كتبت صحيفة “الجمهورية ” تقول : ما يجب ان يعلمه اللبنانيون انّ “كورونا” لم يعد خطراً داهماً يهدّد البلد، بل صار خطراً منتشراً في الأرجاء اللبنانية، ولم يعد ثمة مجال لإغماض العين عنه، والتعامل معه باستلشاء واستخفاف واستهتار اقرب الى نحر الذات، وذروة الخطر تتبدّى في اعتباره مجرّد نكتة سخيفة يتمّ تناقلها بطريقة كاريكاتورية “مقرفة” عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك في محاولة استغباء هذا الفيروس الخبيث نفسه، والاعتقاد بأنّ اللبنانيين يمتلكون اجساماً مدرّعة يصعب على هذا الفيروس الاقتراب منها او اختراقها!
هذا الخطر يتعاظم على مدار الساعة في كل دول العالم، وعدّاد الاصابات الى تزايد في لبنان، وفاق في الساعات الماضية الـ50 اصابة، وحالات الوفاة بدأت تظهر، والجهات المعنية في الدولة ليس في يدها حيلة، وإمكاناتها أقلّ من متواضعة، وهذا يعني انّ على اللبنانيين الخروج من هذا الاستهتار، والنزول الى أرض الواقع، وإعادة برمجة حياتهم واولوياتهم والتعامل مع هذا الخطر بحجمه، وبالتالي الاعتماد على قدراتهم الذاتيّة ومواجهته او محاصرته، بما يستدعيه من إجراءات احترازية باتت إلزاميّة، وتطبيق إرشادات وقائيّة لا بدّ منها، لمنع تمكّن هذا “الفيروس” الخبيث من الجسم اللبناني.
واذا كان “كورونا” قد فرض تعطيلاً للمدارس كتدبير إحترازي كان لا بدّ منه، وكذلك حدّ من الحركة السياسية وأنزلها الى ادنى مستويات حيويتها ، بفعل الإجراءات الوقائية التي بوشر بها في المقرّات الرسمية، وتحديداً في مجلس النواب، او في صروح دينية ووزارات ومؤسسات أخرى، فإنّه سينسحب على الادارة، مع إعلان رابطة الموظّفين بالتعطيل لأيام عدة.
المصارف: ايجابيات
توازياً، برز تطور بارز على صعيد العلاقة بين المصارف والمودعين، تمثل في تسهيلات ملموسة تمّ اتخاذها بالنسبة الى رواتب الموظفين والتحويلات.
وجاءت هذه التسهيلات بعد اجتماعين عقدهما أمس، مدّعي عام التمييز القاضي غسان قليلات والمدّعي العام المالي القاضي علي ابراهيم في حضور المحاميين العامين لدى محكمة التمييز القاضيين صبوح سليمان وماري بو مراد، الأول مع المحامين الممثلين للمصارف اللبنانية، والثاني مع جمعية المصارف برئاسة سليم صفير. حيث تقرّر بناء على الاجتماعين وضع مجموعة من الإجراءات الآيلة الى تأميم سلامة القطاع المصرفي بشكل عام، في ظلّ الظروف التي يمرّ فيها لبنان، وكذلك اعتماد مجموعة من القواعد التي تحمي المودعين وتصون حقوقهم وودائعهم. حيث تلتزم المصارف، وخلال سنة كاملة، بتنفيذ الخطوات التالية:
- أولاً، التزام المصارف بدفع رواتب الموظفين بالعملة الوطنية مهما بلغت، ودفعة واحدة ودون تقسيط. بالإضافة الى الرواتب بالعملة الاجنبية.
- ثانياً، تمكين المودعين من سحب الوديعة بالعملة الوطنية مهما بلغت قيمتها.
- ثالثاً، تأمين الحوالات المالية بالعملة الاجنبية للتعليم والطبابة والاستشفاء الى الخارج.
- رابعاً، تأمين الحوالات المالية بالعملة الأجنبية للمستلزمات الطبية وغيرها من المواد التي تمّ التوافق عليها مع مصرف لبنان، وبالنِسب المُتفق عليها (بالسعر الرسمي للدولار).
- خامساً، تأمين الحوالات المالية بالعملة الاجنبية للمواد الغذائية، التي لا يتمّ تصنيعها في لبنان ( كحليب الأطفال مثلاً وغيره).
- سادساً، منع تحويل الوديعة من العملة الاجنبية الى العملة الوطنية الاّ بإذن من العميل وموافقته.
- سابعاً، حرّية التصرّف للعميل بالتصرّف بالوديعة الاجنبية النقدية كما يشاء.
- ثامناً، مبادرة المصارف إلى دفع كامل المبالغ المحوّلة من الخارج (فريش ماني) وعدم حجزها أو حجز جزء منها بأي حال من الأحوال”.
وعُلم انّ موضوع الـ”هيركات”، كان خارج البحث، على اعتبار انّه يتطلب تعديلاً دستورياً، ومن هنا لم تتمّ مقاربته.
وبحسب معلومات “الجمهورية”، فإنّ ممثلي المصارف كانوا ايجابيين جداً خلال الاجتماعات التي عُقدت، فيما جرى التأكيد على انّ التطبيق يفترض ان يتمّ فوراً، وثمة شرط قد تمّ وضعه خلال ذلك، وهو انّ اي اخلال من قِبل المصارف بما التزمت به، فإنّ القضاء سيتحرّك مجدداً ويضع يده على هذه المسألة.
ابراهيم: حقوق المودعين
وفي السياق، قال القاضي علي ابراهيم لـ”الجمهورية”: “ما تمّ التوصل اليه مع المصارف شديد الاهمية، والتزمت المصارف بتنفيذ ما تقرّر، وايجابياته سيلمسها المواطن فوراً، واستطيع القول انّ القرار الذي سبق ان اتخذناه، قد اعطى نتائجه لناحية حماية المودع وحفظ حقوقه، وعين القضاء ساهرة دائماً لحفظ كرامات الناس وحقوقهم كاملة”.
السراي .. ارتياح
الى ذلك، قالت مصادر السراي الحكومي لـ”الجمهورية”: انّ قرار عدم تسديد سندات ”اليوروبوند”، كان الخيار الأسلم امام الحكومة اللبنانية، على طريق استئصال السرطان الموجود الذي يعاني منه لبنان والمتمثل بالدين العام.
وعكست المصادر “ارتياح الرئيس دياب لردّ الفعل الشعبي الايجابي، حيال قرار عدم التسديد”. مشيرة، “انّ هذا الموقف أعطى رئيس الحكومة زخماً اكبر في أن يكمل في الاتجاه الإنقاذي للبلد الذي قرّر سلوكه”.
وحول المفاوضات مع الدائنين، اشارت المصادر، انّ “هذه المفاوضات قد بدأت فعلاً. فعشية اعلان قرار عدم التسديد، فتحت المصارف اللبنانية قنوات اتصال مع الحكومة ومع الدائنين توصلاً لحلول ومخارج. والصيغة التي تطرحها المصارف تقضي بأن تشتري المصارف جزءاً من السندات الموجودة في الخارج، وتعيدها الى لبنان، بمعنى ان تصبح السندات وطنية”.
ولفتت المصادر، الى انّ “قرار الحكومة هو اعادة هيكلة الدين العام، ومن شأن ذلك ان يوفّر على لبنان مبالغ هائلة كان يدفعها على شكل فوائد”. الّا انّها لفتت الانتباه الى انّه ”حتى هذه اللحظة ليس هناك ايّ توجّه نحو اللجوء الى صندوق النقد الدولي”.
وقالت المصادر، انّ امام الحكومة اليوم خيارين لا ثالث لهما، الاول، ان تأتي بمساعدات خارجية عبر “سيدر” وغيره، والثاني، إجراء الاصلاح الداخلي لإعادة التوازن للموازنة العامة، وهذا يعني وقف الهدر والإنفاق غير المجدي، والمعالجة السريعة جداً لموضوع الكهرباء، وكذلك مكافحة جذرية للفساد، فهو امر لا مزاح فيه. فقرار الحكومة هو اننا سنذهب الى الدولة بكل ما تعنيه هذه الكلمة. فلبنان من الآن فصاعداً لم يعد بلد الهدر والفساد.
وحول التعيينات قالت المصادر: هناك تعيينات عاجلة مثل تعيين نواب حاكم مصرف لبنان، حيث سيرفع وزير المالية في وقت قريب مجموعة اسماء، ( 3 اسماء لكل مقعد شاغر في الحاكمية)، ليصار الى اختيار نواب الحاكم الاربعة من بينهم، بمعزل عن اي تدخّل سياسي او اي حساب فئوي وحزبي، وعن اي تقييم وفق مصلحة شخصية لأحد، وسيكون المعيار شفافاً ومعلناً امام كل اللبنانيين.
واضافت، اما التعيينات الآجلة، فستكون هناك اعادة دراسة للصيغة المعتمدة في الحكومات السابقة، وبالتأكيد مع دور اساسي لمجلس الخدمة المدنية، بحيث لن يصار الى تعيين اي شخص وفق اي مزاج سياسي او ضمن منطق المحاصصة.
التشكيلات القضائية
الى ذلك، علمت “الجمهورية”، انّ موضوع التشكيلات القضائية ما زال موضوعاً على نار حامية، وانّ صدورها قد يتمّ في وقت قريب جداً.
وفيما اشارت مصادر مواكبة لهذا الموضوع الى اجتماع سيُعقد اليوم بين وزيرة العدل ماري كلود نجم ومجلس القضاء الاعلى للبحث في هذه التشكيلات، كشفت مصادر وزارية لـ”الجمهورية”، انّه “خلافاً لكل ما احاط التشكيلات القضائية من كلام وتفسيرات والتباسات، فإنّ هذه التشكيلات على طريق الصدور في القريب العاجل، وربما قبل نهاية الاسبوع الجاري.
واشارت هذه المصادر، الى “انّ مشروع التشكيلات موجود حالياً في عهدة وزيرة العدل، التي يُفترض ان تضع حولها مجموعة ملاحظات عامة، ومن دون ان تتدخل في الصيغة المطروحة من قِبل مجلس القضاء الاعلى، أو في أي من الاسماء الواردة فيه، على ان ترفعها الى رئيس الحكومة حسان دياب، الذي سيقوم بدوره بتوقيع هذه التشكيلات فور ورودها اليه، ومن دون ان يطلع على الاسماء الواردة فيها، او يسجّل اي ملاحظات او يطرح اي تعديلات على اي اسم، وتُحال بعد ذلك الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لتوقيعها.
هل يصلح العطار؟
الى ذلك، اعدّت جهة سياسية غير ممثلة في الحكومة تقريراً حول الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان، تحت عنوان “هل يصلح العطار ما افسد الدهر”، وانتهى الى مجموعة من النقاط:
- اولاً، تعليق دفع سندات اليوروبوند، كان قراراً سليماً، ينبغي ان يُستكمل بإقناع الدائنين بأنّ لبنان ملتزم بالدفع في فترة لاحقة.
- ثانياً، يجب عدم التقليل من حجم الإرث الذي أُلقي على الحكومة، ومن الطبيعي ازاء ذلك، ان تتطلب اجراءاتها الإنقاذية وقتاً وجهداً.
- ثالثاً، جانب كبير من الأزمة الاقتصادية مردّه الى المناخ السياسي الذي رعى الفساد العام، وتعطيل الاصلاحات، والقى بتداعياته السلبية على الاقتصاد بشكل عام، الى حدّ بلغت نسبة النموّ الاقتصادي ارقاماً سلبية مخيفة، فيما ميزان المدفوعات شهد نزفاً مستمراً، برغم الهندسات المالية وتشعّباتها، التي وصلت الى حد إفقاد الثقة بالعملة الوطنية، بدليل البلبلة التي تشهدها أسواق الصرف، والتي طاولت أصغر المودعين الذين باتوا محرومين من ودائعهم.
- رابعاً، الحكومة ألزمت نفسها بالعمل، لكن يد الحكومة لا تستطيع ان تصفق وحدها، فكل محاولة انقاذية قد تقوم بها تبقى بلا اي معنى، لا بل مضيعة للوقت، ما لم يلمس اللبنانيون حدوث انقلاب جذري في العقليات الحاكمة، وتوافر القرار الإنقاذي الصحيح والملزم لأصحابه قبل ايّ أحد آخر.
- خامساً، كل الخارج العربي والدولي، منصرف اساساً عن لبنان، ما يعني انّ ما يُحكى عن مساعدات خارجية غير واقعي. فكل الدول معنية بأولوياتها وبهمومها الكثيرة التي زادتها ”كورونا” تعقيداً، وخصوصا ما ادّى اليه تفشي هذا الفيروس الى هبوط حاد في الاسهم العالمية وفي اسعار النفط. وغياب هذه المساعدات، يُلزم لبنان ان ينقذ نفسه بقدراته الذاتية، والتي مع الاسف هي قدرات شبه منعدمة، وطريق الإنقاذ يوجب اولاً تحديد الخطوات الآيلة الى الحدّ من الانهيار.
مجلس الوزراء
وكان مجلس الوزراء قد درس في جلسته التي انعقدت أمس في قصر بعبدا، برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وحضور رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب والوزراء، عناوين الخطة الإصلاحية ومنها الإصلاحات الواجب اعتمادها، ولا سيما خفض الإنفاق وزيادة إيرادات الدولة واسترداد الاموال المنهوبة والاملاك البحرية والنهرية وتفعيل الالتزام الضريبي وإعادة النظر في الرسوم الجمركية وتفعيل جبايتها.
رفع عتب
وفي تقييم الجلسة، يمكن اعتبارها جلسة رفع عتب مالي تقدّم الكورونا على مداولات بندها الوحيد، وهو متابعة الوضع المالي والاقتصادي.
وفي معلومات “الجمهورية”، انّ الرئيس عون استوضح من الوزراء الأجواء التي تلت اعلان دياب تعليق دفع السندات. ودار نقاش مطول حول تطورات فيروس كورونا، وصفه أحد الوزراء بـ”السَولفات” و”الدردشات”، بعيداً عن أي قرار لا مالي ولا “كوروني”، حتى أنّ اقتراح وزير الصناعة عماد حب الله وقف الرحلات من ايطاليا، قابله طرح سريع من وزير الاقتصاد راوول نعمه وقف الرحلات من إيران، فتمّ الاتفاق على حل وسط وهو اعتماد عبارة من الدول الموبوءة. وتبلّغ مجلس الوزراء نيّة بعض الدول وقف الرحلات القادمة إليها من لبنان، كالاردن، باعتباره بلداً موبوءاً.
وبعكس ما أشيع، فإنّ مجلس الوزراء لم يوافق على قرض 39 مليون دولار للمساعدة في التصدّي لفيروس “كورونا” من اصل قرض 120 مليون دولار، من البنك الدولي مخصّص لتجهيز المستشفيات، باعتبار انّ هذا الامر يتطلب تعديل القانون المتعلق به في مجلس النواب
ولكن خلال الجلسة، تمّ التواصل مع ممثلي البنك الدولي، فتقرّر تحرير 3 ملايين دولار منه، للمساعدة في مواجهة “كورونا”.
وشكت وزيرة الشباب والرياضة فارتانيان، من عدم التزام الأندية ونوادي الـgym بوقف الأنشطة الرياضية. وسألت، كيف نفسّر لهؤلاء انّ ما يقومون به جهل وقلة وعي لمخاطر انتشار هذا الفيروس. كذلك اقترح حب الله التحدث مع الجوامع والكنائس لإلغاء الصلوات فيها، كما الغاء التجمعات والأعراس. وعرضياً تناول البحث الملف المالي.
وقالت مصادر وزارية لـ”الجمهورية”: لا مفاوضات بعد ولا كلام مع اي جهة بخصوص إعادة الهيكلة. ويبدو أنّ القرار سيُتخذ على صعيد الرؤساء الثلاثة وليس داخل مجلس الوزراء. وكشفت المصادر أنّ تعيين نواب حاكم مصرف لبنان سيُدرج على جدول أعمال مجلس الوزراء في جلسة الخميس من الاسبوع المقبل.
وفي سياق آخر، اشار بعض الوزراء، انّ المسار الذي حدّدته الحكومة لنفسها منذ البداية، وهو تغليب الأفعال على الأقوال، قد انقلب مع غياب القرارات السريعة وتحوّل الجلسات إلى “صبحيات”، وجلسات اللجان إلى “عصف فكري” وآراء متضاربة بعيداً من القرارات الحاسمة وإحداث خرق في الملفات المهمة الداهمة.
اجتماعات
الى ذلك، وفي الوقت الذي قارب فيه مجلس الوزراء الاقتراحات المطروحة بشأن الخطة الاقتصادية والمالية الجاري تحضيرها في موازاة الاستعدادات الجارية لبدء المفاوضات مع حاملي “سندات اليوروبوند”، انتقل البحث من قصر بعبدا الى السراي الحكومي، حيث استأنفت اللجنة الوزارية المكلّفة بالشأن المالي اجتماعاتها عصر امس برئاسة رئيس الحكومة، وحضور وزراء الدفاع والمالية والاقتصاد والبيئة والتنمية الإدارية، ومستشارين ماليين وقانونيين.
وقالت مصادر شاركت في الاجتماع لـ “الجمهورية”: “انّ الإجراءات التي تنوي الحكومة الإعلان عنها ليست مضمونة. وثمة حاجة الى إقرار بعض التعديلات على بعض القوانين، وكذلك اعداد مشاريع القوانين لتتلاءم مع هذه الإجراءات.
كذلك ترأس دياب اجتماعاً وزارياً في حضور عدد كبير من المستشارين من شركتي “لازار” و”كليري غوتليب” للبحث في الخطة الاقتصادية الشاملة.
وقالت مصادر المجتمعين لـ”الجمهورية”: انّ البحث يتركّز في هذه المرحلة، حول العناوين الأساسية التي ستحكم المفاوضات مع حاملي سندات “اليوروبوند”، والاستعداد لتوفير مقومات الصمود امام التحدّيات المحتملة في المفاوضات المقبلة وخصوصاً في حال لجأ بعض حامليها الى المقاضاة.