرى لانتاج القهوة بالتوازي مع بذل جهود للمحافظة على الغابات واعادة الحياة اليها، قد يكون ممكنا زيادة المساحات الملائمة لزراعة البن في أثيوبيا.
“وهناك امكانية مواجهة بعض السلبيات وزيادة مساحة زراعة البن بنسبة أربعة أضعاف ونصف مقارنة مع مجرد الإبقاء على الوضع الراهن “، كما قال الدكتور ديفيز.
توفر القهوة سبل العيش لما يقارب 15 مليون إثيوبي، يمثلون 16 في المئة من عدد السكان.
يواجه المزارعون في الجزء الشرقي من البلاد الذي يؤثر ارتفاع درجات الحرارة فيه سلبا على الانتاج صعوبات جمة في السنوات الأخيرة وقال العديد منهم إنهم خسروا محاصيلهم نتيجة الجفاف.
لاحظ المزارع جمال قاسم خلال السنوات العشرة الأخيرة تغيرا كبيرا في محصوله من البن.
وقال “في السنوات الأولى حملت الأشجار كثيرا من الثمار، لكنها الآن أصبحت عقيمة. لا يمكنني توفير لقمة العيش لأسرتي”
البرازيل: أكبر بلد منتج للبن في العالم
قد لا تكون إثيوبيا وحدها في مواجهة مشكلات محتملة فيما يتعلق بإنتاج البن فيها. إذ يحدد بحث نشرته اللجنة الحكومية الدولية للتغير المناخي، وهي لجنة خبراء تدعمها الأمم المتحدة، مخاوف مماثلة في البرازيل.
خلال السنوات الثلاث الماضية جرى سقوط مستوى من الأمطار أقل من المعدل، وتعاني المحاصيل لهذا السبب.
ارتفاع 3 درجات في حرارة الجو وزيادة 15 في المئة في هطول الأمطار عن المستويات السابقة للصناعة في ولايتين كبيرتين منتجتين للبن، هما ميناس جيرياس، وساوباولو، قد يؤدي إلى تقليص المناطق المحتملة للإنتاج من 70-75 في المئة من مناطق الولايتين إلى 20-25 في المئة.
في السنوات القليلة الأخيرة، شهدت البرازيل أسوأ موجة جفاف تمر بها منذ بدء تسجيل هذه الظواهر قبل قرن تقريبا. وتأثرت مناطق انتاج البن بهذا الجفاف بشكل كبير. وفي وقت سابق من العام الحالي، ناقشت الحكومة البرازيلية للمرة الأولى امكانية استيراد البن من الخارج، ولكنها اضطرت الى التخلي عن الفكرة بعد ان عارضها منتجو البن.
تأثر انتاج حبوب البن العربي عالي الجودة سلبا بشكل كبير في السنة التي بدأت في تموز / يوليو 2014 وحتى حزيران / يونيو 2015. كما أدى ارتفاع درجات الحرارة والجفاف في ولاية اسبيريتو سانتو في السنتين التاليتين الى انخفاض انتاج حبوب روباستا الأكثر تحملا من حبوب البن العربي.
ما زالت خزانات المياه التي يعتمد عليها المزارعون لري محاصيلهم خاوية وجافة الى الآن، وقد منع مسؤولون حكوميون أو قيدوا استخدام المياه لري المحاصيل في عدد من المدن في فترة الجفاف الشديد. في غضون ذلك، يتم انشاء خزانات جديدة لحفظ المياه اثناء مواسم الامطار بشكل أكثر كفاءة.
قال ايناسيو بريوشي، وهو مزارع بن من ولاية اسبيريتو سانتو، إنه “في السنوات الأربع الماضية كانت الامطار اقل من المعدل بشكل كبير. إن المحاصيل تعاني من الجفاف.”
خسر بريوشي نصف غلته في عام 2016، وتوقع أن تكون الغلة هذا العام اقل بمعدل 60 في المئة من الطبيعي.
لا يمكن أن ننسب جفاف واحد إلى تغير المناخ، بحسب ما يؤكد دكتور بيتر بيكر، من مبادرة القهوة والمناخ، وهي هيئة تمولها جزئيا صناعة القهوة. لكن أحداث الطقس الشديدة تمثل تحديا كبيرا لصناعة القهوة.
قال دكتور بيكر “لا يرجع الأمر فقط إلى الارتفاع المتواصل في درجات الحرارة، لكن أحداث المناخ الكبرى التي قد تستمر شهورا هي أكثر إضرارا“.
دراسات نماذج المناخ تدعم فكرة أن زيادة درجات الحرارة الشديدة ترجع إلى تغير المناخ كما قال ريتشارد بيتس مدير بحوث تأثير المناخ في بريطانيا في مكتب أرصاد مركز هادلي.
وقال إن الجفاف وارتفاع درجات الحرارة عموما تعني أن الظواهر المناخية سيكون لها تأثير أشد.
وأضاف بيتس “مع ارتفاع درجات الحرارة في الكرة الأرضية، من الإنصاف أن نقول إنه عند حدوث جفاف فإن تأثيره أكثر شدة بسبب عامل الاحتباس الحراري الذي يؤدي إلى مزيد من التبخر وجفاف الأرض أكثر”.
هل يمكن أن تحافظ التكنولوجيا على مستقبل القهوة؟
بينما تؤثر الظواهر الجوية بشدة على مزارعي البن في أثيوبيا والبرازيل، وبينما يتوقع العلماء أن تنكمش المساحات التي يمكن ان تنتج بنا عالي الجودة، تشهد دول أخرى منتجة للبن غللا قياسية. يعتقد الدكتور بيكر أن السبب يكمن في زوال الغابات.
وقال “بعيدا عن البرازيل، حيث يمكن أن يفسر التقدم التكنولوجي زيادة الإنتاج، فإن معظم البلدان تقريبا حيث تتوسع مناطق إنتاج البن سريعا، فإن إزالة الغابات هي السبب الرئيسي وراء توسع الأراضي االمناسبة لانتاج البن“.
على المدى الطويل قد تتمكن التكنولوجيا من أداء دور أكثر أهمية في ضمان مستقبل القهوة.
في عام 2014، نشرت السلسلة الجينية للبن العربي للعلن، مما يسّر عملية اختيار النباتات التي بمقدورها تحمل الظروف الجوية الحارة.
إضافة إلى ذلك، يعكف معهد بحوث القهوة الدولي على تنفيذ برنامج لاستيلاد النباتات يهدف لـ”تخليق” البن العربي بصفات “إنبات أفضل” لزيادة تنوعها بجعلها مقاومة أكثر لتغير المناخ.
ولكن هذا لن يحصل بين ليلة وضحاها، والى ان يؤتي المشروع أكله قد يضطر محبو القهوة الى التعامل مع ارتفاع اسعار مشروبهم المفضل وتدني نوعيته.
المصدر: بي بي سي
كتب المادة وأنتجها ناسوس ستيليانو وجون وولتن.