إذا كان الهدف من إنعقاد الحوار الاقتصادي في قصر بعبدا التشاور والتشارك في المسؤوليات فهو أصابه، وإذا كان الهدف منه أيضاً «تشريح» الوضع الاقتصادي والمالي الدقيق في البلاد، من خلال الموضوع المطروح للبحث وهو قانون سلسلة الرتب والرواتب وقانون موارده المالية، واستمزاج الآراء في شأنهما، فهو اصابه أيضاً، خاصة وأن «اللقاء الحواري» أوجد مساحة لتلاقي وجهات النظر، وعرض الملاحظات بشكل مباشر، والحوار بين طرفي التناقض في البلاد، أي بين أصحاب الحقوق والخائفين على مصالحهم والاقتصاد، إلا انه كان يفترض أن يتم كل هذا الجهد قبل إقرار السلسلة وقانون تمويلها في مجلس النواب، لكان وفر على البلاد احتمال تداعيات خطيرة بدأت تطل برأسها من خلال التحرّك الذي بدأ في الشارع سواء عبر هيئة التنسيق النقابية التي لوحت بتعطيل بدايات العام الدراسي وهددت بتحركات تصعيدية إذا لم يوقع الرئيس على السلسلة أو عبر المتقاعدين العسكريين الذين أقفل اعتصامهم مصرف لبنان والعمل في مرفأ بيروت، ولكان أيضاً قد وفر على الرئيس ميشال عون كل هذا العناء أمام خياري التوقيع على القانون أو رده.
وفي تقدير مصادر مطلعة انه إذا كانت الغاية من طاولة الحوار التي استعارت طاولة مجلس الوزراء لمدة ثلاث ساعات فقط، ليس الخروج بقرارات أو خلاصات وتوصيات، بل فقط قواسم مشتركة كان الرئيس عون يتطلع إليها لمساعدته على أخذ خياره، فإن الحوار حقق هدفه لهذه الناحية، وهو ما لاحظه جميع الحاضرين وادركوه منذ اللحظة الأولى للاجتماع، حيث لم يطلعهم الرئيس على ماهية خياره، باعتبار انه يريد منهم مساعدته، فكان ان تركوا الملف في عهدته، ومن هنا دار الحديث عن اتجاه لحسم الخيار خلال الأيام العشرة المقبلة، وهي الأيام المتبقية من المهلة الدستورية، علماً ان مصادر بعبدا تؤكد ان هذه المهلة كافية لأن يتبلور الاتجاه، فيما رجح كثيرون بعد اللقاء، وفي مقدمهم وزير المال علي حسن خليل ان يوقع رئيس الجمهورية القانونين، على ان تتم معالجة الثغرات التي برزت فيهما وفقاً للأصول الدستورية، حسب ما جاء في البيان الصادر عن اللقاء الحواري.
ولاحظت المصادر المطلعة ان أي توجه يناقض السير بالسلسلة لم يبرز، لكن الاعتراضات ارتفعت على الضرائب وعلى عملية التمويل، مؤكدة ان ما من فصل بين المشروعين اللذين أصبحا قانونين، كما انه ليس هناك من أفق لتعديلها إلا من خلال جهد نيابي وليس حكومياً، على اعتبار ان الحكومة ملتزمة بالسلسلة، وهو ما أكده الرئيس الحريري الذي شدّد على ضرورة ان يُقابل الصرف توفير مصادر التمويل وليس من خلال الدين.
وأكدت معلومات خاصة بـ «اللواء» ان الاجتماع الذي انعقد بين رئيس لجنة المال النيابية إبراهيم كنعان والوزير خليل في وزارة المال، جاء لدراسة اقتراح إدخال تعديل على قانون السلسلة يدرج على جدول أعمال الجلسة التشريعية التي سيعقدها المجلس غداً، مشيرة إلى ان هناك عملاً حثيثاً لإنجاز هذه التعديلات لطرحها على الجلسة التشريعية، وقد ناهز عدد اقتراحات القوانين الخمسة.
وستركز الاقتراحات على معالجة الثغرات الضريبية وضريبة الكحول والازدواج الضريبي، كما ستحل الاشكال المتعلق بصندوق تعاضد القضاة ومسألة التعويضات للعسكريين.
ولفتت مصادر مشاركة وقريبة من عين التينة إلى انه وبعد المطالعة المفصلة والدقيقة والايضاحات التي قدمها الوزير خليل لا تعتقد انه من السهل على أي كان تحمُّل وزر تطيير السلسلة نظراً لأهمية المكامن التي حددتها لجهة الإيرادات التي طالت وللمرة الأولى قطاعات مصرفية، وشركات مالية ظلت لعقود لأسباب معلومة غير مجهولة معفية من أي ضريبة واقعية على ارباحها».
وأعربت المصادر عن اعتقادها ان «رئيس الجمهورية إذا ما اختار التوقيع وهذا ما بات مؤكدا، فإنه سيقرن توقيعه بطلب إصلاح الثغرات عبر اقتراحات قوانين من المجلس النيابي أو مشاريع قوانين تأتي من الحكومة، يتم اقرارها بُعيد توقيع قانوني السلسلة والضرائب ونشرهما».
في كل الأحوال، فإن حوار بعبدا نجح في تحقيق اغراضه، وكان، بحسب مصادر رئاسية، قمّة في الهدوء والموضوعية، حيث شرح كل طرف وجهة نظره بواقعية، الأمر الذي ساعد الرئيس عون في تكوين تُصوّر للخطوة التي سيتخذها، بموافقة كل الحاضرين على اجراء تعديلات على السلسلة يفترض ان تأخذ طريقها عبر مجلس النواب.
ورجحت المصادر ان يوقع الرئيس على القانونين بالتزامن مع معالجة الثغرات في القانونين، مشيرة إلى ان هذه التعديلات من شأنها ان تعجل في إقرار موازنة العام 2018، الذي تعهد الرئيس الحريري طرحها على مجلس النواب ضمن المهلة الدستورية في تشرين الأوّل المقبل.
وقال رئيس الهيئات الاقتصادية الوزير الاسبق عدنان القصار لـ «اللواء»: ان اجواء الاجتماع كانت ايجابية جدا والشكر للرئيسين عون والحريري على اتاحة الفرصة لكل الاطراف للادلاء بموقفهم. واعطونا المجال والوقت الكافيين لعرض وجهات نظرنا.والهيئات الاقتصادية ابدت موقفها وهواجسها وتركت الامر والقرار للرئيسين وننتظر منهما اتخاذ القرار الذي يراعي مصلحة الوطن والاقتصاد.
وعما اذا لمس توجها لاقرار السلسلة ومعالجة ثغراتها لاحقا؟ قال: نحن تركنا التقدير والقرار لفخامة الرئيس ولنا الثقة بحرصه على مصلحة البلاد».
مجلس الوزراء
وكان سبق اللقاء الحواري، اجتماع بين الرئيسين عون والحريري، وتفاهما على عقد جلسة لمجلس الوزراء الخميس في بعبدا.
ورجحت معلومات لـ «اللواء» ان لا يتطرق جدول الأعمال إلى تعيينات، خلافا لمعلومات سابقة بأن يطرح موضوع تعيين محافظ للجبل من دون تعيين محافظ البقاع نظرا للاشكالية الحاصلة في موضوع تعيينه.
ومن المقرّر ان يزور الرئيس الحريري في 31 آب و1 أيلول، باريس للاجتماع مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وكبار المسؤولين للبحث في سلسلة ملفات سياسية وأمنية وعسكرية واقتصادية. وسيركز على سبل تقديم الدعم الاقتصادي ومساعدة لبنان عبر احياء اجتماعات مجموعة الدعم الدولي للبنان، وتأمين ما يلزم في ملف النازحين السوريين ووضع خطة لاعادتهم، وهذه الملفات بمجملها سيحملها الحريري في زيارته إلى موسكو في 11 أيلول حيث يبحث مع كبار المسؤولين وفي مقدمهم الرئيس فلاديمير بوتين، على مدى ثلاثة أيام قضايا لبنان والمنطقة وتطورات الأزمة السورية.
ترحيل سرايا «اهل الشام»
في غضون ذلك، وبعد تأجيل استمر ثلاثة أيام انتهت أمس، صفقة ترحيل مسلحي سرايا أهل الشام وعائلاتهم من شرق عرسال في اتجاه فليطة السورية ومنها إلى الرحيبة في القلمون الشرقي. وأعلنت المديرية العامة للأمن العام في بيان ان «أربع وثلاثين حافلة تقل المئات من مسلحي «سرايا أهل الشام» وعوائلهم انطلقت باتجاه الأراضي السورية بمواكبة دوريات من الأمن العام بالتنسيق مع الصليب الأحمر اللبناني وذلك حتى الحدود اللبنانية السورية، على ان تتولى السلطة المعنية في سوريا تأمين وصولهم إلى منطقة «الرحيبة» داخل الأراضي السورية»، وأكّد البيان على «انجاز عملية إخراج المسلحين بعد مفاوضات قامت بها المديرية مع المعنيين».
ولوحظ ان اعداد الذين تمّ ترحيلهم لم تكن كما كانت متوقعة، إذ اقتصرت على 253 مسلحاً مع 293 مدنياً من عوائلهم، فيما رغب حوالى 1500 من النازحين العودة إلى عرسال وقد سمح لهم بذلك، بشرط ان لا يكون معهم سلاح.
وعلى اثر إتمام هذه العملية، نفذت وحدات الجيش ظهرا انتشارا في منطقة وادي حميد ومدينة الملاهي والمرتفعات المحيطة بهما، استكمالا لعملية احكام الطوق وتضييق الخناق على مجموعات تنظيم داعش في جرود رأس بعلبك والقاع»، بحسب بيان القيادة.
وتزامن تنظيف جرود عرسال من المسلحين للمرة الأولى منذ أربع سنوات، والتي من شأنها ان تعجل بالمعركة التي سيخوضها الجيش في جرود القاع ورأس بعلبك في خلال الساعات المقبلة، مع تسليم واشنطن، عبر سفيرتها في بيروت اليزابيت ريتشارد دفعة جديدة من المركبات القتالية من طراز برادلي وعددها 8 من إجمالي 32 مركبة ستسلم تباعا في الأشهر المقبلة، ومركبات امداد مدرعة لمدفعية الميدان إلى الجيش في مرفأ بيروت.
وأشارت ريتشارد إلى ان «خلال الأشهر القليلة القادمة، سيخضع العسكر لتدريب مُكثّف للتعرّف إلى كيفية تشغيل وصيانة هذا النظام الجديد القتالي المتطور جداً». ولفتت إلى «ان دعمنا يستند إلى مبدأ تشاركنا نفس أهداف الاستقرار والأمن في هذا البلد، وتشاركنا نظرة ان الجيش اللبناني يحتاج للحفاظ على مكانه الصحيح كموّفر وحيد لأمن واستقرار الشعب اللبناني.