القى الرئيس ميشال عون الكلمة الاتية في عيد الجيش:
“أيها الضباط المتخرجون،
ختمتم اليوم بنجاح مرحلة من حياتكم الدراسية لتبدأ حياتكم العملية، وقد شئتموها أن تكون في قلب المؤسسات العسكرية، وبذلك اخترتم أن تكونوا حماة سيادة الوطن واستقلاله، والعين الساهرة على أمنه وحرية شعبه وطمأنينته.
يكفيكم فخراً يا ضباط دورة المقدم الشهيد صبحي العاقوري، أنكم وسط التجاذبات السياسية، وخلافات الرأي، تشكلون صخرة الأمان لوطنكم وشعبكم ، وقلوب اللبنانيين من كل الأطراف، والأحزاب، والفئات تظلّلكم. فليس هناك إجماع لبناني أوسع وأكثر صلابة من الإجماع حول المؤسسات العسكرية والأمنية. ولكم وللبنانيين أجمعين في مثال المقدم الشهيد الذي سميتم دورتكم على اسمه، خير دليل على تضحياتكم الجسام، وذودكم عن الوطن الذي إئتمنتم على أمانه وسلامه حتى الشهادة.
إنّ الجندية، كما تعرفون من عقيدتكم العسكرية، ليست وظيفة إنما هي رسالة؛ فعندما يستبسل الجندي على الجبهة ويواجه الخطر بصدره، فهو لا يفعل ذلك طمعاً براتب أو برتبة، بل إيماناً منه برسالته وبدوره، وإدراكاً منه أن مسؤولية حماية أرضه وأهله تقع على عاتقه، حتى ولو كلّفه ذلك حياته.
ولكن، إذا كان الاستشهاد حاضراً في وعينا دائماً فهو ليس غايتنا، فنحن لا نقاتل لنستشهد، إنما لنحيا بكرامة وبأمان نحن وأولادنا وكل شعبنا. وإذا سقط منا شهداء في ساحات الشرف، فوعدنا
لهم يكون دائماً أن نكمل المسيرة، دون أن ننسى من هم على عاتقهم، آباء وأمهات وزوجات وأولاداً، فنؤمّن لهم العيش بكرامة في وطن حر آمن يطمئنون فيه الى يومهم وغدهم.
أيها الضباط المتخرّجون،
في العام 1958، وقفت وقفتكم هذه، تسلّمت سيف البطولة وأقسمت يمين القيامِ بالواجب حفاظاً على علم بلادي وذوداً عن وطني لبنان.
هذا القسم لم يكن مجرد كلمات ردَّدتها عند التخرج وانتهى مفعولها بانتهاء الاحتفال، هذا القسم أصبح منذ ذاك اليوم جزءاً من ضميري ووجداني ورسم مسيرة حياتي. والوفاء به كلّفني الكثير الكثير من التعب والتضحيات، ولكنه منحني أغلى ما في الحياة، منحني راحة الضمير الحر.
واليوم أنتم تقسمون اليمين إياه، فإن وفيتم به ستتعبون حتماً، ولكنكم تنامون مرتاحي الضمير، وإن تجاهلتموه قد ترتاحون جسداً ولكن حتماً ستتعبون ضميراً. وكلّي ثقـــة بأنكم ستختارون نقاء الضمير وراحته.
أيها الضباط المتخرّجون،
أيها العسكريون،
ليست المرة الأولى الـتي أخاطبكم فيها، بل لطالما كنتم أسرتي ورفاقي حين كنت في مواقع القيادة والقرار. ولكن للمرة الأولى أتوجَّه إليكم قائداً أعلى للقوات المسلحة. وتشاء الظروف أن يتزامن تخرّجكم اليوم مع تحدّيات كبيرة ملقاة على عاتق المؤسسات العسكرية والأمنية لمواجهة أخطار الإرهاب والاعتداءات على لبنان. وقد نجحتم في تفكيك الكثير من الشبكات والخلايا الإرهابية، وتحقيق ضربات استباقية للإرهابيين، واعتقال العشرات منهم. وآخر نصر للبنان، كان تحرير منطقة غالية من الحدود الشرقية من براثن التنظيمات الظلامية، وتثبيت الطمأنينة والأمان فيها. فيما نتطلّع الآن إلى قواتنا المسلحة المتأهّبة لتحقيق نصر جديد، وتحرير ما تبقّى من أراضٍ استباحها الإرهاب
لسنوات، وكلّنا أمل بأن تسهم هذه التطورات في تسريع الكشف عن مصير رفاقكم المخطوفين منذ ثلاث سنوات ولا يزال مصيرهم مجهولاً، وفي تبريد قلوب أهلهم ومؤسستهم واللبنانيين أجمعين.
وأؤكد أمامكم أنه لا تراجع أمام الإرهاب بجميع وجوهه وتنظيماته. والجيش على جهوزية دائمة لمواجهته، وكذلك مؤسساتنا الأمنية. وقد كان لبنان سباقاً في حربه على الإرهاب، فالجيش واجه الارهابيين في محطات متتالية ونجح في تعزيز الاستقرار السياسي والأمني في البلاد، وتثبيت السلام على حدودنا الجنوبية، بفضل التفاف الشعب حوله، وتمسك لبنان بتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة. وعلينا أن نستثمر هذا الاستقرار، كمسؤولين سياسيين، في تحقيق نهضة اقتصادية يتوق إليها اللبنانيون.
أيها الضباط المتخرجون،
أيها العسكريون ،
إن الاخطار التي تتهدّد الوطن كثيرة، على الحدود وفي الداخل، وقد علّمتنا تجربة السبعينيات أن الوطن لا يبقى موحداً إذا شُلّ جيشه، فشلّ الجيش هو شلّ للوطن، شلّ للأمن والاستقرار، شلّ للكرامة الوطنية…. فلا تسمحوا لحملات التشكيك بالنيل من معنوياتكم، وكونوا على قدر المسؤولية، ومناقبيتكم العسكرية كفيلة بحمايتكم من الخطأ.
أنتم درع الوطن، والتحدّيات التي تواجه وطننا ومجتمعنا تفرض أكثر من أي وقت مضى أن تكونوا يداً واحدة، أنتم وكل إخوة السلاح في سائر القوى الامنية، وأن تعملوا معا للهدف نفسه: حماية لبنان، حماية حدوده، أمن داخله، وسيادة القانون فيه.
المهمات الصعبة قدركم جميعاً، والآمال المعقودة عليكم كبيرة، وثقة اللبنانيين بكم لا حدود لها، فتذكروا دوماً انكم أصحاب قسمٍ، وحملة رسالة شرف وتضحية ووفاء، والأمانة التي تتسلمونها اليوم هي أمانة شعب ووطن، فحافظوا عليها.
عشتم، عاش الجيش، عاش لبنان”.