خاص موقع وزارة الاعلام
مع تسجيل أول حالة كورونا في لبنان خلال منتصف شهر شباط من العام الحالي، تضافرت جهود الحكومة اللبنانية لمواجهة هذه الأزمة على كافة المستويات، وتشكلت لهذه الغاية خلية أزمة إعلامية صحية، جرى ذلك خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته وزيرة الاعلام منال عبد الصمد في وزارة الاعلام والذي ضم إليها وزير الصحة حمد حسن والجهات المعنية، وكان لوزيرة الاعلام منال عبد الصمد الموقف الواضح لجهة التعامل مع الأزمة الناشئة بوعي تام، ورأت أن الاعلام يتحمل مسؤولية مضاعفة في الأزمات، مشيرة إلى الإجماع الحاصل لدى فريق خلية الأزمة على ضرورة ترسيخ البصمة التوعوية للاعلام ليضطلع بأدواره الوطنية والمهنية والأخلاقية على أكمل وجه .
خلية الأزمة الحكومية لمواجهة جائحة كورونا قامت بواجبها وكثفت من جهودها على الصعيد الصحي والتربوي والاعلامي، لكن، مهلاً، ماذا عن دور الوسائل الاعلامية في لبنان على مختلف توجهاتها هل استطاعت أن تواكب هذه الأزمة بالوعي المطلوب ؟.. للاجابة على مجموعة تساؤلات تتناول هذا الموضوع طرح موقع وزارة الاعلام هذه الاسئلة على الباحثة في علوم الاعلام والاتصال الدكتورة نهوند القادري وكان معها هذا اللقاء.
هل استطاع الاعلام في لبنان أن يتسلح بالاخلاقيات الاعلامية المفترضة لمواجهة أي أزمة صحية كانت أو بيئية ؟
لقد فرض فيروس كورونا نفسه على العالم بأسره و أصبح بذلك أزمة عالمية لها ارتداداتها على الصعيد الصحي والاجتماعي والاقتصادي، فبرزت معه أسئلة عديدة حول الحاجة الملحة لإعلام متخصص بالشأن الصحي والبيئي يكون قادرا على التكيف السليم مع هذا الوباء ؟
– فهل استطاع الأداء الاعلامي في لبنان أن يتأهل لمواكبة القضايا الصحية في الأزمات الكبرى أم أن القضايا السياسية تبقى هي الغاية الفضلى والهوى الغالب ؟
– عن أهمية الدور الإعلامي اللبناني في مواكبة جائحة كورونا ؟
– عن مواصفات هذا الدور وأخلاقياته ومهاراته وألية محاكاته لعوامل الاستقرار والأمن الصحي والاجتماعي حدثتنا الاستاذة الجامعية والباحثة في الاعلام والاتصال في الجامعة اللبنانية د. نهوند القادري.
وقالت إن أزمة كورونا ذات بعد كوني فرضت بدورها حاجة ماسة لوجود إعلام متخصص يواكب هذه الأزمة ، ورأت أنه كي نكون دقيقين من الأفضل عند الكلام عن الإعلام أن لا نستعمل كلمة إدارة الأزمة لأن لإدارة الازمة أبعادا متشعبة ومتداخلة (صحية، اجتماعية،سياسية، نفسية ، اقتصادية حقوقية ، ثقافية ..الخ وهذا ما لا تقوى جهة واحدة عليه ، لا سيما في عصر الفضاء المفتوح ، وتداخل العالم الواقعي بالعالم الافتراضي .
وأضافت القادري أن الاعلام المتخصص هذا لابد أن يتسم بمواصفات ،ويمتلك أدوات تمكَنه من مواكبة الأزمة ، وهي عديدة لكن نوجزها بالسمات التالية :
أولا، يجب ان يكون لهذا الاعلام بعداً معرفياً واضحاً وملموساً ، وهذا البعد له أدواته كي يتحقق من أبرزها : توفر اهل الاختصاص ، حرية الوصول الى المعلومات ، مهارات التأكد من موثوقية مصادر المعلومات ، مهارات إبراز المعلومة بشكل منهجي واضح ومختصر ،عدم الثرثرة وعدم التكرار.
البعد الثاني هو البعد المهني ، وهنا يجدر بنا التوقف أمام هذا البعد الذي غدا محاطاً بالعديد من الأوهام والمغالطات التي هي أشبه بشعارات براقة ترفع وهي فارغة المضمون. . لأن الخبر هو عمل بنائي قائم على انتقائية مبررة ولها اعتباراتها عند كل من يعمل في هذا المجال . وليس انعكاسا للواقع كما هو ولا نقلا للحقيقة كما هي. ما يعني أنه آن الأوان لإعادة النظر في المنطلقات المفاهيمية التي ترعى آليات العمل الاعلامي ، وبالتالي إعادة النظر في الإعداد والتدريب الأكاديمي للعاملين في الحقل الإعلامي
البعد الثالث ، البعد الأخلاقي ، المرتبط بالمواثيق والأخلاقيات الإعلامية التي تعرضت في العقود الاخيرة لاهتزاز بفعل التطور التكنولوجي والإتصالي المتسارع ، وبفعل توغل اقتصاد السوق في مختلف تفاصيل الحياة البشرية ، وبفعل الماكينة التسويقية التي هيمنت ومأسست الكلام خارج الأطر الأكاديمية المعنية بالأخلاقيات .وبفعل تداخل السياسة ، بالبزنس بالإعلام
والبعد الرابع هو البعد التفاعلي مع المجتمع بمختلف قطاعاته المدنية بما فيها تلك المهمشة، وهنا كلما كان التفاعل مع قطاعات المجتمع فعالاً كلما كان الإعلام متصلاً بالواقع . في حين أنه لو تفاعل مع السلطة ومع المقتدرين مالياً فقط لبدا إعلاما مجتزءا منقوصاً وزائفاً الى حد ما.
هل يتمتع الإعلام في لبنان بمواصفات تؤهله لمواكبة الأزمات ؟
تصعب الإجابة بنعم أولا على هذا السؤال الإشكالي،قالت القادري، والأسباب عديدة برأيها: فالاعلام في لبنان نتيجه خبرته الطويلة وتنوعه وتبايناته ، وسياقاته المحلية والاقليمية بل وحتى العالمية لديه مواصفات تمكنه أحيانا من مواكبة جزئية للأزمات . لأن الأمر يرتبط بعوامل عديدة من أبرزها : قوننة العمل الإعلامي في لبنان خصوصاً عقب الحرب الأهلية والتي قامت على المحاصصة المذهبية والسياسية الخ ما يعني أن ازمة الإعلام في لبنان هي جزء لا يتجزأ من أزمة النظام السياسي اللبناني المعطوفة على أزمة اقتصادية خانقة ، مرتبطة بالخارج وبالإقليم وبالصراعات التي تعصف بالمنطقة .هذا عدا عن تداخل الإعلام اللبناني بالاعلام الخليجي والحاجات المتبادلة بينهما . عدم ارتقاء الإعلام في لبنان إلى مستوى الإعلام المؤسساتي ، واقترابه من كونه إعلاماً لأشخاص لديهم بيزنس سياسي واقتصادي . مع ما يجر ذلك من عدم حصانة للإعلاميين وعدم أمان وظيفي وقتل لحس المبادرة في حال وجدت . لا يكفي أن نسلم المراسل أو المراسلة الميكرو ونطلب منه التغطية دون تدريب ودون تأهيل ، ليذهب بدوره ويسلمه للناس كيفما كان ، ونقول هذا إعلام حقيقي وواقعي.
مشيرة إلى الضياع والبلبلة والاهتزاز في معايير العمل الإعلامي التي سببتها الثورة التكنولوجية والإتصالية و من أبرز تجلياتها : ضغط السرعة والمباشر والسريع والملح ، والغرق في لجة المعلومات المتضاربة ، والوقوع ضحية التضليل وحروب المعلومات المحيطة بنا من كل حدب وصوب .
كيف تنظرين للأداء الاعلامي في لبنان في مواجهة وباء كورونا ؟
تعاطي الإعلام اللبناني مع الأزمة المرتبطة بوباء الكورونا في لبنان لم يكن واحداً ، واختلف باختلاف المحطات والوسائل والمواقع ، بحيث بدا المشهد ، على الرغم من النوايا الطيبة للعديد من الإعلاميين الجادين ، مشهداً غير منتظم ، تختلط فيه الجدية بالإثارة ، الخاص بالعام بالحميمي السياسي بالصحي بالاقتصادي، الترويج الذاتي ، بالترويج التجاري ، بالتوعية ، التحذير بالتخويف بالإهانة ، بعدم مراعاة المشاعر، الكلام الشعبوي بالكلام النخبوي .
ماهو السبب برأيك ؟
غياب الرؤيا لدى القيمين على الوسائل الإعلامية، غياب خلية الأزمة التي يجب أن تكون متوفرة ومجهزة مسبقاً ومدربة لهذا الغرض ، الانقسامات السياسية الحادة والتصميم على التصويب على طرف دون غيره ، فضلاًعن الأنا المتضخمة لدى البعض القائمة على الاستعراض الممنهج والشعبوي أحياناً ، وضربت القادري مثلاً بقولها أنه بمجرد ما انشغل بعض الإعلام بالتشديد على المكان والمصدر الذي أتى منه الوباء ، وعلى هوية وطائفة المصاب به بل حتى على تسميته يؤشر على أن المنطلق هو منطلق عنصري ، مذهبي طبقي لا أخلاقي ، لكون المصاب ليس مجرماً ولا متهما لتتم إدانته والتشهير به وبالبيئة التي ينتمي اليها ومجرد ما نستغل المرض لنروج لسلعة أو لخدمة مدفوعة دون غيرها يعني استغلالاً لآلام الناس ولعذاباتهم من أجل جني الأموال ومراكمة الثروات.
وأضافت القادري ، مجرد ما نرسل المراسلين إلى أماكن متفرقة ليقفوا في الشوارع ويبينوا لنا انها فرغت من الناس كي يعبؤا الهواء، ليعطوا الانطباع بجهوزيتهم الإعلامية دوما وأبداً لمواكبة الحدث ولتسجيل نقاط بعضهم ضد البعض الاخر ،يصنف ذلك في خانة الترويج الذاتي ، لان هكذا معلومة يمكن اخذها بموثوقية من قوى الأمن
مجرد ما نطلق الأوصاف على الوزراء وعلى الأجهزة الحكومية التي تقوم بدورها في ظل الإمكانات المحدودة للدولة اللبنانية بطريقة استعلائية ولا أخلاقية تحت عنوان حرية التعبير، التي بالمناسبة لطالم تم الخلط بينها وبين حرية الإعلام ؛ حرية الإعلام تعني أنك مسؤول أمام الجمهور امام المصدر الخ، بينما حرية التعبير انت مسؤول امام نفسك، ورأيك يلزمك لوحدك ذلك لا يعني ، تضيف القادري ،أنه ليس هناك من إعلاميين مسؤولين وجادين واكبوا هذه الأزمة بأخلاقية ومناقبية عالية
ماذا عن مستقبل الإعلام في لبنان ،عن تطور أدائه ومهاراته ؟.
رأت القادري أن مستقبل الأداء الاعلامي في لبنان مرتبط بمستقبل النظام السياسي ، والنظام الاقتصادي والتطور الاجتماعي والثقافي والتعليمي.وقالت في هذا السياق أجد من الضرورة بمكان العمل على تحديث القوانين التي ترعى العمل الإعلامي، وعلى إعادة النظر في البرامج والمناهج الأكاديمية والتعليمية لا لتلهث وراء السوق الإعلامية وتواكبها إنما لترفع من مستواها وتؤسس لمفاهيم ومنطلقات جديدة ترعى آليات العمل الاعلامي وتعطي معاني جديدة لنا حول الحرية الموضوعية الحيادية، المسؤولية ، الاخلاق الاعلامية الخ
وختمت القادري بالدعوة الحثيثة للعمل على تطوير الإعلام الرسمي من خلال تفعيل دور وزارة الاعلام، مديرية الدراسات، الوكالة الوطنية، تلفزيون لبنان، الاذاعة اللبنانية ، المجلس الوطني للاعلام ، وإبعادهم عن نظام المحاصصة المقيتة التي قوضت أركان الدولة اللبنانية.
حاورتها: زينب اسماعيل – موقع وزارة الاعلام – مديرية الدراسات والمنشورات اللبنانية.