لا يزال التوتر الاقتصادي بين بكين وواشنطن قائماً بعد أن كانت كل من الدولتين قد فرضت بالفعل تعريفات على السلع المتبادلة بقيمة تصل إلى 50 مليار دولار، في مارس/آذار 2018، لتعود حدة الحرب الاقتصادية إلى أشدها، في 24 سبتمبر/أيلول 2018 الساعة 04:01 بتوقيت غرينتش تحديدأً، مع بدء سريان رسوم أمريكية على بضائع صينية، فيما دخلت حيز التنفيذ رسوم “انتقامية” فرضتها بكين على منتجات أمريكية.
ويعد ذلك نذير شؤم على الإقتصاد العالمي، حيث يحذر خبراء من أن أي نزاع تجاري مطول بين أكبر اقتصادين في العالم سيؤثر في نهاية المطاف على النمو، ليس فقط في الولايات المتحدة والصين، بل وعلى الإقتصاد العالمي ككل.
الرسوم مستمرة
الولايات المتحدة، وفي تحدٍّ واضح للصين، شرعت في تطبيق إجراءات فرض رسوم جمركية جديدة بنسبة 10% على بضائع صينية مستوردة بقيمة 200 مليار دولار. إجراء لم تتأخر الصين في الرد عليه حيث أعلنت بكين عن خطوة انتقامية عبر تطبيق رسوم جمركية بنسبة 5% و10% على منتجات أميركية بقيمة 60 مليار دولار.
فيا لم يكتف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ببدء سريان فرض الرسوم الجمركية، بل هدد بأن هذه النسبة من الرسوم ستظل سارية، حتى 1 يناير/كانون الثاني 2019، وأنها سترتفع إلى 25% ما لم تتوصل الدولتان إلى صفقة أو تفاهم حول التجارة بينهما قبل بداية العام المقبل (2019)، حيث راوحت المنتجات الصينية التي فرضت الولايات المتحدة عليها رسوماً بين المكانس الكهربائية والأجهزة المتصلة بالإنترنت، في حين أن السلع الأمريكية التي استهدفتها الصين تشمل الغاز الطبيعي المسال وأنواعاً معينة من الطائرات. ووفقاً لتقرير أصدرته مجموعة “روديوم”، وهي شركة أبحاث تتعقب الإستثمارات الأجنبية الصينية، فقد تراجعت الإستحواذات الصينية والإستثمارات في الولايات المتحدة بنسبة 92% في النصف الأول من عام 2018.
وعلى الرغم من أن مسؤولا كبيراً بالبيت الأبيض قال إن الولايات المتحدة ستستمر في التواصل مع الصين من أجل التوصل لوسيلة إيجابية للمضي قدما للأمام لم يبد أي من الجانبين استعدادا للتوصل لحل وسط، حيث أشار إلى أنه “لم يتم تحديد موعد للجولة الثانية من المحادثات”، فيما قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” إن الصين “قررت عدم إرسال نائب رئيس الوزراء الصيني ليو خه إلى واشنطن هذا الأسبوع، وتتهم بكين واشنطن بعدم الصدق في المفاوضات التجارية.”
وبينما كان الرئيس ترامب يطالب، منذ أشهر، الصين بوضع حد لممارسات تجارية يصفها بأنها “غير نزيهة” وينتقد بصورة خاصة إرغام الشركات الأمريكية، الراغبة في الدخول إلى سوق بكين، على تقاسم مهاراتها التقنية مع شركاء محليين، متهما الصين بـ “سرقة” الملكية الفكرية.
بدوره قال وزيرالخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، 23 سبتمبر/أيلول 2018، لشبكة “فوكس نيوز” إن “الحرب التجارية التي تخوضها الصين ضد الولايات المتحدة مستمرة منذ سنوات”، وتابع “سنحقق نتيجة ترغم الصين على التصرف بالشكل الذي نتوقعه من قوة، قوة عالمية، الشفافية، ودولة القانون، لا يمكن سرقة الملكية الفكرية.”
من جهتها، أشارت بكين، 24 سبتمبر/أيلول 2018، إلى أن واشنطن تناقض بين تصريحاتها وأفعالها، وهذا يؤدي إلى تصعيد الحرب التجارية ويعرض التجارة العالمية للخطر، معتبرة أن الإجراءات الأمريكية تتناقض مع مبادئ منظمة التجارة العالمية.
الإقراض ثم التملك
من الواضح أن الصراع بين الدولتين سينتقل إلى ساحة جديدة، حيث تستعد الولايات المتحدة لإنشاء وكالة يمكنها استثمار ما يصل إلى 60 مليار دولار في دول العالم النامي، في محاولة لمواجهة ما تصفه واشنطن بأنه استخدام الصين للديون في الحرب الاقتصادية. صحيفة “فاينانشيال تايمز” نقلت عن عدد من المراقبين، وصفهم للخطوة بأنها أكبر تعديل في قوانين الإقراض التجاري الأمريكي للدول النامية خلال 50 عاماً، حيث من المقرر أن يتم دمج مؤسسة الإستثمار الخاص في الخارج في الوكالة الجديدة، على أن يُسمح لها بالإستثمار في الأسهم، إذ لا تستطيع المؤسسة في الوقت الحالي الإستثمار إلا في الديون مما يجعلها في موقف ضعف أمام مؤسسات تمويل التنمية الأوروبية.
وقال، راي واشبورن، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الإستثمار الخاص في الخارج، إن الصين تضع قيوداً حول الدول من خلال استخدام ما سماه برامج “الإقراض ثم التملك”، مضيفاً أن هذا بمثابة حرب اقتصادية.
إقتصاد حر ومنظم
المستشار الإقتصادي والخبير بالشؤون الصينية، منير غنيم، يرى أن الصين “دولة ذات إقتصاد مخطط ومنظم وليس إقتصاداً عشوائياً أو يملك حرية إقتصادية مطلقة لرأس المال، وبالتالي القرارات الصينية المضادة لم تكون كردة فعل لأنه في البرنامج الصيني هناك نظاماً وخططاً طويلة الأمد، إذا المسيرة الإقتصادية الصينية مبنية على أسس وقوانين، وفي حالة الولايات المتحدة فهي فقدت عناصر كثيرة من خططها الإستراتيجية وذلك لأنها تعتمد على الإقتصاد الحر وعلى رأس المال لأن المال هو الذي يحرك السياسة في الولايات المتحدة الأمريكية على عكس الصين. فالصين دولة ذات إقتصاد مخطط ومنظم كما أسلفنا، وهناك في الصين دولة مركزية لديها خطط ودراسات وتقوم بتنفيذ هذه المشاريع وفق جدولة زمنية لتحقيق أهداف قصيرة المدى وبعيدة المدى. وبالنسبة للعلاقات الإقتصادية الروسية – الأمريكية أصبحت عميقة، يعني بعد تفكك الإتحاد السوفياتي كانت هناك مرحلة ضبابية بالنسبة لدول المعسكر الشرقي، وفي هذه المرحلة الصين قررت أن تتحرك بخطوات بطيئة في اتجاه تحرير السوق والإنفتاح على العالم الإقتصادي المفتوح في الغرب، (إذ) بقي الحزب الشيوعي وبقيت الدولة المركزية قائمة ومسيطرة على النواحي الإقتصادية في البلاد وهذه أحد عناصر القوة.”
وأضاف غنيم “من المتوقع قريباً أن نرى صيغ جوابية ورد روسي – صيني منسق وأهم مرتكزاته كما قلنا الشعارات الغربية من حرية وديمقراطية والعدالة الإجتماعية يجب أن تكون بالأساس مدعومة بفكرة الدول القادرة على تحقيق البيئة المناسبة لتحقيق هذه الحريات والديمقراطيات، والدول الصاعدة مثل الصين والإتحاد الروسي والبرازيل تريد ان تفرض فكرة جديدة، وأن تفرض فكرة التعاون الإستراتيجي والإقتصادي بين الدول، وتحرير الدول من المفهوم الوظيفي التبعي دون أن يكون هناك برامج للتنمية المستدامة بين هذه الدول. لذلك، نرى أن الدول الصاعدة، وعلى رأسها روسيا والصين، قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية وحاسمة ولا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية أن تؤثر في قراراتها. بغض النظر عن الأدوات المتاحة الآن للولايات المتحدة الأمريكية في الجانب الإقتصادي من بنوك وخدمات بنكية، ولكن كل ذلك لا يؤثر على هذه الدول التي أصبحت لها بنيتها الإقتصادية الذاتية الخاصة والقادرة على نشر منظومتها الإقتصادية من بنك دولي ومن خدمات بنكية حديثة دون اللجوء إلى البنوك أو إلى المساعدات والتسهيلات الإقتصادية الغربية.”