كتبت صحيفة “نداء الوطن” تقول: “كن مع حزب الله ولا تبالي”… بهذه العبارة اختصرت أوساط قانونية تعليقها على قرار كفّ التعقبات عن “جزار الخيام” عامر الفاخوري. فالحكم الذي أصدرته المحكمة العسكرية أمس وقضى بإطلاق الفاخوري وإسقاط الجرائم المسندة إليه بتهم العمالة وخطف واعتقال وتعذيب لبنانيين داخل سجن الخيام بسبب “مرور الزمن”، هو بحسب المعطيات المتوافرة لهذه الأوساط “تهريبة موصوفة” واضحة عليها بصمات السلطة التي تعاملت مع هذه القضية ليس من منطلق قانوني بحت إنما باعتبارها “بَيْعة” لواشنطن تقدّم من خلالها، في زمن الإفلاس، أوراق اعتماد “على بياض” للإدارة الأميركية علّها تمد يد العون إلى أهل الحكم الذين لم يعد أمامهم سوى التمسك بـ”قشّة” الدعم الدولي لكي لا يبتلعهم “شاروق” الأزمة الاقتصادية والمالية.
القرار الذي سرعان ما استفزّ المعتقلين السابقين في سجن الخيام وأثار انتفاضة بين نزلاء السجون ممن ينتظرون قانون “العفو” لا سيما في سجن رومية حيث ساد الهرج والمرج وافتعال الحرائق إثر شيوع خبر إطلاق الفاخوري، تؤكد المعطيات والمعلومات المتقاطعة للأوساط المواكبة لمجريات الملف أنه قرار اتخذ بموجب “تخريجة” قانونية رعاها “التيار الوطني الحر” لتأمين الإفراج عن الفاخوري بـ”قبّة باط” من قيادة “حزب الله”، كاشفةً عن “تنسيق رفيع المستوى جرى بين الجانبين لتحقيق هذا الهدف بعد أن كان الجانب الأميركي قد طلب صراحةً من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ضرورة إطلاق سراح الفاخوري، بدءاً من اجتماع الساعات الأربع الذي عقده باسيل مع المبعوث الأميركي ديفيد هيل مؤخراً، مروراً بلقائه السفيرة الأميركية السابقة في 14 شباط الفائت، وصولاً إلى اللقاء الذي عُقد قبل أيام في قصر بعبدا بين رئيس الجمهورية ميشال عون والسفيرة الأميركية الجديدة”.
وتلفت الأوساط إلى أنّ رفع “حزب الله” الفيتو الذي كان يفرضه على إطلاق سراح الفاخوري تمهيداً لعودته إلى الولايات المتحدة، جاء “على مضض” مراعاةً للتوصيات العونية التي نقلت إلى قيادة الحزب هواجس من انعكاسات سلبية لهذا الملف على العهد وعلى المساعدات العسكرية للجيش، ما يحتّم تالياً ضرورة الاستجابة للرغبة الأميركية لتوجيه رسالة “حسن نوايا” إلى واشنطن في ظل المرحلة الحساسة التي يمر بها لبنان والحاجة إلى الدعم الأميركي في عملية الاستعانة بصندوق النقد الدولي للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية من جهة، ولتجنب اتساع رقعة العقوبات الأميركية لتشمل أسماء شخصيات محسوبة على “التيار الوطني” في حال الإبقاء على الفاخوري موقوفاً أو إذا ما توفي في السجن”. فخلص التنسيق إلى أن يتولى العونيون أخذ الملف على عاتقهم واكتفاء “حزب الله” بإبداء الاعتراض والتحفظ لرفع الحرج عن كاهله أمام جمهور المقاومة والمعتقلين السابقين في الخيام.
وفي شأن قضائي آخر لا يخلو من نزعة التدخل السياسي في شؤون الجسم القضائي والعمل على تكبيل عجلاته الإصلاحية، كشفت مصادر مطلعة على ملف التشكيلات القضائية لـ”نداء الوطن” أنّ مجلس القضاء الأعلى “بعد عدة اجتماعات عقدها لمناقشة ملاحظات وزيرة العدل ماري كلود نجم على مشروع التشكيلات، بات يتجه نحو إعادة تأكيد المشروع كما أنجزه على أن يعمد إلى إرساله مجدداً إلى وزيرة العدل التي كانت قد وعدت بتوقيعه وإحالته إلى وزيرة الدفاع ووزير المالية ورئيس الحكومة ومن ثم إلى رئيس الجمهورية”.
وفي هذا الإطار، ارتسمت خلال الساعات الاخيرة أكثر من علامة استفهام حول ما إذا كانت وزيرة الدفاع زينة عكر ستتولى رفع راية “فرملة” التشكيلات بعدما استنفدت وزيرة العدل جهودها في هذا المجال، لا سيما وأنّ المصادر تنقل عن أطراف معنية بالملف إشارتها إلى “إمكانية أن تعترض عكر على إقرار التشكيلات الواردة من مجلس القضاء بحجة أنه لم يأخذ بمعيار الاستناد إلى رأي وزيرة الدفاع واقتراحها الأسماء الخاصة بقضاة المحكمة العسكرية”، وهي “حجة غير قانونية” حسبما تراها مصادر في مجلس القضاء الأعلى مؤكدةً رداً على سؤال لـ”نداء الوطن” أنّ دور وزيرة الدفاع في هذا المجال “يقتصر على مجرد الاقتراح لكن مجلس القضاء هو من يقرر”. وإذ آثرت عدم الخوض في أي جدال من هذا القبيل تكتفي مصادر المجلس بالتشديد على أنّ “التشكيلات جاءت بعيداً من السياسة ولتحقيق هدف عدم تسييسها تقرر العمل على إنجاز كل التشكيلات بالطريقة نفسها التي أحيلت بها إلى وزارة العدل”.